تاريخ النشر 19 اغسطس 2017     بواسطة الدكتورة امل عبد العزيز باجري     المشاهدات 201

الوضع الصحي والغذائي للفتيات «مُتخلّف».. ومدارس

تحفيظ القرآن تُعاني «انغلاقا» حذرت استشارية في مجال طب الأسرة والمجتمع، مما وصفته بـ«تخلُّف» الوضع الصحي والغذائي بمدارس البنات بالعاصمة السعودية الرياض.وجاءت تلك التحذيرات على خلفية دراسة ميدانية أجرتها جمعية طبية سعودية على عدد من تلك المدارس بطريقة عشوائية، لقياس مدى إدراك الفتيات في مرحلة
المراهقة لعدد من المفاهيم الصحية والغذائية الواجب اتباعها لتجنب الإصابة بالاضطرابات والمشاكل المرافقة لتلك المرحلة.
واعتبرت الدكتورة أمل باجري استشارية طب أسرة ومجتمع بجامعة الملك سعود بالرياض وعضو جمعية طب الأسرة والمجتمع لـ«الشرق الأوسط»، أن البعض من مدارس تحفيظ القرآن الكريم للفتيات تعاني من الانغلاق في التعاطي مع مشاكل الفتيات الجسدية في مرحلة البلوغ، مشيرةً إلى أن الفتيات في تلك المدارس اشتكين لها عن حذف موضوع تشريح الأعضاء التناسلية المقرر ضمن مقرراتهن الدراسية المعتمدة من قبل وزارة التربية والتعليم بحجة أنه خروج عن المألوف واجتراء على العادات والتقاليد.
ولم تكتفِ باجري بالحديث فقط عن مدارس تحفيظ القرآن الخاصة بالفتيات في السعودية، حيث تولت وأخذت على عاتقها مهمة الإفصاح عن ظواهر وسلوكيات يومية تُمارسها بعض الطالبات، كظاهرة التدخين وتناول مشروبات الطاقة، والذي عدّته باجري أكثر خطورةً على صحة الفتيات في سن البلوغ، بالإضافة لكون عدد من الفتيات يعمدن لتناول عقار «البندول» مضافة لتلك المشروبات بهدف تحقيق نوع من الشعور بالنشوة الكاذبة بحسب وصفها.
ولمحت استشارية طب الأسرة والمجتمع إلى أن مشروبات الطاقة المضاف لها حبوب «البندول» تعني تركز مادة الكافيين في الدم، مما ينعكس على التركيز الذهني للفتاة.
وكشفت أن الدراسة الميدانية التي قامت بها جمعيتها بالتعاون مع إدارة الوحدات الصحية بوزارة التربية والتعليم وهيئة الهلال الأحمر السعودي والإدارة العامة لمكافحة المخدرات بمنطقة الرياض، شملت 14 مدرسة، ضمن خطة عمل استهدفت ما يزيد على 30 مدرسة من مدارس البنات بمدينة الرياض، مؤكدةً أنها تولت الإشراف مع فريق متخصص على زيارة مدارس البنات، بينما تولى فريق آخر زيارات لمدارس البنين، على أن يتم استكمال بقية المدارس بداية العام الدراسي المقبل، نظرا لتأخر البدء بالدراسة وحلول وقت الاختبارات النهائية في المدارس السعودية.
وأبرزت باجري ما كشفت عنه الدراسة من حيث سوء المفاهيم الصحية والغذائية لدى عدد من الطالبات، بالإضافة لهيئة التدريس والعاملين بمدارس البنات، مُعتبرةً أن التغذية غير الصحية والمشبعة بالدهون، أدت لتفاقم عدد من المشاكل الصحية لدى البنات بالمدارس، أبرزها «حَب الشباب والمشاكل الجلدية» بشكلٍ عام.
وأشارت باجري إلى عدد من النتائج التي تمخضت عنها دراستهم الميدانية، والتي يأتي في مقدمتها ضعف الإدراك الصحيح لدى عدد من المعلمات بمدارس البنات تجاه القضايا الماسة بالصحة العامة والنظافة الشخصية للفتيات، مشيرةً إلى أن ذلك الإدراك القاصر، يشمل كذلك الأمهات في تواصلهن مع بناتهن، فيما يتعلق بالتغيرات النفسية والسيكولوجية التي تطرأ على الفتاة في مرحلة البلوغ والانتقال من سن الطفولة لسن النضج.
وطالبت باجري بضرورة تكاتف الجهود من قبل عدد من الجهات ذات العلاقة لتجنب المخاطر الصحية والنفسية التي تنتظر الفتيات بمدارس البنات، إذا استمر الوضع على ما هو عليه، معتبرةً أن الوضع بحاجة ماسة لمشاركة كافة شرائح المجتمع لتحقق تلك التدخلات الرسمية أهدافها لتغيير الوضع الحالي.
وأفصحت باجري عن طبيعة الدراسة الميدانية التي أجرتها بمصاحبة فريقها العلمي، والتي اعتمدت على المحاضرات التفاعلية وتوزيع الاستبيانات على الطالبات للكشف عن مدى إدراكهن للسلوكيات الغذائية والصحية السليمة في التعاطي مع السلوكيات المؤثرة على صحتهن، في حين تركزت تلك الدراسة على التغذية الراجعة من خلال مشاركة أمهات الفتيات في اجتماع حول التغيرات الناجمة عن حضور بناتهن لتلك المحاضرات التوعوية والتثقيفية.
وأشارت باجري إلى أن من الصعاب التي واجهتهم خلال تلك الدراسة الميدانية، الفجوة التي ظهرت لهم بين تعاطي المعلمات مع المشاكل التي تواجه الطالبات خلال مرحلة البلوغ وما يصاحبه من تغيرات جسدية ونفسية، مشيرةً إلى أن العديد من الطالبات يتحرجن من السؤال عما يعنينه من تغيرات جسدية ونفسية خلال مرحلة البلوغ، مما يدفع البعض منهن للبحث عن إجابات، وصفتها باجري بأنها معلومات في أغلبها غير صحيحة طبيا، بل إن البعض منها يؤدي إلى أضرار جسدية وصحية على الفتاة.
وأكدت باجري أن معظم المدارس التي شملتها الدراسة الميدانية، تعاني من سوء في البُنى التحتية، من حيث توافر الأماكن الملائمة لاستضافة مثل تلك المحاضرات التوعوية والتثقيفية، مشيرةً إلى أن العديد من المدارس لا تمتلك قاعة للمحاضرات، فيما لا تتوافر لدى البعض التجهيزات التقنية الصوتية اللازمة لها.
واعتبرت باجري أن تفاعل الطالبات السعوديات خلال تلك المحاضرات كان في كثير من الأحيان سلبيا، مشيرةً إلى أن الطالبات غير السعوديات أبدين تفاعلا أكبر وتفهما وإدراكا يستحق الإعجاب، وتساءلت في ذات الوقت عن أسباب عزوف الفتيات السعوديات عن الاستفادة من مثل تلك المحاضرات النوعية والهامة في حياتهن الصحية، مرجعةً ذلك لضعف التواصل الأسري والبنية الفكرية في التعاطي مع تلك المناسبات.
الدكتورة أمل باجري أكدت أن التجاوب والتعاون في مدارس البنات كان رائعا طبقا لوصفها، باستثناء إحدى المدارس التي رفضت إدارتها استقبال مرشدة خاصة من جهاز إدارة مكافحة المخدرات، اعتقادا منها أنها ستطلع الطالبات على أمور ينبغي ألا يطلعن عليها فيما يخص المخدرات، وهو ما يعكس الفهم الخاطئ لبعض مسؤولات المدارس، اللاتي يعتقدن أن عزل الطالبات وعدم إعطائهن أي معلومات يمنع الوقوع في المشكلات الشائعة، معتبرةً وجود برنامج متابعة للندوات التي أقيمت بالاتفاق مع إدارات التعليم، سيؤدي إلى نتائج جيدة في التخفيف من المشكلات الصحية لليافعين من طلبة المدارس.
وعلى صعيد ذي صلة، كشف الدكتور محمد بن عثمان الركبان، استشاري طب الأسرة وعضو الجمعية عن تنفيذ الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع بالرياض برامج خلال موسم الصيف عبر النوادي الصيفية ومدارس تحفيظ القرآن، وتتضمن ندوات ومسابقات متعلقة بصحة اليافعين الصحية والاجتماعية والنفسية.
واعتبر الدكتور الركبان أن دور الجمعية مكمل لدور أطباء الأسرة في المملكة، موضحا أن الأسر السعودية نادرا ما تذهب إلى طبيب أسرة واحد، لذا جاء إنشاء الجمعية لتفعيل دور أطباء الأسرة في المجتمع.
وزاد الركبان أن من أهم أهداف الجمعية التأكيد على نقل المعلومات الصحية الصحيحة للنشء أثناء مراحل الدراسة المختلفة، باعتبارها من مراحل النمو المهمة، إضافة للتعاون مع الوحدة الصحية المدرسية المركزية، والوحدات التابعة لها، والمديرية العامة لمكافحة المخدرات، وهيئة الهلال الأحمر لنشر ثقافة التعامل مع أي مشكلة تتعلق بالصحة أو بأي خطر يحيط بطالب وطالبة المدرسة.
ويأتي البرنامج في إطار المسؤولية التي تتبناها جمعية طب الأسرة والمجتمع تجاه شرائح المجتمع المختلفة، وبدعمٍ من برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية، الذي يعد واحدا من 5 برامج متميزة لتوعية الشباب بالأخطار الصحية التي تحيط بهم وكذلك لتهيئة الممارسين الصحيين للتعامل الأمثل مع هذه الفئة.


أخبار مرتبطة