النفسية شائعةً فيجب التنبه إليها ومعالجتها ليعود الفرد على مسار الحياة الصحيح، فما هي أهم أعراض المرض النفسي؟
المرض النفسي أو الاضطراب العقلي هو اصطلاح يطلق على مجموعة من اضطرابات الصحة العقلية التي تؤثر في طريقة تفكير، وشعور، ومزاج، وتصرفات الشخص، وقد يكون هذا الأمر عَرَضي وقد يكون مزمنًا، وقد يؤثر على قدرة الشخص على التعامل مع الآخرين وعلى قدرته على أداء مهامه اليومية.
ومن الأمثلة على المرض النفسي الاكتئاب، واضطرابات القلق، والفصام، واضطرابات الطعام أو الشهية، والسلوكيات المسببة للإدمان، ولكن ما هي أعراض المرض النفسي؟
أعراض المرض النفسي
تختلف أعراض المرض النفسي تبعًا لاختلاف نوع المرض وشدته، وفيما يأتي نذكر أبرز الأعراض عند كل من البالغين والأطفال:
1. أعراض المرض النفسي عند البالغين
وفيما يأتي نذكر أهم أعراض المرض النفسي لدى البالغين:
الشعور بالحزن والكآبة.
تشوش التفكير وضعف القدرة على التركيز.
الخوف المفرط، أو القلق المفرط، أو الشعور الكبير بالذنب.
تغيرات شديدة في المزاج.
الابتعاد عن الأصدقاء وممارسة النشاطات.
تعب شديد، أو انخفاض في الطاقة، أو مشاكل في النوم.
الانفصال عن الواقع، أو الوهم أو الهلوسة.
عدم القدرة على التغلب على المشاكل والضغوطات اليومية.
صعوبة استيعاب المواقف والأشخاص.
وجود مشكلات بسبب الكحول أو المخدرات.
تغيير كبير في العادات الغذائية.
تغيير في الدافع الجنسي.
الغضب الشديد، أو العدائية، أو العنف.
التفكير في الانتحار.
ومن الجدير بالذكر أنه قد تظهر الاضطرابات النفسية على شكل أعراض جسدية أيضًا، مثل:
مشاكل جسدية لا تجد سبب أو تفسير لها.
اضطرابات في النوم.
تغير في الوزن والشهية.
الخمول أو التوعك.
2. أعراض المرض النفسي الخطيرة
في بعض الحالات قد تظهر على المريض أعراض خطرة قد تهدد الحياة، وفي حال وجود هذه الأعراض أو أحدها يجب التدخل فورًا وطلب الرعاية الطبية، وتشمل هذه الأعراض ما يأتي:
كون المصاب خطرًا على نفسه أو على الآخرين سواءً بوجود سلوكيات انتحارية، أو التهديد.
عدم القدرة على الاهتمام باحتياجات المرء الأساسية.
وجود رضوض أو أذى، مثل: تشوه في العظام، والحروق، وإصابة في العين، وغيرها.
3. أعراض المرض النفسي عند الأطفال ما قبل المراهقة
قد يصيب المرض النفسي الأفراد من مختلف الأعمار، وتظهر الأعراض على الأطفال في سن ما قبل المراهقة بالشكل الآتي:
تغير في الأداء الدراسي وتراجعه.
عدم القدرة على التغلب على المشكلات اليومية.
التغير في النوم أو العادات الغذائية.
الشكوى الزائدة من وجود مشكلات جسدية.
الخوف الشديد من اكتساب الوزن.
الابتعاد عن الأصدقاء والنشاطات.
تحدي السلطات، أو التغيب عن المدرسة، أو السرقة، أو تكسير الممتلكات.
مزاج سلبي لفترات طويلة يترافق غالبًا مع ضعف الشهية وأفكار تخص الموت.
فورات غضب متكررة.
تعاطي المخدرات أو الكحول.
4. أعراض المرض النفسي عند الأطفال الأصغر عمرًا
ومن أبرز هذه الأعراض ما يأتي:
تغير في الأداء الدراسي وتدني التحصيل بالرغم من بذل مجهود كبير.
فرط النشاط.
القلق المفرط.
الكوابيس المستمرة.
العصيان المستمر، والسلوك العدواني.
نوبات غضب متكررة.
<<
اغلاق
|
|
|
ما هي الظروف التي من شأنها أن تجعلك أكثر حاجة للاستعانة بالأخصّائي النفسي.
مع تقدّم تقبّل المجتمع لأهمية العلاج النفسي ولكونه لا يقتصر على المرضى عقليًا، بات من الصعب تحديد متى يجب اللجوء إليه، بدورنا أحضرنا لكم مجموعة حالات تقتضي أن تلجأ للعلاج النفسي في ما يأتي:
حالات تقتضي أن تلجأ للعلاج النفسي
إليك بعض الحالات التي من شأنك أن تعيشها وتعني الحاجة لمراجعة طبيب ومستشار نفسي في ما يأتي:
1. الشعور بالغربة عن ذاتك والحزن والغضب
ويفسر ذلك من خلال ما يأتي:
الشعور بالحزن، أو الغضب، أو اليأس والبؤس يعد مؤشرًا على وجود مشكلة ما في الصحة العقلية خصوصًا إن لم تكن قادرًا على السيطرة عليه.
البدء بملاحظة أنك تنام أكثر أو أقل من المعتاد بشكل واضح، أو بت تفقد اهتمامك خلال المشاركة مع جلسات الأصدقاء والأهل، وهنا يمكنك أن تشارك ذلك مع أحد الأصحاب المقربين.
تفاقم المشاعر والبدء بالشك في جدوى الحياة أو تبادرت إلى ذهنك بعض الأفكار حول الموت والانتحار حينها يجدر بك مراجعة الأخصائي النفسي على وجه السرعة.
2. اللجوء إلى الطعام، أوالجماع، أو الكحول، أو المخدرات
يصنف ذلك ضمن مجموعة حالات تقتضي أن تلجأ للعلاج النفسي على وجه السرعة في حال أنك:
بدأت تسيء استخدام الأشياء من حولك وبدأت تبدي نوعًا من التعلق والاعتماد عليها للتأقلم مع ظروفك الشخصية.
شعورك ببداية الاعتياد والإدمان على الطعام، أو الجماع، أو الكحول، أو المخدرات، أو غيرها.
3. فقدان شخصًا عزيزًا أو شيئًا يهمّك
أحيانًا قد تكون علاقاتنا مع الأشخاص والأشياء من حولنا أساسية في علاقتنا مع أنفسنا أيضًا، لذا في هذه الحالات قد تؤدّي خسارتنا لهذه العلاقات نوعًا من الزعزعة في أنفسنا وثباتنا العاطفي والنفسي.
في حال عشت مؤخرًا حالة من خسارة شخص عزيز سواء بسبب الموت أو الانفصال، أو طردت من وظيفة طالما أردتها قد تكون في حاجة لإعادة ترتيب أفكارك وحياتك بمساعدة مختص نفسي.
4. التعرض لحدث مؤلم أو مخيف
إذا حدث ونجوت مؤخرًا من حادث طرق، أو انفجار خطير، أو أصبت أنت أو أحد قريب لك بمرض مزمن وخطير فقد تحتل هذه الأحداث المهمّة مساحة كبيرة من حياتك وتترك أثرًا كبيرًا في نفوسك.
لذا في حال مررت بأمر كهذا تحدّث إلى أصدقائك المقرّبين وافحص إمكانية التوجه لطلب المساعدة من مختص، أحيانًا قد تظنّ الأمر عابرًا فتكتشف أنه من ضمن حالات تقتضي أن تلجأ للعلاج النفسي بأقرب وقت ممكن.
5. عدم القدرة على فعل ما كنت تحب
سواء كان ذلك لفقدان اهتمامك بالأمر بشكل غير مبرر، أو لحدوث ما يمنعك عن القيام بممارسة ما كنت تحب كمرض أو إعاقة مثلًا، عندها يجدر بك أن تتوجّه إلى مختص نفسي.
سيقوم المختص بدوره بمساعدتك على فهم عدم اهتمامك وحالتك المزاجية من أين تنبع أو يساعدك من أجل تحجيم تأثير الإعاقة والمرض على عقلك وصحتك النفسية.
هل هناك توقيت محدد للعلاج النفسي؟
تتلخص الإجابة بما يأتي:
يوجد حالات تقتضي أن تلجأ للعلاج النفسي وطلب المساعدة من أخصائي نفسي علاجي، لكن الحقيقة أن غالبية البشر يستطيعون الاستفادة من اللقاءات العلاجية معه.
قد يغنيك عن الحاجة للعلاج النفسي وجودك برفقة نظام دعم يكوّنه الأصدقاء من أصحاب المقدرة الإدراكية العالية خصوصًا إن كنت أنت نفسك ذا مهارات إدراكية مميزة.
قد تمرّ أحيانًا بظروف تطلّب منك أن تتوقف عندها قليلًا وتطلب الرعاية لمواجهتها مهما كنت على معرفة ووعي لنفسك مما يعني أنّ التوقيت يتعلّق بالأساس بما يمرّ معك خلال حياتك.
العلاج النفسي فعال أكثر ممّا تتصوّر
على الرغم من أنّ العلاج النفسي لا يزال استخدامه في مجتمعنا من أجل معالجة الأمراض العقلية المعقدة، إلا أنه تبين أنّ معظم الناس الذي تعرضوا لحالات تقتضي أن تلجأ للعلاج النفسي يشعرون بالتحسن في غضون 7-10 لقاءات مع المعالج النفسي، وأن غالبية الذين مرّوا بتجربة علاج نفسي لاحظوا تحسّن منذ الجلسة الأولى فقط.
وبالطبع فإنّ الأمراض العقلية تحتاج إلى مواكبة أطول من العلاجات النفسية القصيرة، كما أنّه قد يتخللها علاجات طبية دوائية وجراحية أيضًا، إلّا أنّ ذلك لا يقلل من جدوى العلاج النفسي في هذه الحالات أيضًا.
<<
اغلاق
|
|
|
أكثر عن الموضوع.
يوجد عدد من أعراض المرض النفسي عند المراهقين التي يمكن ملاحظتها عليهم، تابع المقال الآتي لتعرف أكثر عن الموضوع:
أعراض المرض النفسي عند المراهقين
يُعد تقلب المزاج من الأمور الطبيعية لدى المراهقين، ولكن في بعض الأحيان قد تظهر بعض الأعراض التي تدل على مشكلات أكثر خطورة مثل المرض النفسي.
يعد المرض النفسي من الأمراض الشائعة لدى المراهقين وعادةً ما يتم علاجه بعدد من الطرق، إنما تكمن الصعوبة في تشخيص المرض بدقة.
تنتشر الأمراض النفسية بما نسبته 16% من الأمراض الأخرى، وتعد فئة المراهقين أحد أكثر الفئات إصابة بهذا المرض.
تعد فترة المراهقة من الفترات المهمة التي تحدث فيها مجموعة من التغيرات الجسمية، وقد تسبب العديد من العوامل البيئية مثل الفقر والتعرض للإساءة والعنف إلى التأثير على شخصية المراهق بشكل كبير ما يؤدي إلى الإصابة بأحد الأمراض النفسية.
يوجد عدد من أعراض المرض النفسي عند المراهقين والتي تصنف على أنها أعراض عامة، نذكر منها ما يأتي:
1. اضطرابات عاطفية
إذ يظهر على المراهقين المصابين بهذه المشكلة تغيرات سريعة وغير متوقعة في الحالة المزاجية من الفرح إلى الغضب ثم الحزن وهكذا.
2. الذُهان
يشيع حدوث هذا العرض في نهاية فترة المراهقة، إذ يصاب المريض بالهلوسة والأوهام وغالبًا ما تؤدي إلى الشعور بالذنب والانعزال عن الحياة الاجتماعية.
3. محاولة إيذاء النفس
يعد الانتحار من الأمور الشائعة بين المراهقين، ويكون ذلك عادة نتيجة عدم تقديم أية رعاية أو مساعدة لهذه الفئة لمساعدتهم على تخطي الحالة.
4. تغير في عادات الأكل
تؤثر اضطرابات الأكل على الإناث بشكل أكبر من الذكور، وتتفاوت من فقدان الشهية إلى الإصابة بالشره العصبي.
5. أعراض أخرى
وتشمل عدم الاهتمام بالهوايات والنشاطات الترفيهية، وعدم الاهتمام بالأصدقاء، والشعور المستمر بالذنب، وانخفاض في التركيز.
من المهم معرفة أن أعراض المرض النفسي عند المراهقين يجب أن تستمر لفترة طويلة تتراوح من أسابيع إلى شهور، حتى يتم اعتبارها أحد أعراض المرض النفسي.
أعراض المرض النفسي تبعًا لنوع المرض
يوجد عدة أنواع من الأمراض النفسية، ويتم تشخيص الحالة عادةً تبعًا للأعراض الظاهرة على المراهق، نذكر من هذه الأعراض ما يأتي:
1. أعراض الاكتئاب
وتشمل ما يأتي:
فقدان الاهتمام بنشاطات وهوايات كان يستمتع بالقيام بها من قبل.
تغير في بعض أنماط الحياة، مثل: الطاقة، والتركيز، والنوم.
تغير في العادات الاجتماعية، مثل: الابتعاد عن العائلة والأصدقاء وأية نشاط يكون فيه تجمع لمجموعة من الأشخاص.
الشعور المستمر بالحزن.
اليأس والتشاؤم المستمر.
تغيرات في الشهية والوزن بشكل غير مبرر.
2. أعراض اضطراب القلق العام
وتشمل ما يأتي:
الشعور بضيق وقلق مستمر.
التعب بسهولة.
قلة التركيز.
اضطربات في النوم، مثل: عدم القدرة على النوم، أو النوم لفترات طويلة مع عدم الشعور بالراحة.
الخوف من الإحراج.
الإصابة بالغثيان عند التحدث مع الآخرين.
عوامل تزيد احتمالية الإصابة بالمرض النفسي
يوجد مجموعة العوامل التي تزيد احتمالية إصابة المراهق بأحد الأمراض النفسية، نذكر منها ما يأتي:
1. الإفراط في تناول الكحول
ويعد ذلك منتشرًا بنسبة أكبر عن الذكور، إذ بلغت نسبة المراهقين الذين يتناولون الكحول بشكل متكرر 13.6%.
2. التدخين
إن أول سيجارة لمعظم الأشخاص المدخنين حاليًا كانت في فترة المراهقة.
تشخيص المرض النفسي عن المراهقين
يتم تشخيص المرض النفسي عند المراهقين تبعًا للأعراض الظاهرة على المريض ومدى على تأثيرها على حياته اليومية.
يتم عرض المراهق على أحد الاختصاصيين النفسيين حيث يعمل على تقييم عدة أمور، نذكر منها ما يأتي:
معرفة تاريخ الإصابات الجسدية أو الصدمات العاطفية.
التاريخ العائلي للصحة الجسدية والعقلية.
مراجعة الأعراض والمخاوف العامة مع الوالدين.
إجراء مقابلة مع الوالدين.
التحدث مع المراهق وملاحظة ردود فعله.
تقديم استبيانات موحدة للمراهق ووالديه.
علاج المرض النفسي عند المراهقين
يتم علاج المرض النفسي عند المراهقين بطريقتين رئيستين، كما يأتي:
1. العلاج النفسي
ويتضمن ذلك جلسات للتحدث مع طبيب نفسي حول عدة مواضيع مثل الهوايات والأنشطة التي يحبها المراهق إضافة إلى المخاوف التي يعاني منها، إذ يساعد ذلك على تنمية القدرة على التعبير عن الرأي والأفكار والمشاعر.
2. تناول الأدوية
قد يصف الطبيب في بعض الحالات بعض الأدوية المنشطة أو أدوية الاكتئاب أو الأدوية المضادة للقلق للتخفيف من الأعراض الظاهرة.
<<
اغلاق
|
|
|
بشكل خاص على وحدة الجسد والنّـَفـْس والتأثيرات المتبادلة بينهما، كما أنها حالة نفسية تؤدي إلى أعراض جسدية وغالبًا دون أي تفسير طبي حيث يمكن أن تؤثر على أي جزء من الجسم تقريبًا، ويميل الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب إلى السعي للحصول على رعاية طبية متكررة ويصابون بالإحباط دون التشخيص.
وفي موازاة التقدم الذي حققه العلم في القرن الأخير اختلف تدريجيًا المفهوم الذي يُعتقد بأن للمرض مسببًا واحدًا إلى مفهوم يُعتقد بتعدد الأسباب التي تجتمع معًا فتسبب مرضًا معينًا.
ومن الأسئلة التي تمّ طرحها في هذا المجال:
ما هي المتغيرات التي تسبب ظهور مرض ما؟
ما هي العلاقة المتبادلة بين المتغيرات النفسية والاجتماعية مثلًا وبين المرض؟
ما الذي يؤثر على ظهور مرض محدد لدى شخص معين دون آخر؟
أعراض الأمراض النفسية الجسدية
ربما لم تفكر كثيرًا في الطرق الفريدة التي يتجلى بها التوتر جسديًا، ولكن قد يكون من المفيد أن تتعلم كيفية التعرف عندما تكون تحت ضغط شديد فبمجرد تحديد العلامات يمكنك العمل على تقليل تأثير التوتر على صحتك، وتشمل أبرز الأعراض ما يأتي:
1. الأعراض حسب الجنس
قد تختلف الأعراض بناءً على ما إذا كنت ذكرًا أم أنثى، فعلى سبيل المثال غالبًا تُعاني النساء من أعراض، مثل: التعب على الرغم من حصولهن على قسط كافٍ من النوم، والتهيج، وانتفاخ البطن، وتغيرات في فترة الحيض.
من ناحية أخرى من المرجح أن تشمل علامات وأعراض الإجهاد لدى الرجال ألم الصدر، وزيادة ضغط الدم، والتغيرات في الدافع الجنسي.
2. الأعراض حسب العمر
تختلف أعراض الإجهاد أيضًا حسب العمر، في الآتي التوضيح:
أعراض في مرحلة الطفولة
حيث غالبًا يُظهر الأطفال الإجهاد من خلال أجسادهم لأنهم لم يطوروا بعد اللغة التي يحتاجونها للتعبير عن شعورهم، فعلى سبيل المثال قد يُعاني الطفل الذي يواجه صعوبة في المدرسة من آلام متكررة في المعدة وقد يتم إرساله إلى المنزل أو طلب البقاء في المنزل.
أعراض مرحلة المراهقة
يمكن أن يكون الإجهاد في سنوات المراهقة شديدًا بشكل خاص وخاصةً خلال فترات التكيف الاجتماعي الكبير والتحولات الهرمونية، وفي بعض الأحيان قد يتم تجاهل علامات التوتر لدى الأشخاص في هذه الفئة العمرية أو تُنسب إلى قلق المراهقين والذي هو الحقيقة علامة على اكتئاب المراهقين.
أعراض كبار السن
كبار السن أيضًا عرضة للاكتئاب؛ لأنهم غالبًا يواجهون العديد من العوامل المركبة، مثل: العزلة، والفقد، والحزن، والمشاكل الصحية المزمنة أو الخطيرة.
إذا كنت ترعى شخصًا محبوبًا متقدمًا في السن، فتأكد من معرفة علامات الاكتئاب لدى كبار السن.
3. أعراض أخرى
وتشمل أبرز الأعراض ما يأتي:
شعور غريب بالمعدة.
تسارع في دقات القلب.
تعرق في راحتي اليدين.
توتر العضلات.
أسباب وعوامل خطر الأمراض النفسية الجسدية
في الآتي توضيح لأبرز أسباب وعوامل الخطر:
1. أسباب الأمراض النفسية الجسدية
وتشمل ما يأتي:
الأحداث الحياتية المختلفة، مثل: الحزن الشديد، أو الطلاق، أو الفصل من العمل.
تغيّرات في عمليات النقل العصبي وعلاقتها بالتغيرات التي تطرأ في القلب والأوعية الدموية، وكذلك في الجهاز الهضمي والجلد.
وجود مسبّبات إمْراضية، مثل: الفيروسات، والجراثيم، والملوثات البيئية.
2. عوامل خطر الإصابة بالأمراض النفسية الجسدية
وتشمل ما يأتي:
أمراض الجهاز القلبيّ الوعائيّ
تُعد أمراض القلب أكثر الأمراض إماتةً في الدول المتقدمة، حيث أنه نحو الرُبع من مرضى احتشاء عضلة القلب يصابون بالاكتئاب، والذي يتسبب بما يأتي:
زيادة خطر الإصابة المتكررة باحتشاء عضلة القلب.
تشويش عمل جهاز الغدد الصمّ مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الكاتيكولامينات (Catecholamines) وخلل في عملية استقلاب (Metabolism) الدهون. زيادة تراكم صُفيحات الدم وإعاقة عمل الجهاز العصبي المستقل.
إن الأشخاص الذين شخصيتهم تتمتع بقلة الصبر، والتسرّع، والعدوانية بشكل خاص هم معرضون بشكل كبير للإصابة بمرض القلب التاجي (Coronary heart disease).
أمراض الجهاز الهضميّ
إن الجهاز الهضمي شديد التأثر بحالات الكَرْب والإجهاد والحساسية فعلى سبيل المثال هناك علاقة وثيقة بين الاضطرابات النفسية ومنها اضطرابات الاكتئاب والقلق على وجه الخصوص وبين ظهور متلازمة القولون المتهيّج.
كما وُجدت علاقة متينة بين إفراز أحماض المعدة والببسين وبين حالات التوتر والكَرْب والإجهاد الحاد، ففي حالات الكرب والإجهاد المزمنة يطرأ هبوط في نشاط الجهاز المناعي مما يرفع مستوى الحساسية لظهور التقرح.
حيث تبين أن ثمة علاقة سببية بينه وبين الإصابة بعدوى جرثومة المَلْوِيَّة البَوَّابية (Helicobacter pylori)، كما وُجِدَت لدى بعض المرضى المصابين بالتهاب القولون التقرّحي (Ulcerative colitis) النازف مزايا الشخصية الوسواسية القهرية، فيما وُجِد اضطراب الهلع لدى 23% من المرضى المصابين بداء كرون قبل ظهور أعراض المرض.
أمراض الجهاز التنفّسيّ
يصاب نحو 30% من مرضى الربو باضطراب القلق حيث أن الخوف والقلق يسببان ضيق النفس مما يسرّع ظهور نوبات الربو، كما أن للقلق الشديد علاقة مع ازدياد حالات الاستشفاء والوفاة.
وقد وُجد أن الذين يصابون بالقلق الشديد، والتقلب المزاجي العاطفي، والحساسية تجاه الرفض والنفور وصعوبة الاستمرار في أوضاع صعبة وقاسية يميلون إلى تناول كميات أكبر من الأدوية، مثل: الستيرويدات والموسّعات القصبيّة، كما يحتاجون إلى الاستشفاء لفترات طويلة ومتواصلة أكثر مما تبيّنه اختبارات التنفّس.
أمراض جهاز الغدد الصمّ
لُوحظ لدى مرضى متلازمة كوشينغ التي تتميز بفرط إفراز هُرمون الكورتيزول (Cortisol) انتشار اضطرابات نفسية مختلفة، وذلك بدءًا بالاكتئاب الحاد وحتى الذُهان النفسي.
تزيد اضطرابات الغدة الدرقية من مخاطر نشوء مجموعة واسعة من الاضطرابات النفسية ومنها: الهلع، والقلق العام، والاكتئاب الكبير، ورُهاب المجتمع، والوسواس القهري.
الأمراض الجلدية
المرضى المصابون بالالتهاب الجلدي العصبي (Neurodermatitis) والذي هو مرض جلديٌ مزمنٌ يتَّسم بالحكة والالتهاب معرضون للإصابة بالاكتئاب والقلق، اللذين يفاقمان حدة الأعراض والشعور بالألم.
أما مرض الصدفيّة والذي هو مرض جلديّ مزمنٌ أيضًا فقد يُسبب الكَرْب والإجهاد، وقد تبين أن هؤلاء المرضى يصابون كثيرًا بالاكتئاب، كما قد وجد أن حدة الإصابات أو البقع تتناسب بصورة طردية مع الاكتئاب، والأفكار، والميول الانتحاريّة.
مضاعفات الأمراض النفسية الجسدية
تشمل أبرز المضاعفات ما يأتي:
صحة سيئة.
مشاكل في الأداء الوظيفي في الحياة اليومية، بما في ذلك الإعاقة الجسدية.
مشاكل في العلاقات.
مشاكل في العمل أو البطالة.
اضطرابات الصحة العقلية الأخرى، مثل: القلق، والاكتئاب، واضطرابات الشخصية.
زيادة مخاطر الانتحار المرتبطة بالاكتئاب.
مشاكل مالية بسبب زيارات الرعاية الصحية المفرطة.
تشخيص الأمراض النفسية الجسدية
يتم التشخيص عن طريق ما يأتي:
يمكن لمقدم الرعاية الصحية البدء في تشخيص الاضطراب النفسي الجسدي بناءً على:
تاريخ الزيارات لمقدمي الرعاية الصحية.
اختبار بدني.
سلسلة من النتائج السلبية في الاختبارات.
يجب أن يكون لدى الشخص لتشخيص اضطراب الأعراض الجسدية ما يأتي:
واحد أو أكثر من الأعراض المزعجة أو المضطربة للحياة اليومية.
تاريخ من هذه الأعراض لمدة ستة أشهر على الأقل.
استمرار الأفكار أو القلق أو القلق بشأن الأعراض.
علاج الأمراض النفسية الجسدية
لقد أدى التطور الذي حققه الطب النفسي والجسدي الذي يُساعد في فهم مركبات نشوء وتطور العديد من الأمراض إلى تطوير رؤية علاجية متعددة الأبعاد، وفقًا لهذه الرؤية ينبغي اعتبار جميع الأمراض بأنها نفسية جسدية، ومن هنا تنبع أهمية المعالجة الشمولية، وتشمل ما يأتي:
1. العلاج الدوائي بالأدوية النفسانية
مثل: الأدوية المضادة للقلق، ومضادات الاكتئاب، ومضادة الذُّهان بجرعات قليلة وعند الحاجة وتحت إشراف الطبيب، ويوصى بتناول هذه الأدوية فقط بعد التشخيص النفسي كما يجب أن نتذكر أن هذه العلاجات تساعد في معالجة أعراض المرض فقط ولمدى قصير.
2. العلاج السلوكي
وتشمل الإرخاء، والارتجاع البيولوجي، وحتى التنويم حيث يمكن للمريض أن يكتسب من خلالها آليات وأدوات تساعده على تمييز حالات الضغط النفسي والقلق وكيفية مواجهتها.
3. معالجة المسبب الجسدي
في حال كان المرض النفسي ناتجًا عن مرض جسدي معين عندها يجب استشارة الطبيب المختص والبدء في تشخيص وعلاج المرض الجسدي؛ فهذا سيساعد المريض بتخطي الأزمة النفسية التي يمر بها.
الوقاية من الأمراض النفسية الجسدية
تشمل أبرز طرق الوقاية ما يأتي:
إذا كنت تعاني من مشاكل القلق أو الاكتئاب فاطلب المساعدة المتخصصة في أسرع وقت ممكن.
تعلم كيف تتعرف على الوقت الذي تشعر فيه بالتوتر، وكيف يؤثر ذلك على جسمك، وتدرب بانتظام على التحكم بالإجهاد وتقنيات الاسترخاء.
إذا كنت تعتقد أنك مصاب باضطراب الأعراض الجسدية فاحصل على العلاج مبكرًا للمساعدة في منع الأعراض من التدهور والإضرار بنوعية حياتك.
التزم بخطة العلاج الخاصة بك للمساعدة في منع الانتكاسات أو تفاقم الأعراض.
<<
اغلاق
|
|
|
عاماً، طالب جامعي متفوق، ولم أكن أعاني من أي مرض جسدي أو نفسي حتى تلك الليلة المخيفة قبل سنتين خلتا من الآن.
فقد استيقظت منتصف الليل فزعاً مرعوباً، تكاد نياط قلبي تتقطع من سرعة خفقانه، مع ضيق في التنفس، وشعور بالدوخة والاختناق وخفة في الرأس،
وتعرُّق غزير، وتنمُّل وبرودة في الأطراف. ظننت أنها النهاية، فتشهدت، وسارع بي أهلي إلى أقرب إسعاف.. وبعد فحوصات متعددة، قيل لي أن قلبي سليم، ولا داعي للقلق. بعدها، تكررت نوبات الخفقان هذه بشكل لا يُطاق، وأصبحت ضيفاً ثقيلاً على أقسام الإسعاف وعيادات القلب والباطنة والأعصاب في عدة مستشفيات ومستوصفات أغلبها خاصة.. وغالباً، ما أنال مغذياً وريدياً لساعة من الزمن ثم يُقال لي: اذهب لبيتك فكل الفحوصات سليمة، وزاد أحدهم مرة فقال: اذهب لطبيب نفسي، ولم أتقبّل كلامه حينها لأنه قالها متململاً، بعد أن ضاق ذرعاً بكثرة مراجعاتي.. وبالطبع، لا تسل عن عدد عيادات الطب الشعبي، واستراحات الرقاة التي ترددت عليها، وبلا جدوى.
وقد أثّرت عليَّ نوبات الخفقان هذه، فأصبحت أتجنب الأماكن المزدحمة والمغلقة والمرتفعة، كالجامعة والمسجد والجسور والأنفاق، بل تجنبت كل مكان يشق عليَّ فيه الحصول على المساعدة أو الهروب منه لأي طارئ يصيبني. ثم قدمت اعتذاراً عن الدراسة، وأصبحت قعيد البيت، لا أغادره إلا لمامًا، وبشرط أن يصحبني قريب أو صديق. وقد ترددت كثيراً في الذهاب لطبيب نفسي.. وحذّرني بعضهم من الوصمة التي ستلحقني إلى الأبد إن فعلت ذلك! وحذرني آخرون من إدمان الأدوية النفسية وأعراضها الخطيرة حسب زعمهم!
وبعد لأي ومعاناة استمرت عاماً، حزمت أمري، وزرت طبيباً نفسياً حاذقاً، فشخَّص حالتي باضطراب الهلع مع اضطراب رهاب الساح (الميادين).. وقد تعلمت منه، أن هناك عوامل جينية وبيولوجية ونفسية اجتماعية تتضافر لإحداث تغيرات في (دارة الخوف) في الدماغ، وخصوصاً منطقتي اللوزة والحصين في الفص الصدغي من الدماغ، مما يؤدي لنشوء اضطراب الهلع؛ حيث يرافق نوبات الهلع تغيرات هرمونية متعددة منها إفراز مفرط لهرمون النورأدرينالين الذي يستثير أعضاء الجسم المختلفة فيؤدي لأعراض نوبة الهلع.. وقد طمأنني، أنه بالرغم من أن أعراض نوبة الهلع مزعجة جداً إلا أنها في الأغلب ليست خطرة أو ضارة بالجسم.. وبعد تناول الدواء، وحضور جلسات العلاج المعرفي السلوكي عند معالج نفسي، ولبضعة شهور، تحسنت بشكل تام بفضل الله تعالى، وعدت لممارسة حياتي بشكل طبيعي.. ومؤخراً، توقفت عن تناول الدواء، بعد مواظبتي على تناوله لمدة تصل لعام كامل؛ لتجنب انتكاسة المرض.
وها أنذا بعد مضي سنة من هذه المعاناة، أحمد الله كثيراً على تجاوز تلك المحنة، لكنني أتساءل كثيراً، لماذا يعاني أمثالي لشهور بل لسنوات دون تلقي الرعاية النفسية المناسبة؟! لماذا تنحصر خدمات الصحة النفسية في المستشفيات النفسية المعزولة، والتي يتجنبها الناس خشية اتهامهم بالجنون؟! لماذا تستمر وصمة المرض النفسي في مجتمعاتنا برغم التقدم التقني والحضاري؟!» انتهى.
وبعد: فما سبق من تساؤلات هو لسان حال كل من أُصيب بمرض نفسي يوماً من الأيام، وعانى طويلاً بسبب وصمة المرض النفسي؛ ولذا اسمحوا لي بالنيابة عن المهتمين بالصحة النفسية، أن أوجه الرسائل التالية:
1) لقادة القطاع الصحي:
لن يقلل وصمة زيارة العيادة النفسية مثل أن تدمج الرعاية النفسية في عيادات الرعاية الأولية والمستشفيات العامة. وكذلك، لا بد من إصلاح الهرم الصحي المقلوب لدينا، وفي مقدمة ذلك، تطوير مراكز الرعاية الأولية لتكون خط الصحة الأول الذي يبدأ منه أي مريض وينتهي إليه.. فمن مركز الرعاية الأولية، تبدأ الوقاية من الأمراض، وعلاج الأمراض الشائعة، وهو المناط به التحويل المؤقت للمريض للرعاية الصحية الثانوية والثالثية، وعنده حلقة الوصل لكافة هذه الاستشارات.. وقد أطنبت في وصف مشكلة الهرم الصحي المقلوب لدينا في مقال آخر عنوانه (اضطراب قلق الأمراض! والهرم الصحي المقلوب!).
2) للأطباء بشكل عام:
لا يخفى على شريف علمكم أن نظام التخصصات الطبية الدقيقة، ساهم في اختزال (بعض) الأطباء لمرضاهم في زاوية ضيقة، وأصبح تركيزهم ينصب فقط على استبعاد أي مرض شائع أو نادر ضمن إطار تخصصهم الدقيق. لكن ماذا عن معاناة المريض الطويلة؟.. ألا يستحق منا آذاناً صاغية تستمع بقلب حنون لمعاناته، وتدله بكل رفق على الحل الأمثل لمعاناته.. وهذا الدور يُعد أحد الأدوار السبعة المتوقعة من كل طبيب تجاه مريضه وهو دور (الناصح والمحامي لمريضه).. وما أحسن أن نقنع المريض بزيارة الطبيب النفسي عندما نرى حاجته لذلك، ونؤكد له أن ذلك لا يعني التقليل من معاناته الجسدية، ولا اتهاماً له بالتمارض، وإنما لأن اعتلالات الدماغ هي المسبب الأكبر لمعظم الأمراض النفسية، والدماغ هو سيد الأعضاء، ويتصل بكل أجهزة الجسم كهربائياً وكيميائياً.. ولا غرابة أن تتداخل النفس والجسد بشكل كبير جداً، مما يجعل نظرية ثنائية التضاد بين الأمراض النفسية والجسدية أمراً عفا عليه الزمن.
3) لقادة القطاع التعليمي:
آن الأوان لكي نضيف لمناهج التعليم العام مواد مكثفة حول الصحة العامة.. أليس من المنطق، أن نخصص أوقاتاً كافية لنعلم فلذات أكبادنا عن الأمراض الشائعة في مجتمعاتنا، ومنها مرض السكري الذي يصيب قرابة 25%، وأمراض القلق والاكتئاب التي قد تصيب 20% من عامة الناس.. ونعلمهم كذلك مثلاً، أن المصاب بالسكري معرض بنسبة ضعفين لثلاثة أضعاف لأن يصاب باضطراب الاكتئاب، والعكس صحيح وإن كان بدرجة أقل، وأن اضطراب الاكتئاب الجسيم يزيد معدل الإصابة بجلطات قلبية مميتة بمعدل ضعفين لثلاثة أضعاف... إلخ.. ولا شك أن ذلك سيساهم في تقليل الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية لدى الأجيال الجديدة.
3) لوسائل الإعلام:
أرجوكم كفوا عن إلصاق تهمة (مصاب بمرض نفسي) تجاه كل من يرتكب جريمة بشعة.. فهناك أكثر من 300 مرض نفسي تصيب قرابة ثلث عامة الناس، وليس من المعقول أن نعمم تهمة الإجرام والعنف على كل هؤلاء.. بل الصحيح، أن غالبية الجرائم الكبرى لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالإصابة بالمرض النفسي.. ولذا، فلنسم الأمور بمسمياتها، فمن ارتكب جريمة كبرى فهو (مجرم) حتى يثبت غير ذلك.
4) للناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، وأهل الفن، وأصحاب التأثير:
أرجوكم كفوا عن استخدام لفظ (نفسية) لوصف كل من تَخَلَّق بخلق رديء.. ولنسم الأمور بمسمياتها، واللغة العربية غنية بالأوصاف: فهناك شخص ثقيل، أو جبان، أو بخيل... إلخ.. كما أدعو لتشكيل جمعيات تطوعية تُعنى بهذا الشأن، وتتواصل مع الجهات الرسمية كاللجنة الوطنية لتعزيز الصحة النفسية وغيرها من الجهات.
5) للمجتمع ككل:
من الخطأ تعميم الوصف لكل المصابين بأمراض نفسية، بأنهم (مرضى نفسيون)، وبالتالي هم مجانين بحسب انطباع الناس عنهم! والحقيقة أن الغالبية العظمى من المصابين بأمراض نفسية هم أسوياء العقل، وإن كانوا يعانون نفسياً. ولذا، أدعو هنا لتجنب استخدام لفظة (المريض النفسي)، تماماً كما أنه لا أحد يقول: المريض الباطني أو الجراحي أو الجلدي!!! وإنما نقول فلان المصاب بالسكري أو الربو أو الصدفية... إلخ.. فكذلك لنقل: فلان المصاب بالقلق أو الاكتئاب أو الفصام، فهو إنسان قبل كل شيء، ومصاب حالياً بشيء من المعاناة النفسية.
قفلة:
«لا يُوجد مريض نفسي ولا باطني، وإنما هو إنسان أُصيب بمرض ما، قد يكون اضطراباً ثنائي القطب أو الاكتئاب أو الهلع أو مرض السكري أو الربو... إلخ».
والله من وراء القصد.
<<
اغلاق
|
|
|
والنصر المؤزر من الله سبحانه. بل حتى على مستوى المجتمعات والدول، لا شيء يشغل بال قادتها؛ كتوفير الرزق لشعوبهم، وتحقيق النصر على أعدائهم.
وهناك طريق لهذا المطلب النفيس، يعرفه العامي بفطرته، ويدركه قادة الأمم باستقرائهم لسنن الله الكونية في وفرة الأرزاق والنصر على الأعداء؛ ألا وهو الاعتناء بالضعفاء أياً كانوا. وقد دلنا المصطفى صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله” ابْغُونِي فِي ضُعَفَائِكُمْ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ، أَوْ تُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ “.
وبحكم عملي في مجال الطب النفسي الجسدي، فقد سنحت لي الفرصة أن ألتقي بأصناف من هؤلاء الضعفاء. والجامع بينهم، أن ضعفهم ومرضهم قد أعجم ألسنتهم فلم يستطيعوا إيصال مطالبهم للمجتمع، لكن أفئدتهم تنطوي على مرارة وحزن -لو تعلمون-عظيم. ولذا سأفرد لمعاناتهم هذه المقالة، وأحاول أن أتحدث بلسان حالهم، راجياً من الله العون والسداد.
فَلَو نطق عبد الرحمن (والمصاب بمرض الفصام من النوع الشديد)، لقال:” كنت طالباً متفوقاً بأحد الكليات الشرعية، عندما طحنني اضطراب الفصام بكلكله، فتركني شبه مجنون، والحمد لله على ما قضى وقدر. لكنني أتساءل بمرارة، أي ذنب جنيته لكي أعيش شريداً طريداً! أليس هناك مكان ثالث يمكنني العيش فيه بكرامة، غير مستشفى الصحة النفسية أو افتراش الأرض والتحاف السماء في العراء. لقد صُممت مستشفيات الصحة النفسية كباقي المستشفيات، لتكون مكاناً مؤقتاً لعلاج الحالات الحادة؛ وليست مهيأة بحال، لتكون ملاذاً كريماً وسكناً لائقاً للمشردين. وللأسف فإن (بعض) هذه المستشفيات؛ يفتقر لأبسط حقوق الإنسان! وليتك أيها المسئول، تزور(عنابرنا) على غرة، ذات مساء، لترى ما تتفطر له الأكباد! وليس الخبر كالمعاينة”.
أما أبو عبد الله، الطبيب السابق (والمصاب بخرف ألزهايمر)، فيقول: “لقد عشت زهرة عمري، أطبب الناس في العيادات وفي غرف العمليات في المستشفيات. وفي بحر السبعين من عمري، عاث الألزيهايمر بضراوة بين تلابيب دماغي، فأصبحت عاجزاً عن القيام بنفسي، فلا آكل ولا ألبس، بل ولا أقضي حاجتي بلا مساعدة، وما أقساه من شعور! أليس من حقي أن أعيش حياة كريمة في دور مهيأة لرعاية أمثالي؛ بدلاً من مكابدة الليال الطوال، أكفكف دمعي السخين، بين جدران أربعة، وأيدي خادم غليظة تتمنى موتي عاجلاً غير آجل”.
وهكذا تتوالى الآهات من أناس أقعدهم المرض وأعجم ألسنتهم، بعد أن كانوا ملء السمع والبصر؛ كالمصابين بحوادث السيارات، والأمراض الخطيرة الانتهائية كبعض حالات السرطان والسكتات الدماغية…. الخ. والقائمة لا تنتهي، ممن انقلب به الحال، فأصبح لا حياً فيرجى ولا ميتاً فينعى. فلو نطق بعض هؤلاء لقالوا، “يا لبؤس هذه الحياة التي نقاسيها! فليست الحياة هي تناول الغذاء والدواء فحسب! بل نريد مع ذلك الرعاية النفسية والاجتماعية، التي تكفل لنا حياة ذات جودة أفضل”.
وبعد، أيها القارئ الكريم: ففي المجمل، أعتقد أن المشكلة ليست مادية في جوهرها. ففي بلادنا ولله الحمد والمنة، تُنفق أموال طائلة على الصحة؛ لكن الفرق بيننا وبين الدول المتقدمة، أنهم يصرفون قرابة 15٪ من ميزانية الصحة على خدمات الصحة النفسية والاجتماعية، بينما في غالب الدول العربية لا تتجاوز النسبة 2٪. وبينما نهتم أحياناً بشراء أحدث موديلات الأجهزة الطبية، تجدهم هناك في الدول المتقدمة، ربما يكتفون بموديل أقدم طالما لم يختلف جوهرياً عن الطراز الأحدث، ويوفرون هذا المال لتقديم الرعاية المتكاملة (البيولوجية والنفسية والاجتماعية) للمرضى المزمنين والمصابين بأمراض انتهائية.
وبفضل الله تعالى، ثم بفضل تحسن الخدمات الصحية في السعودية، فقد ارتفع مأمول العمر عند الولادة (متوسط العمر المتوقع)، من 46 عاماً سنة 1960، إلى 76 عاماً سنة 2015. ويتوقع أن تصل ل 82 عاماً بحلول 2050 بإذن الله. وهذا يعني زيادة مطردة في أعداد حالات المصابين بأمراض مزمنة، مقعدة عن الحياة. في المقابل، هناك ضمور متسارع في أعداد العائلات ذات النمط الممتد، وازدياد في أعداد العائلات الصغيرة (العائلة النواة الحديثة) التي تعيش في شقق صغيرة، مع عمل الأبوين خارج المنزل. وهذا يجعل من رعايتهم للمصابين بأمراض مزمنة مقعدة أمراً شاقاً. ولذلك، يتحتم علينا استباق هذه التغيرات الديمغرافية والاجتماعية بحلول إبداعية متنوعة. وفي هذا السياق، سأختم مقالتي ببعض التمنيات:
-أتمنى أن يتنافس الأطباء والمختصون النفسيون والاجتماعيون وغيرهم من التخصصات ذات العلاقة في طرح الحلول الإبداعية لسبل تقديم الرعاية الكريمة المتكاملة لهؤلاء الضعفاء. ومن ذلك، التوسع في إنشاء مراكز العلاج النهاري والتأهيل النفسي وبيوت منتصف الطريق ودور الإيواء؛ وذلك لتقديم الرعاية طويلة الأمد للمرضى النفسيين المزمنين، وتقليل ظاهرة التشرد بينهم. وكذلك لابد من تشجيع القطاع الصحي الخاص على تطوير خدماته النفسية، مع إجبار شركات التأمين الصحي على إدراج علاج الأمراض النفسية ضمن الأمراض المكفول علاجها في بوليصة التأمين العلاجية. وبالطبع، لن نعيد اختراع العجلة من جديد، فلا بد من الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، وكذلك توصيات منظمة الصحة العالمية، والجهات ذات العلاقة.
– أتمنى أن يتنادى الدعاة والمثقفون وأصحاب المنابر لنشر ثقافة (تقديم الرعاية للضعفاء)، بما في ذلك، تشجيع التطوع بالجهد والمال، وتوجيه أموال الأوقاف والتبرعات لهذا الأمر.
-أتمنى أن يجتمع مسئولو وزارتي الصحة والشئون الاجتماعية بشكل دوري، ليذللوا العقبات البيروقراطية التي تعرقل إنشاء دور الرعاية الكريمة بشتى أنواعها. فلو سُئل أصحاب الأموال، لماذا يتجنبون توجيه مصارف الأوقاف لدعم الضعفاء بدلاً من بناء المساجد مثلاً؟ لأجابوا بأن السبب، هو عدم وجود حزمة متنوعة من الأفكار الوقفية لدعم الضعفاء، المدعومة لوجستياً من الجهات الرسمية ذات العلاقة؛ فلا يبقى بعدها للمتبرع دور سوى أن يختار من المشاريع المعروضة ما يعجبه.
– أتمنى أن يسخّر المسئولون وأعضاء المجالس البلدية في كل ناحية من بلادي كل الإمكانيات لتسهيل قنوات التطوع المتنوعة التي تناسب كل الأعمار، وكلا الجنسين، ليقدم كل أحد ما بوسعه لدعم الضعفاء. كما أن جهات التوظيف الحكومية والخاصة والجامعات، مطالبة بتثمين الجهود التطوعية لطالبي الوظائف ومقاعد الدراسة الجامعية والدراسات العليا، وجعلها إحدى الشروط الرئيسية للحصول على ذلك.
– أخيراً، أتمنى أن نستقطع جميعاً ساعة واحدة على الأقل أسبوعياً، من الأوقات التي نهدرها في شبكات التواصل، وذلك لتقديم المساعدة لهؤلاء الضعفاء-كل بحسبه-ولو أن يتعاهد أحدنا أقاربه الضعفاء بالتواصل الهاتفي والزيارة. وذلك شرف عظيم، ومنزلة سامقة لا يوفق للوصول لها إلا من أراد الله به خيراً.
قفلة: في زمن تكالب فيه علينا الأعداء، وشكا الناس فيه من غلاء الأسعار، وضيق الأرزاق؛ لن تُستمطر رحمات الله ومدده، بمثل العناية بالضعفاء ” وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم”
“ “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ”
د.فهد بن دخيل العصيمي
أستاذ مشارك بكلية الطب-جامعة الملك سعود بالرياض
واستشاري الطب النفسي والطب النفسي الجسدي
<<
اغلاق
|
|
|
أم عبدالله تغيرات متسارعة في سلوك ابنها عبدالله، الطالب الجامعي ذو العشرين عاماً. فقد أصبح عصبي المزاج، كثير الحركة والكلام، قليل النوم. وفجأة قام خطيباً في مسجد الحي، مدعياً أنه هو المهدي، وأخذ يعظ الناس لاتباعه.
التعليق:
أعراض عبدالله مطابقة لنوبة الهوس، التي تصيب مرضى الاضطراب ثنائي القطب. وهو مرض نفسي دماغي معروف، يصيب قرابة ١-٣٪ من عامة الناس. وتلعب الوراثة دوراً كبيراً في الإصابة به، فتزيد نسبة الإصابة به إلى قرابة 50% لدى التوأم وحيد اللاقحة، و15 % إذا كان أحد الأبوين مصاباً به، و30 % إذا كان كلا الأبوين مصاب به.
مشهد (2)
المكان: إسعاف مستشفى المدينة العام
طبيب الإسعاف:
لا بد أن تسرع بنقله لأقرب مستشفى نفسي لنا، وهو (مستشفى الأمل للصحة النفسية) بمدينة الرياض. فللأسف ليس لدينا جناح خاص لتنويم وعلاج المصابين بالأمراض النفسية، كحالات الذهان والهوس والاكتئاب الحادة التي تأتينا هنا، وما أكثرها! بل حتى الطبيب النفسي الوحيد، غادرنا لبلده منذ سنة، ولم يعد إلينا؛ احتجاجاً على ضعف الإمكانيات هنا.
أبو عبدالله:
ابني عبدالله ليس مجنوناً، ولا مدمناً للمخدرات لكي ينوم في مستشفى الأمل!
ثم كيف أنقله وهو في هذه الحالة المتهيجة الخطرة، مسافة ٦٠٠ كم للرياض؟!
كما أنني لا أستطيع ترك عملي وعائلتي لكي أسكن في الرياض بضعة أسابيع ريثما يخرج من مستشفى الرياض!
مشهد (3)
المكان: استراحة الراقي والمعالج الشعبي في طرف المدينة
تكتظ الاستراحة بالمرضى الذين قدموا من كل حدب وصوب، يبحثون عن بصيص الأمل في الشفاء، بعد أن يئسوا من الحصول على الرعاية الصحية الكريمة.
بدأ المعالج بعلاج عبدالله، بعد تكتيفه من مساعديه، بضربه بعصا غليظة على ظهره وقدميه. ثم بدأ بخنق عبدالله عبر الضغط على رقبته، حتى فقد الوعي. وأخيراً، طلب منهم شراء وصفة من صيدلية الاستراحة، لتعطى لعبدالله بانتظام! وهي عبارة عن أعشاب، مخلوطة سراً بأدوية مهدئة، بقيمة ألف ريال، مع أن قيمتها الفعلية لا تتعدى مائة ريال.
واظب أهل عبدالله على مراجعة المعالج في الاستراحة، مع تقييده بسلسلة في ملحق البيت باستمرار، وذلك لضبط سلوكه. وبعد بضعة أسابيع خف هياجه، وتحسن تدريجياً.
التعليق:
عادة، ما تزول نوبة الهوس حتى بدون علاج خلال ثلاث شهور، ولكنها تترك ندبات في النفس وفي الدماغ كلما طالت مدتها بلا علاج فعال. ومالم يتناول المريض، علاجاً وقائياً مثبتاً للمزاج، فإن الانتكاسات تتوالى، وتتدهور تدريجياً صحة المريض الجسدية والنفسية والمعرفية والاجتماعية والوظيفية.
وفي دراسة علمية منشورة، لكاتب المقالة مع ستة باحثين آخرين، تبين أن قرابة ثلاثة أرباع مراجعي استراحات الرقاة لديهم أمراض نفسية. مع العلم، بأن أغلب الأمراض النفسية قابلة للتحسن التام بفضل الله ثم بفضل العلاج النفسي من أدوية وجلسات. الخ، ثم يعود غالبية المرضى للحياة المنتجة الكريمة؛ ولكن للأسف، لا تتوفر خدمات الطب النفسي المتكاملة إلا بشق الأنفس، وفي المدن الكبيرة غالباً.
وبالطبع، لست أزعم هنا، قدرة الطب الحديث على تشخيص أو علاج كل الأمراض؛ كما لا أنفي جشع القطاع الصحي الخاص، ولا وجود الأخطاء الطبية. ولكن، يتفق الجميع، أن الأطباء يعملون تحت ضوء الشمس، وتحت الرقابة المستمرة، كما يحتاجون لتجديد الترخيص الطبي لمزاولة مهنة الطب كل خمس سنوات؛ بعد أن يثبتوا مواكبتهم لمستجدات الطب المتسارعة، وعدم ارتكابهم لمخالفات مهنية.
وفي المقابل، لا تخطئ العين، كيف استغل بعض الرقاة والمعالجين الشعبيين حاجة الناس! فادعوا علاج كل الأمراض، واستخدموا طرقاً سقيمة، ليس عليها دليل من نقل ولا عقل ولا تجربة، وكلّفوا المرضى مبالغ طائلة. وهم يعملون في استراحات خاصة بهم، بلا حسيب ولا رقيب؛ فالداخل إلى بعض استراحاتهم مفقود، والخارج منها مولود، والناس فيها دود على عود!!!
أما الرقية الشرعية، فلا شك أنها (إحدى) الوسائل الوقائية والعلاجية لمختلف الأمراض الجسدية والنفسية، وهي هبة ونعمة من الله كما هو الدواء، سواء بسواء. وقد استخدم المصطفى صلى الله عليه وسلم معظم الوسائل العلاجية المتوفرة في عصره، لأنه كان يوعك كما يوعك الرجل مرتين؛ ولذا فلا غرو أن تعلمت عائشة رضي الله عنها الطب. كما عالج الحارث بن كلدة، وهو طبيب نصراني، بعض الصحابة بأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم. وحري بالمسلم أن يرقي نفسه بنفسه، وعند الضرورة، يطلب ذلك من موثوق. ولكن الخطورة كل الخطورة، أن يُسمح لبعض الجهلة برقية الناس وتطبيبهم في الأقبية المظلمة، والاستراحات الخاصة بلا رقيب ولا حسيب!
مشهد (4)
الزمان: بعد سنة من النوبة الأولى
لاحظت أم عبدالله سوءاً تدريجياً في مزاج ابنها عبدالله، وميلاً للبكاء والعزلة. لقد أصبح حزيناً، فاقداً للبهجة، قليل الكلام والحركة، ولا يهنأ بطعام ولا نوم، ثم انقطع عن الذهاب لجامعته، وعن الصلاة في المسجد. لكنه هذه المرة، لم يكن متهيجاً، فلم يحفل والده وقرابته بعلاجه بسرعة كما حصل في نوبة الهوس الآنفة الذكر.
وفي صباح يوم حزين، فشلت أم عبدالله في إيقاظ ابنها من نومه، فنقلوه بسرعة للمستشفى ليتوفى هناك خلال ساعات.
وقد أظهر تحليل الدم، أن سبب وفاته تناول جرعة مفرطة من المخدرات. وفي اليوم التالي، وصلت رسالة نصية لأهل مدينته الوادعة، تدعوهم للصلاة على عبدالله، الذي توفي بحسب الرسالة، بسبب نوبة قلبية مفاجئة!
ولقد تفطر فؤاد أم عبدالله أو كاد حزناً على فراق ابنها. وتالله لن يشعر بمقدار ألمها إلا من فقد ابنه منتحراً، ويا له من حزن! ويا لها من حسرة!
التعليق:
ما حدث لعبدالله هو أنه أصيب غالباً بنوبة اكتئاب حادة، وهي أحد قطبي (الاضطراب ثنائي القطب). والأرجح أن عبدالله حاول يائساً أن يخرج من دوامة الاكتئاب السحيقة، فاستخدم المخدرات. وهي بدورها، بالإضافة لنوبة الاكتئاب، والصدمات النفسية والتعذيب الذي طال المريض أثناء نوبة الهوس، كل هذه العوامل، ساهمت في انتحاره بتناول جرعات مفرطة من المخدرات. وقصة عبدالله رمزية، لكن أمثالها ما زال يتكرر للأسف في مناطق مختلفة من المملكة، وذلك بسبب ضعف وسوء توزيع خدمات الصحة النفسية في دولة بحجم قارة،كدولتنا الحبيبة حرسها الله.
وقد ثبت علمياً، ازدياد معدلات الإدمان لدى المصابين بأمراض نفسية شديدة الوطأة، فتصل قرابة 60% لدى المصابين باضطراب ثنائي القطب؛ وتزداد خصوصاً عند ضعف أو انعدام الرعاية الطبية النفسية.
ولذلك، لا غرابة أن ينشط تجار المخدرات في المناطق التي تضعف فيها خدمات الرعاية الطبية النفسية، أو يرفض أهلها تلقي العلاج النفسي في المصحات النفسية المعزولة، والتي تُوصم في المجتمع للأسف بأنها دار للمجانين!!!
ولا توجد إحصائيات دقيقة عن نسبة المنتحرين في السعودية، بسبب حساسية الموضوع لدى المجتمع. وغالباً ما تبتعد الجهات المعنية عن كتابة السبب الحقيقي للوفاة المفاجئة، وتستبدل كلمة (انتحار) بكلمة (سبب غير محدد أو تسمم دوائي). وفي دراسة لم تنشر بعد لأحد المتخصصين في الطب الشرعي، وجد أن ما يزيد عن ثلاثة أرباع شهادات الوفاة تحتوي أسباباً غير دقيقة لأسباب الوفاة!
مشهد (5)
المكان: مدينة الرياض
الزمان: شعبان 1436
وزير الصحة يوقع اتفاقية مع شركة (سابك) لإنشاء مستشفى سابك التخصصي للصحة النفسية وعلاج الإدمان بمدينة الرياض.
التعليق:
لم يسعد كثير من المهتمين بالصحة النفسية في السعودية بهذا الخبر!!! لأنه يعكس التخبط في تخطيط وتنفيذ خدمات الصحة النفسية في السعودية. فهل يجدي بناء المزيد من المصحات النفسية المعزولة! وهل نجح دمج الصحة النفسية مع الإدمان فيما مضى! أم أنه ضاعف الوصمة على كليهما!
وهل يجدي بناء هذا المستشفى في مدينة الرياض رغم وجود مستشفى صحة نفسية آخر، وخدمات نفسية في المستشفيات الجامعية والعسكرية والتخصصية الأخرى! وماذا عن باقي مدن منطقة الرياض التي تبلغ مساحتها حوالي (380.000كلم2 )! وما يقال عن منطقة الرياض، يقال عن غيرها من مناطق مملكتنا الغالية.
ولو عدنا للوراء قليلاً، لرأينا بجلاء التصريحات المتناقضة لأصحاب القرار الصحي حول الصحة النفسية. فقد أكد مسئول صحي كبير في السعودية قبل أكثر من عقد من الزمان أن مجتمعنا محصن من الأمراض النفسية، وذلك بحكم تمسكه بالشريعة الإسلامية، ثم أتى مسئول صحي آخر بعده ببضع سنوات، ليؤكد وجود 15 ألف مريض بالفصام في مدينة الرياض وحدها. ولذا لا تستغرب عزيزي القارئ، تضاعف نسبة الانتحار 100% في السعودية خلال العشر سنوات الماضية، وذلك حسب الإحصائيات الرسمية. ولست متشائماً، عندما أعتقد أن نسبة الانتحار ستستمر بالارتفاع الملحوظ، إذا ما استمرت أوضاع الصحة النفسية لدينا كما هي حالياً. فمن الملاحظ إصرار وزارة الصحة على التوجه لبناء مصحات نفسية معزولة، وقلة أو انعدام وجود الأقسام والأجنحة النفسية ضمن مرافق المستشفيات العامة والتخصصية. وهذا التوجه يشبه ما كان سائداً في العالم، قبل قرن من الزمان، ومعاكس لما عليه التوجه الصحي العالمي الحالي، من دمج الرعاية النفسية ضمن مرافق المستشفيات العامة.
والحل في نظري، أن يسعى قادة القطاع الصحي في السعودية في توفير فرصة التنويم لكل مريض محتاج، في جناح صحة نفسية لا يبعد أكثر من 50 كم، على الأكثر من مكان سكنه. وبالطبع لن يتحقق ذلك، إلا بتخصيص خمسة بالمائة من أسرة كل مستشفى عام في السعودية لتكون جناحاً نفسياً مجهزاً، لتقديم خدمة التنويم المؤقتة لكل من أصيب بحالات الذهان والهوس والاكتئاب الحادة. الخ. وإذا وجد جناح تنويم نفسي، فذلك مدعاة غالباً لوجود قسم طب نفسي متطور، يقدم خدمات تكاملية وتخصصية، تخدم مرضى أقسام المستشفى العام الأخرى، والمجتمع ككل.
ومن أراد طرحاً علمياً مفصلاً لأسباب الانتحار، فأرجو كرماً أن يطلع على مقال للكاتب عنوانه (لماذا ينتحر السعوديون؟). أما كيف تتحسن خدمات الصحة النفسية في السعودية، فقد تم تفصيلها في مقال آخر للكاتب عنوانه (خدمات الصحة النفسية في السعودية ليست كافية، فما الحل؟)
<<
اغلاق
|
|
|
أجمع. وعلى سبيل المثال، سيصل العجز في عدد الأطباء في إمريكا وحدها إلى ٤٥ ألف طبيب بحلول عام ٢٠٢٠. فإذا كان هذا العجز الكبير في بلد يعد قبلة للأطباء المتميزين، فما بالك بغيرها من الدول. ولذلك ستظل السعودية ولمدة طويلة تتنافس مع دول العالم الآخرى على استقطاب الخبرات الطبية المتميزة حول العالم. ومما يحمد لوزارة الصحة رفع الحوافز المالية للأطباء غير السعوديين في السنوات الأخيرة مما جعلها في وضع تفاوضي مميز مقارنة بدول العالم الأخرى، بالإضافة لعامل خاص بالسعودية يجذب لها الأطباء المسلمين، وهو وجود الحرمين الشريفين.
ولكن هناك عائق خطير سأشرحه لاحقاً، يفسد هذه المميزات، ويؤدي لإحجام الأطباء المتميزين عن العمل بالسعودية، كما يؤدي لتزايد عدد الأطباء الجبناء (وليسامحني زملائي على هذا الوصف)، وأقصد بذلك من يمارس الطب الدفاعي (defensive medicine) بدلاً من الممارسة الطبية المبنية على البراهين العلمية. ومن صفات الطب الدفاعي:
١) قيام الطبيب بما يطلبه منه المريض، رغم عدم احتياجه لذلك بل ربما تضرر منه، بما في ذلك اللجوء لفحوصات أوعلاجات أو تنويمات بالمستشفى، غير مبررة إكلينيكياً، وبالطبع تؤدي كذلك لضياع الموارد الصحية.
٢) التردد في اتخاذ القرارات الإكلينيكية، والإكثار من تحويل المرضى لجهات أخرى، رغم قدرته على مساعدته بالإمكانات المتاحة. وهذا يؤدي لتزاحم المرضى على أبواب المستشفيات الكبرى والتخصصية، وتجشمهم عناء السفر والانتظار الطويل لتحصيل خدمة صحية، لا يعلمون أنها متوفرة في المنشأة الصحية القريبة من منازلهم.
وهنا لابد من طرح السؤال المهم: من تسبب في نفرة الأطباء المتميزين عن العمل في السعودية، وتفاقم ظاهرة الطب الدفاعي؟ وكيف حدث ذلك؟
أعتقد باستقراء شخصي، ولم أطلع على دراسة بهذا الشأن، أن السبب الرئيسي هو تعامل وزارة الصحة المجحف مع الأطباء عند حصول شكاوى من المرضى أو آهاليهم. وأسوأ هذه الإجراءات، منع الأطباء من السفر لبضع سنوات بانتظار نتائج تحقيقات اللجان الطبية الشرعية. واسمحوا لي أن أضرب مثالاً، وبالمثال يتضح المقال، وهي قصة رمزية متكررة. ففي أحد المستشفيات الصغيرة في السعودية، توفي مريض يناهز التسعين من عمره بعد مكوثه في العناية المركزة في ذلك المستشفى لبضعة شهور. وفوراً بعد وفاته، رفع ذووه شكوى بسوء العناية الطبية التي تلقاها الفقيد مطالبين بتعويضات مادية. بعد بضعة أيام، أتت لجنة طبية لدراسة الشكوى، وأول قراراتها منع سفر كل الأطباء الذين كان لهم علاقة ما برعاية المريض، وسبق أن كتبوا ولو حرفاً واحداً في ملف المريض الطبي أثناء تنويمه بالمستشفى. ثم استمر هؤلاء الأطباء في ممارسة عملهم ورعاية المرضى الآخرين طوال مدة التحقيق الطويلة؛ رغم حالتهم النفسية السيئة كونهم محرومين من رؤية عوائلهم، ومن حضور المؤتمرات الطبية العالمية لمتابعة الجديد في مجال تخصصهم. وبعد ثلاث سنوات من التحقيق، أصدرت اللجنة الطبية قرار براءتهم مما نسب إليهم. وعندما همًّوا برفع شكوى مضادة تجاه هذه الشكوى الكيدية، قيل لهم بأن قرار منع السفر بحقهم سيمدد لحين الانتهاء من التحقيق في هذه القضية الثانية، أي لبضع سنوات أخرى؛ مما دفعهم لصرف النظر عن رفع هذه الشكوى، ثم قرروا الهرب من هذا التعسف الطبي في السعودية بأقرب طائرة وبلا رجعة. وبالطبع سيحذرون زملاءهم من الأطباء المتميزين من القدوم للعمل بالسعودية.
لاشك أخي القارئ الكريم، بأن الأخطاء الطبية أصبحت ظاهرة مقلقة؛ وهناك توصيات كثيرة لتقليل حدوثها، وأغلب هذه التوصيات يُنصح بتنفيذها على مستوى مؤسسي، وأن تكون ذات صبغة وقائية وليست مجرد ردات فعل فردية، ولكن يضيق المجال هنا عن بسطها. ولذا سأطرح هنا مقاربة لحل هذه الإشكالية أقصد منع السفر. فعند الاشتباه بحصول خطأ طبي فهناك ثلاثة احتمالات:
١) خطأ طبي مع وجود شبهة جنائية: أقصد الاشتباه بتعمد الطبيب إيذاء المريض، وهذا نادر جداً. فإن اشتبهت إدارة المستشفى بذلك، أو ذكر المشتكي ذلك في معرض شكواه، فهنا أقترح أن تُمهل اللجنة الطبية الشرعية مدة شهر للبت في ذلك؛ وفي هذه الأثناء يُمنع الطبيب من السفر وتُكف يده عن العمل. ثم إن انتفت الشبهة الجنائية خلال مهلة الشهر، فحينها يرفع الحظر من السفر فوراً. وبعدها ربما تحتاج اللجنة بضعة أسابيع أخرى لإكمال التحقيق في شبهة الخطأ الطبي الغير متعمد. وما عدا حالة الاشتباه الجنائي، فأرى أنه لا يجوز منع الطبيب من السفر بأي حال من الأحوال. وبالمناسبة، فهذا الاقتراح يتوافق جزئياً مع اللائحة التنفيذية لمزاولة المهن الطبية والتي تنص على حظر السفر على الممارسين الصحيين الذين يشكلون طرفا في قضايا الأخطاء الطبية لفترات مؤقتة على ألا يمتد منعهم من السفر لفترات تتجاوز الـ 30 يوماً منذ بداية التحقيق؛ ولكن للأسف لا تلتزم الجهات المعنية بهذه اللائحة.
٢) خطأ طبي بلا شبهة جنائية: وهنا أقترح أن تُعطى اللجنة الطبية مهلة ثلاث شهور للبت في القضية دون منع الطبيب من السفر على الإطلاق أثناء فترة التحقيق. وغالباً عند ثبوت التهمة، يُحكم على الطبيب بتعويضات مادية للمتضرر. أما المعمول به حالياً، فهو أن تدفع شركة التأمين الحد الأقصى (نصف مليون حالياً)، ومازاد عن ذلك يدفعه الطبيب من راتبه بالتقسيط، بالإضافة لمنعه من السفر لحين سداد ما عليه، مما يعني سنوات إضافية، تضاف للسنوات التي مٌنع منها من السفر أثناء التحقيق الطويل في القضية!!!؛ وهذا يعني استمراره في العمل الطبي رغم أخطائه، وتحت ضغط مادي ومعنوي بالغ مما سيؤثر سلباً على الرعاية الصحية ككل. ولذا أقترح هنا، رفع القسط التأميني لكي تستطيع شركات التأمين الطبية الوفاء بمبالغ التعويضات المتزايدة، وما زاد، ينبغي أن تتحمل وزارة الصحة دفعه للمريض؛ وهذا هو المعمول به عالمياً -حسب علمي۔ وسيدفع ذلك وزارة الصحة لتحمل مسئولياتها في استقطاب الأطباء المتميزين، وتوفير الدعم لهم بكل أشكاله لتقليل الأخطاء الطبية بوجه عام. كما أن الوزارة مطالبة بتأهيل الطبيب المخطئ، وبكف يده عن العمل إن تكررت أخطاؤه. ويأتي السؤال هنا عن احتمالية هروب الطبيب لبلده بلا عودة أثناء فترة التحقيق؟ هذا نادر الحدوث. وحتى لو حصل ذلك فقد فصلنا آنفاً كيف سيـُدفع التعويض للمريض أو ذويه. وقلما يحصل ذلك، لأن هذا الطبيب الهارب سيخسر مكافأة نهاية الخدمة، والأهم أنه لن يحصل على شهادة حسن السيرة والسلوك الطبي من وزارة الصحة؛ وهي مهمة جداً عند التقديم للعمل بأي دولة أخرى، (تشترط الهيئات الصحية في كل الدول، تقديم الطبيب لشهادات حسن سيرة وسلوك لكل سنوات الممارسة الطبية منذ التخرج إلى لحظة التقديم للعمل فيها).
٣) مضاعفات طبية: وهذه لا يمكن منعها، ولا معاقبة الطبيب إن حدثت؛ لأنها من طبيعة العمل الطبي، ولا تخلو أي ممارسة طبية من احتمال حصول مضاعفات. في المقابل، مطلوب من الطبيب أن يشرح إيجابيات وسلبيات كل الخيارات الطبية المتاحة للمريض وذويه قبل أي تدخل طبي. وفي هذا السياق، يُنصح بتدريب الأطباء على مهارات التواصل الفعال مع المرضى لزيادة الرضا عما يقدم لهم من خدمات، ولتقليل معدلات الشكاوى الطبية
<<
اغلاق
|
|
|
الكريم أن ألبس في مقالتي هذه ثوب الواعظ -وإن لم أكن جديراً به- استغلالاً لنفحات هذا الشهر الكريم حيث تسمو النفوس وتصفو القلوب. فأهتبل هذه الفرصة، لأوجه نداء من القلب لنفسي أولاً ثم لمن يصله مقالي هذا من الأطباء النفسيين، مع كامل الود والاحترام والتقدير والدعاء لهم بالحياة الطيبة في هذه الدنيا، وجنة الفردوس في الآخرة.
فلا يخفى على شريف علمكم أن الطبيب النفسي، وكل من له علاقة بعلاج المصابين بأمراض نفسية، من أطباء في مختلف التخصصات وأخصائيين نفسيين واجتماعيين، كل هؤلاء قد نالوا شرفاً كبيراً بأن مكنهم الله من تقديم الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية لهؤلاء المرضى. وهؤلاء المرضى، وإن أتوا من جميع طبقات المجتمع، فإنهم في لحظة المرض النفسي ونتيجة لمضاعفاته السلبية، قد أصبحوا في حالة ضعف وانكسار لا يعلم مداها إلا الله. ولذلك قد يخفى على بعضهم، ما له من حقوق على معالجه الإكلينيكي، ولا يعدّ غضبه أو رضاه معياراً دقيقاً على نيله لحقوقه الصحية. وإنما المرجع في ذلك بلا شك، هو تطبيق المعايير العالمية والدلائل الإرشادية لتشخيص وعلاج الأمراض النفسية، والتي وضعت خطوطها الجمعيات العلمية العالمية المتخصصة بهذا الشأن؛ اعتماداً على آلاف الدراسات، وتطبيقاً لمنهج الطب المبني على البراهين.
ولهذا السبب، فإنني أحذر نفسي أولاً وإخوتي من التفريط في حقوق مرضانا. فمن المعلوم أن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة، بينما حقوق العباد مبنية على المشاحة. قال النبي- صلى الله عليه وسلم- : “من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء ، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات ، أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه”. و قال صلى الله عليه وسلم- : ” الدواوين عند الله عز وجل ثلاثة : ديوان لا يعبأ الله به شيئا ، وديوان لا يترك الله منه شيئا ، وديوان لا يغفره الله ، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله ، قال الله عز وجل (( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ))، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا ، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه ، من صوم يوم تركه أو صلاة تركها ، فإن الله عز وجل يغفر ذلك ، ويتجاوز إن شاء ، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا ، فظلم العباد بعضهم بعضاً، القصاص لا محالة”.
وقد فصلت حقوق المرضى في مقالة سابقة بعنوان (اعرف حقك! ما هي حقوق المريض في العيادة النفسية؟)، وهي معلومة بالتفصيل من كل طبيب نفسي. ولكن سأركز على واحد من أبرز الأخطاء الشائعة لظلم المرضى النفسيين، وهو عدم قضاء وقت كاف مع المريض وخصوصاً في الزيارة الأولى؛ وهي الزيارة الأهم للتشخيص الدقيق ورسم الخطة العلاجية. وهذا الأمر، يشبه فعل طبيب جراح، اكتفى بشق موضع العملية دون استئصال موضع الداء ولا خياطة للجرح بعدها، متذرعاً بقصر الوقت!!!. وقد اتفقت التوصيات العالمية على أن مدة الزيارة الأولى للطبيب النفسي هي ٤٥ دقيقة، ولا يُقبل بحال من الأحوال أن تقل عن نصف ساعة، مهما بلغ الطبيب علماً وخبرة. أما لو كان المريض طفلاً، فمدتها عادة ساعة ونصف، ولا تقل بحال عن ساعة كاملة. طبعاً، لكل قاعدة شواذ، فيستثنى من ذلك بعض حالات الطوارئ والعناية المركزة..الخ، وأحياناً يحتاج الطبيب لعدة زيارات، للوصول للتشخيص الدقيق.
والأدهى والأمرّ أن (بعض) ملاك المراكز الطبية النفسية الخاصة قد قننوا بعض الممارسات الخاطئة في قطاع الطب النفسي الخاص. وبعبارة أخرى، بدلاً من أن يكون ذلك خطأ عابراً، أصبح ظلماً متكرراً يصيب كل زائر لبعض تلك المراكز. ومن هذه الممارسات ما يلي:
-السماح بربع ساعة بل أقل للزيارة الأولى للطبيب النفسي، وتنظيم حجز المواعيد تبعاً لذلك.
-تمكين غير المؤهلين من تقييم وعلاج المرضى. ومن ذلك، استخدام بعض أنواع العلاج النفسي إما غير المثبتة علمياً على الإطلاق أو المثبتة علمياً ولكن تُقدم بطريقة خاطئة، ومن غير المؤهلين.
– تضارب المصالح مع شركات الأدوية والصناعة الطبية، مما يؤدي للصرف المفرط، والغير مبرر إكلينيكياً، لأصناف الأدوية، وخصوصاً الأدوية الجديدة ذات الأسعار الباهظة. وكذلك استعمال أجهزة تحفيز دماغي لم تثبت فعاليتها، أو بأسعار مبالغ بها.
– إقامة دورات بعناوين خادعة للترويج للمركز.
أما حل المشكلة، فأقترح ما يلي:
١- الحل الأمثل هو التحول لمنظمات غير ربحية. وذلك بأن يأخذ كل من يقوم بدور إداري أو إكلينيكي، حقه المادي وافياً، وما زاد لا يذهب لجيوب ملاك المركز الخاص، وإنما يصرف لتطوير الخدمات، والأبحاث، وتخفيض أسعار الخدمات للمحتاجين من المرضى.
٢- وجود مجلس أمناء/ أخلاقي، مستقل، تطوعي يقوّم عمل المركز ومنتجاته أولاً بأول.
٣- إقامة جمعية خيرية لحقوق المرضى النفسيين، تسعى لنيل المرضى لحقوقهم، وتتلقى شكاوى المرضى، وتتواصل مع الجهات ذات العلاقة.
وأخيراً، أقول هنيئاً لمن بذل وسعه واستفرغ جهده، مستعيناً بالله، في خدمة هؤلاء المرضى؛ وهؤلاء يشكلون الفئة الغالبة من الأطباء النفسيين، ولله الحمد. وما أسعدهم بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم “إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب المؤمن, وأن يفرِّج عنه غمًا..”. وقوله ” من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه”.
<<
اغلاق
|
|
|
ذي بدء، أعترف بأن هذا موضوع شائك، والكتابة فيه من شأن الجمعيات العلمية وأكابر أهل التخصص، فأنا متطفل عليه، وبضاعتي فيه مزجاة. ولكن رأيت من واجبي المشاركة بكلمات في هذا الأمر، لتفتح شهية زملائي وأساتذتي لطرح علمي أفضل. وأرجو ألا يُفهم مقالي هذا على أنه استنقاص من أحد بعينه، ولا تقليل من جهود زملائي وأساتذتي في الطب النفسي، وكلمات الشكر تقف عاجزة عن الامتنان لهم على ما بذلوه وسيبذلونه في المستقبل لخدمة المجتمع.
فلا تخطئ عيون القراء وأسماعهم، حجم المشاركة الإعلامية الكثيفة لبعض الأطباء النفسيين السعوديين، وفي مواقع تواصل اجتماعي متعددة، وفي مواضيع لا تمت أحياناً لتخصصهم بصلة، مثل: استضافة طبيب نفسي للنقاش حول اتجاه الناس للسياحة الخارجية؟! وما سبب البطالة في السعودية؟! ولا أقلل من أهمية هذه المواضيع، لكنها تحتاج لباحث متخصص، وليست ضمن خبرات الطبيب النفسي. ومما يؤسف له اتجاه بعض الأطباء النفسيين النابهين المتخرجين حديثاً في هذا الاتجاه. والهدف في البداية نبيل، وهو تثقيف المجتمع بمواضيع الصحة النفسية، لكن بحار الإعلام الهائجة وبريق الشهرة الزائفة، أدت لمشاركات إعلامية مثيرة للجدل، وفقيرة علمياً، ولا تمت لتخصص الطب النفسي بصلة.
وبعض الأطباء النفسيين اتجه لدورات تطوير الذات، وهي الأخرى لا تمت لتخصص الطب النفسي بصلة. فيعرف الطبيب النفسي قبل غيره، أن هذه الدورات ذات العنوانين البراقة من قبيل: كيف تتخلص من القلق وتصبح سعيداً في ثلاث ساعات؟ هي محدودة الفائدة لصحيح النفس والجسد، ولا ينتفع منها المريض غالباً. وأنى لمدرب مهما بلغ تأهيله، أن يعالج مائة شخص بشكل جماعي وخلال بضع ساعات! في حين يحتاج المعالج النفسي المؤهل، بحسب الدراسات العلمية، للقيام بجلسات علاجية نفسية، مقننة، متكررة مع مريض واحد أو مجموعة صغيرة، بشكل أسبوعي، ولبضعة شهور، وتستغرق كل جلسة منها 45 دقيقة؛ لكي يستطيع أن يعالج فعلياً أحد الأمراض النفسية. وبعض هذه الدورات يحاول تعليم تقنيات البرمجة اللغوية العصبية، وهي تفتقر لدراسات رصينة تثبت نجاعتها، كما أشارت لذلك دراسة استعراضية حديثة:
Sturt J, Neurolinguistic programming: a systematic review of the effects on health outcomes. Br J Gen Pract. 2012
وأحياناً، تُستخدم هذه الدورات للترويج عن مراكز الطب النفسي الخاصة. وأخشى أن في ذلك شيء من التدليس على المرضى، لأن تخصص المدرب العلمي الطبي، يعطي المرضى انطباعاً زائفاً بأن خلاص معاناتهم في حضور دورة كهذه، علاوة على ما فيه من إضاعة لأوقاتهم وأموالهم. وأحياناً، يدافع مقدمو هذه الدورات عنها، بأن هدفهم هو تثقيف عامة الناس بمواضيع الصحة النفسية، وهذا الأمر يتحقق فعلياً عبر محاضرات ولقاءات مفتوحة للنقاش، وليس عبر دورات مدفوعة الثمن، بعناوين يُفهم منها القدرة على تعليم العامة، كيفية تشخيص الاضطرابات الشخصية أو جلب السعادة المزعومة في ساعتين أو ثلاث!
وتذكيراً لنفسي وللأطباء النفسيين بشكل خاص، وللمهتمين من القراء الكرام بشكل عام؛ فسأوجز الأدوار الرئيسية الأربعة للطبيب النفسي، وهي نفس الأدوار المتوقعة من الأطباء في معظم التخصصات. كما أن بعض الأطباء قد يتميز في أحدها، وبعضهم في معظمها، والتوفيق من الله. وما عدا هذه الأدوار الأربعة من جهود، فلا يُحسب على تخصص الطب النفسي، وإنما هو اهتمام علمي إضافي، أو هواية شخصية جانبية. وهذه الأدوار باختصار هي:
1) الدور الإكلينيكي:
فهناك حاجة ماسة لكل دقيقة من أوقات الأطباء النفسيين في السعودية، ليصرفوها في خدمة المرضى في بلد يعد فيه الطبيب النفسي عملة نادرة، ويمتد الانتظار أحياناً في العيادات الخاصة فضلاً عن الحكومية لبضعة لشهور. ومازالت الخدمة النفسية المقدمة قاصرة، لأسباب مؤسسية حاولت مقاربتها في مقال بعنوان (خدمات الصحة النفسية في السعودية ليست كافية. فما الحل إذن؟)، وأسباب فردية طرقت بعضها في مقال بعنوان (اعرف حقك! ما هي حقوق المريض في العيادة النفسية؟).
أما العيادات النفسية التطوعية فهي أندر من الكبريت الأحمر. وهنيئاً لمن يتصدى لذلك. حيث من المعلوم، أن الأمراض النفسية شديدة الوطأة تنحدر بأصحابها في دركات الفقر والتشرد. ومن أخلص النية في خدمة هؤلاء فأحسبه والله حسيبه، قد حصل على خيري الدنيا والآخرة. وقد قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم ” ابغوني في ضعفائكم، فإنما ترزقون أو تنصرون، بضعفائكم “
2) الدور التعليمي:
فلا شك أن الدماغ، وهو مقر الأمراض العصبية والنفسية، ما زال غامضاً مقارنة بغيره من أعضاء الجسم، ولذلك تُصرف في سبيل كشف أغواره، مئات الملايين من الدولارات في العالم المتقدم. فلا توقف عن التعلم إلا بالتقاعد، ولا يثبت العلم إلا بتعليمه. فبالإضافة لمشاركتهم في تعليم طلبة التخصصات الرئيسية الأخرى في الصحة النفسية كعلم النفس والاجتماع. الخ؛ فلا مناص من أن يصرف الأطباء النفسيين، غالي أوقاتهم لتعليم طلاب الطب وطلاب الدراسات العليا الطبية في تخصصات الطب النفسي والأعصاب والعائلة والطوارئ والباطنة. الخ. ومن المعلوم، أن المصابين بأمراض نفسية شديدة الوطأة كالاضطراب ثنائي القطب واضطراب الفصام قد يموتوا أبكر من غيرهم ب 15 سنة بسبب ازدياد أمراض السكر والسمنة والضغط والكوليسترول والقلب. الخ لديهم مقارنة بعامة الناس. وبينما تتضاعف معدلات الإصابة باضطرابات الاكتئاب والقلق والهذيان لدى المصابين بأمراض جسدية حادة أو مزمنة؛ فإن الفشل في تشخيص وعلاج هذه الاضطرابات النفسية الآنفة الذكر، يؤدي لمضاعفة معدلات المراضة والوفيات لدى هؤلاء المرضى بشكل عام؛ وكذلك للإفراط في استهلاك الخدمات الصحية العامة، وزيادة الكلفة الصحية الإجمالية. ومن هنا تبوأ الطب النفسي مكانة بارزة في مقررات التعليم الطبي الجامعية وفوق الجامعية في العالم المتقدم.
وبالتأكيد، للأطباء النفسيين دور مهم في تثقيف مرضاهم مع عوائلهم أثناء مواعيدهم العلاجية. أما التوجه لتثقيف عامة الناس بمواضيع الصحة النفسية فمهم بلا شك، ولكن يبقى واحداً من الأدوار الفرعية لأحد أدوار الطبيب الرئيسية الأربعة. ويُفترض آن يتصدى لهذا الدور في المقام الأول، المتخصصون في التثقيف الصحي والنفسي.
3) الدور البحثي:
فلا تزال كثير من مواضيع الصحة النفسية في السعودية بكراً، وتحتاج لمن يتصدى لبحثها. ومن المتعارف عليه عالمياً، أن تنافس الأطباء الكبار يكون في عدد الأبحاث الرصينة التي ينشرونها في مجلات مرموقة، وليس في حجم الظهور الإعلامي، فذلك مجال يتنافس فيه مشاهير الفن والرياضة والإعلام. والدور البحثي له أبعاد كثيرة، لعلي أتطرق لها في موضوع مستقل بإذن الله.
4) الدور القيادي والإداري:
فمهما تطورت موارد الصحة النفسية في السعودية، فلن تكفي لسد العجز المتزايد، مالم تُستخدم هذه الموارد بطريقة كفؤة، وفي الطريق الصحيح. وليس خافياً استياء كثير من الأطباء النفسيين السعوديين من إهمال الجهات الصحية في المملكة للخدمات النفسية العامة، ولذلك ربما يبذل بعضهم جهداً ووقتاً متزايداً في القطاع الخاص. ومع ذلك، فأظن أننا كأطباء نفسيين، ما زال بيدنا الكثير لنبذله، لتطوير خدمات الصحة النفسية بشكل مؤسسي؛ ويأتي على رأس ذلك السعي لدمج خدمات الصحة النفسية في عيادات الرعاية الأولية والمستشفيات العامة، وفي ذلك مصلحة مشتركة للجميع، وتقليل للكلفة الصحية بشكل عام.
والله من وراء القصد
<<
اغلاق
|
|
|
ذي بدء، فقد أكدت عدد من الدراسات العالمية أن ما لا يقل عن 33% من أفراد المجتمع قد يصابوا بمرض نفسي في فترة ما من حياتهم. وهذه الأمراض النفسية، بحسب دراسة عالمية رصينة، أجريت حديثاً في 187 دولة، تحتل المرتبة الأولى ضمن قائمة الأمراض -غير المميتة- الأكثر عبئًا وتعطيلاً لأفراد المجتمع عن الإنتاج، وذلك بنسبة 23 % .
وأكثر ما يؤثر سلباً على هؤلاء المرضى، ضعف الخدمات الصحية النفسية المتوفرة لهم، وهذا قد فصلته في مقال سابق، وكذلك عدم معرفتهم بحقوقهم على مقدمي الرعاية الصحية النفسية. وكثيراً ما تطرح أسئلة حول زيارة الطبيب النفسي، وخصوصاً الزيارة الأولى للعيادة النفسية، ولذا سألخص فيما يلي ما يهم القارئ الكريم على صيغة سؤال وجواب:
س١) ما هو هدف الزيارة الأولى للعيادة النفسية؟
يهدف الطبيب النفسي لمساعدة المريض للتخلص من معاناته النفسية؛ وذلك عبر تشخيص المرض النفسي الذي يعاني منه حالياً، واستكشاف تأثيراته السلبية على آدائه لوظائفه الحياتية. ويحاول كذلك فهم شخصية هذا المريض، ولماذا أصيب بهذا المرض النفسي، ولماذا أصيب به الآن بالذات. كما يحتاج الطبيب لتصميم خطة علاجية متكاملة ذات أبعاد بيولوجية ونفسية واجتماعية وروحية، والسعي لتنفيذها مع فريق الصحة النفسية ككل بالتعاون مع المريض وأهله. وكل ما سبق لا يمكن تحقيقه دون بناء علاقة علاجية مهنية فعالة مع المريض، يشعر فيها المريض، بأن هذا الطبيب قد فهم معاناته، كما يثق بقدرته على مساعدته لتجاوزها.
س٢) كم الوقت المتوقع للزيارة الأولى وما بعدها؟
مما يحز في القلب، أن عدداً ليس بالقليل من الأطباء النفسيين في بلادي، لا يقضون وقتاً كافياً مع المريض وخصوصاً في الزيارة الأولى؛ وهي الزيارة الأهم للتشخيص الدقيق ورسم الخطة العلاجية. وهذا الأمر، يشبه فعل طبيب جراح، اكتفى بشق موضع العملية دون استئصال موضع الداء ولا خياطة للجرح بعدها، متذرعاً بقصر الوقت!!!. وقد اتفقت التوصيات العالمية على أن مدة الزيارة الأولى للطبيب النفسي هي ٤٥ دقيقة، ولا يُقبل بحال من الأحوال أن تقل عن نصف ساعة، مهما بلغ الطبيب علماً وخبرة. أما لو كان المريض طفلاً، فمدتها عادة ساعة ونصف، ولا تقل بحال عن ساعة كاملة. طبعاً، لكل قاعدة شواذ، فيستثنى من ذلك بعض حالات الطوارئ والعناية المركزة..الخ، وأحياناً يحتاج الطبيب لعدة زيارات، للوصول للتشخيص الدقيق.
ولأن مدة الزيارة الأولى طويلة نسبياً، مقارنة بعيادات الأطباء الاستشاريين الآخرين الغير نفسيين، فتتراوح متوسط أسعارها في أوروبا وأمريكا، ما بين ٥٠٠ إلى ألف ريال تقريباً، لكن في المقابل، ينال المرضى حقهم وافياً في التشخيص الصحيح، ورسم الخطة العلاجية الناجعة.
وأما زيارات المتابعة بعد الزيارة الأولى، فتتراوح مدتها ما بين ١٥ إلى ٤٥ دقيقة حسب نوعها، إن كانت متابعة للأدوية فقط، أو تشمل علاجاً بالجلسات النفسية.
س٣) ما هي مكونات المقابلة الأولى ؟
لتحقيق الأهداف المذكورة في السؤال الأول، يحتاج الطبيب النفسي لاستقصاء ما يلي:
الخصائص الديموغرافية والاجتماعية للمريض.
التاريخ المفصل للحالة المرضية النفسية الحالية.
التاريخ المرضي النفسي السابق والأمراض الجسدية السابقة والحالية، والأدوية التي يتناولها المريض بشتى أنواعها.
التاريخ العائلي المفصل بما في ذلك الإصابة بأية بأمراض نفسية، وطبيعة علاقة المريض بأفراد عائلته.
التاريخ الشخصي: بدءاً من ولادته مرورا بدراسته وتاريخه الوظيفي، وانتهاء بعلاقته بزوجته وأطفاله… مع استقصاء جوانب شخصيته السابقة للإصابة بالمرض، وكيفية تكيفه مع الضغوط بما في ذلك استعمال التدخين والمواد المحظورة…الخ
إجراء فحص جسدي وعقلي ومعرفي، يشمل كل ما يٌحتاج إليه.
مراجعة فحوصات المريض وطلب تحاليل وأشعة إضافية حسب حالة المريض الإكلينيكية.
رسم خطة علاجية متكاملة بالتعاون مع المريض.
س٤) ما هو مقدار الكشف الجسدي المتوقع من الطبيب النفسي، خصوصاً عند اختلاف الجنس بين المريض والطبيب؟
الطبيب النفسي كغيره من الأطباء بكافة تخصصاتهم مُطالب بأمرين:
الاقتصار في الكشف على جسد المريض، على ما يُحتاج إليه، كل حالة بحسبها. فمثلاً، لا يُتوقع غالباً من جراح العظام أن يكشف على الصدر، لمريضة مصابة فقط بالتواء في الكاحل. وهكذا.
احترام قيم المريض وثقافته، ومراعاة ذلك قدر الإمكان.
وفي المجمل، لا يحتاج الطبيب النفسي غالباً لرؤية وجه المريضة المنقبة، وذلك في معظم الحالات العصابية البسيطة كحالات القلق والرهاب والاكتئاب..الخ. بينما قد يحتاج أحياناً لكشف الوجه، وفحوصات جسدية أخرى، وذلك لتشخيص بعض الحالات الذهانية ومتابعة الأعراض الجانبية لبعض الأدوية.
س٥) ما هي أنواع العلاجات النفسية المتوفرة والمثبتة علمياً؟
أ) الأدوية.
ب) الجلسات النفسية.
ج) العلاج بأجهزة التحفيز الدماغي مثل: العلاج بالجلسات الكهربائية (ECT)، والتحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة (rTMS).
وحق للمريض، أن يعرف تفاصيل الخيارات المتوفرة مما سبق، حسب التوصيات الإكلينيكية العالمية لكل مرض بعينه، ويعرف الأعراض الجانبية لها، وأسعارها التقريبية مسبقاً. ثم يختار منها ما يشاء، بالمشاورة مع طبيبه.
ومن الأخطاء الشائعة في هذا السياق، صرف أدوية كثيرة منذ الزيارة الأولى دون برهان علمي. فالأصل هو البدء بدواء واحد، وجرعات صغيرة متصاعدة، ثم متابعة استجابة المريض، والتصرف تبعاً لذلك.
ومن الأخطاء، استخدام بعض أنواع العلاج النفسي إما غير المثبتة علمياً على الإطلاق أو المثبتة علمياً فقط في علاج بعض وليس كل الأمراض النفسية. ومن الأخطاء، حضور دورات تطوير الذات، لغرض العلاج من أمراض نفسية. فلم يثبت علمياً، أن هذه الدورات تعالج أي مرض نفسي. وإنما تنحصر فائدتها في أمرين فقط هما، تثقيف المرضى وأهاليهم بأمور الصحة النفسية والأمراض النفسية، وكذلك تدريب الأصحاء على مهارات الحياة كإدارة الوقت والمال..الخ.
أما العلاج بأجهزة التحفيز الدماغي، ففيه للأسف استغلال مادي للمرضى باستعمال أجهزة لم تثبت فعاليتها، وبأسعار مبالغ بها. والمثبت منها علمياً حالياً، العلاج بالجلسات الكهربائية (ECT)، والتحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة (rTMS)، وما عداهما من طرق، إما تُستخدم فقط لعلاج الحالات المستعصية للأدوية، وفي مراكز طبية متخصصة مثل تحفيز العصب الحائر(VNS) أو التحفيز العميق للدماغ(DBS)، أو أنها ما زالت في طور البحث العلمي ولم تثبت فعاليتها في علاج أمراض نفسية محددة حتى الآن.
والله من وراء القصد
<<
اغلاق
|
|
|
أقضت مضجعك الشهور الطوال، وشعرت بالحيرة والضياع بين دهاليز المستشفيات، بحثاً عن تشخيص طبي مقنع أو علاج ناجع؟! إن لم تكن أنت فربما قريب لك أو صديق. وربما تكون أو يكون مصاباً -وأنت لا تعلم-بأحد الاضطرابات النفسية الجسدية.
ولتوضيح بعض مصطلحات هذه المقالة، اسمح لي عزيزي القارئ، بأن أبدأ بسرد قصتين حقيقيتين (مع تعديل لبعض التفاصيل حفاظاً على سرية المرضى)؛ فقد زارت المريضة م. عيادة الطب النفسي الجسدي على مضض، بعد إلحاح من ابنتها؛ نتيجة معاناتها من ألم بأسفل الظهر، زارت لأجله عشرات العيادات الطبية والشعبية، وأنفقت آلاف الريالات، بحثاً عما يخفف من معاناتها. ورغم أن أشعة الرنين المغناطيسي للظهر أظهرت انزلاقاً غضروفياً محدوداً؛ لكن ذلك بالتأكيد لم يكن ذلك ليفسر معاناتها الشديدة التي امتدت لأكثر من سنة، وخضوعها لعشرات الفحوصات والعلاجات بحثاً عن حل لمعاناتها. أما المريض ن. الشاب الثلاثيني، فقد كرر منظار المعدة عشر مرات للتأكد من عدم إصابته بقرحة خبيثة في المعدة، كما حصل لوالده الذي توفي بسبب ذلك، عن عمر يناهز السبعين عاماً. ورغم أنه يشعر ببعض الاطمئنان لبعض الوقت، عندما يطمئنه الطبيب على نتيجة المنظار، إلا أن القلق سرعان ما يعاوده، فيذهب مرة أخرى لمركز طبي أخر بحثاً عن حل لمعاناته.
ما سبق إيراده يعد مثالاً لحالات نفسية جسدية عديدة، لا تكاد تخلو منها عيادة طبية، وبالمثال يتضح المقال. أما المريضة م. فهي مصابة بما يسمى اضطراب العرض الجسدي، والذي يُعرّف بحسب الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية، بوجود عرض جسدي واحد فأكثر (مثل الألم أو أي أعراض قلبية أو تنفسية أو معدية معوية أو عصبية..الخ)؛ وسواء تم تشخيص مسببات هذه الأعراض طبياً أو تعذر ذلك، فإن ذلك لا يفسر بحال حجم الكدر النفسي لدى المصاب به، وتدهور إنتاجيته في وظائفه الحياتية المتعددة جراء ذلك. ويُصاحب هذه الأعراض لمدة لا تقل عن ستة شهور، أحد أو كل ما يلي: إما أفكاراً مستمرة ومفرطة حول خطورة هذه الأعراض الجسدية، أو قلقاً ممضاً حول صحته أو مآل هذه الأعراض، أو استنزافاً لوقته وطاقته في تهدئة مخاوفه الصحية، أو البحث عن تشخيص وعلاج لهذه الأعراض.
وأما بالنسبة للمريض ن. فهو مصاب باضطراب قلق الأمراض، وهو مشابه في خصائصه لاضطراب العرض الجسدي، إلا أن المصاب به، لا يعاني من عرض جسدي محدد، وإنما هو مهموم بشدة من احتمالية إصابته بمرض خطير أو يعتقد أنه مصاب به بالفعل، لكن لم ينجح الأطباء في تشخيصه بعد. ومع أن بعض المصابين باضطراب قلق الأمراض يتحولون لزبائن دائمين للعديد من المراكز الطبية الخاصة أو العامة، إلا أن البعض الآخر قد يسلك سلوكاً تجنبياً معاكساً، فيتجنب زيارة الأطباء بالكلية، حتى لمتابعة وعلاج أمراض مزمنة يعاني منها.
وهناك عوامل كثيرة ترتبط بحصول اضطرابات الجسدنة هذه، ومنها وجود الحبسة المزاجية (Alexithymia) وهي عـدم القـدرة أو صعـوبـة الـوصف للعـواطف والانفعالات أو عدم الدراية بالمشاعر الداخلية. وعندما يمر المريض بضغوطات نفسية أو اجتماعية فإنها تتضافر مع عوامل شخصية وبنيوية أخرى لتساهم في نشوء مثل هذه الأمراض النفسية الجسدية. وهذان الاضطرابان شائعان، فقد يصاب بأحدهما 10% من المجتمع حسب دراسات عالمية. وكثيراً ما يصاحب اضطرابات الجسدنة هذه، الإصابة ببعض اضطرابات القلق أو الاكتئاب.
ويُعتقد أن معدلات انتشار اضطرابات الجسدنة في السعودية قد تفوق الرقم المذكور آنفاً -وإن كنا نفتقر حالياً لأي إحصائيات محلية دقيقة – وذلك لأسباب متعددة، من أهمها انقلاب الهرم الصحي لدينا. فمع وجود مستشفيات متطورة، تضم بين جنباتها تخصصات طبية بالغة الدقة، إلا أن نظام الرعاية الأولية وطب العائلة مازال مهمشاً لدينا، وحلقات الوصل بين أضلاع الهرم الصحي شبه مفقودة. ولذا فعندما يشعر شاب ثلاثيني بآلام عابرة في الصدر، مصاحبة لضغوط عملية أو عائلية، فإنه يلجأ لتحويل نفسه بنفسه، لأطباء متعددين ومعالجين شعبيين، يتنقل بينهم على غير هُدى. وقد يذهب هذا المريض لأحد المراكز الطبية الخاصة لعلاج شكوى طبية واحدة، ثم تتدافعه الأيدي بين عيادات المركز ومختبراته المختلفة، ويخرج منه في النهاية بشكاوى طبية متعددة، وبالطبع بعد فراغ جيوبه من الأموال!! وللأسف يحصل بعض الأطباء العاملين في تلك المراكز الطبية الخاصة على نسبة من قيمة الكشفية عند التحويل للعيادات الأخرى في نفس المركز، ونسبة من قيمة الفحوصات، وربما الأدوية التي يصرفها للمريض؛ وهذا يشكل تعارضاَ في المصالح، وقد يؤثر على قراراتهم الإكلينيكية.
ولعلي أختم هذه المقالة، ببعض التوصيات للتعامل مع هذه الاضطرابات النفسية الجسدية؛ فعلى مستوى التعامل مع الحالات الفردية يُنصح بما يلي:
السماح للمريض بتلبس دور المريض (فلا تُنكر معاناته من هذه الأعراض، حتى لو انتفى وجود مسببات خطيرة لها).
التركيز أكثر على استرداد المريض لوظائفه الحياتية، وليس على زوال الأعراض الجسدية.
يفضل الإقتصار على طبيب واحد، والأفضل أن يكون طبيب الرعاية الأولية أو طبيب العائلة، وأن يُجدول له زيارات عيادية متكررة، ومتقاربة، مع تجنب إجراء فحوصات وتحاليل إضافية غير مبررة إكلينيكياً؛ ويمكن اللجوء لمتخصص بالطب النفسي الجسدي لبعض الحالات الصعبة.
الانخراط في جلسات العلاج الجماعي أو العلاج الفردي النفسي، أو تناول العلاج الدوائي لبعض حالات قلق الأمراض.
تشخيص وعلاج أي أمراض نفسية أخرى مصاحبة كاضطرابات القلق والاكتئاب.
أما بالنسبة للنظام الصحي، فإنني أضم صوتي لكل المطالبين بإصلاح الهرم الصحي لدينا. ويأتي على رأس ذلك، توسيع قاعدة الهرم الصحي بدعم برامج الرعاية الأولية وطب العائلة على كل المستويات؛ بما في ذلك تخصيص بعض كليات الطب لخدمة هذا الغرض، وكذلك تكثيف أعداد البرامج التدريبية المختصرة بإشراف الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، لتدريس مناهج مختصة بهذا الأمر. والهدف في النهاية، هو تخريج كفاءات طبية وطنية بأعداد كافية، لخدمة مناطق المملكة المترامية الأطراف؛ ولتكون خط الصحة الأول الذي يبدأ منه أي مريض وينتهي إليه. فمن مركز الرعاية الأولية، تبدأ الوقاية من الأمراض، وعلاج الأمراض الشائعة، وهو المناط به التحويل المؤقت للمريض للرعاية الصحية الثانوية والثالثية، وعنده حلقة الوصل لكافة هذه الاستشارات. وفوائد ذلك لا تحصى، فستقلّ معدلات وحِدّة الأمراض العلاجية المنشأ (Iatrogenic illnesses)، كما ستقل شهور الانتظار للحصول على موعد في عيادة تخصصية. وفي المجمل، ستقل التكلفة الصحية والنفسية والاجتماعية والمادية بشكل عام.
والله من وراء القصد.
<<
اغلاق
|
|
|
النفسية، ونقص الخدمات الصحية النفسية في السعودية؛ ولذا أحببت مشاركة القراء الكرام ببعض المعلومات والتوصيات بهذا الشأن.
فقد أظهرت دراسة ضخمة نشرت حديثاً في مجلة طبية رصينة (Whiteford, the lancet, 2013) ، أن معدل عبء الأمراض النفسية ازداد عالميًا بنسبة 38% في عام 2010 مقارنة بعام 1990. وكذلك أبانت هذه الدراسة العالمية التي أجريت في 187 دولة، أن الأمراض النفسية وأمراض إساءة إستعمال المواد المحظورة تحتل المرتبة الأولى ضمن قائمة الأمراض -الغير مميتة- الأكثر عبئًا وتعطيلاً لأفراد المجتمع عن الإنتاج بنسبة 23 %. وبعبارة أخرى، فإن واحدًا من كل أربعة مرضى عاطلين عن الإنتاج في المجتمع، مصاب بمرض نفسي، وأكثرها انتشاراً وتأثيراً اضطراب الاكتئاب الجسيم ويأتي بعده إضطرابات القلق.
ومن ناحية أخرى أكدت عشرات الدراسات العالمية أن المكان المثالي لعلاج الأمراض النفسية هو القطاع الصحي العام من عيادات أولية ومستشفيات عامة. وأسباب ذلك متعددة، منها أن غالبية المرضى النفسيين يفضلون تلقي العلاج في القطاع الصحي العام نظراً للوصمة المرتبطة بالمستشفيات النفسية بالإضافة لسهولة الوصول للخدمة النفسية في القطاع الصحي العام. ولذا فالواقع يقول أن 10% فقط من المصابين بأمراض نفسية يتلقون العلاج في المستشفيات النفسية، بينما يتعذر تشخيص وعلاج الغالبية العظمى منهم (90%) إلا ضمن إطار العيادات الأولية والمستشفيات الطبية العامة. ومن الأسباب المهمة كذلك، أن المصابين بأمراض نفسية شديدة الوطأة كالاضطراب ثنائي القطب واضطراب الفصام قد يموتوا أبكر من غيرهم ب 15 سنة بسبب ازدياد أمراض السكر والسمنة والضغط والكوليسترول والقلب..الخ لديهم مقارنة بعامة الناس. وبينما تتضاعف معدلات الإصابة باضطرابات الاكتئاب والقلق والهذيان لدى المصابين بأمراض جسدية مزمنة أو تم تنويمهم في المستشفيات العامة لأسباب صحية مختلفة؛ فإن الفشل في تشخيص وعلاج هذه الاضطرابات النفسية الآنفة الذكر يؤدي لمضاعفة معدلات المراضة والوفيات لدى هؤلاء المرضى بشكل عام؛ وكذلك للإفراط في إستهلاك الخدمات الصحية العامة، وزيادة الكلفة الصحية الإجمالية.
ماذا عن وضع الصحة النفسية في السعودية؟ هناك مسح وطني للأمراض النفسية مازال قائماً حتى الآن. وبانتظار نتائجه، فيمكن القول أنه اعتماداً على الدراسات العالمية التي تشير إلى أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص في العالم قد يصاب بمرض نفسي في فترة من فترات حياته سواء كان مرضاً خفيف الوطأة كرهاب الطيران أو أشدها وطأة كاضطراب الفصام؛ فيمكن أن نستنتج من ذلك أن هناك قرابة 7 مليون سعودي مصاب أو سيصاب بمرض نفسي يوماً ما. وبحسب دراسة
(A. Al-Habeeb, 2010) ، فإنه يوجد لدينا في السعودية عيادتان أوليتان فقط من ضمن 1905 عيادة أولية تم دمج الخدمة الصحية النفسية ضمن خدماتها. ورغم أنه يوجد لدينا قرابة 400 مستشفى حكومي وخاص في السعودية، فلا يوجد سوى بضعة مستشفيات عامة تحتوي على أقسام نفسية متكاملة بما في ذلك خدمة التنويم المؤقت للحالات النفسية الطارئة في أجنحة مجهزة لهذا الأمر. ومما يؤكد بؤس الخدمات الصحية النفسية لدينا في السعودية، أن شركات التأمين الصحي ترفض إدراج علاج الأمراض النفسية ضمن بوليصة التأمين الصحي الأساسية أسوة بعمليات التجميل والأسنان. ولا تسل عن معاناة المرضى بسبب ذلك في ظل غلاء الأدوية النفسية.
إذن كيف نستطيع في السعودية مواجهة هذه الاحتياجات المتزايدة للرعاية النفسية ؟ هل نبني مزيداً من المستشفيات النفسية المعزولة ؟ خلاصة القول أنه مهما ازداد عدد المستشفيات النفسية ومستشفيات الإدمان في السعودية (لا تزيد حالياً عن 20 مستشفى)، فلن تستطيع أن تقدم الخدمة الكافية لعلاج قرابة 7 مليون سعودي قد يصابوا بمرض نفسي يوماً من الأيام. علاوة على أن هؤلاء المرضى كما فصلت سابقاً، يحتاجون لخدمات صحية متكاملة لعلاج الأمراض الجسدية المزمنة والخطيرة، الذين هم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بها؛ وهذا ما يتعذر الحصول عليه في مستشفيات نفسية معزولة.
والحل في نظري ألا نعيد اختراع العجلة من جديد، فلقد جرب غيرنا مضاعفة عدد المستشفيات النفسية قبل مائتي سنة وفشلوا فشلاً ذريعاً. والحل الذي ينادي به كثير من المختصين هو إنشاء معهد وطني أو هيئة وطنية للصحة النفسية يكون من مهامها إجراء الدراسات المستفيضة للقضايا النفسية الملحة وكذلك رسم الخطط وتنسيق خدمات الصحة النفسية على مستوى المملكة. وأقترح هنا، البدء بإجبار جميع المستشفيات العامة الكبرى والتخصصية على تخصيص 10% من أسرتها لتكون أجنحة نفسية، ودمج العيادات النفسية ضمن عيادات المستشفيات العامة ومراكز الرعاية الأولية. وكذلك أقترح تقنين إنشاء المصحات النفسية المعزولة إلا ماكان منها معداً كمراكز تأهيلية للمدمنين مثلاً أو لمرضى الطب النفسي الشرعي فقط، مع التوسع في إنشاء مراكز العلاج النهاري والتأهيل النفسي وبيوت منتصف الطريق ودورالإيواء؛ وذلك لتقديم الرعاية طويلة الأمد للمرضى النفسيين المزمنين، وتقليل ظاهرة التشرد بينهم. وأخيراً لابد من تشجيع القطاع الصحي الخاص على تطويرخدماته النفسية، مع إجبار شركات التأمين الصحي على إدراج علاج الأمراض النفسية ضمن الأمراض المكفول علاجها في بوليصة التأمين العلاجية. وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
<<
اغلاق
|
|
|
ورحمة الله وبركاته وبعد:
فمما ذاع وانتشر بين الناس أن الأمراض النفسية لا تصيب من تمسك بالدين أو قويت إرادته. وربما تحمس بعضهم ودعا لإغلاق العيادات النفسية. وهذا ما حفزني لكتابة هذا المقال من أجل توضيح بعض المفاهيم التي تلتبس على بعض الناس حول ماهية الأمراض النفسية :
أولاً: تصيب الأمراض النفسية قرابة 33%من الناس في العالم ،وهذه النسبة مطردة في شرق العالم وغربه .ويصل عدد هذه الأمراض بحسب التصنيفات العلمية لما يقارب الثلاثمائة مرض، وتتراوح في شدتها من أخفها كالرهاب المحدد (رهاب الطيران،المرتفعات……الخ) إلى أشدها وطأة كمرض الفصام العقلي.
ثانياً :تتعدد مسببات الأمراض النفسية وتختلف بحسب أنواعها ،وغالبا ما تتضافر أسباب جينية وبيولوجية وضغوط نفسية واجتماعية لإظهار المرض .ولعلي هنا أضرب مثالاً لدور العامل الجيني في الإصابة بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب (النوع الأول) فنسبة الإصابة لدى عامة تالناس 1% ،وتزيد لدى الأبناء إذا كان أحد الأبوين مصاباً إلى 20%، أما إذا كان كلا الأبوين مصاب بالمرض فإن نسبة إصابة الأبناء تصل إلى 60% .وإذا كان أحد التوأم المتشابه (من بويضة واحدة) مصاباً بالمرض فإن نسبة إصابة التؤم الثاني تصل ل 70%. وكما هو الحال في عدد من الأمراض كالسكري مثلاً فليس هناك جين وحيد مسبب لمرض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب (النوع الأول) بل هناك عدة جينات مصابة تتفاعل مع بعضها ومع عوامل بيولوجية وضغوط نفسية واجتماعية لكي يصاب الانسان بالمرض.
ثالثاُ: ما حجم تأثير هذه الأمراض النفسية على المصابين بها والمجتمع ككل؟! .للأسف فإن الإجابة مفزعة.فقد أكدت دراسات منظمة الصحة العالمية أنه بحلول عام 2020 سيصعد مرض الاكتئاب الحاد من المرتبة الرابعة للمرتبة الثانية خلف مرض شرايين القلب التاجية في قائمة أشد الأمراض فتكا بالبشرية من ناحية حجم انتشارها وإعاقتها للمصابين بها.وهناك أربع أمراض عصبية ونفسية أخرى بالإضافة لمرض الإكتئاب الحاد تحتل مقعداً ضمن قائمة العشر أمراض الأولى من ناحية حجم انتشارها وشدة إعاقتها للمصابين بها . ومما يزيد الطين بلة أن بعض الأمراض النفسية كالإكتئاب يفاقم من نسبة وشدة الإصابة ببعض الأمراض الجسدية والعكس صحيح. وكمثال لذلك فقد أكدت عدة دراسات مسحية عالمية أن مرض الإكتئاب الحاد يزيد من نسبة تكرار الجلطات القلبية المميتة من ضغفين إلى خمس أضعاف. ولتفسير هذا التشابك بين مرض الاكتئاب وجلطات القلب فقد أشارت الدراسات لزيادة تخثر الدم ونسبة الالتهابات واضطراب الجهاز العصبي اللاإرادي لدى مرضى الإكتئاب مما يفاقم مرض شرايين القلب التاجية. وللأسف ما زالت نسبة الميزانيات المرصودة لعلاج الأمراض النفسية وتأهيل المصابين بها دون المستوى المطلوب في أنحاء كبيرة من العالم ولذلك تخسر الولايات المتحدة الأمريكية قرابة سبعمائة مليار ريال سنوياً بسسب ضعف إنتاجية مرضى الاكتئاب. فيا ترى كم تخسر بلادنا بسبب قلة الاهتمام بتشخيص وعلاج مرض الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية؟!
رابعا:لا شك أن قوة الايمان بالله وبقضائة وقدره تخفف من وطأة الاصابة بكافة الأمراض جسدية كانت أو نفسية. لكن ما هو مؤكد كذلك أن أي إنسان مهما كانت قوة إيمانه فهو معرض للإصابة بجميع الامراض بلا استثناء وهي جزء من ابتلاء الله لعباده. وقطعاً لم يحجر الشارع الحكيم على الناس أن يصابوا بمشاعر الحزن والخوف والغضب وإنما نهوا عن السلوكيات المصاحبة والتي باستطاعتهم تفاديها كاطلاق عبارات التسخط وبعض سلوكيات الجاهلية كشق الجيوب وغيرها. وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على وفاة ابنه إبراهم وقال(وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون). وحزن يعقوب عليه السلام حتى ابيضت عيناه على فراق ابنه يوسف .وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغضب إذا انتهكت محارم الله ولايقول إلا حقاً. وبدلاً من كبت هذه المشاعر وهو أمر محال فقد كان المنهج النبوي يسلي المحزونين والمهمومين بقوله صلى الله عليه وسلم (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).ومع وضوح هذا الأمر فما زال بعض دعاتنا ومثقفينا يثرب على من تطبب عند طبيب نفسي ويصادر مشاعر وأحاسيس من ابتلوا ببعض هده الأمراض.والأسوأ من ذلك أن تذاع مثل هذه الآراء على منابر شرعية أو تنشر في صحف سيارة.
خامساً) لم يجد نبينا صلى الله عليه وسلم غضاضة في أن يصف علاجاً حسياً لمشاعر حزن طبيعية كما ورد في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان ينصح باستعمال (التلبينة)وهي حساء يصنع من الدقيق لمن أصابه حزن على وفاة قريب . وكان يقول عليه الصلاة والسلام (التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن). وقياساً على ذلك فإذا كان المنهج النبوي ينصح بعلاج حسي لمشاعر حزن طبيعية فإن استعمال الأدوية النفسية المثبتة بدراسات علمية محكمة لعلاج الأمراض النفسية أمر محمود بلا شك ولهذا السبب فإن كبار علمائنا وعامة مثقفينا ونسبة متزايدة من الناس في الوقت الحاضر يؤكدون على أهمية التطبب في العيادات النفسية لمن احتاج لذلك.
وأخيراً .لقد ورد في الحديث ( من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن) ،وأعتقد أنه من أفتى بغيرعلم بأمور طبية سواء بصرف دواء أو منع غيره من أخد دواء فقد يقع في طائلة المسائلة سواء في الدنيا أو في الآخرة… والله أعلم.
ولكم خالص شكري وتقديري
<<
اغلاق
|
|
|
المرضى من يعلق بالذاكرة. فما زلت أتذكر زيارة أم محمد الأولى لعيادتي قبل سنتين تقريباً. لقد كان بصحبتها ابنها محمد الذي كان ومازال بها حفياً. لم يكن محمد وهو الشاب المثقف ليسكت عن وضع والدته المتدهور صحياً ونفسياً. لقد خاضت والدته ببسالة فائقة معركة طاحنة ضد مرض سرطان الصدر دامت لخمس سنوات. وقد استطاعت أن تتعايش وتتكيف مع انتكاسات المرض وجراحاته وأدويته الكيماوية حتى سنتين مضت. فمنذ بدأت أم محمد جلسات العلاج الكيميائي الأخير وحالتها النفسية في تدهور مستمر، وهي مصرة على إيقاف هذا العلاج حتى لو خسرت الجولة الأخيرة في معركتها ضد مرض السرطان. لقد أصبحت حياتها جحيماً لا يطاق لدرجة أنه لم يكن ليرقأ لها دمع ولم يكد يغمض لها جفن لا ليلاً ولا نهاراً، وكذلك لم تكن معدتها تقبل زاداً ولذا فقد نحل جسدها. لقد اعتزلت أم محمد الناس وانطوت في غرفتها تغالب أحزانها. وأكثر ما كان يعتصر قلبها ألماً أنها فقدت الدافع والطاقة والتركيز الكافي لكي تصلي وتتعبد لله كما اعتادت ذلك في سالف حياتها.
لم يقتنع محمد أن أعراض الإكتئاب الحادة التي أصابت والدته أمر طبيعي أو ضربة لازب لابد أن يكابدها كل مريض بالسرطان. ولقد أكدت الدراسات العلمية ما آمن به محمد فغالبية مرضى السرطان لا يعانون من هكذا أعراض. فمرض الإكتئاب الحاد يصيب قرابة 25٪ من مرضى السرطان إما بسبب صدمة الإصابة بمرض خطر كالسرطان أو صعوبة التكيف مع آلامه أو التنبؤ بمساره، وفي أحيان أخرى بسبب طبيعة ومكان الورم(يزيد معدل مرض الاكتئاب في حالة الأورام الدماغية أو التي تنتشر للدماغ، وأورام البنكرياس…الخ).وفي حالة أم محمد كان السبب غالباً في نوعية العلاج الكيميائي الذي بدأت في تناوله مؤخرًا، ومعروف أن بعض العلاجات الكيميائية والهرمونية قد تؤدي لاضطراب في نواقل عصبية دماغية لها علاقة بضبط المزاج ومنها مادة السيروتونين.
للأسف الشديد فإن الحالات المشابهة لحالة أم محمد كثيرة. وما يقال في مرض السرطان يسري على غيره من الأمراض الباطنية المزمنة كأمراض القلب والكبد والكلى والدماغ وغيرها؛ و التي تتميز بتكرر الانتكاسات وكثرة المضاعفات وتأثيرها البالغ في حياة المصاب بها بما في ذلك نوعية وتعقيد علاجاتها الدوائية والجراحية وما تتطلبه من تنويم متكرر بالمستشفى.
ولك عزيزي القارئ أن تتخيل حال فتاة في عمر الزهور تصاب بمرض الذئبة الحمراء الذي يغزو كلاها وينتهي بها المطاف بعد بضعة سنوات من المعاناة أن تضطر لزيارة المستشفى ثلاث مرات أسبوعياً لتمكث بضع ساعات تحت جهاز الغسيل الكلوي. أي حياة تعيشها هذه الفتاة؟ ألا تستحق منا كأطباء ومستشفيات وجهات صحية عليا أن نوفر لها الرعاية النفسية والاجتماعية التي تكفل لها حياة أفضل. لقد عاينت في كندا حيث تدربت بعضَ هؤلاء المرضى وقد استعادوا بهجة حياتهم الشخصية والاجتماعية بل عاد بعضهم لوظيفته رغم أنه مستمر في استخدام جهاز الغسيل الكلوي وقت نومه كل مساء، لكن في بيته وليس في المستشفى، وبالطبع تحت إشراف ودعم من فريق أمراض الكلى المشرف على علاجه.
في بلدنا ولله الحمد والمنة، تُنفق أموال طائلة على الصحة، لكن الفرق بيننا وبينهم أنهم يصرفون قرابة 15٪ من ميزانية الصحة على خدمات الصحة النفسية والاجتماعية بينما في غالب الدول العربية لا تتجاوز النسبة 2٪. وبينما نهتم أحياناً بشراء أحدث موديلات الأجهزة الطبية تجدهم هناك في الدول المتقدمة ربما يكتفون بموديل أقدم طالما لم يختلف جوهرياً عن الطراز الأحدث، ويوفرون هذا المال لتوظيف ممرضة مؤهلة تلعب دور المنسق الصحي وهمزة الوصل بين هؤلاء المرضى وبين أطباءهم الباطنيين والنفسيين الجسديين على حد سواء، وكذلك دور الداعم النفسي والاجتماعي لهؤلاء المرضى المزمنين في مواجهة تغول المرض وتعقد الخدمات الصحية التي يحتاجونها.
إن هذه الفئة المنسية رغم ضخامة أعدادها وتكاثرها مع الوقت؛ والتي تعاني من عدة أمراض باطنية مزمنة ويصاحبها ويفاقمها بعض الأمراض النفسية وخصوصاً الاكتئاب والقلق، تشكل بلا شك التحدي الأكبر للمهتمين بالقطاع الصحي في القرن الواحد والعشرين. وبالجملة فإن الدراسات العلمية الرصينة تجمع على أن تكثيف الاهتمام بالصحة النفسية والاجتماعية لهؤلاء المرضى لن يحسن من صحتهم وجودة الحياة التي يعيشونها فحسب وإنما سيقلل كذلك من النفقات الصحية ككل.
أعود لقصة أم محمد ( والقصة حقيقية مع تعديل لبعض التفاصيل حفاظاً على سرية المريضة)، فبفضل من الله استجابت بسرعة لمضادات الإكتئاب وجلسات العلاج النفسي القصيرة الأجل وعادت الطمأنينة لحياتها من جديد. وفي مقابلتي الأخيرة لها منذ بضعة شهور لم تكن أم محمد مهمومة بالورم أو الاكتئاب كما كانت من قبل. ولئن تناقشنا لبرهة من الوقت في إيقاف مضاد الاكتئاب تدريجياً فإن نقاش أحوالها العائلية المضطربة قد طغى على وقت الجلسة. فمع تحسن حالتها الصحية والنفسية عادت أم محمد للاهتمام بعائلتها لكنها شعرت بالمرارة عندما اكتشفت بعض المستجدات العائلية والقرارت الأسرية التي انفرد زوجها وأبناؤها في اتخاذها لحظة انكفائها على نفسها لبضع سنين وقت اشتداد المرض. يا ترى هل ستتكيف أم محمد وأسرتها مع عودتها لدورها القديم في الأسرة؟ تلك بلا شك فصول لمعاناة أخرى لهؤلاء المرضى ولأسرهم تستحق أن نفرد لها مقالاً آخر بإذن الله.
<<
اغلاق
|
|
|
عقلاني من أشياء تُشَكِّل خطراً طفيفاً أو لا تُشكِّل أيَّ خطرٍ على الإطلاق. وهناك أنواع كثيرة من الرُّهاب، كرُهاب المرتفعات مثلاً، حيث يكون الشخصُ قادراً على التَّزَلُّج فوق أعلى الجبال، لكنَّه يخاف تجاوُز الطابق الخامس في أحد الأبنية. وهناك رُهابُ الأماكن العامَّة ورُهاب الأماكن المُغلَقة. وإذا كان المرءُ يشعر بالقلق والتَّوَجُّس في المواقف الاجتماعية اليومية، فقد يكون مُصاباً برُهاب المجتمع. ومن أشكال الرُّهاب الشَّائعة الأخرى رُهابُ الأنفاق، ورُهابُ القيادة على الطرق السريعة، ورُهاب المياه، ورُهاب الطيران، ورُهاب الحيوانات، ورُهاب الدم. يحاوِل المُصابُ بالرُّهاب أن يتجنَّب الشيءَ الذي يُخيفه. وإذا لم يستطع ذلك فقد يُعاني من: • الخوف والهَلَع. • تسرُّع دقَّات القلب. • ضيق النَّفَس. • الارتعاد. • رغبة شديدة في الهرب. تساعد المعالجةُ معظمَ الأشخاص المُصابين بالرُّهاب، وقد تعتمد على الأدوية أو المعالَجة غير الدوائية، أو على الاثنتين معاً.
مقدِّمة
الرُّهابُ نوعٌ من أنواع اضطرابات القَلَق. وهو خَوفٌ شَديد غير عقلاني من أشياء تُشَكِّل خطراً طفيفاً أو لا تُشكِّل أيَّ خطر على الإطلاق. وهناك أنواع كثيرة من الرُّهاب، كرُهاب المرتفعات ورُهاب الأماكن العامَّة. يساعد هذا البرنامجُ التثقيفي على فهم الرُّهاب. وهو يتناول أعراضَه وأسبابَه وتشخيصَه ومُعالجَتَه.
الرُّهاب
الرُّهابُ نوعٌ من أنواع اضطرابات القَلَق. وهو خَوفٌ شَديد غير عقلاني من أشياء تُشَكِّل خطراً طفيفاً أو لا تُشكِّل أيَّ خطر على الإطلاق. يُسبِّب الرُّهابُ خوفاً يزيد كثيراً على القلق العابِر الذي يحِسَّه الإنسان عندما يتعرَّض لوضع مخيف أو لحالة تُسبِّب التوتُّر. يكون الخوفُ الناجِم عن الرُّهاب شديداً، ويستمر وقتاً غَير قليل. ومن الممكن أن يُقلِّل من قُدرة الشخص على النجاح في عمله أو في مُحيطِه الاجتماعي. تنقسم أنواعُ الرُّهاب إلى ثلاث فئات:
أنواع الرُّهاب المُحدَّدَة.
رُهاب المجتمع.
رُهاب الأماكن العامَّة أو الأماكن المَفتوحة.
الرُّهابُ المحَدَّد هو رُهابٌ بسبب شيء محدَّد أو وضع محدَّد؛ فمثلاً، يكون لدى الشخص المُصاب برُهاب الأماكن المغلَقَة خوفٌ من أيِّ حيِّزِ مُغلق. وهناك من لديه رُهابُ العَناكِب أيضاً. كما أنَّ هناك أنواعاً كثيرة من أشكال الرُّهاب المُحدَّدة. رُهابُ المجتمع هو خوفٌ من الناس. وهو خوف يتجاوَز مشكلةَ الخَجَل، حيث يجعل الإنسانَ شديدَ الانغلاق على نفسه، لأنَّه يخاف أن يتعرَّضَ إلى الإهانة أو الانتقاد أمام الآخرين. كما يخاف المُصابُ بهذا الرُّهاب من قيام الآخرين بتقييمه على نحوٍ سلبي. هناك رُهابُ الأماكن المفتوحة أو العامَّة. وهو يتطوَّر عادةً بعد أن يتعرَّض الشخصُ إلى نوبة أو أكثر من نوبات الهَلَع. يخشى الشخصُ في هذه الحالة أن يوجَدَ في مكان يصعُب الهربُ منه إذا داهمته نوبة هَلَع، وذلك من قبيل المِصعَد أو السوق التجاري المُغلَق أو الغُرَف المُزدَحمة أو الأماكن المُتَّسِعة المفتوحة. يحاول المُصابُ بالرُّهاب عادةَ تفادي ما يُسبِّب له الخوف. وإذا لم يستطع الهَرَب، فمن الممكن أن تنشأَ لديه ردود أفعال جسَديَّة ونفسية شديدة، من بينها تسرُّعُ ضربات القلب وقِصَر النَّفَس والهَلَع الشديد. يمكن أن يسبِّبَ الرُّهابُ مشكلاتٍ تسيء إلى كثير من جوانب مريض الرُّهاب. ومن المضاعفات التي يسبِّبها الرُّهاب:
العُزلة الاجتماعية.
الاكتئاب.
سوء استخدام المواد أو العقاقير.
الأعراض
يستجيب الناسُ للرُّهاب بطرقٍ متشابهة. وتتناول المقاطعُ التالية الأعراضَ التي ترتبط بالرُّهاب عادةً. يشعر مريضُ الرُّهاب بقلقٍ لا يستطيع السيطرةَ عليه عندما يكون في مواجهة الشيء الذي يُسبِّب له الخوف. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يسبِّب رُهابُ الأماكن العامَّة خوفاً شديداً للمريض عند استخدام المِصعَد. يشعر الشخصُ المصاب بالرُّهاب أنَّه مُضطَّرٌّ إلى فعل كلِّ ما يستطيع لتجنُّب الشيء الذي يُسبِّب له الخوف؛ فمثلاً، يمكن أن يصعد المصابُ برُهاب الأماكن العامَّة عشرةَ طوابق على قدميه هرباً من استخدام المِصعَد العام. قد يجد المُصابون بالرُّهاب صعوباتٍ في التصرُّف والعمل على نحوٍ طبيعي بسبب قلقهم. وهذا ما يُمكن أن يُسبِّبَ لهم مُشكلاتٍ في العمل والحياة الاجتماعية. غالباً ما يُدرِك المصابُ بالرُّهاب أنَّ مخاوِفَه غير منطقيَّة، لكنَّه يشعر بانعدام القُدرة على ضَبطِها أو التحكُّم فيها. يُصبِح بعضُ المصابين بالرُّهاب خائفين أو مُتَوَتِّرين لمجرَّد التفكير في الشيء الذي يُخيفُهم. غالباً ما يعاني الطفلُ المُصاب بالرُّهاب من نوبات هَلَعٍ عندما يواجهه الشيءُ الذي يُخيفه. وقد يتعلَّق بأيِّ شخص كبير أو يلتصق به أو يبكي. تسبِّب أشكالُ الرُّهاب أعراضاً جسَديَّة أيضاً، من بينها:
تسرُّع دقَّات القلب.
التعَرُّق.
صُعوبة التنفُّس.
الأسبابُ وعوامل الخطورة
إنَّ السببَ الدقيق للرُّهاب غيرُ معروف. ولكن، يعتقد العُلماء أنَّه يُمكن أن يحدثَ بسبب مواد كيميائية مُحدَّدة في الدِّماغ، أو بسبب الوراثة، أو إصاباتٍ رضيَّة. لكن لابدَّ من مزيد من البحث والدراسة للتأكُّد من سبب حدوث الرُّهاب. رغم عدم معرفة الأسباب الدقيقة للرُّهاب، إلاَّ أنَّ هناك عدداً من عوامل الخُطورة التي ترتبط به. وعواملُ الخطورة هي تلك العواملُ التي يمكن أن تزيدَ احتمالات ظهور حالات طبِّية معيَّنة. لكنَّ توفُّرَ أحد عوامل الخطورة عند شخصٍ ما لا يعني أنَّ تلك الحالة الطبية سوف تظهر لديه بالتأكيد. يبدو أنَّ هناك صلةً بين الرُهاب لدى الشخص والرُّهاب الذي يعاني منه والداه. وقد "يتعلُّم" الطفلُ الرُّهابَ نتيجة رؤيته ردَّة فعل أحد أفراد أسرته إزاء شيء ما أو وضعٍ ما. يمكن أن يكونَ تعرُّضُ الشخص لتجربةٍ رَضيَّة واحداً من عوامل الخُطورة فيما يتعلَّق بظهور الرُّهاب لديه. وغالباً ما تنشأ أنواع محدَّدة من الرُّهاب عند الأشخاص الذين يعيشون تجربةً صعبة من قبيل الحوادث الجوِّية أو حوادث المناجم، بحيث يكون نوعُ الرُّهاب مرتبطاً بنوع تلك التجربة الرضيَّة. يعدُّ السِّنُّ أحدَ عوامل الخطورة المتعلِّقة بالرُّهاب، حيث ينشأ رُهابُ المجتمع قبل سن الخامسة والعشرين عادةً. وغالباً ما يبدأ ظُهورُ بعض أنواع الرُّهاب المتعلِّقة بالبيئة المُحيطة أو بإصابات شخصية منذ الطفولة، وقد يحدث ذلك منذ السنة الخامسة من العُمر. إن رهاب المصاعد والجسور والطيران وغيرها من أنواع الرهاب الأخرى المتعلقة بظرف معين، غالباً ما تنشأ في منتصف العشرينات من العمر. قد يكون جنسُ الإنسان واحداً من عوامل الخُطورة أيضاً. والظاهرُ أنَّ الإناث معَرَّضاتٌ للإصابة بالرُّهاب أكثر من الذُّكور. وهُنَّ مُعَرَّضات أكثر منهم للإصابة برُهاب الأماكن العامَّة المفتوحة. لكن من الممكن أن يكونَ الرجال أقلَّ من النساء ميلاً إلى الحديث صراحةً عن الرُّهاب الذي يعانون منه.
التشخيص
إذا ظنَّ الشخصُ أنَّه مُصابٌ بالرُّهاب، فإنَّ سُبُل المساعدة متوفِّرة من أجله. وعليه أوَّلاً أن يتحدَّثَ مع الجهة التي توفِّر له الرعايةَ الطبية الأوَّلية. وسوف تُحيلُه تلك الجهة، على الأرجَح، إلى طبيب متخصِّص في الرعاية الطبِّية النفسية إذا توفَّر ما يُشير إلى إصابته بالرُّهاب. حتَّى يُحقِّق الشخصُ أقصى فائدة من مقابلة الطبيب المتخصِّص، فإنَّ عليه أن يقومَ بما يلي:
تسجيل الأعراض التي يعاني منها.
تدوين ما يتعلَّق بأيَّة تغيُّرات طرأت مؤخَّراً على حياته أو بأيَّة حالات شِدَّة نفسية كبيرة مرَّ بها.
وضع قائمة بكلِّ الأدوية التي يتناولها، بما في ذلك الفيتامينات والمُتمِّمات.
يعتمد تشخيصُ الرُّهاب على المُقابَلة السَّريريَّة، حيث يقوم الطبيبُ بطرح عدد من الأسئلة. وهو يستخدم قواعد عامةً ليحدِّد ما إذا كانت الأعراضُ ناجِمةً عن الرُّهاب أو عن حالة طبِّية أخرى. قد يجري تشخيصُ الرُّهاب في الحالات التالية:
وجود خوف شديد دائم.
القلق عند مواجهة ما يسبِّب الخوف.
خوف يتميَّز بأنَّه مبالغ فيه وغير منطِقي.
كما يقوم الطبيبُ أيضاً بتقرير ما إذا كان:
المريض يتجنَّب ما يُسبِّب خوفه مهما كلَّفَه الأمرُ، أو أنَّه يتعرَّض بسببه إلى قلق وكَرَبٍ شديدين.
لا يمكن ردُّ الأعراض الموجودة إلى أيَّة حالة طبية أخرى.
لا يشكُّ الطبيبُ بوجود الرُّهاب عند الأطفال والمُراهقين إلاَّ إذا استمرَّت الأعراضُ ستَّةَ أشهر أو أكثر. قد لا يُدرك الطفلُ أنَّ مخاوِفَه غيرُ منطقية أو مبالغٌ فيها؛ لأنَّ الأطفال يفتقرون غالباً إلى القدرة على التمييز بين العواطف والمشاعر العاديَّة وغير العادية. يمكن أن تختلفَ المعاييرُ المستَخدَمة في التشخيص اختلافاً طفيفاً بحسب نوع الرُّهاب.
المعالجة
من المُستَبعَد أن تتحسَّنَ حالةُ الشخص المُصاب بالرُّهاب من غير اللجوء إلى نوع من أنواع المُعالجة. ويكون هدفُ المعالجة تخفيف القلق ومساعدة المريض على التحكُّم بردود أفعاله تجاه الموضوع أو الوضع الذي يُثير خوفه تحكُّماً أفضل. يشمل علاجُ الرُّهاب عادةً استخدامَ الأدوية والمعالجة السُّلوكيَّة، أو الاثنين معاً. الأدويةُ المُستخدَمة غالباً في معالجة الرُّهاب هي:
مُضادَّات الاكتِئاب.
المُهدِّئات.
حاصِرات بيتا.
لا يجوز أبداً بدءُ تناول أي دواء أو التوقُّف عن تناوله من غير استشارة الطبيب أوَّلاً. كما يجب الانتباهُ إلى أنَّ هناك أدوية لا تكون فعَّالة إلاَّ إذا تناولها المرءُ على نحوٍ منتَظِم. وقد تعود الأعراضُ من جديد عند إيقاف الدَّواء. قد يقترح الطبيبُ استخدامَ نوعٍ من أنواع المُعالجة السُّلوكية لمعالجة الرُّهاب. وغالباً ما تتألَّف المعالجةُ السُّلوكية في حالات الرُّهاب من إزالة التَّحَسُّس أو من المُعالجة بالتَّعَرُّض. إزالة التَّحَسُّس أو المُعالجة بالتَّعَرُّض هما نوعان من المعالجة يهدفان إلى تغيير طريقة الاستجابة إلى شيء أو وضع مُعيَّن يخشاه المريض. وعندَ استخدام هذا النوع من المعالجة، فإنَّ المريضَ يُعَرَّضُ على نحوٍ تدريجي إلى الشيء الذي يُسبِّب خوفه. ويجري ذلك عبر جلسات معالجَة كثيرة إلى أن يتعلَّمَ المريضُ كيف يسيطر على قلقه. تعدُّ المعالجةُ المعرفيّة السلوكية نوعاً آخر من أنواع المُعالجة المستَخدَمة في حالات الرُّهاب. وهي معالجةٌ أكثر شمولاً، لأنَّها تساعد المريض في السيطرة على أفكاره ومشاعره. كما يتعلَّم المريضُ أيضاً طُرقاً مختلفة من التفكير فيما يخصُّ مخاوِفه وتأثيراتِها في حياته. غالباً ما يعالَج رُهابُ المجتمع بمضادَّات الاكتئاب وحاصِرات بيتا. وهناك أنواعٌ محدَّدة من الرُّهاب تُعالَج عن طريق المعالجة السلوكية. كما يعالَج رُهابُ الأماكن العامَّة المفتوحة بنوعٍ من مضادَّات الاكتئاب وباستخدام المعالجة السلوكية. يمكن أن يتحدَّثَ المريضُ مع طبيبه لمعرفة السبيل الأفضل لمعالجة حالته. وهما يستطيعان أن يضعا معاً خطَّةً للتغلُّب على الرُّهاب.
الخلاصة
الرُّهابُ نوعٌ من أنواع اضطرابات القَلَق. وهو خَوفٌ شَديد غير عقلاني من أشياء تُشَكِّل خطراً طفيفاً أو لا تُشكِّل أيَّ خطر على الإطلاق. ويحاول الشخصُ المُصاب بالرُّهاب أن يتجنَّبَ الأشياء التي تُثير خوفه. أمَّا إذا لم يستطع ذلك، فقد يُعاني من ردود أفعالٍ جسدية ونفسية شديدة. يُسبِّب الرُّهابُ مُشكلاتٍ تؤثِّر تأثيراً سلبياً في كثير من جوانب حياة المريض. ويعدُّ الاكتئابُ والعُزلة الاجتماعية وإساءة استخدام المواد من بين تلك الآثار السلبية الناجمة عن الرُّهاب. إنَّ السببَ الدقيق للرُّهاب غير معروف. لكنَّه يُمكن أن يحدثَ بسبب مواد كيميائية مُحدَّدة في الدّماغ، أو بسبب الوراثة، أو إصاباتٍ رَضيَّة. عندَ البحث عن علاجٍ للرُّهاب، يجب أن يتحدَّثَ المرءُ أوَّلاً مع الجهة التي توفِّر له الرعايةَ الطبية الأوَّلية. وسوف تُحيلُه تلك الجهة، على الأرجَح، إلى طبيب متخصِّص في الرعاية الطبية النفسيَّة إذا توفَّر ما يُشير إلى إصابته بالرُّهاب. يعتمد تشخيصُ الرُّهاب على المُقابَلة السَّريريَّة. يقوم الطبيبُ بطرح عدد من الأسئلة. وهو يستخدم قواعد عامةً ليحدِّد ما إذا كانت الأعراض ناجِمةً عن الرُّهاب أو عن حالة طبِّية أخرى. تنجح المعالجةُ في مساعدة مُعظَم الأشخاص المصابين بالرُّهاب. وخيارات المعالجةُ هي المعالجة الدوائية أو غير الدوائية، أو الاثنتان معاً.
<<
اغلاق
|
|
|
المقالة. وبداية دعني أروي لك قصة حقيقية تعبر عن روح هذه المقالة. قبل بضع سنين قابلت في أحد المستشفيات العامة الكبرى بالسعودية شاباً اسمه عبدالله وكان حينها في منتصف الثلاثينات من عمره وفي تلك المقابلة طلب مني عبدالله بكل جرأة أن يتم تنويمه مؤقتاً بجناح الطب النفسي لكي يحمي نفسه من الانتحار. سيزداد عجبك أخي القارئ لو علمت أن عبدالله كان متزوجاً وذو أطفال ويعمل في وظيفة مرموقة وأكثر من ذلك أنه كان يسافر سنوياً للإغاثة والدعوة خارج المملكة. لماذا يفكرعبدالله بالانتحار؟ الجواب باختصار أن عبدالله كان مصاباً بمرض الاكتئاب الحاد المتكرر النوبات والذي ينتشر وراثياً في عائلته (بعض إخوته وأقاربه من جهة الأب مصابون بالإكتئاب). وعندما تأتيه نوبة الاكتئاب الحادة مرة كل ثلاث إلى خمس سنوات تقريباً فإنه يصاب رغماً عنه وكعرض من أعراض الاكتئاب باليأس والقنوط والأفكار الانتحارية. ولذا فإنه يحتاج غالباً للتنويم بضعة أسابيع يتلقى فيها أدوية الاكتئاب وأحياناً جلسات العلاج الكهربائي ثم بعدها يستأنف حياته الاجتماعية والعملية والدعوية بكل حيوية ولولا أنه يتسرع بإيقاف أدوية الاكتئاب لقلّ تكرار نوبات الاكتئاب عليه.
لاشك أخي القارئ أن الانتحار بحد ذاته ظاهرة معقدة حار فيها العلماء قديماً وحديثاً فكيف بالحديث عن الانتحار في السعودية حيث تكاد تنعدم الدراسات المحلية الكبرى حول هذا الأمر.ونظراً لأهمية هذا الموضوع فسأحاول في هذا البحث المختصرمقاربة موضوع الانتحار بالحديث عن تعريفه ثم عن مدى انتشاره وأسبابه ثم علاجه. وفي البداية دعني أتحدث عن تعريف الانتحار المقصود بهذه المقالة فأقول أن هناك تفاوتاً بين مجرد التفكير بالانتحار إلى تنفيذه فعلاً.ولا أقصد بالانتحار هنا ما تقوم به بعض المراهقات أحيانا من محاولات لإيذاء النفس هدفها ليس الرغبة بالموت وإنما جذب الانتباه أو تخفيف الألم أو الهرب من مواجهة ضغط اجتماعي معين وهي أوسع انتشاراً مما سأفرد الحديث عنه في هذه المقالة. ما أقصده في مقالتي هذه هو محاولات الانتحار الجادة التي قد تفشل أو تنجح وتتفاوت في نوعيتها بين من تراوده الأفكار الانتحارية لسنوات ثم يقدم عليه بعد طول تخطيط وآخرون ربما أقدموا على الانتحار كردة فعل مفاجئة بلا تفكير مسبق . وبدلاً من التخرص وإطلاق الأراء الخاصة بلا دليل دعونا نستعرض ظاهرة الانتحار معتمدين على نتائج الدراسات العالمية الكبرى. ما مدى انتشار ظاهرة الانتحار في العالم ؟ وما مدى انتشاره في السعودية؟ سأجيب عن هذه الأسئلة وغيرها عبر النقاط التالية:
v تؤكد منظمة الصحة العالمية أن هناك شخص واحد على الأقل ينتحر كل 40 ثانية في العالم.
v نسبة الانتحار تتراوح بين 10 حالات انتحار لكل 100 ألف شخص في مصر وإيطاليا وأسبانيا وهولندا..الخ إلى 25 حالة انتحار لكل 100 الف شخص في الدول الاسكندنافية وسويسرا و ألمانيا …الخ
v يشكل الانتحار السبب الثامن للوفاة لدى عامة الناس والسبب الثالث للوفاة لدى الشباب الأمريكيين من 15-24 سنة
v نسب الانتحار شبه ثابتة خلال العقود الماضية و لكن نسبتها تزيد انتشاراً لدى صغار السن من 15-24 سنة رغم ندرتها في الماضي لديهم مقارنة بكبار السن. وكذلك تزيد نسبة الانتحار لدى النساءعما كانت من قبل (وربما يعود السبب لتزايد الأعباء الاجتماعية والاقتصادية وضغوط العمل على كاهل النساء عما كانت عليه من قبل).
v أكثر الفئات قابلية للانتحار هم من اجتمعت لديهم الصفات التالية : (رجال ،عزاب أو مطلقين ،تجاوزوا ال45 عاماً من العمر ،عاطلون عن العمل ، مصابون بمرض الاكتئاب الحاد الذي استلزم لشدته تنويماً في أجنحة نفسية في الماضي ، مدمنون للكحول ، وجود تاريخ سابق لمحاولات انتحار فاشلة أو سلوك عدواني).
v أكثر وسيلة استخداماً للانتحار هي الشنق.
v يقل الانتحار لدى المسلمين والنصارى الكاثوليك ويزيد لدى النصارى البروتستانت واليهود (وقد يعود السبب لوجود العقيدة والبيئة الرافضة والمجرمة للانتحار وكذلك لوجود التلاحم الأسري والاجتماعي لدى المسلمين والنصارى الكاثوليك).
v أما في السعودية فلا توجد إحصائيات دقيقة عن نسبة المنتحرين بسبب حساسية الموضوع لدى المجتمع ، وغالباً ما تبتعد الجهات المعنية عن كتابة السبب الحقيقي للوفاة المفاجئة وتستبدل كلمة (انتحار) بكلمة (سبب غير محدد أو تسمم دوائي). لكن حسب الإحصائيات الرسمية المتوفرة لدينا فقد تضاعفت أعداد المنتحرين سنوياً من 440 شخص عام 1999 إلى 787 شخص عام 2010.. أما عدد محاولات الانتحارالفاشلة فقد يصل إلى 15 ألف حالة سنوياً لأن الدراسات العالمية تؤكد وجود 10-20 محاولة انتحار فاشلة مقابل كل حالة انتحار ناجحة.
هل هناك سبب وحيد للانتحار؟ الجواب ببساطة لا. وإنما هناك مجموعة من العوامل تتضافر فيما بينها وقد يطغى بعض هذه العوامل لدى بعض المنتحرين ويقل لدى آخرين. ويمكن تقسيمها إلى العوامل التالية:
أولاً : العوامل الاجتماعية ومنها: الطلاق والعنوسة لكلا الجنسين والتنافس الشديد في ميدان العمل والحياة ووجود الضغوط الاقتصادية والاجتماعية وضعف الدعم الاجتماعي والانعزال ( وخصوصاً في ظل انتشار الأحياء المكبوتة والمليئة بكتل إسمنتية خالية من مساحات خضراء يلتقي ويتنفس فيها أصحاب هذه الأحياء).
أما بالنسبة للبطالة فإنها تعد عالمياً أحد أسباب الانتحار. وكذلك تزيد المهن ذات الضغوط الشديدة من نسبة الانتحار ويأتي في مقدمتها الطب البشري وخصوصاً لدى النساء وطب الأسنان والمحاماة..الخ. وتزيد نسبة الانتحار لدى أفراد الطبقات الاقتصادية والاجتماعية العالية،وكذلك لدى من افتقر بعد غنى.
وقد أوضحت دراسة سعودية أجراها أستاذ الاجتماع د. صالح الرميح في الرياض عام 2007 أن (غالبية من قاموا بمحاولة انتحار فاشلة كانوا من فئة الرجال ذوي الدخل المحدود ومن العاطلين عن العمل ومن الحاصلين على مؤهلات متوسطة وثانوية والذين لم يمكنهم الوصول لمراكز مهنية عليا في المجتمع، وهم ليسوا كذلك من الأميين الذين لا يعلقون على أوضاعهم التعليمية آمالاً عريضة. وغالبيتهم أيضاً يؤمنون بحرمة الانتحار ورغم ذلك أقدموا عليه . وأغلبهم كذلك لا يتعاطى أي مخدرات لكنهم تعرضوا لسوء معاملة من والديهم في مرحلة الطفولة ويفتقدون أيضاًً لدعم الأهل والمجتمع).
ثانياُ : العوامل النفسية وأكثر العوامل النفسية دفعاً للانتحارهو فقدان الأمل. ومن العوامل الأخرى: الحزن على فقدان عزيز والتأنيب القاسي للذات ، وكذلك الرغبة بالانتقام من المجتمع وإظهار القوة وتوجيه الغضب المكبوت للذات.وأحياناً يدفع المنتحر للانتحار إحساسه بالمهانة وحقارة النفس والرفض من الآخرين فيتنحر رغبة في عقاب الذات أو التضحية بالنفس أو الهروب من مشاكله والانتقال كما يعتقد لحياة أفضل في الآخرة . وأحياناً يندفع الشاب للانتحار محاكاة لحالات انتحار متفشية في ذلك الوقت ( كالذي حدث ومازال يحدث في زمن الربيع العربي حيث هناك نوع من الاحتفاء والترميز للمنتحرين وحالة بوعزيزي تونس خير مثال. وكما يحدث حالياً في السعودية حيث هناك تغطية إعلامية وإلكترونية كبيرة لحالات الانتحار ولأماكن تنفيذه كالجسر المعلق في الرياض).
ثالثاً: العوامل البيولوجية والوراثية : فقد أكدت بعض الدراسات وجود خلل في نسبة مادة السيريتونين ومادة النورأدرينالين في الدماغ لدى بعض المنتحرين .وكذلك أكدت دراسات أخرى أن نسبة السلوك الانتحاري تزيد لمن كان لديهم خلل جيني في تصنيع إنزيم تربتوفان هيدروكسيلاز المسئول عن تصنيع مادة السيرتونين. وكذلك فقد أظهرت دراسات التوائم وغيرها أن الانتحار ربما ينتقل وراثياًً.وتفسير ذلك بأن ينتقل وراثياُ لبعض الناس من أحد والديه أو كليهما خلل في القدرة على كبح نزوة الانتحارعندما تراوده. ولذا فربما أدى هذا الخلل الجيني لمحاولة الانتحار في مرحلة عمرية ما وذلك عندما يداهم المصاب به مرض اكتئاب حاد أو يمر بضغط نفسي واجتماعي شديد.
رابعاً : الأمراض النفسية والباطنية:
أهم أسباب الانتحار والذي لحسن الحظ يمكن علاجه بفعالية هو وجود الأمراض النفسية وخصوصاً مرض الاكتئاب. وتؤكد الدراسات أن قرابة 95% من المنتحرين أو ممن حاولوا الانتحار قد تم تشخيصهم بأمراض نفسية (80% مرض الاكتئاب و10% مرض الفصام و5% مرض الهذيان أوالخرف و25% من المنتحرين مدمنون للخمر كذلك). وتزيد احتمالية حدوث محاولة انتحار أخرى لدى من قد كسر الحاجز وحاول الانتحار سابقاً في حياته. وقد تابع باحثون نفسيون البيانات الصحية لقرابة مليون شخص في الدانمرك وذلك لمدة 36 عاماً ونشروا نتائج بحثهم في دراسة شهيرة نشرت بمجلة أركايف للطب النفسي العام بنهاية عام 2011 . وقد أكدت هذه الدراسة ( أن نسبة الانتحار تصل لقرابة 7-8% لدى المصابين بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب أو الاكتئاب أو الفصام مقارنة بنسبة 0.72% لدى عامة الرجال ، وتصل لقرابة 4-5% لدى المصابات بالفصام أو الاضطراب الوجداني مقارنة بنسبة 0.26% لدى عامة النساء).
وتزيد نسبة الانتحار لدى المصابن بأمراض باطنية مزمنة وخصوصاً إذا ما كانت مصحوبة بفقدان للحركة أو القدرة على العمل أو التواصل الاجتماعي أو سببت آلاماً شديدة أو تشوهات وخصوصاً لدى النساء. و بعض أدوية هذه الأمراض كالأنترفيرون والأدوية الكيميائية والكورتيزون قد تؤدي للإصابة بمرض الاكتئاب الذي ربما يؤدي بدوره للانتحار إذا ما تم تجاهل علاجه.
ودعوني أسترسل قليلاً للحديث عن مسبب الانتحار الرئيسي وهو مرض الاكتئاب. فهذا المرض يصيب قرابة 10% من الناس وخصوصاً النساء. وأثبتت دراسات متعددة أن الاكتئاب عامل رئيسي للإصابة بالنوبات القلبية القاتلة والجلطات الدماغية ومرض السكري..الخ. وتخسر أمريكا قرابة 40 مليار دولار سنوياً كخسائر مباشرة بسبب مرض الاكتئاب. ولذا فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن مرض الاكتئاب سيتبوأ قريباً المرتبة الثانية عالمياً في مصاف الأمراض المؤدية للعجز بعد أمراض شرايين القلب التاجية. ورغم توفر علاجات فعالة جداً لمرض الاكتئاب إلا أن نصف مرضى الاكتئاب لا يتلقون أي علاج و 20% منهم فقط ممن يتلقون العلاج الكافي المتسق مع التوصيات العلمية. هذه احصائيات دول العالم الأول…فيا ترى ما هو حال دول العالم الثالث؟!!!
ماذا عن السعودية؟ كيف هو حال الرعاية الطبية النفسية في السعودية؟ الحال بكل صراحة مؤلم جداً ، ويكشفه تصريحان متناقضان لأصحاب القرار الصحي لم يفصل بينهما سوى بضع سنوات. فقد أكد مسئول صحي كبير في السعودية قبل عقد من الزمان أن مجتمعنا محصن من الأمراض النفسية وذلك بحكم تمسكه بالشريعة الإسلامية ثم أتى مسئول صحي آخر بعده ببضع سنوات ليؤكد وجود 15 ألف مريض بالفصام في مدينة الرياض وحدها. ولذا لا تستغرب عزيزي القارئ تضاعف نسبة الانتحار 100% في السعودية خلال العشر سنوات الماضية حسب الإحصائيات الرسمية. ولست متشائماً عندما أعتقد أن نسبة الانتحار ستستمر بالارتفاع الملحوظ إذا ما استمرت أوضاع الصحة النفسية لدينا كما هي حالياً. فمن الملاحظ توجه وزارة الصحة لبناء مصحات نفسية معزولة وقلة أو انعدام وجود الأقسام والأجنحة النفسية ضمن مرافق المستشفيات العامة والتخصصية وهذا التوجه يشبه ما كان سائداً في العالم قبل قرن من الزمان ومعاكس لما عليه التوجه الصحي العالمي الحالي من دمج الرعاية النفسية ضمن مرافق المستشفيات العامة. وذلك لأن تشخيص المرض النفسي مثله كمثل الأمراض الأخرى يحتاج للأقسام المساندة من مختبر وأشعة، ولأن مرضى المستشفيات العامة من مرضى القلب والكبد والكلى والسرطان..الخ هم أكثر الناس عرضة للاضطرابات النفسية فلا بد من تواجد أقسام نفسية متكاملة لرعاية هؤلاء المرضى. ورغم الميزانية الهائلة التي تصرف على الخدمات الصحية في بلدي إلا أن نسبة ما يصرف منها على الصحة النفسية يقل بكثير جداً عن النسبة المقبولة عالمياً وهي 15% من ميزانية الصحة العامة.وقد أكدت دراسة للدكتور خالد الزيد أن عدد الأطباء النفسيين وعدد الأسرة النفسية مقابل عدد السكان ومقدار ما يصرف على الصحة النفسية بالنسبة للإنفاق الصحي العام في السعودية قليل جداً بل يقل عن بعض دول العالم الثالث كسيرلانكا مثلاً. ومن المفارقات المؤلمة أن غالب بوليصات التأمين العلاجي لدينا لا تشمل علاج الأمراض النفسية وترفض تغطيتها أسوة برفضها لتغطية عمليات التجميل ؟!! وهذا الصنيع بكل صراحة يعد عملاً لا أخلاقي ينبغي أن يحاسب عليه من سمح لهذه الشركات أن تضع هذا الشرط الجائر الذي يتيح لها أن ترفض دفع علاج الأمراض النفسية المتعددة التي تصيب قرابة 33% من عامة الناس و تتطلب علاجاً عاجلاً ومكثفاً قد لا يستطيع المريض العادي أن يدفع تكاليفه الباهظة من حسابه الخاص.
وأخيراً لضيق المساحة لا أستطيع عزيزي القارئ أن أبسط الحديث عن كل وسائل علاج ظاهرة الانتحار ولكن سأتحدث عن أهمها:
1) المستوى الطبي الإكلينيكي: فأدعو كل الأطباء على اختلاف تخصصاتهم للكشف المبدئي عن أعراض مرض الإكتئاب وذلك بالسؤال عن أهم أعراضه وهما : الشعور بالحزن الشديد المستمر بالإضافة لفقدان الاستمتاع بمباهج الحياة لأكثر من أسبوعين متواصلين. علماً أن الدراسات العلمية قد أكدت أن سؤال المريض عن مدى وجود الأفكار الانتحارية لديه لا يزيد من نسبة الانتحار كما قد يتوهم بعض الناس بل يساهم في الوقاية منه لو تم اكتشاف وجود الأفكار الانتحارية وتحويل المريض لأقرب مركز إسعاف طبي نفسي.
2) خدمات الصحة النفسية : وفي هذا السياق أثني على اقتراح رائع طرحه د.يوسف الصمعان في أحد مقالاته قبل بضع سنوات وذلك بإنشاء معهد وطني للصحة النفسية يكون من مهامه إجراء الدراسات المستفيضة للقضايا النفسية الملحة كهذه الظاهرة التي تناقشها هذه المقالة. وكذلك رسم الخطط وتنسيق خدمات الصحة النفسية على مستوى المملكة. و أقترح هنا البدء بإجبار جميع المستشفيات العامة الكبرى والتخصصية على تخصيص 10% من أسرتها على الأقل لتكون أجنحة نفسية ، ودمج العيادات النفسية ضمن عيادات المستشفى العامة. وكذلك التوقف عن إنشاء المصحات النفسية المعزولة إلأ ما كان منها معداً كمراكز تأهيلية للمدمنين مثلاً أو لمرضى الطب النفسي الشرعي فقط. وأيضاً لابد من تشجيع القطاع الصحي الخاص على تطوير خدماته النفسية مع إجبار شركات التأمين الصحي على إدراج علاج الأمراض النفسية ضمن الأمراض المكفول علاجها في بوليصة التأمين العلاجية.
وبلاشك فمع ازدياد التفكك العائلي في زمن العولمة فإن أعباء وزارة الشئون الإجتماعية ستكبر مع الأيام ومنها تقديم الدعم الاجتماعي لأسر المنتحرين.وأقترح هنا كذلك إنشاء خط ساخن على مدار ال24 ساعة يتولى فيه مستشارون مدربون الرد على اتصالات المحتاجين والمكروبين وخصوصاً ممن ضاقت بهم السبل وداهمتهم الأفكار الانتحارية حيث يتم توجيههم للحصول على أفضل الخدمات النفسية والاجتماعية المتاحة. ويمكن هنا الاستفادة من إمكانيات وخبرات مراكز الاستشارات والتنمية الأسرية التطوعية المنتشرة في مناطق مختلفة في المملكة والتي قد حققت نجاحاً ملحوظاً.
3) الإعلام : مما يلاحظ الحماس الغير منضبط لبعض من كتب عن هذه الظاهرة. وبعض الكتاب يختزل مسببات ظاهرة الانتحار بسبب واحد. وهنا أؤكد على أهمية استكتاب المختصين للحديث بواقعية عن الجوانب المعقدة والمتشابكة لمثل هذه الظواهر الاجتماعية. و أدعو كذلك للتوازن في تغطية حوادث الانتحار مع تجنب تلميع أو ترميز أصحابها والتذكير دوماً بالخدمات النفسية والاجتماعية التي يمكن الاستفادة منها لمن احتاج إليها ومنها خدمة الخط الساخن الذي تم ذكره آنفاً.
وختاماً عزيزي القارئ كما وعدتك سأجيب على السؤال الذي عنونت به هذه المقالة وهو: لماذا ينتحر السعوديون؟ باختصار أقول: للأسف بسبب سوء وضعف تخطيط خدمات الصحة النفسية في بلادنا الحبيبة حرسها الله من كل سوء.
اعداد :
د.فهد بن دخيل العصيمي
استشاري الطب النفسي والطب النفسي الجسدي
أستاذ مساعد- كلية الطب- جامعة الملك سعود- الرياض
<<
اغلاق
|
|
|
الليلة الماضية محاضرة بعنوان ” ثنائية الأمراض النفسية والأمراض الجسدية.. هل هي وهم أم حقيقة” ألقاها أستاذ الطب النفسي والطب الجسدي في كلية طب جامعة الملك سعود الدكتور فهد بن دخيل العصيمي، في مقر اللجنة بحي المعذر بالرياض.
واستعرض الدكتور العصيمي في المحاضرة، الأمراض النفسية وآثارها الصحية، مبينًا أن عدد الأمراض التي تصنف على أنها أمراض نفسية تصل إلى 300 مرض، منها أمراض نفسية لدى 33% من عامة الناس و 42% لدى المصابين بأمراض مزمنة.
وقال العصيمي: إن الأبحاث العالمية توصلت إلى أنه في عام 2020م سيتصدر اضطراب الاكتئاب الجسيم قائمة أكثر الأمراض تسببا في العجز عن العمل إما بسبب الوفاة أو المضاعفات المرضية، مشيرا إلى أن من بين أكثر عشرة أمراض تسبب العجز عن العمل هناك خمسة أمراض نفسية، وأن الضغوط النفسية تتسبب في 32% من أمراض القلب، فيما يصنف التدخين على أنه يتسبب في 36% من أمراض القلب.
وأضاف أن الأمراض النفسية هي عبارة عن خلل في بناء الدماغ، وتحدث عن مفهوم تطفل المرض وعلاقته بجودة الحياة ضاربا مثلا في الفشل الكلوي، مشيرا إلى تأثير الفشل الكلوي المعتمد على الغسيل بشكل كبير على جودة حياة المصاب به مقارنة بجودة حياة شخص آخر مصاب بمرض زيادة شحوم الدم مثلا.
كما تحدث عن الاضطراب المعرفي العصبي الجسيم المسمى “الخرف” وعن موضوع الاضطرابات النفسية الأولية والثانوية مفرقا بينها ومصنفا ما يمكن اعتباره أوليا منها مقابل ما هو ثانوي.
وأضاف أن الدرسات العلمية الموثقة توصلت إلى أن 10% فقط من المرضى النفسيين هم الذين يحتاجون للعلاج في المستشفيات النفسية المتخصصة، في حين يفترض أن تشخص حالات 90% من المرضى وتعالج في المستشفيات العامة.
<<
اغلاق
|