ن.. قاصات لنا تفاصيل اللقاء مع الملك، وكيف أنه قدم لهن "الدعم والاعتذار"، مما ساعدهن على إكمال مشوارهن الأكاديمي.
زيارة الملك
رئيسة قسم جراحة الأطفال، في مستشفى "القوات المسلحة"، وأول جراحة أطفال سعودية، الدكتورة آسيا الرواف، تروي تفاصيل أول زيارة قامت بها، مع مجموعة من زميلاتها، إلى الملك خالد بن عبد العزيز، في قصره، وكيف استقبلهن كـ"أب لا كملك"، على حدِ وصفها، قبل 34 سنة، في لقاء كانت سمته "البساطة"، بعيدا عن "التعقيد"، حيث تحدثن إليه بكل ما كان يجوب في خاطرهن. تقول الرواف "كنا في العام الثاني لدراستنا الجامعية، وكنا نعاني من مشكلة أساسية في المباني والتجهيزات. وكانت لنا مطالب أساسية، حيث لم يكن لدينا مكان ندرس فيه، ولا يوجد مبنى لكلية الطب لدراسات الطالبات، ولا حتى معامل"، موضحة "كنا نذهب مساء لكلية العلوم للطلاب، لندرس بعد نهاية يومهم الدراسي"، إلا أن المعاناة لم تقتصر على ذلك، بل لم يكن هنالك أيضا "مكان للطعام.. كنا نحضر الشطائر من البيت، كما في المدرسة، وكانت الظروف الصعبة للمواصلات، والاحتياجات الخاصة لنا كتخصص لم تكن متوفرة. واجتمعنا مع عميد كلية الطب الدكتور فطاني، لنطلعه على مطالبنا وما نحتاجه، فقال لنا لا يوجد حل. وكانت معنا الأميرة مشاعل بنت ماجد في دفعتنا، وسألت العميد: كيف نُساعد، هل نذهب للملك؟ فأجابها: افعلن ما ترينه، لا يوجد لديّ ما أفعله، الإمكانات محدودة". بعدها "رتبت لنا الأميرة مشاعل بنت ماجد لقاء مع الملك خالد، بمساعدة الأميرة موضي بنت خالد، والذي قال:"الله يحيهم، خلي البنات يجون نشوف وش يبون". وتضيف الدكتورة الرواف "خلال 48 ساعة، كنا في باص الكلية الأصفر، يقوده السائق أبو أنس، وبرفقته زوجته أم أنس.. كنا قرابة الثلاثين طالبة، توجهنا بعد صلاة المغرب للقاء الملك خالد، بحسب الموعد المتفق عليه. دخلنا القصر، وكان في استقبالنا والدة الأمير فيصل بن خالد، والأميرة موضي، وتأخر الملك علينا خمس دقائق، وعندما دخل علينا، اعتذر لنا على التأخير، لأنه كان يصلي المغرب، ولك أن تتخيلي وقع الاعتذار!".
اعتذار الملك
تصف استشارية قلب الكبار، في مستشفى "الملك فيصل التخصصي" بالرياض، الدكتورة مي الشاهد، كيف كان رد فعلهن بعد اعتذار الملك خالد لهن، قائلة "أصبنا بالصدمة، الملك يعتذر لنا نحن، لأنه تأخر علينا! لم نصدق، وكانت كلماته مثل الثلج على قلوبنا، وكان أسلوبه أبويا. وتحدث مع كل واحدة على حدة. وعندما دخل وقفنا، وبدأ بالسلام علينا، وسأل الأميرة مشاعل، وقال رحمه الله: "هذولا كلهم زميلاتك؟". وقال أيضا: "نبي نسمع منكم، عسانا نقدر نساعدكم". وتتابع الدكتورة آسيا الرواف، سرد الحكاية، قائلة "بهذه الكلمات، وبأسلوبه البسيط والحنون، شعرنا أننا أمام والدنا، وليس أمام مسؤول أو ملك، وزالت الرهبة، وكل ما رتبناه من كلام تبخر، وتكلمنا ببساطة وبأريحية، وشعرنا بسعادة غامرة لا توصف. كنا ذاهبات للقاء ملك، ووجدنا مسؤولا مع كبر مكانته، إلا أنه قريب منا، وكان الأب لنا، أعطانا وقته، واستمع لكل واحدة فينا، فكل واحدة كان لديها ما تقوله. ومازلت أتذكر كلمته، حيث قال لنا: "أنتم المستقبل، وهذي مسؤولية، الله يعينكم عليها".
استجابة سريعة
تتذكر الدكتورة مي الشاهد، البريطانية جوليا، والتي كانت تدرسهن مادة الكيمياء والتي فوجئت من "أننا تمكنا من مقابلة الملك خلال أقل من 48 ساعة"، واستمعت لنا ونحن نتحدث عن الزيارة بسعادة وفرح، وكأننا نطير في الهواء، وأضافت "بعد لقائنا معه، وخلال أشهر، حصلنا على مبنى مستقل، وصار لنا مبنى سمّي بكلية الطب للنساء، بعليشة، وأنهينا سنوات دراستنا فيها، وهذا منحنا شعورا بأهميتنا، وبالمسؤولية الملقاة على عاتقنا"، كاشفة عن أن "زميلتنا مشاعل بنت ماجد، كانت تقول لنا، إنه عندما يراها الملك خالد في اجتماع العائلة، يسألها عنا ويقول:" وش أخبار البنات؟".
ثلاثون طالبة
كان عدد طالبات أول دفعة "طب"، 30 طالبة، تخرجن طبيبات في جميع التخصصات، من أغلب مدن المملكة: الرياض، المنطقة الشرقية، الجنوب، مكة، المدينة المنورة، وجدة، وهذا أمرٌ بحسب الدكتورة الشاهد "يعكس رغبة الملك فيصل في البداية، ومن بعده الملك خالد، في استمرار عملية التعليم وتطويرها. حيث حظينا بدعم قوي و بشكل كبير بعد لقاء الملك خالد، كما أن أغلب كليات الطب للبنات افتتحت في عهده. ونذكر أن أول ممرضة سعودية تخرجت في تلك الفترة. وهذا يعكس نظرته المستقبلية بأهمية دور المرأة، ودوره في استمرار تعلم المرأة".
دعمٌ للتجربة
الدكتورة الشاهد، ترى أنه "كان الاهتمام بنا واضحا" كأول سعوديات يدرسن الطب في داخل المملكة، مضيفة "كنا نشعر أن هنالك رغبة وسعيا لدى الجميع في أن تنجح هذه التجربة الأولى وبشكل جيد، في ظروف مجتمعية كانت مختلفة، وتفرق بين المرأة والرجل، في مجال يجمع بينهما"، معتبرة أن "الأمور تمت بشكل جيد، وبدون مشاكل، ولم يتوقف تعليمنا إذا لم تتوفر أستاذة، حيث كنا ندرس عن طريق الدوائر المغلقة. وكان الدكتور محمد نوح، أول سعودي يدرس طالبات، وكان الوضع مختلفا، حيث كانت الحاجة للمرأة للعمل في عدة قطاعات، والوظائف متوفرة". وعن حفل التخرج، تقول الشاهد "حضرت حفل تخرجنا والدة الأمير فيصل، الأميرة صيتة، في خيمة الجامعة، وكان عدد الحضور 10 آلاف، من طالبات وأمهات وهيئة تدريس. وبالرغم من أن الحفل كان لخريجات جميع التخصصات، إلا أننا كنا نشعر بتميزنا، كأول دفعة، وبسبب لقائنا بالملك خالد".
اهتمام بالمبتعثات
الدكتورة آمال فقيه، استشارية العيون والجراحة التجميلية للعيون بمستشفى "الملك فيصل التخصصي" لم تقابل الملك خالد بن عبد العزيز مع زميلاتها في الرياض، فهي كانت ضمن بعثة الطالبات الدارسات في باكستان، تعود بها الذاكرة إلى تلك الفترة، قائلة "قبل أن أعود وأكمل دراستي، بعد أن افتتحت كلية الطب للبنات في جامعة الرياض، حيث بدأ ابتعاث السعوديات إلى الخارج منذ الستينات الميلادية، كان الملك خالد في زيارة لباكستان، وطلب أن يزور الطلبة السعوديين المبتعثين، فذهب له الطلاب، فسأل عن الطالبات، وأصر على أن يقابلنا، وبالفعل قابلناه، وسلم علينا، وأعطى كل شخص في السكن راتب شهر". وأضافت "كنا نسكن في سكن خاص بالطالبات السعوديات، وعددنا 80 طالبة، وكنا نلقى رعاية وعناية واهتماما، ووفر لنا سكنا خاصا، وطباخين، وسائقا، وباصا خاصا، ومشرفات خاصات بنا". وتكمل فقيه موضحة أنها "حضرت في أحد المؤتمرات العالمية، التي عقدت في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون، محاضرة لأول طبيب بريطاني، شارك في تأسيس المستشفى، وتحدث فيها عن الملك خالد، وكيف طلب منه أن يؤسس مستشفى يكون على أعلى درجة في مستويات المستشفيات المتخصصة، وبالذات العيون. وبالفعل كان المستشفى من أهم المستشفيات العالمية المتخصصة".
صعوبات المرحلة
عن الصعوبات التي عانين منها في تلك المرحلة، تقول الدكتورة آسيا الرواف "واجهنا صعوبات ومعاناة، منها الوقت، حيث إن أغلب الطالبات تزوجن أثناء الدراسة، وكنا ما بين الأسرة والدراسة، والوقت والمواصلات. وبحكم أننا كنا ندرس في عليشة، ونتدرب في مستشفى الملك عبد العزيز، والمسافة بينهما نصف ساعة، وبين المحاضرتين دقيقة واحدة، وبعضنا لم تنتهِ محاضراتها، والباص لا ينقلنا كلنا، كنا نذهب بالتاكسي، وبعض سائقي التاكسي إذا عرفوا أننا طالبات طب، لا يأخذون منا مالا. كما كنا نركب في باصات النقل العام". مضيفة "من ضمن المعاناة انقطاع الكهرباء المتكرر في تلك الفترة، خاصة وقت المذاكرة. كما كنا نجوع كثيرا لصعوبة الحصول على طعام، حيث لا يوجد مقصف أو بوفيه، أو حتى بقالة في الكلية". الدكتورة آمال فقيه، تضيف على حديث زميلتها الرواف، قائلة "عندما كانت الطالبات "يطبقن" في مستشفى الدكتور عبد العزيز، في ذلك الوقت، حيث لم يكن موجودا مقصف أو مكان للطعام، كان أن خصص لنا الدكتور محمد نوح شخصا يحضر لنا الطعام من "صندقة" أمام المستشفى. وكان يحضر لنا الطعام حتى لا ننزل نحن، ولا نثير الأقاويل، وكنا نأكل بحسب اختياره، وما يجلبه لنا"، إلا أنهن رغم هذه الصعاب، استطعن أن يتجاوزنها، ويتخرجــن.. مواصـــلات مشوارهن التعليمي.. مثبتات للجميع قدرة المرأة السعودية، على تحقيق التميز والعطاء..