من المعلومات الهامة في المقال الآتي.
يعاني بعض المرضى من مشكلات في التنفس بعد إجراء العمليات الجراحية التي تتطلب التخدير، ولذلك إليك أهم المعلومات التي قد تحتاجها حول صعوبة التنفس بعد التخدير:
صعوبة التنفس بعد التخدير
عند إجراء بعض العمليات الجراحية يلجأ الأطباء لتخدير المرضى مما يسبب صعوبة التنفس، إذ تؤثر أدوية التخدير على عمل الرئتين بعد عملية الجراحة مباشرة، مما يسبب الشعور بالضيق وصعوبة التنفس.
كما يؤثر التخدير العام على التنفس فعندما يكون المريض نائمًا ومتسرخيًا بعد التعرض للتخدير يلاحظ بعض المشكلات التنفسية مقارنًة بالأنفاس العميقة الذي كان يأخذها عندما كان مستيقظًا ونشطًا، ولأن الأنفاس تكون ضحلة بعد التخدير العام يقلل هذا من امتلاء الحويصلات الهوائية بشكل كامل بالهواء.
أسباب صعوبة التنفس بعد التخدير
يعاني بعض الأشخاص من صعوبة في التنفس بعد الجراحة التي يتم فيها تخدير المريض، وتتلخص الأسباب على النحو الآتي:
عدم ممارسة تمارين التنفس العميق خلال 48 ساعة من الجراحة.
إجراء الجراحة في الصدر أو البطن، إذ يعيق التخدير التنفس الطبيعي ويولد الرغبة بالسعال بعد إجراء العمليات الجراحية في الصدر أو البطن، وقد يكون من المؤلم استنشاق الهواء بعمق أو دفع الهواء للخارج.
إصابة المريض بالالتهاب الرئوي الذي يؤدي لظهور بعض المشكلات التنفسية بعد التخدير.
تراكم المخاط في الرئتين بعد التخدير.
أعراض صعوبة التنفس بعد التخدير
إذا انهار جزء كبير من رئتيك فقد يتسبب ذلك في ظهور الأعراض الآتية:
ضيق التنفس.
زيادة معدل ضربات القلب.
ازرقاق الشفاه أو الجلد.
حمى .
سعال.
أزيز عند التنفس.
عوامل خطر صعوبة التنفس بعد التخدير
قد تكون مخاطر صعوبة التنفس بعد التخدير أو أثناء التخدير عالية إذا كنت تعاني من الحالات الآتية:
الحساسية من التخدير.
داء السكري.
أمراض القلب.
ضغط الدم المرتفع.
مشكلات في الكلى.
أمراض الرئة.
البدانة.
المشكلات التنفسية أثناء النوم.
السكتة الدماغية.
التدخين.
تناول الكحول.
تمارين لعلاج صعوبة التنفس بعد التخدير
يجدر الإشارة إلى أن هناك بعض التمارين الخاصة التي تساعدك على التنفس وتنقية رئتيك، والتقليل من خطرالإصابة بالالتهاب الرئوي بعد التخدير، ومن أهم هذه التمارين:
تمرين التنفس بعمق
ينصح القيام بتمرين التنفس بعمق بشكل متكرر كل ساعة فور الاستيقاظ من التخدير ولمدة يومين إلى ثلاثة أيام، حتى يزول الألم ويفضل عمل هذه التمرين أثناء الجلوس، وتكون طريقة أداء التمارين كالآتي:
التنفس بعمق وببطء من خلال الأنف، ثم القيام بتوسيع القفص الصدري السفلي والسماح للبطن بالتحرك إلى الأمام.
العد إلى 3 أو 5.
إخراج الزفير ببطء وبشكل كامل.
الاستراحة وتكرار التمرين 10 مرات كل ساعة والاستراحة لفترة أطول عند الشعور بالدوار.
تمرين القدم والساق
يساعد تمرين القدم والساق على التحسن بشكل أسرع ويمنع حدوث مشكلات مثل جلطات الدم، ويفضل القيام بهذا التمرين كل ساعة.
إليك خطوات القيام بهذا التمرين:
تحريك الكاحل للأعلى والأسفل لمدة دقيقة واحدة.
إرخاء كلا القدمين.
تكرار التمرين 5 مرات ثم الاسترخاء.
ثني كل ركبة مرة واحدة في كل مرة وتحريك القدم على طول السرير وإرجاعها.
تمرين السعال
يساعد تمرين السعال في الحفاظ على الرئتين نظيفتين، وإليك طريقة أداء التمرين:
أخذ نفس ببطئ وعمق من خلال أنفك، ومحاولة توسيع الصدر والظهر بالكامل.
إجراء عملية الزفير من خلال الفم.
تكرار الخطوتين 1 و 2 للحصول على نفس آخر.
أخذ نفس ثالث ولكن بدلًا من الزفير عليك حبس نفسك للحظة ثم السعال بشدة لإخراج الهواء من رئتيك.
القيام بتمرين السعال 3 مرات، وإجراء تمارين التنفس والسعال معًا كل ساعة وأنت مستيقظ.
<<
اغلاق
|
بعض الخرافات عن التخدير أثناء العمليات الجراحية، فهناك بعض المعلومات الخاطئة حوله، والتي لا يجب تصديقها.
لم تعد العمليات الجراحية مصدر قلق لدى كثير من الأشخاص كما كانت من قبل، وذلك بعد ظهور وتطور أنواع التخدير المختلفة، والتي تمنع الشعور بأي آلام أثناء إجراء الجراحات المختلفة.
ولكن حتى الآن، لازالت هناك الكثير من المعتقدات الخاطئة والخرافات عن التخدير أثناء العمليات الجراحية، والتي يجب التوقف عن تصديقها.
خرافات عن التخدير أثناء العمليات الجراحية
فيما يأتي أشهر عدة خرافات عن التخدير أثناء العمليات الجراحية منتشرة بين الناس:
1. التخدير قد يتلاشى أثناء العملية الجراحية
إن الاستيقاظ أثناء العملية الجراحية أمر نادر الحدوث، حيث أن هناك طبيب متخصص يقوم بالتحدث مع المريض حول صحته وتجارب التخدير السابقة له، ليتمكن من تفادي أي مشكلة تواجهه أثناء العملية.
2. التخدير يمكن أن يؤدي إلى الشلل
في حالة التخدير العام، لن يكون المريض قادرًا على تحريك ذراعيه أو ساقيه أثناء الجراحة.
وفي المقابل بعض الجراحات يسمح فيها بتخدير جزء من الجسم دون الحاجة إلى تخدير عام فيما يسمى بالتخدير الجزئي أو الموضعي.
إذ ستبقى أجزاء الجسم التي تم تخديرها ثابتة ولا يمكن تحريكها لحين انتهاء مفعول الدواء المخدر، ولكن بعد ذلك سيعود الجسم إلى طبيعته مرة أخرى، ويكون هذا بشكل تدريجي.
ولكن في بعض الحالات النادرة، يمكن أن يحدث ضعف في الأطراف أو تنميل وخدر.
3. مضاعفات التخدير شائعة
لا يمكن إنكار وجود مضاعفات للتخدير لدى بعض الأشخاص، ولكنه ليس أمر شائع.
فالتخدير يشكل خطورة على من يعانون من أمراض خطيرة، مثل: أمراض القلب، كما أن خطورته تزداد في حالة تقدم عمر المريض.
ولذلك يجب على طبيب التخدير معرفة التاريخ المرضي للحالة بالكامل قبل أن يحدد جرعة التخدير المناسبة.
4. الآلام سوف تستمر حتى بعد التخدير
هذه إحدى الخرافات عن التخدير أثناء العمليات الجراحية، ففي الحقيقة تكمن أهمية التخدير في عدم الشعور بأي آلام أثناء إجراء العملية الجراحية.
ولكن في حالة كان التخدير موضعي، فسوف يشعر المريض بكل ما يدور حوله ويتمكن من رؤية ما يحدث، ويسمع الأصوات الصادرة عن العملية، ولكنه لا يشعر بآلام الجراحة.
ويبدأ الشعور بالآلام بعد انتهاء الجراحة وتلاشي مفعول المخدر تدريجيًا، وحينها يحتاج المريض إلى مسكنات الألم.
5. طبيب التخدير مهمته تنتهي عند نوم المريض
خرافات عن التخدير أثناء العمليات الجراحية أن مهمة طبيب التخدير تنتهي بمجرد تخدير ونوم المريض.
إلا أنه في الحقيقة يجب أن يتواجد طبيب التخدير طوال فترة إجراء العملية لمتابعة حالة المريض والتأكد من أنه لا يشعر بأي آلام أو أنه لم يعاني من أي مضاعفات بسبب التخدير.
ويبقى طبيب التخدير متواجدًا للحفاظ على مستويات ثابتة من التخدير وإمداده بجرعات إضافية إذا لزم الأمر.
كما أن طبيب التخدير هو المسؤول عن إفاقة المريض بعد العملية الجراحية وهو من يحدد متى يمكن أن ينتقل لغرفته.
6. طبيب التخدير يمكن أن يخطئ في الجرعة
في الواقع يصعب جدًا على طبيب التخدير أن يخطئ في تحديد الجرعة المناسبة للمريض، لأنه يقوم بعمل دراسة كاملة حول الحالة قبل أن يقوم بالتخدير.
فهذه هي وظيفته الأساسية التي يضع كل تركيزه بها، وهو يعلم جيدًا ما يناسب كل شخص وفقًا لحالته الصحية ومرحلته العمرية.
<<
اغلاق
|
هذا المقال على هذه الأنواع، وأبرز الآثار الجانبية الناجمة عن التخدير.
قبل أن نتعرف في هذا المقال عن أنواع التخدير، إليك أهم المعلومات عن التخدير:
ما هو التخدير؟
يعرف التخدير (Anesthesia) بأنه إعطاء الأدوية التي تعمل على تخدير الجسم، وذلك بهدف إجراء العمليات الجراحية الكبرى مثل: عمليات القلب المفتوح، أو الإجراءات الصغيرة مثل: خلع الأسنان دون الإحساس بألم.
غالبًا يعتمد نوع التخدير المستخدم في كل إجراء على كل من ما يأتي:
نوع الجراحة.
الحالة الصحية للمريض.
مدة الإجراء الجراحي.
رأي طبيب التخدير والطبيب الجراح المسؤولين عن الإجراء.
ما هي أنواع التخدير؟
تتضمن أنواع التخدير ما يأتي:
1. التخدير العام (General anesthesia)
يعد التخدير العام أكثر أنواع التخدير شيوعًا في العمليات الكبرى مثل: جراحة القلب واستبدال المفاصل وغيرها، ويتم إعطاء التخدير العام عن طريق قناع أو عن طريق الوريد.
عند استخدام التخدير العام يبقى المريض فاقدًا للوعي ولا يشعر بألم، ويحتاج إلى مراقبة علاماته الحيوية بشكل مستمر، كما يحتاج في بعض الأحيان إلى جهاز التنفس الاصطناعي لمساعدته على التنفس.
بعد الانتهاء من العملية الجراحية يبدأ طبيب التخدير بإلغاء مفعول التخدير العام فعادةً ما يستيقظ المريض بحالة جيدة بعد التخدير العام، ولكن في بعض الأحيان قد يعاني المريض من بعض الاثار الجانبية للتخدير.
2. التخدير الناحي (Regional anesthesia)
يستخدم التخدير الناحي لتخدير الجسم في موقع الجراحة فقط، إذ تتضمن أشكال التخدير الموضعي ما يأتي:
التخدير النخاعي (Spinal anesthesia)
يتم التخدير النخاعي عن طريق حقن جرعة واحدة من الدواء في المنطقة المحيطة بالنخاع الشوكي، غالبًا ما يستخدم هذا النوع في جراحة الأطراف السفلية أو جراحة أسفل البطن.
التخدير حول الجافية (Epidural anesthesia)
يتم التخدير حول الجافية عن طريق حقن الدواء بواسطة قسطرة رفيعة في الفراغ المحيط بالنخاع الشوكي، مما يؤدي إلى حدوث خدر في الجزء السفلي من الجسم.
يمكن استخدام هذا النوع في جراحة البطن والصدر.
3. التخدير الموضعي (Local anesthesia)
عادةً ما يستخدم التخدير الموضعي للإجراءات الجراحية البسيطة مثل: أخذ خزعة من الجلد، يتم هذا التخدير عن طريق استخدام الكريم أو البخاخ أو حقنة في منطقة الإجراء الجراحي.
ما هي الاثار الجانبية لكل نوع من أنواع التخدير؟
تختلف الاثار الجانبية الناتجة عن التخدير باختلاف نوع التخدير، إذ تتضمن ما يأتي:
1. الاثار الجانبية للتخدير العام
تتضمن الاثار الجانبية للتخدير العام ما يأتي:
الغثيان.
القشعريرة.
التقيؤ.
التهاب الحلق.
الدوار.
2. الاثار الجانبية للتخدير الناحي
تتضمن الاثار الجانبية للتخدير الناحي ما يأتي:
رد فعل تحسسي للتخدير.
نزيف حول الحبل الشوكي.
التهاب الحبل الشوكي.
تشنجات.
ألم الرأس الشديد.
صعوبة التبول.
تدمير الأعصاب.
هبوط في ضغط الدم.
3. الاثار الجانبية للتخدير الموضعي
غالبًا ما تكون الاثار الجانبية للتخدير الموضعي قليلة، نذكر منها ما يأتي:
رد الفعل التحسسي اتجاه التخدير.
ألم في منطقة التخدير.
<<
اغلاق
|
طبي في أربعينات القرن الـ 19 عندما بدأ استعمال غاز الأثير (Ether) وأُكسيد النّيتروز (أو: أُكسيد النتروجين الثنائي، المعروف أيضا باسم "غاز الضحك" - Nitrous Oxide) في الولايات المتحدة الأمريكية لغرض التخدير أثناء العمليات الجراحية. كانت هنالك، على مرّ التاريخ البشري، محاولات عديدة لتسكين الأوجاع من خلال استعمال بعض النباتات (مثل الأفيون - Opium) أو بعض المواد الكيماوية (مثل الكحول). هذه الطرق لم تكن كافية للتغلب على الآلام الشديدة خلال العمليات الجراحية المعقدة التي سببت للمرضى معاناة كبيرة. ومنذ النصف الثاني من القرن الـ 19، وحتى يومنا هذا، تزداد وتتسع الحاجة إلى التخدير والاستعانة به. وقد شكّل التطور الذي تحقق على صعيد الطرق والأدوية الجديدة في مجال التخدير, إضافة إلى التطور في نظرية التلوثات, في القرن الـ - 19 , من اهم ألأسس في علم الجراحة العصري.
يمكن التتمييز بين عدة أنواع من التخدير:
التخدير العام (أو: الكلّي - General anesthesia): المريض نائم, لا يشعر بمنبّهات الوجع وعضلاته مرتخية.
التخدير النّاحيّ (Regional anesthesia): المريض يفقد الإحساس في منطقة محددة في جسمه، وتكون عضلاته في تلك المنطقة مرتخية. والنموذج المعروف والأكثر انتشارا من هذا النوع هو التخدير فوق - الجافية (Anesthesia Epidural) الذي ينتشر في القسم السفلي من الجسم فقط.
التخدير الموضعي (Local anesthesia): بواسطة حقن مخدر موضعي يتم تخدير جزء صغير من الجسم، المنطقة التي تُجرَى فيها العملية.
يمكن تحقيق التخدير الكلّي بواسطة استنشاق غازات تخدير أو حَقْن مواد تخدير في الوريد, لها تأثيرات متعددة منها: مضادة للآلام, مسبّبة للنوم, مسبّبة لارتخاء العضلات وغيرها.
من المعتاد تخدير الأطفال بغازات التخدير بواسطة قناع (حثّ على النوم)، بينما يتم تخدير البالغين، عادة، عن طريق حقن المخدر في الوريد. لضمان استمرارية التخدير، يمكن الدمج بين الطريقتين المذكورتين, بمعنى انه يمكن إضافة أدوية عبر الوريد و / أو الاستمرار في إعطاء غازات تخدير.
عند إجراء عمليات بسيطة لا تسبّب أوجاعا حادة وقوية، لكن يمكن أن تثير نوعا من الضيق والانزعاج و / أو تتطلب عدم حركة المريض خلالها، مثل فحوصات التصوير الطبي للأطفال, تنظير القصبات (Bronchoscopy), تنظير المعدة (Gastroscopy) وما شابه, يتم استخدام طريقة تسمى "التهدِئَة" (Sedation) أو إرْذاذ (تَغشِية) الحواس (Nebulization). يمكن تصنيف إرْذاذ الحواس إلى مستويين، طبقا لعمقه وشدته: إرذاذ سطحي - فيه يستيقظ المريض بسهولة عند مناداته باسمه أو لمسه, وإرذاذ عميق - وفيه يمكن إيقاظ المريض فقط بعد تنبيه قوي جدا.
لا يقتصر مجال التخدير اليوم على منع الأوجاع، أو التحكم بحدتها، خلال العملية الجراحية فقط. فطبيب التخدير يقوم بتجهيز المريض للعملية, ينصح بالفحوصات الضرورية ويبني برنامجا تحضيريا متكاملا يشمل إعطاء أدوية معينة أو وقفها قبل العملية, سعيا إلى تحضير المريض للعملية بالطريقة الأكثر نجاعة والأقل إزعاجا. وخلال إجراء العملية الجراحية، يتولى طبيب التخدير, أيضا، بالإضافة إلى تسكين الأوجاع, مهمة تزويد جسم المريض بالأوكسجين, مراقبة عملية التنفس والدورة الدموية وكذلك الوظائف الأساسية الأخرى في الجسم.
ولا ينتهي التخدير حتى بعد انتهاء العملية، ولا حتى بعد استيقاظ المريض. فطبيب التخدير يواصل رعاية المريض إلى حين يستقر وضعه في غرفة العمليات، ومن ثم في غرفة الإنعاش أو في وحدة العناية المشددة. وحتى بعد نقل المريض إلى القسم الملائم، يمكن الاستمرار في معالجة الأوجاع – إن بقيت - بواسطة مضخة تحقن أدوية مضادة للأوجاع, بواسطة مراقبة المريض نفسه وفقا لتعليمات طبيب التخدير.
خلال التخدير، تكون استقلالية الجسم محدودة: ففي حالة عدم الوعي الكامل لا يستطيع المريض التحكم بالوظائف الإرادية. وليس هذا فحسب، بل حتى في بعض الوظائف غير الإرادية أيضا قد تحصل تغيرات جدية. إحدى أكثر الوظائف أهميّة وأوّلها تأثّرا بالتخدير - جهاز التنفس المسؤول عن تزويد الجسم بالأوكسجين، مما يستدعي تقديم عون تنفّسي يتم بإعطاء الأوكسجين بالتنفس الاصطناعي بمساعدة جهاز تنفس/جهاز تخدير، أو بالتنفس اليدوي الذي يجريه طبيب التخدير. جميع هذه الإجراءات يتم تنفيذها وسط الإبقاء على مجاري الهواء مفتوحة. كما يتم خلال التخدير، أيضا، وقف عمل القلب والأوعية الدموية المستقل، ويتم تنظيم عملهما بواسطة حقن سوائل طبية في الوريد وإعطاء أدوية ذات تأثير على القلب وعلى الأوعية الدموية فتساعد في تزويد أنسجة الجسم المختلفة بالدم، بصورة منتظمة.
طوال العملية كلها، يكون المريض تحت مراقبة تامة ووثيقة بواسطة تقنيّات متطورة تتابع التغيرات الحاصلة في الجسم.
بما أن معالجة مريض تحت التخدير تشكل، عمليا، حالة عناية مشددة (أو: رعاية مركّزة - Intensive care), فقد تطور فرع خاص في مجال التخدير يسمى "العناية المركّزة" يهدف إلى دعم أجهزة الجسم المختلفة في الحالات الحرجة.
في إطار معالجة الأوجاع, وكجزء أساسي في مجال التخدير, تطور أيضا مجال لمعالجة الأوجاع المزمنة يشمل تسكين الألام في مناطق مختلفة من الجسم، والناتجة عن ضرر في الأعصاب, جراء أمراض خبيثة أو غيرها. في إطار هذا النوع من العلاج هنالك أهمية بالغة للتأثير سواء على الجسم ككل, أو على موضع الألم ومصدره, أو على الأعصاب التي تنقل تنبيه (Stimulation) الألم إلى الدماغ, وهو المكان الذي يتبلور فيه الإحساس بالألم. في إطار هذا العلاج، يُعطى المريض أدوية عن طريق الفم أو بواسطة حقن مستمر في الوريد، أو بجانب العامود الفقري. وفي بعض الأحيان يتم حَقْن مُرَكّز ومُحَدّد بجانب أعصاب معينة وبجانب ضفائر عصبية (Neuroplexus). تنبيهات الأعصاب تتم بطرق فيزيائية بغية منع نقل تنبيه الألم وبغية تسريع الشفاء.
يكمن مستقبل مهنة التخدير في تعزيز سبل حماية المريض وتأمين سلامته, كما كان في الماضي أيضا.
<<
اغلاق
|
والتخدير الموضعي، ومثل العديد من الإجراءات الطبية قد يكون للتخدير بأنواعه المختلفة حصة من المخاطر، فلنتعرف على مخاطر التخدير بمختلف أنواعه في ما يأتي:
مخاطر التخدير العام
يتم إخضاع المريض للتخدير العام عندما يستدعي الأمر إدخال المريض في حالة من فقدان الوعي التام، حيث يكون المريض غير قادر على: الحركة أو الشعور أو إدراك ما يجري حوله، ويتم تحقيق ذلك من خلال إعطاء المريض أدوية خاصة في الوريد أو من خلال جعله يستنشق غازًا مخدرًا.
هذه أبرز مخاطر التخدير العام المحتملة:
1. الوعي خلال العملية الجراحية
من مخاطر التخدير العام التي تعد نادرة الحدوث وجود المريض في حالة غير متعمدة من اليقظة أثناء العملية الجراحية، وهذا الوعي قد يكون مصحوبًا بشعور بالألم أو قد يكون على هيئة يقظة وإدراك بما يجري حوله دون الشعور بأي ألم.
وبسبب قيام الأطباء بإعطاء المريض جرعة من الأدوية المحفزة لاسترخاء العضلات (Muscle relaxants) إلى جانب الأدوية المستخدمة في التخدير، يكون المريض غالبًا عاجزًا عن إبداء أية إشارة لتنبيه الجراح بأنه واعي أثناء الخضوع للجراحة.
لا زال السبب الدقيق لحالات اليقظة أثناء الجراحة غير معروف تمامًا.
2. الحساسية المفرطة (Anaphylaxis)
من الممكن أن تنشأ حالة الحساسية المفرطة نتيجة خضوع المريض لأي نوع من التخدير، وهذه بعض الأعراض التي من الممكن أن تظهر على المريض المصاب بهذه الحالة: الطفح الجلدي، والتقيؤ، وتشنج القصبات الهوائية، وهبوط ضغط الدم.
لذا يفضل أن يخضع المرضى الذين قد يتم الارتياب بإصابتهم بهذه المشكلة الصحية للفحوصات اللازمة لتشخيص الحالة ليسهل على الأطباء التعامل معهم مستقبلًا عند حصول أي ظرف طبي.
3. مخاطر أخرى
قد يتسبب التخدير العام بظهور العديد من المضاعفات الصحية الأخرى في بعض الحالات، مثل:
الالتهاب الرئوي الشفطي أو ما يسمى بذات الرئة الاستنشاقية (Aspiration pneumonitis).
تلف في العصب المحيطي.
الانصمام (Embolism) أو حتى الموت.
الغثيان والتقيؤ.
مشكلات أو تلف في الأسنان.
فقدان الذاكرة أو مشكلات في الإدراك.
مشكلات أخرى، مثل: التهاب الحلق، وهبوط درجة حرارة الجسم، وتلف في الدماغ، والام في الظهر، ومشكلات التنفس، ومشكلات نبض القلب، والهذيان.
مخاطر التخدير الناحي
في التخدير الناحي يتم إعطاء المريض مواد مخدرة قادرة على إفقاده القدرة بالشعور في مناطق بأكملها من الجسم، مثل: الذراع أو النصف السفلي من الجسم، ويتم إدخال المواد المخدرة إلى الجسم من خلال القسطرة أو حقن منطقة معينة تحتوي على تجمع من الأعصاب.
وهذه بعض مضاعفات التخدير الناحي الصحية المحتملة:
1. الصداع
في بعض الحالات من الممكن أن تسبب حقن التخدير الناحي التي تعطى للمريض في الحبل الشوكي بصداع بعد زوال تأثير المخدر، وهذا النوع من المضاعفات شائع وغالبًا ما ينشأ نتيجة تسرب القليل من السائل النخاعي من موضع الحقن لا سيما إذا ما كانت حقنة التخديرة المستخدمة سميكة.
ولكن توجد العديد من الإجراءات التي قد تساعد على تخفيف حدة الصداع الحاصل، مثل: الراحة في السرير، وشرب الماء، ومسكنات الألم.
2. هبوط ضغط الدم
قد يتسبب التخدير الناحي في حدوث هبوط حاد في ضغط الدم، وهذا الهبوط من الممكن أن يكون خطيرًا بشكل خاص إذا ما كان المريض مصابًا من الأصل بمشكلات في القلب وجهاز الدوران.
3. مخاطر أخرى
هذه بعض مخاطر التخدير الأخرى التي من الممكن أن تنشأ عند الخضوع للتخدير الناحي:
فشل الوظائف التنفسية.
تلف مباشر في الأعصاب.
مشكلات في الحبل الشوكي، مثل: تلف أو نزيف أو عدوى والتهاب.
مشكلات أخرى، مثل: هبوط درجة حرارة الجسم، واحتباس البول.
مخاطر التخدير الموضعي
يعتمد هذا النوع من التخدير على إفقاد المريض القدرة على الشعور في منطقة صغيرة جدًا ومحدودة من الجسم، مثل الإصبع.
يعد التخدير الموضعي أكثر أنواع التخدير أمانًا، ولكن لا يخلو الأمر من بعض المضاعفات الصحية المحتملة، وهذه أبرزها:
الألم والنزيف.
الالتهابات والعدوى.
خلل في الأعصاب.
ما هي العوامل التي قد تحدد خطورة التخدير؟
هذه بعض العوامل والأمور التي قد ترفع من فرص الإصابة ببعض مخاطر التخدير المذكورة انفًا:
العمر: إذ يعد كبار السن والأطفال دون عمر الثالثة أكثر عرضة لهذه المضاعفات.
نوع التخدير: فبعض أنواع التخدير أكثر أمانًا من الأخرى، مثل التخدير الموضعي.
الحالة الصحية للمريض: إذ تزداد فرص الخطورة إذا ما كان المريض مصابًا بما يأتي: السمنة، والاختلاجات، وارتفاع ضغط الدم، والسكري.
عوامل أخرى: مثل نوع العملية الجراحية، وطول فترة العملية، والأدوية التي كان يتناولها المريض قبل العملية.
<<
اغلاق
|
، مادة البنج قد تكون سائلة أو غازية ، بحيث تؤخذو تؤثر على المخ ، لا يمكن أن تجرى أي عملية جراحية بدونه ، و أنواع البنج يكون بشكل عام و كامل للجسم ، أو يكون التخدير منطقة معينة الذي يسمى التخدير الموضعي ، يصل البنج الغازي إلى الجهاز التنفسي عن طريق الإستنشاق ، ثم يصل إلى الدم ، الذي يعمل على نقلها إلى المخ ، بحيث يتوقف المخ بشكل جزئي عن العمل ، أما البنج السائل فيتم حقنه في الوريد ، أيضاً يصل إلى المخ و يمنح نفس النتيجة .
إستخدام الأطباء للبنج
يلجأ الأطباء لإستخدام البنج في العمليات الآتية :
العمليات التي تحتاج إلى وقت طويل .
عمليات الصدر و البطن ، و التي تؤثر على النفس .
إذا كان المريض جالساً في وضع غير مريح .
العمليات الخطرة .
مضاعفات إستخدام البنج :
الأمراض في القلب ، الكلى ، الرئتين .
الأدوية مثل الأسبيرين ، قد يحدث نزيف في اثناء التخدير .
التدخين ، الذي يؤثر على النفس .
الكحول ، الذي يتلف الكبد .
تاريخ العائلة و الوراثة .
الحساسية من بعض الأدوية أو الأطعمة المختلفة .
توقف النفس في اثناء النوم .
زيادة الوزن و السمنة المفرطة .
الإستعداد للبنج و تخدير المريض:
يجب على المرضى التوقف عن الأكل و الشرب قبل بدء العملية ، بفترة وجيزة من الزمن ، يقوم بتحديدها الطبيب المختص ، بحيث أن بعض العمليات تتطلب الصوم قبل البدء بإجرائها ، يجب تناول الأدوية التي يقوم بوصفها الطبيب ، مع شرب القليل من الماء ، و تناول المكملات الغذائية حسبما يصفها الطبيب للمريض ، إذا كان المريض يعاني من مرض السكري يجب عدم أخذ أدوية السكري في الصباح و في فترة الصيام ، و إذا كان المريض يتناول الأنسولين ينصح بأخذ جرعة أقل .
طريقة التخدير أو إستخدام البنج
عن طريق إستنشاق الغاز : ويتم بوضع غاز في قناع الوجه ، تستخدم هذة الطريقة للأشخاص الذين يخافون من الإبر ، يصل إلى الدم و من ثم إلى المخ .
عن طريق حقن مادة المخدر في الوريد : الذي يصل مباشرة إلى المخ .
<<
اغلاق
|
الخاص بهذا المجال.
سيقوم طبيب التخدير بزيارتك قبل اجراء العملية ،
وسيقوم بفحصك واعطائك شرحآ عن نوع التخدير الذي سيجرى في عمليتك ،
كما وسيقوم بالتحدث معك عن الالم الذي قد يصيبك بعد العملية وكيف يمكن تدبره.
ما هو التخدير ؟
يعني التخدير عدم الاحساس بالالم نتيجة لادخال مادة طبيبة مخدرة ،
حيث يسمح التخدير باجراء العملية الجراحية وذلك بفقدان الاحساس والالم.
ما هي انواع التخدير ؟
يوجد نوعان رئيسيان من التخدير ، الموضعي والعام ،
ويعتمد نوع التخدير على نوع العملية التي سيتعرض لها المريض,
ويقوم طبيب التخدير بتحديد نوع التخدير المناسب لك.
إذا تم اعطاؤك تخديرآ "عامآ" فستبقى نائمآ طوال العملية.
أما اذا تم اعطاؤك تخديرآ "موضعيآ" ، فستفقد الاعصاب الموجودة في ذلك الجزء من جسمك الاحساس بالالم، وستكون في كامل وعيك ، أو فاقدآ لوعيك بصورة شبه كاملة.
ما هو التخدير العام ؟
التخدير العام هو ذلك النوع الذي يفقدك الاحساس تمامآ ويجعلك في نوم عميق ، وهو النوع الاكثر شيوعآ .
ما هو دوري قبل ان اُعطى التخدير ؟
عليك ان تطلع طبيب التخدير على مشاكلك الصحية ، والادوية والعقاقير التي تتناولها ،
أو أي أسبقيات لاصابتك بأي مرض (خصوصآ الامراض الوراثية ) في العائلة.
يجب أن تمتنع عن الطعام أو الشراب لمدة (6) ساعات قبل اجرلااء العملية ،
كما ويجب ان تخبر طبيبك عن آخر وجبة تناولت الطعام او الشراب بها.
هل سأبقى نائمآ "تمامآ" ؟
نعم ، ستقوم ادوية التخدير العام بإفقادك وعيك عن طريق احباط عمل الجهاز العصبي ،
وبالتالي يفقد الجسم الاحساس بالالم الناتج عن التدخل الجراحي،
وهذا عكس بعض انواع التخدير والتي تسكن الالم ويبقى المريض مستيقظآ أثناء العملية الجراحية ،
وهذا ما يعرف بتسكين الالم.
هل سأستيقظ ؟
تعتمد المضاعفات التي قد تهدد حياة المريض على نوعية التدخل الجراحي ،
فالمرضى الذين يعانون من امراض مستعصية والذين سيتعرضون لعمليات جراحية معقدة سيكونون اكثر عرضة من غيرهم للمضاعفات خلال وبعد العملية من هؤلاء المتمتعين بصحة أفضل والمتعرضين لعمليات جراحية صغرى.
وسيقوم طبيب التخدير بشرح جميع المضاعفات المتعلقة بالتخدير التي قد تتعرض لها.
هل سيتم إدخال انبوب في حنجرتي ؟
نعم ، تقوم ادوية التخدير بإفقادك لوعيك ومنعك من التنفس ،
لذا يقوم طبيب التخدير بمساعدتك على التنفس خلال العملية الجراحية ، ويتم هذا عن طريق وضع انبوب في القصبة الهوائية بعد تخديرك.
وعادة ما يتم إزالة هذا الانبوب خلال عملية الإفاقة لذا لن تتذكر هذا الحدث.
تجرى بعض عمليات البطن والصدر الجراحية والتي تتطلب زمن قصير دون الحاجة لإدخال أنبوب في القصبة الهوائية ،
وهنا يتم مساندة ودعم تنفسك عن طريق وسائل أخرى.
ما هي الأعراض الجانبية للتخدير العام ؟
الاعراض الجانبية البسيطة للتخدير العام والجراحة هي شائعة وتتضمن:
- الغثيان.
- التهاب الحلق.
- الصداع.
- الم في العضلات.
- اعياء عام.
لحسن الحظ إن هذه الاعراض ليست خطرة وسوف تزول سريعآ خلال ساعات إلى بضعة ايام بعد العملية.
ونادرآ أن تكون الاعراض الجانبية خطيرة وتحتاج إلى علاج معين أو دخول إلى المستشفى.
هل سيبقى طبيب التخدير إلى جانبي أثناء إجراء العملية الجراحية ؟
نعم ، لأن إحتمال حدوث تغيرات سريعة في الشخص المخدر واردة ،
ولذلك فإن إستمرارية وجود إخصائي التخدير بجانب المريض المخدر واجبة وذلك لمراقبته ورعايته.
هل سأحتاج إلى السوائل الوريدية ؟
نعم ، سيقوم طبيب التخدير بإعطائك الادوية اللازمة لعملية التخدير عن طريق السوائل الوريدية ،
وبعد انتهاء العملية يتبقى السوائل الوريدية مستمرة وذلك لإعطائك مسكنات للألم حسب الحاجة.
هل أستطيع أن أقود مركبتي وأغادر المستشفى بعد العملية ؟
لا، رغم أن العديد من المرضى يشعرون باليقظة التامة ويبدون غير متأثرين بالتخدير إلا أن الجسم قد تظهر عليه إتعكاسات خلال أول (24) ساعة.
ولذلك يعتبر من الضروري مرافقة شخص آخر لك أثناء ذهابك إلى البيت وعليك ألا تقود مركبة أو ان تشغل آلى خطرة لمدة أقلها (24) ساعة بعد الإستيقاظ من التخدير.
<<
اغلاق
|
يكون الإحصارُ أو التسكين العصبيُّ القَطنيُّ العَجزيّ فعَّالاً في تسكين هذا النّوع من الألم. هدف الإحصارُ العصبيّ القَطنيّ العَجزيّ هوَ تَخدير المنطقة وتَقليل الالتهاب أو التورُّم، ما قد يُقلِّل أو يُوقف الألم.
خلال الإحصارُ العصبيّ القَطنيّ العَجزيّ، تُستخدَم إبرةٌ لإيصال الدّواء، وفي بعض الأحيان، تُوضَع الإبرة في مكانها بمعونة آلة أشعّة سينيّة وصبغة.
من الطّبيعيِّ أن يَختفي الألم لبضعِ ساعات بعدَ الحَقن بسبب أدوية التّخدير، إلا أنَّ الألم قد يُعاود الظّهور، وقد يَستمر ليومٍ أو اثنين إلى أن يَبدأُ الدّواء الستيرويديّ بالتَّأثير.
وقد تَشتمل العلاجاتُ البديلة على أدوية تباعُ دون وصفة أو بِوصفة، بالإضافة لأنواع أخرى من الحُقن. قد يُوصى بالجراحة في الحالات الشّديدة من انقراص أو انضغاط الأعصَاب أو أذيَّتها.
الإحصارُ العصبيُّ القَطنيّ العَجزيّ إجراءٌ آمنٌ جدّاً، بإمكانه أن يُساعد بشكلٍ ملحوظ على تقليل ألم أسفل الظّهر أو الرّجل أو إيقافه. لكن كما تعلّمنا، قد تحدث مضاعفات. وستساعدُ مَعرفتها المريض ومقدِّم الرّعاية الصحيّة على كَشفها باكراً في حالِ حدوثها.
<<
اغلاق
|
صور لأدمغة متنوعة فتبارك الله أحسن الخالقين رسم يوضح أقسام الدماغ متنوعة فتبارك الله أحسن الخالقين مقطع طولي لدماغ بشري داخل الجمجمة شكل لمقطع عرضي للحبل الشوكي شكل يوضح مسار السيالة العصبية من النخاع الشوكي إلى العضلة شكل لمقطع عرضي لخلية عصبية فتبارك الله أحسن الخالقين شكل يظهر المراكز التي يتحكم بها الدماغ شكل يظهر النخاع الشوكي والأعصاب التي تتفرغ منه شكل يوضح أشكال الخلايا العصبية بحسب مهمتها شكل لمقطع عرضي لخلية عصبية تظهر أقسامها الثلاثة شكل يوضح المشبك الذي يصل بين الخلايا العصبية شتى المجالات وخاصة في مجال أنظمة الاتصالات وأجهزة الحاسوب وشبكات المعلومات وشبكات الطاقة الكهربائية. ولكن إذا ما شرحت لمن يتباهي بهذه الإنجازات تركيب وطريقة عمل أي عضو من أعضاء جسم الإنسان فإن مباهاته سرعان ما تتلاشى ويرتد إليه طرفه وهو حسير. وفي هذه المقالة سنشرح تركيب أعقد جهاز في جسم الإنسان ألا وهو الجهاز العصبي وبالذات الدماغ الذي هو أهم مكوناته. ولقد اعترف العلماء بأن التعقيد الموجود في تركيب الدماغ لا يوجد ولن يوجد في أعقد الأجهزة الإلكترونية التي اخترعها الإنسان بل إن أحدهم قد قال أنه لو تم جمع جميع الحواسيب في العالم وتم ضغطها لتكون بحجم دماغ الإنسان فلن يصل تعقيد مكوناتها تعقيد مكونات الدماغ. وسنبين أن التعقيد الموجود في دوائره العصبية لا يضاهيه التعقيد الموجود في دوائر أضخم الحواسيب الجبارة والتعقيد الموجود في أليافه العصبية لا يضاهيه التعقيد الموجود في أسلاك أضخم الشبكات الهاتفية. أما الوظائف التي يقوم بها الدماغ فإن البشر لا زالوا يقفون عاجزين عن اختراع أجهزة تقوم بمثل هذه الوظائف وعلى القارئ أن يقارن بين الحركات التي يمكن أن يقوم بها جسم الإنسان مع تلك التي يقوم بها الإنسان الآلي أو الروبوت وبين قدرة الدماغ على التعرف على ملايين الأشياء التي شاهدها لمرة واحدة وبين فشل الحواسيب الجبارة على التعرف على أبسط الأشياء. أما قدرة الدماغ على تمكين الإنسان من الإحساس بوجوده وبمشاعره وعواطفه فلا أعتقد أن العلماء سيفكرون يوما من الأيام في تصنيع أجهزة تقلده في فعل ذلك وصدق الله العظيم القائل "هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11) " لقمان.
يعتبر الجهاز العصبي أهم جهاز من أجهزة الجسم على الإطلاق فبدونه لا يمكن لبقية الأجهزة أن تقوم بوظائفها على الوجه المطلوب وهو يعمل في أبسط أشكاله كجهاز للتحكم يحدد الطريقة التي يعمل بها كل عضو من أعضاء الجسم بالتنسيق مع بقية الأعضاء. وكما هو الحال في أنظمة التحكم المستخدمة في الأجهزة الحديثة فإن الجهاز العصبي يقوم باستقبال إشارات حسية محملة بالمعلومات من مختلف أعضاء الجسم ومن المحيط الخارجي ثم يقوم بمعالجتها ومن ثم يقوم بإصدار الأوامر التي تتحكم بعمل هذه الأعضاء من خلال الإشارات التي يرسلها إليها ولما فيه مصلحة هذا الجسم. وتعمل البرامج المخزنة مسبقا في الجهاز العصبي على دفع الكائن الحي بشكل غريزي للبحث عن طعامه وشرابه وذلك لتأمين الطاقة اللازمة لعمل أجهزة جسمه وكذلك دفعه للتزاوج مع شريكه لإنتاج كائنات جديدة للحفاظ على جنسه إلى جانب دفعه إلى أخذ التدابير اللازمة للحفاظ على جسمه من المخاطر التي يتعرض إليها من المحيط الذي يعيش فيه. ويتميز الجهاز العصبي في الإنسان على تلك التي في بقية الكائنات الحية بوجود وظائف أخرى كثيرة إلى جانب الوظائف السابقة كقدرته على الكلام والقراءة والكتابة والتذكر والتفكير والوعي والإحساس بالعواطف والمشاعر وغير ذلك الكثير كما سنشرح ذلك لاحقا.
وباستثناء التعقيد البالغ في تركيب الجهاز العصبي والآليات المعقدة التي يستخدمها في معالجة المعلومات فإن تركيبه العام لا يختلف من حيث المبدأ عن تركيب أجهزة التحكم الكهربائية التي تستخدم الحواسيب والمتحكمات والمعالجات الدقيقة في عملية التحكم في مختلف أنواع الأجهزة والروبوتات. ففي مقابل الأسلاك المعدنية في الأجهزة الإلكترونية يستخدم الجهاز العصبي الألياف العصبية والتي تتميز بصغر قطرها البالغ الذي يقاس بالميكرومترات. وفي مقابل الترانزستورات في الأجهزة الإلكترونية يستخدم الجهاز العصبي الخلايا العصبية كوحدة أساسية لمعالجة المعلومات والتي تتميز على الترانزستورات بقدرتها الفائقة على معالجة المعلومات حيث تقوم الخلية الواحدة مقام معالج دقيق كامل يحتوي على ملايين الترانزستورات. وكما أن أنظمة التحكم المعقدة وأنظمة الحاسوب العملاقة تستخدم طرق المعالجة المتوازية والموزعة بدلا من المعالجة المتسلسلة والمركزية لزيادة سرعة معالجتها المعلومات فإن الجهاز العصبي يقوم بمعالجة المعلومات المختلفة التي يستلمها من الجسم في أماكن مختلفة من الدماغ والحبل الشوكي بل حتى في داخل الأعضاء المتحكم بها. إن مثل هذه المعالجة المتوازية والموزعة المستخدمة في الجهاز العصبي تضمن عمل النظام حتى في حالة تعطل بعض أجزائه إلى جانب سرعة تنفيذ الأوامر في أعضاء الجسم المختلفة.
يتكون الجهاز العصبي في الإنسان وفي بعض الكائنات الحية من جزئيين رئيسيين أولهما الجهاز العصبي المركزي والذي يتكون من الدماغ الموجود في الجمجمة والحبل الشوكي الموجود في العامود الفقري أما ثانيهما فهو الجهاز العصبي المحيطي وهو كل ما يقع خارج الجمجمة والحبل الشوكي من مكونات عصبية وهي الألياف والعقد العصبية والمستقبلات الحسية. ويعتبر الدماغ أهم مكونات الجهاز العصبي ويعتمد تعقيد تركيبه في الكائنات الحية على عدد وحجم الوظائف التي يقوم بها لخدمة جسم الكائن وبشكل عام فهو يزداد حجما وتعقيدا كلما ازداد حجم جسم الكائن باستثناء الإنسان . ويتراوح وزن الدماغ بين عدة غرامات في الحشرات والأسماك وعدة مئات من الغرامات في الحيوانات الكبيرة كالثدييات أما الإنسان فيصل وزن دماغه إلى ما يقرب من ألف وخمسمائة غرام وقد يصل في بعض الحيوانات الكبيرة الحجم كالفيلة والحيتان والدلافين إلى عدة كيلوغرامات.
إن قدرات الدماغ لا تعتمد فقط على حجمه بل على مساحة سطحه لأسباب سنبينها فيما بعد ولذلك نجد أن أدمعة الحيوانات الكبيرة لها أسطح كثيرة التلافيف والاخاديد وهي أكثر وأعمق ما تكون في دماغ الإنسان كما هو مبين في الصورة المرفقة. إن زيادة حجم دماغ الإنسان بحيث أصبح يساوي ثلاثة أضعاف حجم أدمغة حيوانات مساوية له في الوزن ليدل دلالة قاطعة على أن الإنسان له مكانة خاصة في هذا الكون وأن خلقه قد تم من قبل العليم الخبير سبحانه وتعالى. ومما يؤكد أيضا على تميز الإنسان على غيره من الكائنات هو أن زيادة قدرات دماغه قد رافقها تعديل قدرات أعضاء أخرى مكنته من الاستفادة من قدرات هذا الدماغ الجبار كالأيدي الماهرة التي تحول الأفكار إلى أفعال واللسان الطلق الذي ينقل المعلومات التي يختزنها العقل إلى الآخرين والحواس المتطورة التي تجمع المعلومات من المحيط الذي يعيش فيه. ونظرا للدور البالغ الأهمية الذي يلعبه الجهاز العصبي في ضبط عمل جميع أعضاء أجسام الكائنات الحية وكذلك نظرا لطبيعته الهشة فقد تم حمايته بشكل بالغ الإحكام. فالدماغ محمي بعظام الجمجمة البالغة الصلابة وقد تم تغليفه بثلاث أغشية متينة يطلق عليها اسم السحايا وهي الأم الجافية وهي غشاء ليفي سميك ومتين يبطن عظام الجمجمة مباشرة والأم العنكبوتية وهي تبطن الأم الجافية والأم الحنون وهي غشاء رقيق يغلف الدماغ ويتخلل جميع تجاعيده. ويملأ الحيز بين الأم الحنون والأم العنكبوتية سائل يسمى السائل المخي الشوكي وهو سائل شفاف يتم إنتاجه في بطينات أربع تقع في مركز الدماغ وتسمى البطينات المخية حيث تقوم شبكة من الشعيرات الدموية تسمى الضفيرة المشيمية بإفراز هذا السائل. وتبلغ كمية هذا السائل في دماغ الإنسان ما يقرب من 150 ملليلتر ويتم تغيير هذا السائل أربع مرات في اليوم للحفاظ على خصائصه المميزة التي تمكنه من القيام بوظائفه المختلفة. إن أحد أهم وظائف هذا السائل هو عمله كوسادة من السائل تحمي الدماغ من الارتطام بجدار الجمجمة حيث يمتص الصدمات التي تتعرض لها الجمجمة. أما الوظيفة الأهم من ذلك لهذا السائل فهي ليبقى الدماغ طافيا فيه فبدونه ستضغط كتلة الدماغ على أجزائه السفلية وتدمرها وذلك بسبب الطراوة البالغة لأنسجة الدماغ. ولا تقتصر حماية الدماغ على الأخطار الميكانيكية الخارجية بل تتعدى إلى حمايته من المواد الضارة التي تأتيه من داخل الجسم من خلال الدم فالخلايا العصبية شديدة التأثر بالمواد السامة والذي يموت منها لا يمكن أن يعوض. ولذلك فقد حماه الله سبحانه وتعالى بما يسمى حاجز الدم-الدماغ وذلك من خلال اختيار نوع الشعيرات الدموية التي تغذي خلاياه فهذه الشعيرات لها أقل نفاذية ممكنة بين جميع الشعيرات الموجودة في الجسم ولذلك فهي لا تسمح إلا لما هو ضروري لحياة الخلايا العصبية من غذاء وتطرد سوى ذلك من مواد ضارة وبكتيريا وفيروسات ولذلك فإن التهاب أنسجة الدماغ نادر الحدوث وإذا ما حدث فإن آثاره بالغة الضرر.
يتكون الدماغ من مادة هلامية القوام لون سطحها رمادي يميل إلى القرنفلي ولون داخلها يميل إلى الأبيض ويبلغ معدل وزنه عند الإنسان البالغ ألف وأربعمائة غرام أما معدل أبعاده فهي 16.7 سم من الأمام إلى الخلف و 14 سم من الجانب إلى الجانب و 9 سم من الأعلى إلى الأسفل. وعلى الرغم من أن وزن الدماغ لا يشكل إلا اثنان بالمائة من وزن الجسم إلا أنه يستهلك عشرين بالمائة من الطاقة التي يولدها الجسم حيث يصله ما بين 15 و 20 بالمائة من كمية الدم التي يضخها القلب إلى الجسم. والدماغ مكون من أربعة أجزاء رئيسية وهي المخ والذي يسمى الدماغ الواعي والمخ البيني وجذع المخ والمخيخ والتى تسمى الدماغ غير الواعي.
فالمخ هو الجزء الأعلى من الدماغ وهو أكبر الأقسام حجما إذ يشكل 85 % من حجم الدماغ وهو مكون من نصفين يفصل بينهما شق طولي كبير ويرتبط النصفان ببعضهما عند المنتصف بحزمة ضخمة من الألياف العصبية تسمى الجسم الثفني ويقدر العلماء عدد هذه الألياف (المحاور) بمائتين وخمسين مليون ليف. ويتكون كل من نصفي المخ من أربعة فصوص وهي الفص الجبهي ويشكل 41 بالمائة من حجم المخ والفص الصدغي بنسبة 22 بالمائة والفص الجداري بنسبة 19 بالمائة والفص القحفي بنسبة 18 بالمائة. ويتكون المخ من طبقتين رئيسيتين وهما القشرة المخية ولب المخ فالقشرة المخية هي الطبقة السطحية للمخ وتتراوح سماكتها بين 1.5 و 4.5 ملم وتتركز فيها أجسام العصبونات ولذلك فإن لها لون رمادي. أما لب المخ فيحتوي على محاور العصبونات الموجودة في القشرة المخية والمحاور القادمة من أجزاء الدماغ الأخرى إلى القشرة المخية وهي ذات لون أبيض بسبب أن معظم هذه المحاور مغلفة بطبقة المايلين ذات اللون الأبيض. ويوجد في لب المخ عدد من العقد العصبية التي ترتبط بالقشرة المخية وببقية أجزاء الدماغ. والقشرة المخية لها سطح كثير التجاعيد يحتوي على أخاديد وتلافيف كثيرة تعمل على زيادة مساحة سطحها إلى عدة أضعاف مساحتها فيما لو بقيت بدون هذه الأخاديد وذلك لحكمة بالغة تتضح من خلال الشرح التالي. إن زيادة عدد الخلايا العصبية في الدماغ لا يمكن أن يتم من خلال زيادة حجمه فقط وذلك لأن ربط الألياف العصبية القادمة من مختلف أجزاء الجسم بالخلايا العصبية في طبقات الدماغ الداخلية ستزيد من تعقيد تصميمه ولذلك كان من الأسهل أن يتم توزيع أجسام الخلايا العصبية على سطح الدماغ وترك داخله لمرور حزم الألياف العصبية التي تربط بين مناطق الدماغ المختلفة وبين أعضاء الجسم. وهذه المشكلة هي نفسها التي واجهها مهندسو الإلكترونيات عند تصميمهم لمعالجات وذاكرات الحواسيب التي تحتوي على ملايين الترانزستورات فكان الحل من خلال بناء الدوائر الإلكترونية على أسطح شذرات المواد شبه الموصلة في طبقة واحدة في بداية الأمر وعلى عدة طبقات في الأنواع الحديثة. ولو تطلب الأمر بناء مكونات الدماغ على شكل دوائر إلكترونية بحيث يقوم الترانزستور مقام الخلية العصبية لبلغت مساحة السطح الذي تحتله على الرقائق الإلكترونية أكثر من ألف متر مربع ولكن بما أن الخلية العصبية تحتل حيزا أقل من الترانزستور وتقوم بوظائف أكثر تعقيداﹰ من الوظيفة الوحيدة التي يقوم بها الترانزستور فإن المساحة التي يتطلبها بناء الدماغ باستخدام الخلايا العصبية قد تم تقليصها إلى أقل من متر مربع وذلك من خلال طريقتين فريدتين.
ففي الطريقة الأولى تم توزيع العصبونات على ستة طبقات في القشرة المخية بدلا من طبقة واحدة وبهذا تم تخفيض المساحة إلى السدس. أما الطريقة الثانية فهي من خلال عمل أخاديد وتلافيف كثيرة وعميقة في القشرة المخية وكذلك في المخيخ بحيث بقى حجم الدماغ ثابتا مع زيادة مساحة سطحه عدة مرات عن حاله فيما لو كان على شكل كرة ملساء. إن نصف قطر جمجمة الإنسان لا يتجاوز العشرة سنتيمترات وعليه فإن المساحة السطحية للدماغ فيما لو كان على شكل كرة ملساء لن يتجاوز الألف سنتيمتر مربع وهذا أقل بكثير من المساحة المطلوبة. ومن عجائب الدماغ التي أدهشت العلماء أنه يستهلك من الطاقة ما بين عشرين وثلاثين واط فقط أي ما يكفي لتشغيل مصباح كهربائي صغير الحجم ولو أن الخلية العصبية تستهلك من الطاقة ما يستهلكه الترانزستور الموجود في أحدث المعالجات الدقيقة لبلغت كمية الطاقة التي يحتاجها الدماغ لتشغيله ما يقرب من مائتي كيلواط وهي طاقة تكفي لتشغيل سيارة كبيرة الحجم.
أما المخ البيني فيقع في مركز الدماغ بين المخ وجذع المخ وهو مكون من ثلاث مناطق وهي المهاد وتحت المهاد والمهيد فمنطقة المهاد تعتبر البوابة الرئيسية التي تمر من خلالها معظم الألياف العصبية إلى القشرة المخية حيث تقوم بإعادة ترتيبها لتوجيهها إلى المناطق الخاصة بها وهي أشبه ما تكون بمقسم الهواتف. أما منطقة تحت المهاد فتحتوي على كثير من مراكز التحكم المتعلقة بوظائف الجسم الحيوية كالتحكم بدرجة حرارة الجسم والشعور بالجوع والشبع ووالنوم واليقظة وضغط الدم وتركيز المواد في الدم وتركيز الماء في الجسم والاستجابات العاطفية والرغبة الجنسية. وترتبط منطقة تحت المهاد أيضا بالغدة النخامية بشكل مباشر والغدة النخامية هي أكبر غدد الجهاز الهرموني وتسيطر على بقية غدد الجسم وبذلك فإن منطقة تحت المهاد هي همزة الوصل مع الجهاز الهرموني في الجسم. وأما منطقة المهيد فهي المنطقة المسؤولة عن إنتاج السائل المخي الشوكي وهي مكونة من البطينات المخية والظفيرة المشيمية التي تنتج هذا السائل. أما جذع المخ فيقع تحت المخ البيني وهو صغير الحجم على شكل الإصبع وهو يصل بين المخ والنخاع الشوكي وهو يتكون بدوره من ثلاثة أجزاء وهي من الأسفل إلى الأعلى النخاع المستطيل ثم الجسر ثم الدماغ الأوسط. فالنخاع المستطيل يحتوي إلى جانب الألياف العصبية التي تربط بين المخ والنخاع الشوكي مراكز عصبية تتحكم ببعض عمليات الجسم الحيوية كالتحكم بضربات القلب ومعدل وعمق التنفس وتقلص وتمدد الشرايين. وأما الجسر فيحتوي على القنطرة التي تربط بين نصفي المخيخ والألياف العصبية التي تربط المخ بالمخيخ وكذلك بالنخاع الشوكي. وأما الدماغ الأوسط فيحتوي على بعض مراكز رد الفعل اللاإرادي أو المنعكس أو ما يسمى اختصارا بالمنعكسات كالمنعكسات البصرية والسمعية ومنعكسات الجفل والعطاس والسعال والتقيؤ والشهاق والبلع وكذلك يحتوي على محطة ترحيل للإشارات السمعية. أما المخيخ وهو أكبر حجما من جذع المخ حيث يبلغ وزنه 150 غرام فيقع أسفل الجزء الخلفي من المخ وهو مكون أيضا من نصفين بينهما شق ويرتبطان ببعضهما بحزمة من الألياف العصبية تسمى الدودة وهو كالمخ ذي سطح كثير التجاعيد إلا أن تجاعيده أكثر عمقا وأقل عرضا بحيث أن مساحة قشرته تساوي تقريبا مساحة قشرة المخ رغم الفارق الكبير بين وزنيهما. إن وظيفة المخيخ الرئيسية هي معرفة وضعية الجسم من خلال الإشارات القادمة من المستقبلات الحسية الموزعة في الجسم ومن القنوات الهلالية في الأذن وكذلك حفظ توازن الجسم وتنفيذ الحركات الإرادية لأعضاء الجسم المختلفة وتنسيق حركة هذه الأعضاء.
أما الحبل الشوكي وهو القسم الثاني من الجهاز العصبي المركزي فهو عبارة عن جسم أسطواني طويل يبدأ من جذع المخ ويبلغ معدل طوله في الإنسان 44 سم وقطره يزيد قليلا عن السنتيمتر أي بحجم الإصبع أما وزنه الكامل فهو 35 غرام تقريبا. وهو مغلف كذلك بنفس الأغشية الثلاث التي تغلف المخ ومحاط أيضا بنفس السائل الشوكي ولذلك تم اعتباره جزءا من الجهاز العصبي المركزي. ولقد تم حماية الحبل الشوكي بفقرات العمود الفقري بشكل بالغ الإتقان فهو موجود في داخل عظام متحركة وذلك على العكس من الدماغ المحمي بعظام الجمجمة الثابتة وهذا يتطلب تصميما فريدا ومتقنا لشكل فقرات العمود الفقري لكي لا تقطع أو تضغط عليه وعلى الأعصاب الخارجة منه عند تحرك هذه الفقرات. وإذا ما تفحصنا مقطع النخاع الشوكي نجد أنه يتكون من مادة رمادية على شكل حرف الهاء بالانكليزية محاطة بالمادة البيضاء مما يعني وجود عصبونات في المادة الرمادية ومحاور عصبونات في المادة البيضاء. إن المادة الرمادية لها قرنان ظهريان ترتبط بهما الأعصاب الشوكية الحسية وقرنان بطنيان ترتبط بهما الأعصاب الشوكية الحركية. والمادة البيضاء في النخاع الشوكي هي حزم الألياف العصبية التي تربط الدماغ مع بقية أعضاء الجسم وقد تم تقسيمها إلى ألياف صاعدة وألياف نازلة. وقد تمكن العلماء من رسم خرائط مفصلة لمقطع النخاع الشوكي تحدد أماكن الألياف العصبية التي تذهب إلى مختلف أجزاء الجسم.
ولكن بما أن أجزاء الجسم البعيدة لا يمكن إيصال النبضات العصبية إليها من خلال محور يمتد من الدماغ إلى تلك الأجزاء فإنه يلزم إعادة توليد النبضات الكهربائية بما يسمى المرحلات العصبية وهي خلايا عصبية تستلم النبضات من الدماغ وتعيد إرسالها من جديد. ولذلك نجد أن مساحة المادة الرمادية تكون قليلة في مناطق النخاع القريبة من الدماغ وتزداد تدريجيا كلما ابتعدت عن الدماغ وذلك على عكس المادة البيضاء. وإلى جانب المرحلات العصبية يوجد في النخاع الشوكي كما في الدماغ عصبونات مسؤولة عن رد الفعل المنعكس أو ما يسمى الأقواس الانعكاسية حيث تربط هذه العصبونات المستقبلات الحسية في الجلد وغيره من الأعضاء بالعصبونات المحركة في العضلات المختلفة وذلك بدون مرورها على الدماغ وذلك لتسريع رد الفعل لتجنيب الجسم مصادر الخطأ كتعرض الجلد للحرارة أو الأشياء الحادة وكإعادة توازن الجسم عند الإنزلاق أو غير ذلك. وإلى جانب العصبونات الموجودة في داخل النخاع الشوكي والبالغ عددها بليون عصبون يوجد عقد عصبية كثيرة تقع على السطح الخارجي لفقرات العمود الفقري وذلك لخدمة الجهاز العصبي المحيطي. وتتفرع حزم الألياف العصبية من الحبل الشوكي إلى أعضاء الجسم من بين الفقرات على شكل أزواج أحدهما يذهب إلى يمين الجسم والآخر إلى يساره حيث يوجد واحد وثلاثين زوجا من هذه الألياف كما سنبين تفصيل ذلك لاحقا.
أما القسم الثاني من الجهاز العصبي فهو الجهاز العصبي المحيطي وهو كل ما يقع خارج الجمجمة والحبل الشوكي من مكونات عصبية وهي الألياف العصبية والعقد العصبية والمستقبلات الحسية. فالألياف العصبية أو الأعصاب تتكون في الغالب من عدد هائل من المحاور أو الزوائد الشجرية التي تخدم منطقة ما من الجسم يتم تجميعها على شكل حزم أو ظفائر ومن ثم يتم تغليفها بأنسجة ضامة ومن ثم يتم تغليف جميع هذه الحزم بنسيج ضام رئيسي وغالبا ما يحتوي الليف على شرايين وأوردة لتغذية المحاور والزوائد الشجرية بما تحتاجه من طاقة. وقد صنف العلماء الألياف من حيث قطرها وسرعة انتشار النبضات فيها إلى أربعة أنواع رئيسية فالنوع ألفا يتراوح قطره بين 13 و 20 ميكرومتر وسرعة الانتشار بين 80 و 120 متر في الثانية والنوع بيتا يتراوح قطره بين 6 و 12 ميكرومتر وسرعة الانتشار بين 30 و 80 متر في الثانية والنوع دلتا يتراوح قطره بين 1 و 5 ميكرومتر وسرعة الانتشار بين 5 و 30 متر في الثانية والنوع سي يتراوح قطره بين 0.2 و 1.5 ميكرومتر وسرعة الانتشار بين 0.5 و 2 متر في الثانية وهذا النوع الأخير غير معزول بعكس الأنواع الثلاثة الأولى المعزولة بطبقة المايلين الدهنية والتي تزيد من سرعة انتشار النبضات . وهناك نوعان رئيسيان من الألياف العصبية من حيث الوظيفة فالنوع الأول هي الألياف الحسية التي تنقل الإشارات العصبية التي تنتجها المستقبلات الحسية المختلفة الموجودة في الجسم إلى الجهاز العصبي المركزي أما النوع الثاني فهي الألياف الحركية والتي تنقل الإشارات العصبية من الجهاز العصبي المركزي إلى العضلات والغدد. وقد تم تقسيم الألياف العصبية من حيث مكان خروجها أيضا إلى قسمين فالقسم الأول يخرج من الجمجمة وهي ترتبط بالدماغ وعددها اثنا عشر زوجا وتسمى الأعصاب الجمجمية أو الدماغية ويذهب أغلبها إلى الحواس والعضلات الموجودة في الرأس والرقبة والقسم الثاني يخرج من الحبل الشوكي وعددها واحد وثلاثين زوجا وتسمى الأعصاب الشوكية وتذهب إلى بقية أعضاء الجسم. فالأعصاب الدماغية الأثنا عشر مكونة من عصبين حسيين وخمسة أعصاب حركية وأربعة أعصاب مختلطة فالعصبان الحسيان هما العصب الأول (الشمي) وهو المسؤول عن حاسة الشم والعصب الثاني (البصري) وهو المسؤول عن حاسة البصر ويتكون من مليون ومائتي ألف ليف وأما الأعصاب الحركية فهي العصب الثالث (محرك العين) وهو المسؤول عن حركة عضلات العين الداخلية والعضلة الرافعة للجفن العلوي وحدقة العين والغدد الدمعية ويتكون من ثلاثين ألف ليف والعصب الرابع (البكري) وهو المسؤول عن حركة العضلة المائلة العلوية لكرة العين ويتكون من ثلاثة آلاف ليف والعصب السادس)المبعد) وهو المسؤول عن عضلة العين الوحشية المستقيمة ويتكون من أربعة آلاف ليف والعصب الحادي عشر (العصب الشوكي) وهو المسؤول عن حركة بعض عضلات الرقبة والعصب الثاني عشر (تحت اللساني) وهو المسؤول عن حركة اللسان وأما الأعصاب المختلطة وهي العصب الخامس (ثلاثي التواؤم) وهو المسؤول عن حركة العضلات الماضغة والغشاء المخاطي للفم والأنف وفيه جذر حسي ينقل أحاسيس الوجه والأسنان ويتكون من ثمانية آلاف ليف والعصب السابع (العصب الوجهي) وهو المسؤول عن حركات عضلات الوجه وفروة جبهة الرأس والغدة اللعابية وفيه جذر حسي لحاسة التذوق في مقدمة اللسان ويتكون من عشرة آلاف ليف والعصب الثامن (السمعي) وهو المسؤول عن كل من حاستي السمع ونظام توازن الجسم والعصب التاسع (اللساني البلعومي) وهو المسؤول عن حركة إحدى عضلات البلعوم وحاسة التذوق في الثلث الأخير من اللسان والعصب العاشر (الحائر) وهو العصب الجمجمي الوحيد الذي يخدم منطقة تقع خارج الرأس والرقبة فهو يذهب إلى المعدة والرئتين والحنجرة.
أما الأعصاب الشوكية فيبلغ عددها 31 زوجاً وهي تتفرع من جهتي الحبل الشوكي عند مناطق مختلفة من العمود الفقري حيث يخرج من جانبي كل فقرة عصب يخدم منطقة الجسم القريبة منها وهي على النحو التالي: ثمانية أزواج عنقية واثنا عشر زوجا صدريا وخمسة أزواج قطنية وخمسة أزواج عجزية وزوج واحد عصعصي. وجميع الأعصاب الشوكية من النوع المختلط حيث يتفرع من الحبل الشوكي جذران أحدهما حسي وهو الجذر الظهري أي من جهة الظهر وآخر حركي وهو الجذر البطني ثم يتحدان ليكونا عصبا واحدا بعد خروجهما من بين فقرات العمود الفقري ثم يتفرقا عند وصولهما إلى العضو أو الأعضاء التي تخدمها. وتصنف الأعصاب الشوكية إلى نوعين فالنوع الأول هي الأعصاب الجسمية وهي مكونة من أعصاب حركية مسؤولة عن حركة العضلات الإرادية والتي تنتشر في عضلات هيكل الجسم ومن أعصاب حسية والتي تنتشر في جميع أنحاء الجلد أما النوع الثاني فهي الأعصاب الذاتية أو اللاإرادية وهي مسؤولة عن الحركات اللاإرادية في أعضاء الجسم الداخلية كالقلب والرئتين والحجاب الحاجز والمعدة والأمعاء والكبد والكلى والأوعية الدموية وغيرها. والأعصاب الذاتية تنقسم بدورها إلى نوعين وهي الأعصاب الودية وهي التي تستثير الأعضاء لتعمل بأقصى جهد ممكن عند مواجهة الأخطار كزيادة دقات القلب وزيادة إفراز السكر واتساع حدقة العين وأما النوع الثاني فهي الأعصاب غير الودية وهي تعمل على عكس النوع الأول حيث تعمل على تهدئة الأعضاء لتعود لتعمل بشكل طبيعي.
أما المكون الثاني من مكونات الجهاز العصبي المحيطي فهي العقد العصبية وهي مراكز تقوم بمعالجة الإشارات العصبية كما هي المراكز الموجودة في الدماغ وقد تم توزيعها في أنحاء الجسم لسببين أولهما لتقليل حجم الدماغ وتخفيف العبء عليه وثانيها لتكون قريبة من الأعضاء التي تعالج معلوماتها فتصل الإشارات إليها بأسرع مما لو أنها كانت في الدماغ وكذلك لتقليل عدد الألياف الذاهبة إلى الدماغ. وهناك أنواعا مختلفة من العقد العصبية فالعقد الموجودة في الحواس الخمس تقوم باستلام الإشارات العصبية من المستقبلات الحسية وتقوم بمعالجتها معالجة مبدئية قبل إرسالها إلى الدماغ وذلك لتقليل عدد الألياف الذاهبة إلى الدماغ.
وتقع عقد حواس البصر والسمع والشم والذوق بالقرب من مستقبلاتها الحسية بينما تقع عقد حاسة اللمس على الجذور الظهرية للأعصاب الشوكية أي بجوار العمود الفقري. والعقد المستخدمة في حركة العضلات الإرادية تحتوي على برامج تحدد سلسلة حركة العضلات عند القيام بوظيفة معينة وكل ما تحتاجه من الدماغ إشارة البدء لتنفيذ المهمة. أما العقد الموجودة في الجهاز العصبي اللإرادي أو الذاتي فتحتوي على برامج تعمل بشكل مستقل ومتواصل دون الحاجة لأوامر من الدماغ وهي نوعان فالنوع اللاودي توجد عقده العصبية في جدار العضو المتحكم به أو قريبا منه أما النوع الودي فتوجد عقده على سطح الجدار الخارجي للعمود الفقري وهي على شكل انتفاخات في الحبلان العصبيان اللذان يمتدان على طول الحبل الشوكي حيث يوجد عقدتين على جانبي كل فقرة. إن اختيار هذا الموقع للعقد اللاودية لم يأتي اعتباطا فإلى جانب حمايتها بعظام الفقرات فإن الألياف الخارجة منها والداخلة إليها يتم دمجها داخل الأعصاب الشوكية وذلك لتقليل عدد الأعصاب الذاهبة والقادمة من أعضاء الجسم كما هو واضح في الشكل المرفق.
وأما المستقبلات الحسية فهي المكون الثالث للجهاز العصبي المحيطي وهي خلايا عصبية يوجد على زوائدها الشجرية مستقبلات تستجيب لمؤثرات مختلفة فهناك المستقبلات الضوئية المستخدمة في حاسة البصر والمستقبلات الميكانيكية المستخدمة في حاسة السمع ونظام حفظ توازن الجسم والمستقبلات الحرارية المستخدمة في تنظيم درجة حرارة الجسم والمستقبلات الكيمائية المستخدمة في حاستي الذوق والشم وفي تنظيم العمليات الحيوية في داخل الجسم. إن محاور خلايا المستقبلات الحسية لا تذهب مباشرة إلى الدماغ بل تمر على عقد عصبية تقوم بمعالجة الإشارات التي تصلها معالجة مبدئية وذلك لتقليل عدد الألياف العصبية الذاهبة إلى الدماغ وكذلك لتخفيف العبء عليه. ففي حاسة البصر يبلغ عدد الخلايا الحساسة للضوء في شبكية كل عين ما يقرب من 130 مليون خلية منها خمسة ملايين من المخاريط بأنواعها الثلاثة والحساسة للألوان الأساسية الثلاث والبقية من العصي الحساسة لشدة الضوء. وتجتمع الألياف الخارجة من الشبكية عند العقدة العصبية الشبكية والتي تحتوي على ما يقرب من مليون عصبون ومن ثم تنقل إلى القشرة البصرية في المخ والتي تحتوي على 550 مليون عصبون. وفي حاسة السمع يبلغ عدد الخلايا الشعرية الحساسة لحركة سائل القوقعة ما يقرب من 20 ألف تمر الألياف الخارجة منها والبالغ عددها 30 ألف ليف على عقدة عصبية تقع بجوار القوقعة وتحتوي على ما يقرب من 10 آلاف عصبون ومن ثم تنقل إلى القشرة السمعية في المخ والتي تحتوي على 100 مليون عصبون. وفي حاسة الشم يوجد عشرة ملايين خلية شم موزعة على رقعتين من النسيج الشمي موجودتين في سقف التجويف الأنفي والتي لا تتجاوز مساحة كل منهما سنتيمتر مربع واحد. ويوجد ما يقرب من ألف نوع من خلايا الشم الحساسة لمختلف أنواع المواد الكيميائية وهي قادرة على تمييز ما يزيد عن عشرة آلاف رائحة مختلفة.
وفي حاسة الذوق يوجد عشرة آلاف برعم تذوق غالبيتها موجودة على سطح اللسان والبقية في اللهاة وجوانب الفم ويوجد ما بين 50 و 150 مستقبل تذوق على كل برعم وهي مقسمة إلى أربعة أنواع تستجيب للحلاوة والملوحة والحموضة والمرارة. وفي حاسة اللمس يوجد ما يقرب من عشرين نوعا من الخلايا الحسية مدفونة على أعماق مختلفة من الجلد تستجيب لأنواع مختلفة من المؤثرات كالسخونة والبرودة والخشونة والنعومة والصلابة والطراوة والرطوبة والجفاف والضغط المتقطع والمتواصل ومعدل التغير في درجة الحرارة والضغط والألم. وقد قدر العلماء عدد المستقبلات الحسية في الجلد بخمسة ملايين ثلاثة أرباعها من حساسات الألم وهي ليست موزعة بشكل منتظم على سطح الجلد فهي عالية الكثافة في اليد والرجل والشفاه واللسان والوجه والرقبة وقليلة الكثافة في الظهر فقد لا تزيد المسافة بين حساسين متجاورين في رؤوس أصابع اليد عن ملليمترين اثنين بينما قد تصل لعدة سنتيمترات في الظهر. وإلى جانب المستقبلات الحسية الموجودة في الحواس الخمس يوجد في الجسم أنواع أخرى من الحساسات كالحساسات الكيميائية الموزعة في مختلف أجهزة الجسم تعمل على ثبات تركيز مختلف أنواع المواد الكيميائية ضمن حدود معينة وكالحساسات الميكانيكية الموجودة في المفاصل والعضلات التي تذهب إشاراتها إلى نظام حفظ توازن الجسم وغالبا ما تستخدم هذه الحساسات في تشغيل أنظمة التغذية الراجعة المستخدمة في كثير من أجهزة الجسم.
يحتوي دماغ الإنسان على نوعين رئيسين من الخلايا وهي الخلايا العصبية أو العصبونات وهي تشكل عشرة بالمائة من عدد خلايا الدماغ والخلايا الدبقية أو الصمغية وتشكل 90 بالمائة منه وهي تعمل كمادة داعمة للعصبونات وتقوم بتزويدها بالغذاء والأوكسجين وتخليصها من الفضلات. وعلى الرغم من أن عدد الخلايا الدبقية يبلغ عشرة أضعاف الخلايا العصبية إلا أنها تحتل نفس الحيز الذي تحتله الخلايا العصبية في الدماغ وذلك لأن حجمها يبلغ عشر حجم الأخرى تقريبا. ويقدر العلماء عدد العصبونات في الدماغ بمائة بليون (البليون يساوي ألف مليون). ويعتبر العصبون وحدة البناء الأساسية للدماغ وهو يناظر الترانزستور الذي هو وحدة البناء الأساسية للدوائر الإلكترونية المستخدمة في بناء أجهزة الحواسيب وغيرها من الأجهزة الإلكترونية. وتتكون الخلية العصبية بشكل عام من ثلاثة أجزاء رئيسية وهي جسم الخلية والذي يحتوي جميع المكونات التي تحتويها بقية خلايا الجسم أما الجزء الثاني فهو التفرعات الشجرية أو الزوائد العصبية وأما الجزء الثالث فهو المحور.
والتفرعات الشجرية هي زوائد تخرج من جسم الخلية ثم تتفرع إلى غصينات كثيرة قد تصل إلى عدة آلاف في بعض العصبونات وهي قصيرة الطول نسبيا لا تتجاوز عدة ملليمترات ويوجد على أطرافها مستقبلات للنواقل العصبية. أما المحور فلا يوجد منه إلا واحد في كل خلية عصبية ويتراوح طوله بين عدة ملليمترات وقد يزيد عن المتر وتخرج منه عند طرفه البعيد تفرعات معدودة تنتهي ببروزات على شكل أزرار تقوم بإفراز الناقلات العصبية عند إثارتها وتكون هذه الأزرار مع المستقبلات الموجودة على التفرعات الشجرية ما يسمى بالمشابك العصبية. وكما أن للدوائر الإلكترونية مداخل لاستقبال الإشارات ومخارج تسلم الإشارات لبقية الدوائر فإن للعصبونات مداخل ومخارج فمداخلها هي التفرعات الشجرية حيث تنقل الإشارات التي تبعثها المستقبلات بعد إثارتها من الخلايا الأخرى إلى جسم الخلية والتي تقوم بمعالجتها وإرسال الناتج من خلال المحور إلى المشابك والتي تقوم بنقلها إلى بقية الخلايا العصبية. والمشبك العصبي هو عبارة عن الجهاز الذي يقوم بنقل الإشارات العصبية من خلية عصبية إلى أخرى وهو يتكون من التقاء أحد أزرار محور خلية وأحد مستقبلات التفرعات الشجرية في خلية أخرى دون أن يتلامسا حيث يوجد بينهما فجوة لا يتجاوز عرضها ثلاثين نانومترات ومن خلالها تنتقل النواقل العصبية التي تفرزها الأزرار إلى المستقبلات الموجودة على التفرعات الشجرية. ويوجد أنواع مختلفة من العصبونات يتراوح قطرها ما بين عدة مايكرومترات ومائة مايكرومتر أما طولها فيتراوح ما بين عدة ميلليمترات وقد يتجاوز المتر. وعلى الرغم من أن عدد أنواع العصبونات المتخصصة قد يزيد عن عشرة آلاف نوع إلا أنه يمكن تقسيمها من حيث الوظيفة إلى ثلاثة أنواع رئيسية وهي العصبونات الحسية والعصبونات المحركة والعصبونات الرابطة أو الموصلة. فالعصبونات الحسية تقوم باستقبال الإشارات من خلايا المستقبلات الحسية في الجسم ومعالجتها ثم إرسال نتائج المعالجة إلى العصبونات الأخرى وهي في الغالب طويلة الزوائد الشجرية قصيرة المحور. أما العصبونات المحركة فتقوم بنقل الأوامر إلى أعضاء الاستجابة في الجسم كالعضلات والغدد وهي في الغالب طويلة المحور قصيرة الزوائد الشجرية. وأما العصبونات الرابطة أو اموصلة فتستخدم كوسيلة لربط مختلف أنواع العصبونات وغالبا ما تتركز في مراكز المعالجة في داخل الدماغ وفي العقد العصبية.
لقد تمكن العلماء إلى حد ما من فهم الطريقة التي تعمل من خلالها الخلية العصبية في نقل ومعالجة الإشارات العصبية. فعندما تثار الشجيرات العصبية لعصبون ما من قبل العصبونات المتصلة بها من جهة الشجيرات يقوم العصبون بمعالجة هذه الإشارات فضائيا وزمنيا لتنتج إشارة واحدة فقط لها شدة معينة. وإذا ما تجاوزت شدة هذه الإشارة عتبة محددة تحدد من قبل جهاز يقع عند نقطة التقاء المحور مع جسم الخلية يسمى عتبة المحور فإن الخلية تقوم بتوليد نبضة كهربائية ذات شدة محددة تسمى جهد الفعل. ويتم توليد جهد الفعل هذا من خلال فتح قنوات الصوديوم والبوتاسيوم الموجودة في غشاء المحور وهذه القنوات تفتح وتغلق تبعا لمقدار فرق الجهد الموجود بين سطحي الغشاء ولذلك سميت بالبوابات المحكومة بالجهد. ففي وضع السكون تكون هذه القنوات مغلقة ويكون فرق الجهد سالبا ومقداره في المتوسط -70 ملليفولت. وعند إثارة طرف المحور عند عتبته بمؤثر خارجي تنفتح قنوات الصوديوم إذا زاد فرق الجهد عن -40 ملليفولت وتبدأ أيونات الصوديوم بالدخول من خارج الخلية إلى داخلها فتزيد بذلك الأيونات الموجبة عن الأيونات السالبة في الداخل فيتحول فرق الجهد في ذلك الموضع من المحور من السالب إلى الموجب وبمقدار +50 ملليفولت. وعند هذا الجهد الموجب تنغلق قنوات الصوديوم وتنفتح قنوات البوتاسيوم فتبدأ أيونات البوتاسيوم الموجبة بالخروج من داخل الخلية إلى خارجها فتعيد فرق الجهد إلى وضعه الطبيعي. وعلى الفور تبدأ مضخات الصوديوم والبوتاسيوم بالعمل لإخراج ما دخل من أيونات الصوديوم إلى داخل الخلية وإدخال ما خرج من أيونات البوتاسيوم إليها لكي تحافظ على الفرق في تركيزهما بين داخل وخارج الخلية. إن هذا التغير الموضعي في فرق الجهد لن يتوقف عند هذا المكان بل سيبدأ بالانتشار ويقوم بفتح وإغلاق القنوات المجاورة ويسري التغيير في فرق الجهد على شكل نبضة أو موجة كهربائية في المحور بعيدا عن جسم الخلية. وتسمى الفترة الزمنية التي تعقب فترة توليد النبضة الكهربائية والتي يتم فيها إعادة تركيز الأيونات لوضعها الطبيعي بفترة الممانعة حيث تمتنع عتبة المحور عن توليد نبضة كهربائية جديدة مع وجود المؤثر عليها. إن وجود فترة الممانعة هذه ضرورية جدا لعمل العصبون فهي أولا تمنع النبضات الكهربائية من الانتشار باتجاه جسم العصبون بل تنتشر بعيدا عنه باتجاه نهاية المحور وثانيا فهي تحدد أعلى معدل ممكن لتوليد النبضات الكهربائية والذي يبلغ مائة نبضة في الثانية. مع العلم أن المعلومات المتبادلة بين العصبونات يتم تمثيلها بمقدار تردد النبضات وليس بشدتها وهذه الطريقة هي إحدى الطرق المستخدمة في تمثيل المعلومات في أنظمة الاتصالات الكهربائية والتي تسمى بتعديل أو تضمين التردد. إن سرعة انتشار النبضة الكهربائية في المحور غير المعزول لا تتجاوز عدة أمتار في الثانية وذلك تبعا لقطر المحور حيث تزيد السرعة مع زيادة القطر. وهذه السرعة قد تكون كافية لتبادل المعلومات بين الخلايا العصبية المتجاورة ولكنها غير كافية بين الخلايا المتباعدة والتي قد تصل المسافة بينها عشرات السنتيمترات. وهنا تتجلى قدرة الخالق سبحانه وتعالى في إبداع طريقة عجيبة تزيد من سرعة الانتشار لتصل إلى ما يزيد عن مائة متر في الثانية دون زيادة قطر المحور وهي من خلال تغليف المحور بعازل دهني يسمى المايلين أو النخاعين ولكن ليس بالكامل بل تترك مناطق ضيقة غير معزولة بين المناطق المعزولة تسمى عقد رانفير والتي تكثر فيها قنوات الصوديوم والبوتاسيوم. إن عزل المحور يمنع من دخول أيونات الصوديوم من خلال القنوات الواقعة تحت العازل وهي قليلة جدا وبذلك فإن جهد الفعل أو النبضة الكهربائية لن يتولد إلا عند عقد رانفير. وإذا ما تم توليد نبضة كهربائية عند عقدة ما فإن نبضة أخرى ستتولد عند العقدة المجاورة التي تليها بمجرد وصول أيونات الصوديوم من العقد السابقة وذلك من خلال ظاهرة الانتشار السريعة نسبيا. وبهذه الطريقة تنتشر النبضات العصبية على شكل قفزات بين العقد وهي بالطبع أسرع من انتشارها بشكل متواصل على المحاور غير المعزولة. ويتم عزل المحاور من قبل خلايا متخصصة تسمى خلايا شوان حيث تأخذ كل خلية موقعها على طول المحور وعلى مسافات منتظمة ثم تبدأ بإفراز المادة الدهنية العازلة وتقوم بلفها عدة لفات حول المحور شريطة أن تترك الخلايا المتجاورة على المحور منطقة بينهما غير معزولة وهي عقد رانفير وهذا من عجائب تقدير العزيز العليم سبحانه وتعالى.
يتم تبادل المعلومات بين الخلايا العصبية من خلال ما يسمى بالمشابك العصبية والمكونة كما ذكرنا سابقا من الأزرار الموجودة على نهاية محور الخلية المرسلة والمستقبلات الموجودة على الزوائد الشجرية للخلية المستقبلة حيث يفصل بينهما فجوة لا يتجاوز سمكها 30 نانومتر. فعند وصول النبضة الكهربائية إلى نهاية المحور حيث توجد الأزرار فإنها تعمل على فتح قنوات الكالسيوم الموجودة في غشائه والتي تدخل من خلالها أيونات الكالسيوم إلى داخل الزر والتي تقوم بدورها بفتح أكياس أو حويصلات مملوءة بالنواقل العصبية فتصبها في فجوة المشبك.
ويتم التقاط هذه النواقل العصبية من قبل مستقبلات الخلية المستقبلة حيث يوجد أنواع مختلفة من المستقبلات التي يستجيب كل نوع منها إلى نوع محدد من النواقل العصبية فقط ولا تستجيب للبقية وهي أشبه ما تكون بالمفتاح والقفل فلكل قفل مفتاحه الخاص به. وعندما يستجيب أحد المستقبلات فإنه يقوم بفتح قنوات في غشاء الخلية المستقبلة لتدخل من خلالها الأيونات فتغير من فرق الجهد في ذلك الموضع والذي ينتشر تأثيره ليصل إلى عتبة المحور في تلك الخلية. ويوجد نوعان رئيسيان من المستقبلات من حيث التأثير على عتبة المحور أحدهما مثيرة والأخرى مثبطة فالمثيرة تقوم بفتح قنوات الصوديوم والتي تعمل على دفع العتبة لإطلاق النبضة العصبية بينما تقوم المثبطة بفتح قنوات البوتاسيوم أو الكلور والتي تعمل على منعها من فعل ذلك. وبما أن الخلية العصبية تحتوي على آلاف المستقبلات المثبتة على زوائدها الشجرية فإن الإشارات القادمة منها سيتم جمع تأثيراتها عند عتبة المحور وإذا ما تجاوزت المحصلة قيمة حدية معينة فإن عتبة المحور ستولد نبضة عصبية لها نفس الشدة بغض النظر عن قيمة المحصلة وهذا هو المبدأ الرئيسي التي تعمل على أساسه الشبكات العصبية. إن التأثير الذي يحدثه كل مستقبل على عتبة المحور يعتمد على نوع الناقل العصبي وبعد المستقبل عن جسم الخلية وعادة ما يتم تمثيل شدة التأثير بقيمة عددية تسمى الوزن وهذه الأوزان تكون موجبة في المستقبلات المثيرة وسالبة في المستقبلات المثبطة. وعندما يتم إثارة الخلية العصبية من قبل ما يرتبط بها من خلايا عصبية فإن محصلة التأثير عن عتبة المحور هو حاصل جمع جميع أوزان المستقبلات المثارة وإذا ما تجاوز الوزن المحصل قيمة حدية معينة فإنها ستقوم بإطلاق نبضة عصبية واحدة. وعلى العكس من الترانزستور الذي لا يمكنه إرسال إلا نوعين من الإشارات إلى الترانزستورات المرتبطة به وهي فصل أو وصل التيار الكهربائي فإن الخلية العصبية تستطيع إرسال أكثر من خمسين نوعا من الإشارات العصبية وذلك حسب نوع الناقل العصبي. وتتميز الخلية العصبية بإمكانية ربطها بعدد كبير جدا من الخلايا العصبية المجاورة قد يصل إلى عشرة آلاف خلية عصبية في مقابل عدة عشرات في حالة الترانزستورات. وعلى هذا فإن الخلية العصبية الواحدة تناظر في عملها المعالج الدقيق الذي يحتوي على ملايين الترانزستورات والذي يستخدم في كثير من الأجهزة الإلكترونية الحديثة حيث يتم برمجته للقيام بوظائف محددة. إن هذه الطريقة الفريدة في معالجة المعلومات من قبل الخلية العصبية هي التي مكنت الدماغ من القيام بهذه الوظائف المعقدة والتي عجزت أضخم الحواسيب الرقمية من القيام بأبسطها. ولذلك لجأ العلماء إلى استخدام نفس طريقة المعالجة المستخدمة في العصبون لبناء أجهزة ذكية أو ما سموه بالذكاء الاصطناعي. ويعتبر علم الشبكات أو الدوائر العصبية أحد العلوم الحديثة التي استخدمها علماء الحاسوب لزيادة قدرات الحواسيب بحيث تحاكي بعض قدرات الدماغ البشري كالتعرف على الأشياء واتخاذ القرارات السريعة.
وبعد هذا الشرح المبسط لتركيب الجهاز العصبي سنبين بعض أوجه الإعجاز في تركيب مكوناته وأعتقد أن القارئ الفطن قد تجلت له هذه المعجزات من خلال الشرح السابق ولكن لا بأس من التذكير ببعضها ونترك للقارئ التفكر في البقية. فكما ذكرنا آنفا يقدر العلماء عدد الخلايا العصبية في الدماغ بمائة بليون خلية موزعة على مراكز الدماغ المختلفة وترتبط كل خلية من هذه الخلايا بما يتراوح بين عشرة خلايا وعشرة آلاف خلية مجاورة وذلك لبناء الشبكات العصبية في مراكز الدماغ المختلفة. وإذا ما اعتبرنا أن متوسط عدد الوصلات مع الخلايا المجاورة هو ألف وصلة فإن العلماء قد قدروا عدد الوصلات بين الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ بمائة ألف بليون وصلة يبلغ مجموع أطوالها قريبا من مائتي ألف كيلومتر. أما عدد الألياف العصبية التي تربط مراكز الدماغ المختلفة ببعضها فتعد بآلاف الملايين فقد قدر العلماء عدد الألياف التي تربط نصفي المخ فقط بمائتين وخمسين مليون. أما عدد الأعصاب التي تربط الدماغ والحبل الشوكي بأعضاء الجسم المختلفة فتعد بعشرات الملايين فالعين الواحدة على سبيل المثال ترتبط بالدماغ بمليون ومائتي ألف ليف عصبي. ولا زال العلماء يضربون أخماسا بأسداس لفهم الطريقة التي تم من خلالها ربط هذا العدد الهائل من العصبونات بهذا الرقم الفلكي من الوصلات علما بأن خطأ بسيطا في بعض الوصلات قد يؤدي لفشل الدماغ في القيام بوظيفته. أما عملية مد الألياف العصبية لتربط مراكز الدماغ المختلفة ببعضها وربط هذه المراكز مع أعضاء الجسم المختلفة فهي معجزة أخرى من معجزات الجهاز العصبي. إن هذا اللغز الكبير قد أعيا العلماء وقد كان آخر تفسيراتهم أو قل تكهناتهم أنه عند خلق الإنسان يخصص لكل ليف عصبي شيفرة محددة تنتج بروتين محدد ويقوم هذا البروتين كمرشد لرأس الليف العصبي فيسير حيث سار البروتين إلى أن يصل إلى مكانه المحددة حيث يوجد بروتين مكمل له. وللقارئ أن يتخيل منظر هذه الملايين من الألياف العصبية وهي تنمو تدريجيا وتنتشر من الدماغ والحبل الشوكي إلى جميع خلايا الجسم فتصلها بدقة متناهية فخطأ بسيط كفيل بإصابة الإنسان بعاهة مستديمة في أحد أعضائه. ومن معجزات الدماغ أنه يحتاج لبرمجة كل خلية عصبية من خلاياه البالغ عددها مائة بليون حيث تتطلب البرمجة تحديد أوزان الزوائد الشجرية لكل خلية والتي قد يصل عددها إلى عشرة آلاف وزن في الخلية الواحدة. ويتم برمجة خلايا بعض المراكز العصبية بشكل دائم منذ خلق الإنسان كالمراكز المسؤولة عن وظائف الجسم الحيوية أما المراكز الأخرى فقد صممت بحيث يتم برمجة خلاياها من خلال التعلم كما في مراكز اللغة والذاكرة وغيرها. ومن معجزات الدماغ أنه على الرغم من أنه يفقد من خلاياه العصبية سنويا ما يزيد عن ثلاثين مليون عصبون وذلك ابتداء من سن العشرين إلا أن قدراته ووظائفه لا تتأثر بهذا الفقد كثيرا ويعود السبب في ذلك إلى الطريقة الفريدة التي تعمل من خلالها الدوائر العصبية والتي تختلف تماما عن طريقة عمل الدوائر الإلكترونية المستخدمة في الحواسيب فتعطل ترانزستور واحد في الحاسوب كفيل بتعطل الحاسوب أو تعطل بعض أجزائه.
يقوم الدماغ بوظائفه من خلال مراكز عصبية موزعة على أجزائه المختلفة ويعتمد عدد الخلايا العصبية الموجودة في كل مركز من هذه المراكز وطريقة توصيلها ببعضها البعض على طبيعة الوظيفة المنوطة بكل منها . ولقد تمكن العلماء من تحديد معظم الأماكن التي تحتلها هذه المراكز باستخدام طرق مختلفة كإجراء التجارب على الحيوانات أو على الأشخاص الذين أصيبوا بضرر في بعض أجزاء أدمغتهم أو من خلال مراقبة النشاط الكهربائي للدماغ بأجهزة تصوير مختلفة لأشخاص سليمين عند قيامهم بمهام مختلفة. وبما أن أكبر أجزاء الدماغ وهما المخ والمخيخ مكونان من نصفين متماثلين فقد وجد العلماء أن المراكز العصبية فيهما تتكرر في كل نصف وتحتل نفس المواقع وكل نصف من الدماغ مسؤول عن الإحساس أو التحكم في أعضاء نصف الجسم المعاكس له أي أن نصف الدماغ الأيمن يتحكم أو يحس بنصف أعضاء الجسم الأيسر والعكس للنصف الثاني باستثناء بعض الحالات. ولقد قسم العلماء الدماغ إلى قسمين من حيث طبيعة الوظيفة التي يقوم بها وهو الدماغ اللاوعي والذي يتكون من المخ البيني وجذع المخ والمخيخ والدماغ الواعي والذي يتكون من المخ فقط. وبما أن أحد أهم وظائف الدماغ اللاوعي هو تنظيم عمل أجهزة جسم الإنسان فقد وجد العلماء أن المراكز المسؤولة عن ذلك لا تختلف من حيث تركيبها ومن حيث الأماكن التي تحتلها عن تلك الموجودة في أدمغة بقية الحيوانات وخاصة الثدييات وذلك للتشابه الكبير في تركيب أجسامها مع تركيب جسم الإنسان. فهذا الجزء اللاواعي أو الغريزي من الدماغ مسؤول عن الحركات اللاإرادية وتنظيم العمليات الحيوية لمختلف أعضاء الجسم باستخدام أنظمة التغذية الراجعة من خلال ملايين الأعصاب التي ترتبط بمختلف أجزاء هذه الأعضاء. ولقد شرحنا آنفا المهام التي تقوم بها أقسام الدماغ اللاوعي عند شرح تركيب الدماغ ولكن على الرغم من كثرتها وتعقيدها فإن المراكز العصبية الخاصة بها موجودة في كتلة لا يتجاوز وزنها المائتي غرام. ويعود السبب في ذلك إلى أن البرامج المخزنة في الدماغ اللاوعي هي برامج مبيتة بلغة علماء الحاسوب أي أن التوصيلات بين الخلايا العصبية في كل مركز ثابتة لا تتغير وهي موجودة منذ ولادة الإنسان أي أنها تعمل كأنظمة تحكم فقط.
أما الوظائف التي يقوم بها الدماغ الواعي أي المخ فهي تنقسم إلى قسمين قسم يشترك بها الإنسان مع بقية الحيوانات وهي التي تتعلق بالحواس الخمس والحركات الإرادية والقسم الثاني هي التي يتميز بها الإنسان على بقية الحيوانات كالإحساس بالذات وقدرته على التفكير والتعلم والتكلم والتذكر والتخيل وكامتلاكه لمختلف أنواع العواطف والأحاسيس والمشاعر. وعلى الرغم من أن الحيوانات وخاصة الثدييات منها تمتلك حواسا خمسة كما في الإنسان إلا أن حواس الإنسان قد تم زيادة قدراتها بشكل كبير واحتلت مساحات في القشرة المخية أكبر من تلك التي للحيوانات باستثناء بعض الحالات. ففي حاسة البصر تم نقل العينين من جانبي الرأس إلى مقدمة الرأس بحيث يتم رؤية الأشياء بالعينين معا ومن ثم يقوم المخ ببناء صورة مجسمة للشيء المرئي من الصورتين المسطحتين اللتين تلتقطهما كل من العينين. أما عدد الخلايا الحساسة للضوء الموجودة في شبكية العين فقد تم زيادتها بشكل كبير جدا لكي تنتج صور عالية الوضوح ومتعددة الألوان للأشياء التي تراها العين. إن هذه التعديلات في تركيب عين الإنسان لا تكاد تذكر مع تعقيد البرمجيات الموجودة في دماغ الإنسان والتي تمكن الإنسان من الإحساس بصور الأشياء الموجودة في محيطه. وتحتل هذه البرمجيات البصرية أكبر مساحة من القشرة المخية حيث تغطي معظم مساحة الفص الخلفي ففي أقصى الفص توجد القشرة البصرية المرتبطة بشبكية العين من خلال العصب البصري أما بقية الفص فيحتوي على الذاكرة البصرية. أما حاسة السمع فلا تختلف من حيث التركيب العام عن تلك التي لبقية الحيوانات الرئيسية إلا أن البرمجيات المستخدمة في الدماغ البشري قادرة على تمييز طيف واسع من الترددات الصوتية ومزج تلك الترددات للإحساس بمختلف أنواع الأصوات الصادرة عن المحيط الخارجي لكي يستمتع الإنسان بسماع مختلف أنواع الأصوات الجميلة. وقد تم استخدام برمجيات في الدماغ لمزج الصوت القادم من الأذنين بحيث يمكن للمستمع تحديد الاتجاه القادم منه الصوت وكذلك تحديد بعد مصدر الصوت مما يساعد المستمع بالشعور بما يسمى التأثير المجسم للصوت. أما أكثر ما يميز النظام السمعي لدى الإنسان فهو قدرته على تمييز الكلام الصادر عن أجهزة الكلام في الإنسان والتي يمكنها إصدار عدد كبير من الأصوات التي تمثل الأحرف الهجائية والتي يتم دمجها للفظ الكلمات التي تحمل معاني مختلفة تم تدريب العقل البشري للتعرف عليها. وتقع القشرة السمعية في أعلى الفص الصدغي بينما توجد الذاكرة السمعية أسفل منها في نفس الفص ومن خلال هذه الذاكرة يمكن التعرف على آلاف الأصوات الخاصة بالأشخاص والحيوانات وغيرها.
وأما حاسة اللمس لدى الإنسان فقد تم تطويرها بشكل كبير بالمقارنة مع بقية الحيوانات وتعتبر من أكثر الحواس الخمس تعقيدا حيث يتوجب على هذه الحاسة إبلاغ الدماغ عن أي شيء يلامس جلد الإنسان وتحديد طبيعة هذا الشيء. وهذا يتطلب زرع حساسات مختلفة الأنواع على مسافات متقاربة على جميع أنحاء الجسم بحيث يمكن للإنسان تحديد الموضع الذي تمت عنده الملامسة بدقة عالية. وكما هو الحال مع حاستي السمع والبصر فإن التعقيد الموجود في ملايين الخلايا الحسية المزروعة في الجلد وملايين الأعصاب التي تنقل النبضات الحسية إلى الدماغ لا يكاد يذكر مع التعقيد الموجود في مراكز الإحساس والبرامج المخزنة فيها. ويستخدم الإنسان حاسة اللمس كغيره من الكائنات الحية للتعرف على درجة حرارة الجو المحيط بجسمه لكي يتخذ التدابير اللازمة لحماية جسمه من الحرارة أو البرودة الزائدة وكذلك التعرف على الأشياء التي تلامس أو تضغط على جسمه لكي يتخذ الإجراءات المناسبة. ويتميز الإنسان على بقية الكائنات الحية باستخدامه لحاسة اللمس للتعرف على خصائص الأجسام الملموسة كالصلابة والليونة والخشونة والنعومة والطراوة والقساوة والرطوبة والجفاف وخاصة من خلال خلايا الحس الموجودة في أصابع اليد. وتقع حاسة اللمس الابتدائية في مقدمة الفص الأوسط من المخ بينما تقع وحدات المعالجة الحسية خلفها على نفس الفص وتحتل أعصاب أصابع اليد والشفتان والوجه واللسان أكبر مساحة من المساحة الكلية لحاسة اللمس كما هو مبين في الشكل المرفق. أما حاسة الذوق عند الإنسان فيمكنها التفريق بين أربعة أنواع من الأحاسيس وهي الإحساس بالحلاوة والملوحة والحموضة والمرارة وذلك من خلال وجود ما يقرب من عشرة آلاف برعم تذوق على سطح اللسان ويحتوي كل من هذه البراعم على ما يزيد عن عشرة مستقبلات تذوق لها القدرة على قياس مستويات عديدة لكل واحدة من هذه الأحاسيس الأربعة. ويقوم الدماغ بمعالجة المعلومات التي ترسلها مستقبلات التذوق المختلفة عبر الأعصاب المتصلة بها ليعطي عدد لا يحصى من المذاقات والنكهات التي نتذوقها عند أكل وشرب مختلف أنواع الأطعمة والأشربة. ولهذا السبب نجد أن الإنسان يستطيع التفريق بين طعم آلاف الأنواع من الفواكه والخضراوات وبذور وزيوت النباتات ولحوم وألبان الحيوانات بل له القدرة على التميز بين طعم ثمار النوع الواحد من النباتات كما نرى عند تفريقنا بين طعم مئات الأنواع من التمور أو التين والعنب والتفاح والبرتقال وغيرها. وأما حاسة الشم عند الإنسان فقد لا تكون أكثر حساسية من تلك التي لبقية الحيوانات إلا أنه قد تم تعديلها بحيث يمكنها التمييز بين ما يزيد عن عشرة آلاف نوع من الروائح المختلفة وذلك من خلال وجود عشرة ملايين خلية شم مختلفة موزعة على رقعتين من النسيج الشمي موجودتين في سقف التجويف الأنفي والتي لا تتجاوز مساحة كل منهما سنتيمتر مربع واحد. وقد وجد العلماء أن هناك سبعة أنواع من مستقبلات الشم تستجيب لسبعة أنواع من الروائح الأولية ويمكن لحاسة الشم من خلال مزج هذه الروائح الإحساس بعدد كبير جدا من الروائح المختلفة كما هو الحال مع حاسة البصر التي يمكنها إدراك عدد هائل من الألوان من خلال مزج ثلاثة ألوان أساسية فقط. وبهذه القدرة الفائقة لحاسة الشم في التفريق بين مختلف أنواع الروائح تمكن الإنسان من الاستمتاع بمختلف أنواع الروائح العطرية التي تصدرها أزهار وثمار آلاف الأنواع من النباتات وكذلك الاستمتاع بأطايب الطعام من خلال تعاون حاستي الذوق والشم. وكذلك تساعد حاسة الشم الإنسان على تجنب مواقع المواد المتعفنة والتي تحتوي على أنواع كثيرة من الجراثيم الضارة بصحته وذلك من خلال إحساس الإنسان بروائح كريهة تنبعث من هذه المواقع. إن إحساس الإنسان برائحة محددة يتم من خلال تنفيذ برامج محددة مخزنة في مراكز الشم في الدماغ فالنبضات العصبية المنبعثة من مستقبلات الشم الموجودة في الأنف لا تختلف عن بعضها البعض من حيث الشكل ولكنها تثير عند وصولها لمراكز الشم الخاصة بها أحاسيس مختلفة في الدماغ.
أما بخصوص المراكز العصبية المتعلقة بالحركات الإرادية لدى الإنسان فهي تحتل مساحة أكبر بكثير في القشرة المخية من تلك التي لبقية الحيوانات. وقد جاءت هذه الزيادة لتلبي القدرات الحركية الهائلة لكل من يدي الإنسان ولسانه وشفتيه فاليدان هما آلة العمل والكتابة واللسان والشفتان هما آلة الكلام وهاتان القدرتان إلى جانب القدرة العقلية هي ما ميز الله سبحانه وتعالى الإنسان على غيره من الكائنات الحية. وتقع المراكز العصبية المسؤولة عن الحركات الإرادية في الجزء الخلفي من فص المخ الأمامي وهي تغطي مساحة واسعة منه. ويتبين لنا من الشكل المرفق كيف أن اليد بأصابعها الخمس والشفتان واللسان يحتلان مساحة كبيرة من المساحة الكلية المخصصة للحركات الإرادية في الجسم. لقد سوى الله سبحانه وتعالى الإنسان وعدله فأصبح يعتمد على رجليه فقط في المشي وأصبحت يداه حرتان طليقتان لتقوم بمهام جديدة ساعدته على التفوق على غيره من الحيوانات. وقد تم تصميم الأجزاء المختلفة لليدين بحيث يمكنهما القيام بوظائف عديدة وقد تم ذلك الأمر من خلال عدة تعديلات أهمها تصميم مفاصل اليد بحيث أصبحت تتحرك بكل سهولة وحرية في الاتجاهات المختلفة فمفصل الرسغ يسمح بحركة قبضة اليد في مستويين متعامدين ومفصل الكوع يسمح بحركة ذراع اليد كذلك في مستويين متعامدين إلى جانب إمكانية تدويره ضمن زاوية تزيد عن تسعين درجة أما مفصل الكتف فيسمح بتحريك كامل اليد في مستويين متعامدين وبزاويتين كبيرتين تزيدان عن تسعين درجة. أما التعديل الأكثر أهمية فهو الذي تم إجراؤه على كف اليد بحيث أصبحت قادرة على القيام بمهام مختلفة تمكن الإنسان من خلالها استغلال كثير من خيرات هذه الأرض. ولو أن يد الإنسان بقيت على الهيئة التي هي عليها أيدي بقية الثدييات لما تمكن من تصنيع أي شيء مهما كانت قدراته العقلية. فاليد هي الآلة التي تقوم بتنفيذ الأفكار التي يولدها العقل فما الذي يمكن أن يعمله حمار له عقل إنسان؟! ومن أهم التعديلات التي أجريت على كف اليد هو زيادة مساحة باطنها وزيادة عد الأصابع فيها إلى خمسة أصابع وبثلاثة مفاصل في كل منها وقد تم وضع أربعة منها في مستوى واحد بينما وضع الإصبع الخامس وهو الإبهام في وضع مواجه لبقية الأصابع. ويتميز الإبهام على بقية أصابع اليد إلى جانب وجوده في مواجهتها بقدرته على الحركة في مستويين اثنين بينما تتحرك الأصابع الأخرى في مستوى واحد فقط مما أعطاه الحرية للوصول بكل سهولة إلى جميع أصابع اليد وجزء من باطنها. وبهذا التصميم البديع لليد تمكن الإنسان من إمساك والتقاط وتحريك مختلف الأشياء التي تتراوح في أحجامها من حبات الرمل وبذور النباتات إلى قطع الصخور وجذوع الأشجار. أما الاستخدامات التي تظهر البراعة العالية لليد فهي الكتابة والرسم حيث يمكن لليد الإمساك بالقلم في وضعية معينة وتحريك رأسه في مختلف الاتجاهات بدقة عالية لكي يتمكن من كتابة الأحرف والكلمات ومختلف أنواع الرسومات وصدق الله العظيم القائل"اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)" القلم.
ومن القدرات البالغة الأهمية لدماغ الإنسان تلك المتعلقة بقدرته على استخدام الكلام كوسيلة لتبادل مختلف أنواع المعلومات والمشاعر المخزنة في أدمغتهم. وعلى الرغم من أن مكونات آلة الكلام موجودة في كثير من الثدييات التي لها فم يحتوي على لسان وأسنان وشفتين إلا أنها لا تستطيع استخدامها في إصدار الأصوات اللازمة لإجراء عملية التكلم. ولكي يتمكن الإنسان من الكلام فقد تم ربط عضلات فكيه ولسانه وشفتيه بعدد كبير من الأعصاب المرتبطة بمركز الكلام في الدماغ مما أعطاها مزيدا من حرية الحركة كما نلاحظ ذلك عند تحريك اللسان ليلامس مواضع كثيرة في تجويف الفم وكذلك هو الحال عند تحريك الشفتان. ويفهم أكثر الناس الحركات الإرادية بشكل خاطئ فهم يعتقدون أن جميع خطوات عملية تحريك أيديهم وأرجلهم وألسنتهم تتم بشكل كامل تحت سيطرتهم وهي ليست كذلك حيث أن جميع الخطوات تتم بشكل غير إرادي ما عدا الخطوة الأولى وهي خطوة تحديد نوع الحركة ووقت ابتدائها. فعندما ينوي الإنسان تحريك يده أو لسانه أو شفتيه في وضعية ما فإن هنالك برنامجا ضخما مخزنا في مركز الحركة والمراكز المساعدة يتم تشغيله ليحدد سلسلة النبضات العصبية التي يجب أن ترسل لمختلف عضلات اليد أو الفم وبتزامن منقطع النظير. فعلى سيبل المثال فلو أن شخصا أراد أن يضع رأس سبابته على أرنبة أنفه أو أي جزء من جسمه وهو مغلق عينيه فما عليه إلا أن يعطى الأمر لدماغه بفعل ذلك ومن ثم تقوم المراكز المسؤولة بتنفيذ برامج معقدة لتنفيذ هذه الحركة التي تبدو بسيطة لمن لا يدرك أبعادها. فعلى الدماغ أولا أن يحدد وضعية اليد الابتدائية ويتم الحصول على هذه المعلومات من المخيخ والذي سبق له أن حصل عليها من المستقبلات الحسية الموجودة في اليد ومن ثم يحدد الوضعية النهائية لليد وهي أرنبة الأنف وعلى ضوء هذه المعلومات يقوم الدماغ بتحديد سلسلة النبضات العصبية المرسلة إلى مختلف عضلات اليد المختلفة لتحركها بتسلسل محدد لكي تصل إلى هدفها المحدد. إن حجم العمليات العصبية التي يجريها الدماغ لمثل هذه المهمة التي قد تبدو بسيطة لا يدرك تعقيدها إلا المهندسون الذين يعملون في برمجة الروبوتات أو الأطباء الذين يعالجون مرضى أصيبوا بعاهات في المراكز المسؤولة عن الحركة. وكذلك هو الحال عندما ينوي الشخص التلفظ بالحروف والكلمات والجمل فإن عملية التكلم تتم بشكل لاإرادي حيث تتولى برامج محددة مخزنة في مركز الكلام تحديد سلسلة النبضات العصبية التي ترسل بتزامن معين إلى مختلف مكونات آلة الكلام ابتداء من الحجاب الحاجز مرورا بالرئة والأوتار الصوتية واللسان والفكين وعضلات الوجه وانتهاء بالشفتين. وعلى العكس من حركة الأيدي والأرجل التي تتم وفق برامج جاهزة مخزنة في مراكز الحركة منذ ولادة الإنسان فإن حركة مكونات آلة الكلام تتم وفق برامج يتم تخزينها في مركز الكلام في الدماغ في وقت لاحق بعد ولادة الإنسان وذلك من خلال تدريب عضلات آلة الكلام على لفظ الأحرف والكلمات وصدق الله العظيم القائل "الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)" الرحمن.
أما الدماغ الواعي فهو المسؤول عن الوظائف التي لا توجد في أدمغة بقية الثدييات كوظائف الوعي والتفكير والحساب والمنطق والتعلم والتذكر والتعرف والكلام واتخاذ القرارات. إن بإمكان العلماء فهم الآليات التي تعمل على أساسها المراكز العصبية الموجودة في الدماغ اللاواعي المسؤول عن التحكم في أعضاء الجسم فهي من حيث المبدأ لا تختلف عن تلك المستخدمة في أنظمة التحكم الإلكترونية مع فارق التعقيد والأداء بينهما ولكن لا زال أمامهم شوطا طويلا لفهم الآليات التي يستخدمها الدماغ الواعي للقيام بوظائفه المختلفة. وقد وجد العلماء أن الفص الأمامي من المخ يحتوي على مراكز الدماغ المسوؤلة عن التفكير والمنطق والحساب واتخاذ القرارات وقد يكون دوره كدور وحدة المعالجة المركزية في الحاسوب ولذا فهو مرتبط بمعظم أقسام الدماغ حيث تجلب له المعلومات من المراكز المختلفة ليقوم بمعالجتها واتخاذ القرارات المناسبة. إن أكثر وظائف الدماغ إبهاما هي وظيفة الإدراك أو الوعي وهي إحساس الإنسان بوجوده وبوجود الأشياء من حوله ويمكن أن نستوعب أبعاد هذه المسألة لو تصورنا أن العلماء قد تمكنوا من تصنيع حاسوب عملاق قادر على القيام بكامل وظائف الدماغ البشري فهل يمكن لهذا الحاسوب أن يحس بنفس الأحاسيس التي يشعر بها الإنسان من خلال دماغه. ومن الوظائف المهمة التي تميز الإنسان بها على بقية الحيوانات هي قدرته على التعرف على الأشياء من حوله من خلال حاسة الإبصار فعندما تقع عين الإنسان على شيء ما فإنه يستطيع التعرف على هذا الشيء في لمح البصر بمجرد مشاهدته مرة أخرى. وبهذه الوظيفة المهمة يتمكن الإنسان من التعرف على مئات الآلاف من الأشياء التي يحتاجها لتسهيل سبل عيشه كالتعرف على وجوه الأشخاص وأشكال الثمار والحبوب والأدوات وأشكال التضاريس الأرضية والمباني والبيوت والشوارع وأشكال النباتات والحيوانات. ولقد حاول العلماء باستخدام الحواسيب الرقمية العملاقة تقليد الدماغ البشري للتعرف على الأشياء ففشلوا فشلا ذريعا حيث احتاج الحاسوب العملاق عدة ساعات للتعرف على شكل تفاحة من بين عدة أنواع من أشكال الثمار. ومن الوظائف المهمة للدماغ البشري هي التفكير حيث يقوم بناءا على مقدمات منطقية بالحصول على نتائج منطقية جديدة وبهذه القدرة العقلية تمكن الإنسان من كشف كثير من أسرار وقوانين موجودات الكون الذي يعيش فيه واستطاع كذلك أن يسخر كثير من قوى وموارد الطبيعية لصالحه. ويتميز دماغ الإنسان كذلك بامتلاكه لذاكرة قوية يخزن فيها الكلمات والجمل وأسماء الأشياء المحسوسة وغير المحسوسة وصور الأشياء التي يراها والأصوات التي يسمعها وكذلك كم هائل من الأحداث والذكريات التي مر بها في ماضيه. ولا زال العلماء على جهل تام بالطريقة التي يستخدمها الدماغ في تخزين ما تراه العين وما تسمعه الأذن فمن الواضح أن الدماغ مهما بلغت سعة ذاكرته لا يمكنه أن يستوعب كل ما يصل إليه من معلومات سمعية ومرئية تلتقطها الأذن والعين. وفي هذا الحال لا بد أن الدماغ يستعمل آليات معقدة لاختيار المعلومات المهمة ويقوم بتخزينها في أماكن مختلفة من الدماغ كالذاكرة البصرية والذاكرة السمعية والذاكرة اللغوية وغيرها. فعلى سبيل المثال فعندما تقابل شخصا لأول مرة ولمدة محددة من الزمن فإن كم هائل من المعلومات سترسلها العين والأذن إلى الدماغ ولكن بعد إنتهاء المقابلة لا يبقى في الذاكرة إلا الأشياء المهمة كصورة وجهه وشكل جسمه ونوع ملابسه وبعض الجمل التي تلفظ بها. ومن ميزات الدماغ أن الإنسان يستطيع أن يستذكر المعلومات المخزنة في ذاكرته ويخرجها على شكل كلام من خلال الفم أو على شكل كتابة أو صور باستخدام اليد أو على شكل حركات عضلية تمكنه من إنجاز مختلف الأعمال التي تدرب عليها. ولا يمكن لأقوى الحواسيب العملاقة أن يقلد دماغ الإنسان في الطريقة التي يستخدمها لتأليف وإخراج الكلام فعندما يقوم شخص ما بالحديث عن موضوع معين فإنه بمجرد استحضاره لمعنى من المعاني يقوم الدماغ بشكل تلقائي بالبحث عن الكلمات المناسبة التي تؤلف الجمل المفيدة التي تعبر عن ذلك المعنى.
إن باستطاعة العلماء المهتمين بدراسة الدماغ أن يبرهنوا على أن الطرق التي يعمل بها الدماغ لأداء بعض وظائفه تقوم على أسس مادية يمكن استخدامها لبناء حواسيب تقوم بنفس الوظائف إذا ما توفرت التقنيات المناسبة لذلك ولكنهم لا أظنهم يتجرؤون فيقولوا أن مثل هذه الحواسيب قادرة على القيام بوظائف أخرى يقوم بها الدماغ البشري كالإحساس بوجوده والإحساس بالمشاعر والعواطف الإنسانية المختلفة كالحب والكره والفرح والحزن وإلى غير ذلك من المشاعر. إن القضية المتعلقة فيما إذا كانت المادة بشتى صورها قادرة على الإحساس بوجودها حيرت ولا زالت تحير الفلاسفة والعلماء ولم يتمكنوا حتى الآن من الوصول إلى إجابة شافية تستند إلى أسس علمية واضحة. ولهذا برزت فكرة وجود قوة عاقلة ذات طبيعة غير مادية تسكن في جسم الإنسان أطلقوا عليها اسم الروح وهي المسؤولة عن الوعي وحرية الإرادة والاختيار والمشاعر والعواطف الإنسانية المختلفة والتمييز بين الخير والشر وكبح جماح الغرائز الحيوانية. ومما زاد من يقين البشر بوجود هذه الروح هو قدرة بعض أفراد البشر بالقيام بأعمال لا يمكن للمادة أن تقوم بها كاستشراف الغيب من خلال التنبؤ بالأحداث المستقبلية على يد الأنبياء والرسل ومن خلال الأحلام الصادقة التي يراها البشر في مناماتهم وإلى غير ذلك من الظواهر الخارقة للعادة. ولطالما تساءل البشر عن طبيعة هذه الروح التي نقلت الإنسان من الحياة الحيوانية التي تحكمها الغرائز إلى الحياة الإنسانية التي يحكمها العقل والمثل العليا والتي تجعل هذا الإنسان يتصرف في كثير من الأحيان على عكس ما تمليه عليه غرائزه كما تفعل بقية الحيوانات. ولقد رد القرآن الكريم على الذين سألوا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن طبيعة الروح بجواب مفحم وذلك في قوله تعالى "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)" الإسراء 85. ولقد تبين للبشر في هذا العصر أبعاد هذا الرد القرآني فهاهم العلماء بما أوتوا من علم في مختلف التخصصات العلمية وبما توفر لهم من أجهزة ومعدات معقدة استخدموها في دراسة الدماغ البشري وحواسيب جبارة لتقليد طريقة عمل بعض وظائفه يقفون عاجزين عن كشف أسرار الجانب المادي للدماغ فأنى لهم معرفة طبيعة الروح التي تسكن جسم هذا الإنسان! إن من الجهل أن لا يعترف الإنسان العاقل بوجود أشياء لا يمكن لحواسه أن تدركها أو أن عقله لا يستطيع أن يستوعبها وخاصة في هذا العصر الذي تمكن البشر فيه من التعامل مع أشياء لا يدركونها بحواسهم ولا يمكن لعقولهم أن تتخيلها كما هو الحال مع الموجات الكهرومغناطيسية التي استخدموها لنقل مختلف أشكال المعلومات وصدق الله العظيم القائل "بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)" يونس 39.
<<
اغلاق
|