اتخاذ السبل التي يرونها مناسبة للمتابعة الصحية المستقبلية.
ونورد هنا نظرة عامة وشمولية لما يفترض أن يشتمل عليه برنامج التقويم والاستشارة لما قبل الحمل.
صحة الزوجين والأسرة قبل الحمل مسألة حيوية لمستقبل صحة الطفل القادم من الأبوين، لذا نبع الاهتمام بصحة الزوج والزوجة والعائلة قبل الحمل، وهناك مراحل ونقاط مهمة لتحقيق الهدف:
مرحلة ما قبل الحمل:
مرحلة ما قبل الحمل في الواقع هي المرحلة الممتدة طوال مدة الاخصاب لدى المرأة، والكثير من السيدات في مدة الاسابيع الأولى من الحمل لا يعلمن بأنهن حوامل لذا لزم الاهتمام بصحتهن طوال مرحلة الاخصاب.
مهمة المجتمع في ذلك:
ان مهمة التحضير لحمل صحي مؤد لولادة طفل بحالة صحية جيدة ليكون عنصرا فعالا في المجتمع مستقبلا ليست فقط مهمة الأم أو الأب أو الأسرة بل هي مهمة المجتمع بكامله، ومثال حي على ذلك "الفقر" الذي هو من أبرز أمراض المجتمع التي تؤثر تأثيرا سلبيا مباشرا على ولادة ونمو الطفل فمن مهام المجتمع احتواء هذه المشكلات ومحاولة التغلب عليها للحصول على أطفال أصحاء نواة لمجتمع سليم مستقبلا بإذن الله.
أهم النقاط في برامج العناية لما قبل الحمل:
- تهيئة الشعور بأهمية الزوجة والأسرة في الحصول على اطفال أصحاء.
- تشجيع الزوجين للتحضير للحمل بغية الوصول لأفضل النتائج وتجنب المضاعفات.
- التركيز على إيجاد محيط عام صحي، بمعنى بيئة صحية نفسية، جسدية، واجتماعية قبل الحمل.
- التركيز على إيصال الثقافة الصحية للزوجين وخصوصا ما قد يؤثر على الحمل وذلك للتعرف على الأضرار الحقيقية ومحاولة اجتنابها أو عند وجود احتمالات انتقال الأمراض الجينية والوراثية للأطفال يتم تعريف الوالدين بشكل دقيق على هذه الاحتمالات مما يساعد على اتخاذ القرار المناسب.
- قد تكون زيارة الزوجة أثناء أو قبل الحمل هي الزيارة الأولى للطبيب لذا لزم خلال هذه الزيارة الاهتمام بالناحية التوعوية والوقائية من قبل الزملاء والأطباء والطبيبات.
تقويم مرحلة ما قبل الحمل
وذلك من خلال الدعم الاجتماعي: وذلك بالتعرف على مدى اندماج هذه الأسرة في المجتمع، حيث انه من الوهلة الأولى يبدو أن هذه النقطة لا تستدعي الكثير من التركيز في مجتمعنا حيث الترابط الأسري متوافر ولكن يجب ألا ننسى أن التطور الحضاري الذي نمر به دفع الكثير لترك مجتمعاتهم الاصلية والانتقال للمدن وهنا تظهر مشكلة العزلة الاجتماعية التي نشير إليها وظهور الحاجة إلى إيجاد وسائل دعم اجتماعي عند حدوثها.
الضغط والجهد النفسي: هناك عوامل قوية التأثير على نفسية المرأة مثل العمل، ضعف الموارد، البعد عن الأهل، وجود أطفال آخرين، التوفيق بين عملها والعناية بالمنزل، عملها بأجر منخفض جداً أو عملها في منطقة بعيدة عن سكنها. كل هذه تعد من افرازات العصر الحديث التي لحقت بمجتمعنا فجأة والمرأة غير معدة سلفاً للتعامل معها. وهذه العوامل شديدة التأثير على نفسية الزوجة التي قد لا تلاحظ وجود هذه الضغوط عليها وتقدم على الحمل بتوقيت غير سليم مما يزيد من الاجهاد النفسي عليها ويؤثر سلبا على صحة جنين وطفل المستقبل. لذا لزم التعرف على هذه الضغوطات والكشف عنها قبل الحمل ومحاولة إيجاد بعض الحلول لها أو على الأقل التخفيف منها.
العلاقة بين الزوجين:
استشارة ما قبل الحمل تعمل على التركيز على كفاءة العلاقة بعد الحمل مع الأخذ في الحسبان التغيرات في النواحي النفسية، الجسدية، العاطفية والعلاقة الحميمة.
ان الإشارة إلى تلك النواحي بين الزوجين قبل الحمل تجعل تفهم الزوج لها مقبولا بل وقد يساعد كثيرا في التغلب على السلبيات وخاصة عند الحمل الأول، أما اهمالها أو التفاجؤ بها فقد يحد من تفهم الزوج لها والتأقلم عليها مما يؤثر سلبا على الحمل أولاً ثم على العلاقة الزوجية عامة.
العنف الواقع على الزوجة:
مسألة حساسة ويجب معالجتها بشفافية كبيرة، هنا وقبل الحمل أو عند التخطيط للحمل يمكن الإشارة إليها وهي فرصة لتغيير هذا الطبع الشائن رفقا ورحمة بأم المستقبل.
أسلوب الحياة:
زيارة ما قبل الحمل أو استشارة ما قبل الحمل هي فرصة لمراجعة اسلوب حياة الزوج والزوجة والمحاولة لتغييره للأفضل صحيا لهما وللطفل فيشمل ذلك على النواحي التالية:
* التدخين:
كما نعلم أن التدخين انتشر بشكل كبير جدا بين الفتيات والسيدات كما هو منتشر بين الرجال، واسباب التدخين تعود إلى نمط الحياة أو الضغوط الاجتماعية والنفسية. والتأثير السلبي للتدخين "سواء كان التدخين إيجابياً - من قبل السيدة الحامل نفسها أو سلبياً - من قبل أشخاص آخرين موجودين معها بالمكان نفسه" على صحة الجنين ونمو طفل المستقبل مثبتاً علمياً، ومن تأثيراته صعوبة الاخصاب لدى الزوجين، قلة عدد الخلايا الذكرية وتغير شكلها لدى الرجل، تغيرات في الطمث، الاجهاض، الحمل خارج الرحم لدى المرأة، تغيرات في المشيمة، الولادة المبكرة، نقص وزن المولود، الوفاة المفاجئة لحديثي الولادة.
إن هذه فرصة عظيمة للتوعية قبل الحمل والمساعدة على التوقف عن التدخين أو التخفيف منه لدى الزوجين.
الكحوليات:
من المعروف أن مجتمعنا يندر فيه وجود من يتعاطى الكحوليات ولكن بدون شك هناك من يفعل ذلك، وهنا يظهر مرة أخرى تأثر مجتمعنا السلبي بالمجتمعات الغربية ويلزم علينا أن نشير لذلك بكل وضوح، فكما كنا نرى في مسألة التدخين انها مسألة نادرة لدى السيدات ولا يمكن حصولها في مجتمعنا ثم رأينا نسبة هائلة من المدخنات بعد عدة استطلاعات في مدارسنا وجامعاتنا وبدأ التنبيه متأخرا عن أضرارها.
لهذا فإن زيارة ما قبل الحمل فرصة للاشارة إلى اضرار الكحوليات التي تؤدي إلى تشوه الجنين وتأخر النمو البدني والعقلي للطفل مستقبلا ودعوة المقبلات على الحمل للاقلاع التام عنه مع فرصة تنبيه الازواج كذلك إلى ضرورة عدم تعاطيه امتثالا لأوامر ديننا أولاً ثم لتأثيره السلبي على الخلايا الذكرية عند الزوج ناهيك عن الأضرار الاجتماعية والنفسية والجسدية الأخرى.
المخدرات:
تحمل التأثير الضار والمهلك على النفس والجسد والجنين ولابد من الاقلاع عنها قبل التفكير في الحمل.
الأحوال البيئية:
في العصر الحالي الجميع معرضون لمخاطر بيئية ناجمة عن المواد الملوثة الناتجة عن مخلفات المصانع والمنتجات الكيميائية، وسواء كان الفرد عاملا أو غير عامل فهو معرض لذلك، لذا لزم التنبيه قبل الحمل إلى هذه المخاطر وطرق تجنبها قدر الإمكان عند الاقبال على الحمل وتوعية الزوجين والمجتمع بتأثيرها السلبي على الحمل والأطفال والأمثلة على ذلك كثيرة، منها المنتجات الكيميائية، الأشعة بجميع مصادرها والغازات بأنواعها.
النشاط الجسدي:
عند التخطيط للحمل على السيدة أن تعلم ضرورة القيام ببعض التمارين قبل الحمل وأثناءه للتغلب على أعراض الاجهاد العضلي والجسدي أثناء الحمل والولادة مما يسهل عليها المرور بتلك التغيرات التي تحدث في تلك المدة، كذلك إذا كانت مواظبة على تمارين جسدية شديدة قبل الحمل فيجب أن تعلم أن هناك بعض التغيرات التي تنشأ في وظائف الأعضاء مثل عدم انتظام الدورة الشهرية أو ارتفاع حرارة الجسم الداخلية المؤثرة على التبويض التي قد تؤثر على الاخصاص مؤقتا، وفي هذه الحالة فإن الاعتدال وعدم الاجهاد مطلوب قبل الحمل.
التغذية:
لا تخفى أهمية التغذية للجميع وبالتأكيد فقبل حدوث الحمل السعي للحصول على تغذية صحية متوازنة هو مطلب أساس لإنجاح مدة الحمل وذلك سينعكس إيجابا على نمو طفل المستقبل فالمطلوب أن نعمل قبل الحمل على إيجاد عادات غذائية صحية مثل استخدام كمية متوازنة وكافية من الكالسيوم والحديد وحمض الفوليك كما يجب الابتعاد عن المنبهات مثل الشاي والقهوة، بالاضافة للحرص على إيجاد جسم صحي بواسطة التمارين الرياضية الصحية لتجنب أو تعديل زيادة الوزن.
عن طريق هذه الخطوط العريضة قبل الحمل سنصل بإذن الله إلى حمل آمن وطفل ذي نمو صحي مستقبلاً.
ما الذي سيحدث في عيادة الطبيب؟
المفترض عند زيارة الطبيب أن يشمل ملف الزوجين المتقدمين لاستشارة وتقويم ما قبل الحمل على التالي:
أولاً: التاريخ الطبي:
- التاريخ الطبي الوراثي:
الهدف منه تحديد مدى قابلية الزوجين لنقل أمراض وراثية لأبناء المستقبل وعندها يمكن للزوجين التعرف على هذه المخاطر واتخاذ القرار حيال كيفية التعامل معها. وفي هذا الإطار يلزم أن يشمل التاريخ الطبي الوراثي العائلي على التالي:
- معلومات عن صحة الأقارب من نفس العائلة.
- معلومات عن أسباب الوفاة لدى الأقارب.
- التعرف على الأمراض الوراثية إن وجدت وتقويمها.
- التعرف على الأمراض الوراثية متعددة الأسباب "النخاع الشوكي المفتوح - شلل المخيخ الخ".
- التعرف على الأمراض العائلية المزمنة ذات الخلفية الوراثية "السكري - ضغط الدم - الصرع الخ".
- العمر حيث هناك ارتباط بين صغر عمر الأم وكبر عمر الأم وبعض الأمراض المزمنة كذلك له علاقة ببعض التشوهات الخلقية. ويلزم توفير استشارة طبية معمقة ودقيقة لكل من الزوجين مع طبيب اخصائي الوراثة والجينات في الحالات التالية:
- عند توقع انتقال مرض وراثي لطفل المستقبل.
- إذا كان هناك طفل سابق مصاب بمرض وراثي عند الولادة.
- إذا كان هناك طفل سابق مصاب بتشوه خلقي عند الولادة.
التاريخ الصحي:
- التغذية: حيث يتم التعرف على طريقة التغذية وتقويم الغذاء المتبع.
- الأمراض المزمنة: التعرف على الأمراض الطبية المزمنة والتأكد من عدم تأثيرها على الصحة العامة.
- الأمراض المعدية: التعرف على احتمال التعرض لأمراض قد تؤثر على الحمل مثل "عدم المناعة من الحصبة الألمانية".
- التنبيه والتعرف على مدى احتمال التعرض لمخلفات القطط وأكل اللحوم النيئة.
- التعرف والتنبيه على مخاطر الالتهابات والأمراض التناسلية الجنسية وخطورتها على الحمل وضرورة علاجها قبل الحمل.
تاريخ الإخصاب:
- معلومات عن أي تغيرات غير طبيعية في الطمث، مسحة خلايا عنق الرحم، موانع الحمل، صعوبة اخصاب سابقة.
- معلومات عن الحمل السابق.
- أمراض نسائية سابقة "التهابات، بطانة الرحم المهاجرة، عمليات جراحية سابقة في الحوض".
- معلومات كاملة عن تاريخ الاخصاب أو صعوبته حاليا أو سابقا لدى الزوج.
التاريخ النفسي والاجتماعي:
تعرف وتقويم كامل للصحة النفسية والحالة الاجتماعية.
تقويم نمط الحياة:
التقويم الكامل لاسلوب المعيشة من تغذية، نشاط رياضي، استخدام للمنشطات والمقويات، مدى التعرض المهني للتلوث البيئي "الحالي والسابق".
ثانياً: الفحص السريري الشامل:
الضغط، الوزن، الطول، النبض، فحص عام "الثدي، الغدد، الصدر، القلب، البطن، فحص الحوض للسيدة، العضو للرجل".
ثالثاً: الفحوصات المخبرية:
"خضاب وفصيلة وأمراض الدم، الالتهابات المعدية، التهابات الكبد، الحصبة الألمانية، تحليل البول، تحليل السائل الذكري".
رابعاً: الاستشارة والنصيحة النهائية:
هذه أهم مرحلة، حيث يقدم الطبيب فيها النصيحة الطبية بعد التقويم الشامل، والمطلوب من الزوجين الاصرار على الحصول على أعلى قدر من التوضيح والاستفسار عن كل تفاصيل الكشوفات السابقة أو النصائح المقدمة، لأن الهدف هو الوضوح التام المؤدي إلى الوقاية والتقليل من فرص حدوث المخاطر مستقبلا حماية لهذه الأسرة ولجيل المستقبل بإذن الله.