وبمعدلات غير مسبوقة، جاء ذلك في عدد من أوراق العمل التي قدمها الوفد الطبي الذي مثل المملكة العربية السعودية مؤخراً أمام المؤتمر العربي السنوي الثاني عشر لمرض السكر بالقاهرة، وحضره أكثر من ثلاثة آلاف طبيب واستشاري من مختلف الدول العربية. وفي هذا السياق أكد الدكتور أشرف عبدالقيوم أمير، مساعد مدير الشؤون الصحية للرعاية الصحية الأولية بوزارة الصحة بمنطقة مكة المكرمة - وأحد أعضاء الوفد السعودي المشارك في المؤتمر - أن مرض السكري آخذ في الانتشار بصورة مفزعة داخل المجتمع السعودي وفقاً للإحصائيات والأرقام، حيث ارتفعت معدلات الإصابة بالمرض في المملكة خلال العشر سنوات الأخيرة فقط من 17 إلى 25 بالمائة أي أن واحد من كل أربعة أشخاص يعاني من داء السكري، وهو ما يشير إلى أن المرض دخل مرحلة الوباء الذي لا يمكن التهاون معه وإلا سيستهلك الكثير من مقدرات هذه الأمة مادياً وبشرياً. وأضاف أن خطورة مرض السكري يكمن في كونه يشكل منظومة أو متلازمة من المضاعفات والاعتلالات الصحية الخطيرة مثل إرتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستوى الكوليسترول بالدم، وأمراض القلب، ومشاكل اعتلال الشبكية، ومشاكل الكلى، والتهاب الأعصاب الطرفية، ومشاكل القدم السكري التي قد تصل إلى حد الغرغرينا وتؤدي في النهاية إلى بتر الأطراف. أما عن أهم أسباب الإصابة بالمرض فيقول الدكتور عبدالقيوم أن هناك عدة عوامل خطورة تؤدي للإصابة بالسكري، بعضها يمكن التحكم فيهمثل تغيير العادات الغذائية واستبدالها بعادات غذائية خاطئة شاعت في السنوات الأخيرة، وانتشار نمط الحياة الخاملة وعدم بذل الجهد البدني بالإضافة إلى التوتر النفسي والضغط العصبي الهائل الذي نتعرض له يومياً، كما أن هناك عوامل خطورة أخرى لا يمكن التحكم فيها مثل العوامل الوراثية التي تلعب دوراً مهماً في هذا المرض. وحثّ الدكتور عبدالقيوم الأطباء للتعامل بجدية وحزم أكبر مع مرض السكري، مشدداً على أهمية تضافر جهود كافة الأطراف لإيقاف زحف انتشار السكري وذلك من خلال زيادة الوعي والثقافة الصحية للمريض والطبيب على حد سواء.
إنشاء مراكز للتأهيل المرضي
ومن جهته استعرض البروفيسور دكتور ماجد حمزة أستاذ الأمراض العصبية بجامعة فرجينيا ومدير البرنامج الوطني الأمريكي لعلاج الألم ومدير وحدة العلاج التدخلي لآلام العمود الفقري، تجربة الولايات المتحدة الأمريكية الناجحة في الحد من انتشار مرض السكري بالمجتمع الأمريكي، وذلك من خلال التعامل معه من منظور اقتصادي في المقام الأول، حيث كان التركيز في السابق ينصب على التعامل مع المرض عند المستوى الأخير والمتمثل في إنشاء مراكز لتأهيل المرضى ومساعدتهم على استئناف دورهم في المجتمع، إلا أنهم أدركوا أن هذا الأسلوب يكلف الكثير، ومن ثم كان التفكير في الانتقال إلى المستوى الثاني والمتمثل في محاولة الاكتشاف المبكر للمرض والوقاية منه والتعامل مع حالات ماقبل الإصابة بمرض السكري المنتشرة في سن المراهقة وهو ما ساهم في توفير الكثير من الجهد والمال. وكشف البروفيسور حمزة أن علاج آلام الأعصاب الطرفية وهو أحد مضاعفات مرض السكري يكلف الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 11 مليار دولار سنوياً، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية غير المباشرة المرتبطة بالتغيب عن العمل بسبب هذه الآلام. أما عن أحدث وسائل علاج آلام الأعصاب الطرفية الناتجة عن السكري فقد أوضح البروفيسور حمزة أن مضادات الالتهابات غير الاسترويدية التي تستخدم في علاج معظم الآلام العادية الأخرى أثبتت عدم جدواها في علاج آلام الأعصاب السكري، مضيفاً أن عدد الأدوية المتوفر حالياً لهذا النوع من الآلام لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وقد أحدث ظهور عقار Pregabalin أو Lyrica والذي تم اعتماده من قبل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية وتوصي العديد من الجمعيات والهيئات الصحية المرموقة باستخدامه، طفرة هائلة في أساليب العلاج مما ساهم في ايجاد حل فعال لهذه المشكلة.
فقدان البصر و العمى
كما القى الدكتور عبدالرحمن المغامسي، استشاري الغدد الصماء والسكري ورئيس قسم الباطنية بمستشفى الملك خالد للعيون، الضوء على بعض الحقائق التي توضح مدى خطورة مرض السكري حيث أوضح أن السكري هو السبب الأول لحالات فقدان البصر والعمى على مستوى العالم، وأن 8 من بين كل 10أ شخاص ممن يتعرضون لنوبات وأزمات قلبية هم مرضى السكري، في حين أن أكثر من 50 بالمائة ممن يعانون من الفشل الكلوي هم في الأصل مرضى السكري. وأضاف الدكتور المغامسي، أن الحل لا يكمن في الاستثمار في افتتاح مراكز طبية متطورة بقدر ما يكمن في الانتباه إلى التعامل المبكر مع مرض السكري لأنه السبب وراء معظم المشاكل الصحية. ويرى الدكتور المغامسي أن الأولوية تقتضي إنشاء مراكز متخصصة تقدم خدمات متكاملة للتعامل مع السكري بدءاً من نشر التوعية الصحية والغذائية للمرضى والاطباء، واستقصاء حالات ماقبل الإصابة بمرض السكري وانتهاءً بتقديم العلاج الناجح للمرضى. أما الدكتور أيمن محمد ابراهيم، استشاري الأمراض الباطنية فقد طالب بالتركيز على التوعية الغذائية خاصة بين الأطفال والمراهقين والاهتمام بنوعية الغذاء الذي يقدم لهم في المقاصف المدرسية للحؤول دون زيادة أعداد المصابين بالسكري كما أهاب الدكتور أيمن بالأطباء تخصيص وقت كاف للمرضى وفحص التاريخ الطبي لديهم والاستماع إلى شكواهم ومتابعتهم كأحد السبل للارتفاع بمستوى الرعاية الصحية بصفة خاصة ومحاصرة مرض السكري على وجه الخصوص.