تاريخ النشر 9 يناير 2015     بواسطة الدكتورة امتثال محمد دوم     المشاهدات 201

لا تنقل الخبر السيئ إلى الطفل وتتركه وحيداً

الأم أقرب إنسان يحتوي مشاعر أطفالها حين يغيب الأب انقلبت سائر حياته رأساً على عقب بعد حادث والديه، لن يعود إلى كنفهم مرة أخرى، سيتوقف لسانه عن ترديد "بابا، ماما"، وستتولى عائلة ثانية وأناس آخرون إيواءه، والتحكم في حياته، وأمواله، ومسار مستقبله بأكمله. هو يمثل كثيرا من الأشخاص في مجتمعنا، كانوا
 الأثر الأبشع للحوادث والملمات.. عيون منكسرة، ونفوس تهفو، لكنها محرومة، لا تملك ولا تستطيع أن تعبر ولا أن تقول.. هم يتامى حتى وإن كان السجن من غيّب والديهم وليس الموت، وإن اختلفت الطريقة فالنتيجة واحدة؛ إطفال محرومون من الأسرة الطبيعية. ولا غرابة أن يعتني المسلم باليتيم، ويخصَّه بنصوص كثيرة، كيف لا وقد جاء الإسلام بالحث على كل ما فيه تفريج كرب المسلمين، أو سد حاجاتهم، فكيف باليتامى؟، الذين قال الله تعالى فيهم: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكينِ وابنِ السبيل)، وقد حرّج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق اليتيم تعظيماً لشأنه فقال: (أحرج حق الضعيفين: المرأةِ واليتيم)؛ مما يوحي بأنّ اليتيم في الإسلام - وإن كان فقد أباه - فإنه لن يعدم من يعينه من المسلمين، ابتغاء مرضاةِ الله والدارِ الآخرة. وقبل كفالة اليتيم وإعانته، هناك خطوة ثقيلة على النفوس، والمتمثلة في إبلاغ الطفل بالخبر السيئ، وشرح انتقاله للعيش بمنزل أقاربه أو غيرهم، حيث تختلف طريقة التبليغ وفق سن الطفل، وحالته الصحية، والنفسية، والعقلية، ووفق الظروف المسببة للانتقال، وفاة والديه، أم انفصالهم، أم سجن أحدهم. 
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
لا تترك الطفل يبكي غياب والدته من دون تهيئة مسبقة 
طريقة تدريجية 
وذكرت "د. امتثال محمد دوم" - أخصائية النفسية بمستشفى النور في مكة المكرمة - أنّه يجب أن يتم الإخبار بأقرب وقت من دون تأجيل، ومن الشخص المحبب والداعم للطفل والمتماسك، بحيث يكون مسيطراً على انفعالاته مهما بلغت حدتها؛ حتى لا ينعكس الأمر على نفسية الطفل بشكل سيئ، ويجب أن يكون الإخبار بطريقة تدريجية، وبسيطة، ووفق مستوى استيعاب الطفل، مع الإجابة عن كل تساؤلاته من دون تفاصيل مطولة. 
دعم مستمر 
وأضافت أنّ الأطفال في سن الأربع سنوات فأقل لا يستوعبون الخبر السيئ، لكن من كان في سن الخامس يمكنه استيعاب الموقف، من دون إدراك أبعاده تماماً، بينما يمكن إشراك الأطفال الأكبر سناً في الإجراءات حال الوفاة، كالعزاء، والدفن، أمّا في حالة السجن يجب أن يؤخذ الطفل لزيارة ذويه، وتكون الطريقة بكل بساطة مع الأخذ بالتوضيح عند الحاجة، ومع الدعم المستمر للطفل، ويجب أن لا يتوقف الدعم النفسي، خاصة من الذين سينتقل الطفل للعيش معهم، فمن الطبيعي أن يلتصق الطفل بعد فقد والديه بأكثر الناس إقتراباً ومعرفة به. 
لا تقتل ابتسامة الطفل بخبر مفاجئ يؤثر في حياته
طريقة تعايش 
وأشارت إلى أهمية ترك الطفل لكي يعبر عن مشاعره بطريقة مناسبة ليتم إحتوائها، وأن يوضح له سبب انتقاله لهذا الوكيل بحد ذاته، إلى جانب الشرح الإيجابي عن أسرته الجديدة دون مبالغة، وعلاقة أفرادها، وطريقة التعايش والمحبة بينهم، مع طمأنته أنّه أحد أفراد هذه الأسرة، وله ما للأبناء من حقوق وواجبات، وتبيين دوره في الأسرة وتوضيح دور بقية الأفراد، إضافة إلى تشجيعه على الإندماج مع بقية أفراد الأسرة، والتعاون معهم، وتحفيز ذلك، من خلال تعزيز الثقة لديه، واحترام النفس والآخرين، بتحميله مسؤولية مناسبة لسنه مثل بقية أفراد الأسرة. 
مد يد العون له وكن قريباً منه في أصعب لحظات حياته
أسرة بديلة 
وقالت إنّ تهيئة الأسرة تتم على شقين: الأول الراعين، فهناك طرف قريب للطفل، وآخر ومدى تقبله لاستقبال الطفل، وهل هذا التقبل إجبارياً أم اختيارياً؟؛ لذلك يجب تفعيل الجانب الديني، والاجتماعي، وإظهار مدى الأجر من الله - جل وعلا - لتقبل هذا الطفل كأحد الأبناء، وتنشئته بطريقة صالحة تحميه من انحرافات خطيرة، والتقرب منه لمعرفة الأمور الجيدة والمحببة له وتنميتها، وتوجيهها وفق ما تتأمله الأسرة، والتعامل بالعدل والمساواة بينه والأبناء جميعاً في جميع الأمور، مع عدم المقارنة بينه وبين البقية، وتقديم الدعم المستمر له بالحب والحنان، بالطريقة المناسبة فلا إفراط ولا تفريط في جميع الجوانب. وأضافت أنّ الشق الثاني هو المتعلق بالأبناء، حيث المعتاد أن يكون هناك توجس وغيرة، قد تسبب في حدوث مشكلات نفسية وسلوكية تنعكس على الأبناء والطفل المتحضن، لذلك يجب تهيئتهم قبل قدومه، وذلك من خلال الإخبار بحضوره للعيش بالمنزل، والتحدث عنه، وإظهار الأسباب لحضوره بشكل مبسط، من دون الدخول بالتفاصيل العميقة، وتوضيح أنّ هذا الطفل أصبح فرداً منهم، ولا فرق في المعاملة بعضهم وبعض، مع تفعيل الجانب الدينى والاجتماعي لديهم من دون اثارة الشفقة، حتى لا ينعكس بنظرتهم بدونية للطفل، مع تشجيعهم لاستقباله بكل حب، وحنان، ودعم، ومساواة، مع التحفيز الدائم لاستمرار ذلك، وعدم المقارنة بين الطفل وبين الأبناء وتهيئة أسباب المشاركة في اللعب، والآراء، والواجبات. 
ردة الفعل من الخبر السيئ أكثر تأثيراً من الخبر نفسه 
سلوكيات غير سوية 
وأشارت إلى أنّ الفترة المباشرة بعد انفصال الطفل عن والديه وبيئته التى اعتاد العيش بها هى الأخطر، التى قد تؤثر في صحته النفسية؛ لأنّ الأطفال غير قادرين عن التعبير الصريح عن شعورهم، لذلك يجب ملاحظته من دون أن يشعر، فإن كان سلوكه اعتياديا واندمج مع الأسرة بشكل عادى فإن الامر هنا يكون عاديا، أمّا إن ظهرت عليه مؤشرات عدم القدرة على التكيف، أو الخوف، أو القلق، أو البكاء الهستيري، أو الحزن، أو التشكي من الألم والمرض، أو ظهور أي من السلوكيات غير السوية؛ عند ذلك لابد من احتواء الطفل ودعمه بشكل قوى، مع اللجوء إلى الأخصائي النفسي. 
دعم معنوي 
وقال إنّ هناك كثيرا من المشكلات النفسية، والاجتماعية، والجسدية، المتوقعة من الطفل فاقد الأبوين، الذى يعيش في أسرة أخرى، التى قد تصل الى حد الاضطراب، كأن يصاب بالانطواء، والعناد، والعدوانية، والحزن الشديد، والسرقة، وانخفاض التحصيل الدراسي، وقلة أو زيادة الأكل، وقلة أو زيادة النوم، والانحرافات الجنسية، والشعور بالدونية، وانخفاض الثقة بالاخرين، والكذب، والهروب من المنزل، والشعور بالخوف، والتعلق الزائد، والقلق، والتدخين، والعقاقير، إلاّ أنّ هذه السلوكيات ليس من الضروري ظهورها، وإن ظهرت فهى تختلف في درجتها وحدتها، وقد لا تستمر ولا تتعمق إن تمت معالجتها واحتوائها منذ بداية ظهورها بالطريقة المناسبة، مشددةً على أنّ الطفل في هذه الظروف بحاجة للدعم المعنوي. 


أخبار مرتبطة