وجد ما يسمى بـ»المستشفيات السوداء» التي تبحث عن المرضى المصابين بالسمنة لاقتناصهم.
ورغم أن الإحصاءات تؤكد أن أكثر من 60%من النساء بالسعودية و40 %من الرجال يعانون من السمنة، وأن العديد من هؤلاء يلجأون لما يعرف بـ»جراحات السمنة»، إلا أنهم لا يلجأون لذلك داخل المملكة ومستشفياتها، وإنما يجرون تلك الجراحات بالخارج، ليس طلبا للإجادة لإنها متوفرة داخليا، وإنما هربا من التكاليف المبالغ فيها، والتي تصل إلى ضعف تكاليف الخارج في بعض الأحيان، رغم تذاكر الطيران والإقامة بفنادق فاخرة، وأحيانا توفير جولات سياحية.
«المدينة» فتحت ملف السمنة وبحث الكثير من السعوديين للعلاج من هذا الداء، وتجولت في المستشفيات داخل وخارج السعودية لاسيما «الأردن» التي أصبحت وجهة أولى لكثير من السعوديين ودول الخليج لإجراء العمليات الجراحية هناك، وبين آراء متعددة جاء هذا الموضوع.
الجراحة في الأردن.. أسعار وكفاءات متباينة
يؤكد الطبيب الاستشاري «أ. ع»، المتخصص في جراحات قص المعدة بالأردن، أن هنالك قرابة 10 أطباء مصرح لهم بمزاولة مثل هذه العمليات وفقًا للاختصاص ووفقا للدورات والخبرات العلمية والعملية التي حصلوا عليها، لذا يستطيعون اجراء مثل هذه العمليات كقص المعدة او تركيب البالون بأنواعه المختلفة أو الحلقة «ربط المعدة» أو تحويل مسار المعدة سواء كان المصغر او الكامل.. وعن التكلفة أوضح الطبيب أن الأسعار تختلف من طبيب لآخر، وذلك حسب اسم المستشفى الذي سوف تجرى به العملية، كذلك اسم الطبيب الذي يقوم بإجرائها. وأضاف: إن الأسعار بشكل عام ارخص من دول الخليج او من المستشفيات الخاصة التي تجري مثل هذه العمليات في السعودية، لا سيما وأن الاسعار بالأردن تتراوح ما بين 14 الف ريال سعودي الى 20 الف ريال سعودي فقط لقص المعدة او تحويل المسار المصغر او الطبيعي.
أما عن إقامة المريض فقال: أن المريض يحضر في الصباح الباكر وتجرى له بعض الفحوصات العادية مثل وظائف الكبد والكلى ونوعية الدم وقوته ويتم تجهيزه لدخول غرفة العمليات، وبعد الاطمئنان على الفحوصات تجرى له العملية التي تتراوح مدتها من 45 دقيقة الى ساعتين حسب المريض ووزنه. ثم يتم وضعه في غرفة خاصة له وفي اليوم الثاني يعطى بعض السوائل التي يوصى بتناولها كاليانسون او الشاي ويستطيع بعدها الخروج في المساء او في اليوم الثالث. ليمارس حياته طبيعيًا بعد أن يعطى بعض الوصايا الطبية والجداول الغذائية التي يمشي عليها ليتفادى أي أضرار قد يقع بها بسبب سوء تصرفه.
وفي سؤال «المدينة» للاستشاري هل هنالك اطباء يجرون مثل تلك العمليات وهو غير مرخص لهم. قال هنالك بعض الأطباء الذين تنقصهم الخبرة والتدريب فلا نستطيع ان نسميها سوق سوداء ولكن عدم الخبرة لا تؤهلهم لاجراء مثل هذه العمليات، ولكن هنالك من يغامر باسمه وبحياة المريض ليجري مثل هذه العمليات وهم قلة جدًا لربما بالشهر الواحد لا يجرون إلا عملية أو عمليتين بينما بعض الأطباء المزاولين يجرون شبه يوميًا اكثر من عشر عمليات وهنالك البعض اكثر من هذا العدد بكثير فلا يكاد يمر يوم دون اجراء مثل هذه العمليات.
د.صباحي: السمنة «أم الأمراض» وتهدد صحة نصف المجتمع
حمل الدكتور عدنان صباحي، استشاري أمراض وجراحة السمنة، رئيس قسم جراحات السمنة بمستشفى الملك فهد السابق، جهات عدة مسؤولية تفشي المرض، كما صنفته المنظمات الصحية العالمية، مؤكدًا أن وزارة الصحة ستفشل في مجابهة أمراض السمنة ما لم تتكاتف جهات حكومية مهمة لمواجهته كوزارة التجارة والبلديات والتعليم، ففي الجهتين الأوليين يجب عليهما مراقبة الوجبات الغذائية في المطاعم وتسهيل الاستثمار في الاكل الصحي مقابل موجة اعلانات قوية للمأكولات السريعة بما تحتويه من مسببات في زيادة الوزن من خلال كميات عالية من الدهون، وفي الناحية التعليمية لا توجد رقابة على الوجبات المقدمة في المدارس للطلاب، حيث يعتبرها التعليم خارج طور مسؤولياته التعليمية والتربوية.
وأعاد صباحي الى الاذهان لجانا شكلت من قبل وزارة الصحه وبمشاركة نخبة من المختصين في المدن الطبية والجامعات ومشاركة القطاع الخاص، لمناقشة الاسباب وطرق المنع والعلاج ومواجهة تفشي السمنة، الا أن ذلك لم يستمر، رغم عجز العيادات وعدم وجود نوادٍ رياضية، وهو ما فاقم المشكلة، وجعل قرابة نصف المجتمع مهددًا في صحته، حيث إن السمنة كما يسميها المختصون هي «أم الأمراض». وحول التكاليف المادية التي يتكبدها مرضى السمنة أرجع الدكتور عدنان مصباحي ذلك إلى قلة المراكز الصحية الحكومية لعلاجها، وكذلك الأسعار الفندقية في المستشفيات الخاصة والمدة الزمنية المطلوبة بعد إجراء عمليات التكميم «والتي تعد الأكثر شيوعًا» والأسرع بين الخيارات الأخرى، بالإضافة إلى التفاوت في الأسعار والتي تختلف بين مركز صحي وآخر في القطاع الخاص، حيث تتراوح عملية التكميم بين 30 - 50 ألف ريال، إذ إن الأدوات والمؤن الطبية تأخذ جزءًا معتبرًا من تلك التكاليف.
جراحة الخارج مع رحلة سياحية بنصف تكاليف الداخل
أوضح مصدر طبي بمركز السمنة بمستشفى الملك فهد أن تقليص عدد العمليات هو السبب وراء ازدياد حالات الانتظار والتي تصل الى عامين، حيث إن العاملين في العيادات أربعة متخصصين يجري كل واحد منهم عملية واحدة فقط في الاسبوع، وفي احيان كل أسبوعين، بينما المراجعون بعدد أكبر بعكس الماضي والذي كانت تصل مابين 5 - 6 عمليات خلال يوم واحد. ومع تفاقم تفشي السمنة نشطت عدد من المعرفات والمواقع بشبكة التواصل الاجتماعي لتسويق اجراء هذه العمليات في دول اخرى، وتواصلت «المدينة» مع احد هذه المواقع والذي خيرنا بين أجرائها في جدة بثمن مخفض «27 ألف ريال»، من اصل 32 الف ريال، أو إجراؤها على يد بروفيسور في تركيا بـ19 ألف ريال شاملة التحاليل والفحوصات وأشعة الصدر وتخطيط القلب والعملية والتنويم الى اسبوع بالمستشفى وتذاكر الطيران ومتابعة لمدة سنة كاملة في السعودية، كما أن المستشفى الذي تجرى به العملية عبارة عن عيادات طبية واجنحة فندقيه بالاضافة الى تحمل المواصلات ورحلة سياحية ومترجم.. كل ذلك مقابل مبلغ 19 ألف فقط، مما يضع علامة استفهام كبيرة حول اسعار هذه العمليات والتي أضحت منتجا سريع الكسب مرتفع التكاليف في ظل اقبال متزايد.
سفارة المملكة بالأردن: 250 مراجعا زار الأردن منذ بداية العام
من جانبها بينت سفارة خادم الحرمين الشريفين بالأردن على لسان متحدثها الرسمي رئيس الشؤون الاعلامية عبدالسلام العنزي أن السفارة السعودية وبناءً على توجيهات سمو سفير خادم الحرمين الشريفين لدى المملكة الاردنية الهاشمية صاحب السمو الأمير خالد بن فيصل بن تركي آل سعود للقسم الصحي في السفارة باستقبال على مدار الساعة الاستفسارات التي تتعلق بالجانب الصحي لجميع المواطنين الذين يرغبون في العلاج بالأردن، كما أن السفارة بصدد اصدار كتيب يبين من خلاله ابرز المستشفيات الأردنية والأطباء الذين يقدمون خدمة طبية جيدة من خلال تجربة في سنوات سابقة ما بين السفارة والمراجعين والمستشفيات.
وعن عدد الحالات التي تستقبلها السفارة لتصديق التقارير الطبية لبعض الحالات التي تتلقى العلاج في الاردن الشقيق بين العنزي أنه خلال العام الحالي من تاريخ 1 /1 /1438هـ إلى تاريخ إعداد هذا الخبر تم التصديق على أكثر من 250 مراجعًا تم إجراء لهم عمليات مختلفة في الأردن، موضحًا أن هذه العدد لا يعتقد بأنه يمثل جميع الحالات، لا سيما وأن الكثير من المواطنين يجرون العديد من العمليات ويعودون لأرض الوطن دون مراجعة السفارة، وتعد عمليات السمنة من ابرز الحالات التي تلاحظها السفارة مؤخرًا، حيث يعد الأردن من أشهر الدول في إجراء مثل تلك النوعية من العمليات.
ونوه العنزي على أهمية استشارة السفارة فيما يتعلق بأهم العيادات والأطباء، حيث يوجد لدى السفارة العديد من المعلومات التي تهم المواطن حول ذلك، كما أن السفارة سخرت كافة امكانياتها لتقديم الخدمة والرعاية للمواطنين القادمين للأردن سواء للعلاج أو غير ذلك.
بين الخاص والحكومي
وبين التكاليف العالية لعلاج السمنة في القطاع الخاص ورفض المستشفيات الحكومية أو محدوديتها في إجراء مثل هذه العمليات، وجدت المواطنة نورة الزهراني ذات الـ 22 ربيعا نفسها بين نارين أحلاهما مر، وفقا لوصف والدتها التي روت قصتها مع علاج ابنتها التي تعاني السمنة، حيث اجريت لها عملية «تكميم» في مستشفى خاص مؤخرًا، وبعد اجراء العملية وخروجها بعدة أيام تعرض لمضاعفات صحية، ولأن المستشفى الخاص كان سيطالب بمبالغ مالية للتنويم، وفي ظل صعوبة الحال الذي أعانيه توجهت الى مستشفى الملك فهد لأواجه بسوء المعاملة والرفض، ومع المحاولات تم الوصول الى مدير عمليات وجراحات السمنة الذي رفض استقبال الحالة او معالجة المضاعفات، وبقيت في هذا الحال أركض بين طبيب وآخر أنشد علاجا او تدخلا في ظل معاناة صحية صعبة لابنتي، وظل الوضع في تلك المعاناة من الحادية عشرة مساءً حتى صباح اليوم التالي، فتوجهت الى الادارة لعل أحد مسؤولي المستشفى يتدخل لعلاج ابنتي، الا أن الرد كان مؤلمًا وجارحًا من المسؤول، حيث قال: إن من أجرى العمليه هو من يتحمل التنويم والعلاج لأن مستشفى الملك فهد لايمكن استقبال نفايات السباكين»، وحددت المدة الزمنية بأكثر من اثنتي عشرة ساعة، حيث غادرت المستشفى، ولم يكن امامي سوى العودة الى المستشفى الخاص حيث الطبيب المعالج، وحدث ما لم يكن متوقعا وهنا يجب أن اسجل هذا الموقف الانساني حيث استقبل الحالة وتم تنويمها في المستشفى لأسبوعين وتحمل الطبيب المعالج التكاليف والأعباء المالية.
وتعقيبا على ذلك أوضح المتحدث الرسمي بصحة جدة عبدالله الغامدي أن المريضة راجعت طوارئ مستشفى الملك فهد، وتم عمل الفحوصات اللازمه لها من قبل الطبيب المناوب ولم تكن حالتها حرجة ولا تستدعي التنويم.
معاناة المرضى بين الداخل والخارج
تواصلت «المدينة» مع بعض المرضى الذين أجروا مثل هذه العمليات، فيقول أحمد الشراري أن وزنه كان أكثر من 160 كلجم، ويعاني من سمنة مفرطة، وبعد ان بحث عن علاجه في المستشفيات الحكومية التي تعذرت عن علاجه بسبب عدم وجود سرير أو اختصاصي، اضطر للسفر للخارج لا سيما وأن أرخص مستشفى خاص بالسعودية يجري مثل هذه العمليات بمبلغ يتراوح من 50 ألف إلى 70 ألف ريال، وأوضح الشراري أنه أجراها في الأردن والآن هو متزوج ويمارس عمله في احد القطاعات الحكومية ولا يعاني من أي شيء ولله الحمد، وعن وزنه بعد مرور اكثر من سنة ونصف قال إن وزنه الآن 84 كلجم.
أما خالد بن عبدالله، وهو من أهالي القريات، فقال: إنه أجرى العملية في الأردن بمبلغ 16 ألف ريال، ولكن للاسف لم يوفق باختيار الطبيب، حيث عانيت بعد العملية من نزيف وتسريب، وأبحث عن علاجي في المستشفيات السعودية بعد ان أصبحت طريح الفراش.