وكذلك السلوك، في إضعاف مقدرة الطفل على ممارسة حياته بشكل طبيعي.
وتشخيص فصام الطفولة والبدء في علاجه مبكراً يؤدي إلى تحسن حالة المصاب بشكل كبير، وذلك لأن العلاج يتطلب وقتاً طويلاً، وربما استمر على مدى الحياة.
نتناول في هذا الموضوع مرض ذهان الطفولة بكل جوانبه، مع عرض الأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة، وأعراضها وطرق الوقاية والعلاج المتبعة والحديثة.
زيادة كبيرة
أشارت الإحصاءات إلى زيادة كبيرة في الحالات التي ظهرت عليها أعراض الذهان لدى الأطفال، وكان ذلك داعياً إلى سرعة تشخيص الطفل بالذهان، وبصفة عامة فإن هذا الاضطراب يعد من الاضطرابات القليلة مقارنة باضطرابات مرحلة الطفولة الانفعالية الأخرى.
ويمكن أن تكون الأعراض مختلفة في النوع والشدة، وفي العادة فإنها تشتمل على الأوهام أو الهلاوس أو الحديث غير المتناسق.
ويتم تشخيص الإصابة في الغالب قبل عمر 18 عاماً، ولا تحدث الإصابة المبكرة لدى الأطفال في الغالب أقل من 13 سنة، ومن الممكن أن يصعب تمييز المرض في مراحله الأولى، لأن الأعراض تتشابه مع أعراض نفسية أخرى.
3 أقسام
يصنف ذهان الطفولة إلى 3 أقسام، الأول ذهان عضوي، بمعنى إصابة مزمنة بالمخ، والثاني ذهان بسبب التسمم، ويمثل إصابة حادة بالمخ، والثالث ذهان وظيفي، ويرجع لأسباب نفسية، وهذا نفس تصنيف الراشدين.
ويقسم الذهان الوظيفي إلى مجموعتين الأولى الانعزال الطفلي، والثانية فصام الأطفال، ويشير الانعزال الطفلي إلى عدد من الأعراض الخاصة والمستقلة عن الاضطرابات الأخرى، والتي لا تتحول مستقبلاً لفصام الكبار.
ويتضمن اضطراباً في الإدراك والأحاسيس السمعية البصرية، والتي تشوه وتربك علاقة الطفل بحياته والناس المحيطين به.
ويبدو أنه شكل من الاضطراب العضوي في وظائف المخ، وذلك من غير مرض ملموس، وعلى الرغم من ذلك يتم استبعاد الأسباب النفسية.
ويلي مرحلة الانعزال الطفلي فصام الأطفال، والذي يعني أنه يحدث بعد عمر 3 وحتى 5 سنوات، وتعد أهم أعراضه اضطراب التفكير، ووجود هلوسات سمعية.
الوراثة والبيئة
يرجع كثير من الباحثين الإصابة بالذهان الطفولي إلى توفر بعض العوامل الوراثية والبيئية، وكذلك عوامل خاصة بكيمياء المخ.
وتسهم كل هذه العوامل مجتمعة في الإصابة بهذا الاضطراب، وبصفة عامة فإن السبب الرئيسي وراء الإصابة به لا يزال مجهولاً، كما أن سبب ظهوره مبكراً للغاية لدى البعض دون البعض لا يزال غير معلوم، ويعتقد أن ظهوره يكون بنفس الطريقة لدى البالغين.
ويمكن أن تلعب في بعض الأحيان مشاكل بعض المواد الكيميائية بالمخ دوراً في هذه الإصابة، والتي تحدث بصورة طبيعية، بما في ذلك الناقلات العصبية.
الجهاز العصبي
يلعب العامل الوراثي دوراً في الإصابة بذهان الطفولة، وعلى سبيل المثال يعاني الأب أو الأم الانطوائية والفصام، وينتميان للطبقة الاجتماعية الوسطى والدنيا.
وتشمل كذلك أسباب الإصابة الأمراض التي تصيب الجهاز العصبي، كالتهاب المخ أو أي جروح أو أورام تصيبه، وأيضاً أمراض الجهاز العصبي المركزي، وفي بعض الأحيان تحدث عقب تعرض الدماغ لصدمات شديدة.
وتؤدي الصدمات النفسية والإحباطات التي تواجه الطفل، وأيضاً التوترات النفسية الشديدة، والتي لا يتمكن من مواجهتها لإحساسه بضعف شخصيته، إلى الإصابة بهذا الاضطراب.
وتشكل الاضطرابات الاجتماعية وأساليب التنشئة الخاطئة، والتي تعتمد على التعنيف والإيذاء النفسي، كالحماية الزائدة والتسلط والرفض، في إصابة الطفل بالذهان.
مشكلات النمو
يعاني الطفل المصاب بالذهان الطفولي مجموعة من المشكلات في التفكير والسلوك والأفعال أو العواطف، وتختلف الأعراض والعلامات من طفل لآخر.
ويمكن أن تشمل الأعراض المبكرة مشكلات في النمو، كتأخر المهارات اللغوية، فلا يتمكن من النطق الجيد أو تكوين جمل تعطي معنى مفهوماً.
وتشمل كذلك التأخر في الزحف، أو يكون بشكل غير عادي، ويتأخر في المشي، وتظهر بعض السلوكيات الحركية الأخرى غير الطبيعية، كرفرفة الذراعين.
وتنتشر هذه الأعراض في الأطفال الذين يعانون اضطرابات نمو شامل، كاضطراب طيف التوحد، ولذلك فإن التركيز عند تشخيص الطفل في مراحل الطفولة الأولى مهم.
أوهام وهلاوس
تزيد أعراض ذهان الطفولة كلما تقدم العمر بالطفل، وتظهر بشكل أكبر، ومن أبرزها الأوهام، وتكون اعتقادات لا دليل لها في الواقع الذي يحيا فيه الطفل، ومن ذلك اعتقاده بتعرضه للأذى أو التنمر، أو أن تعليقات المحيطين به أو إيماءاتهم موجهة له أو عنه.
وتشمل الأوهام تخيل الطفل المصاب أنه ذو قدرة خارقة، أو أنه مشهور، أو أن شخصا آخر لا يرى سواه واقع في حبه أو يلعب له.
وتتضمن أعراض هذا الاضطراب هلاوس، كأن يتوهم رؤية أو سماع أشياء لا وجود لها، غير أنها ذات تأثير قوي في خبرات الطفل في حياته العادية، ويمكن أن تصاب كافة الحواس بالهلاوس، غير أن أكثر هذه الهلاوس هي الهلاوس السمعية.
غير منظم
تعد من أعراض ذهان الطفولة عدم انتظام التفكير، ويستدل على ذلك من حديث الطفل غير المنظم وغير المتناسق، والذي يؤدي إلى ضعف الاتصال الفعال بين الأفراد.
ويمكن أن تكون إجاباته عن الأسئلة غير ذات صلة بشكل جزئي أو كلي، ومن النادر أن يتضمن الحديث كلمات لها معنى مفهوم.
ويظهر على الطفل سلوك حركي غير منظم أو غير طبيعي، وربما يظهر بمجموعة أشكال تتنوع من الحماقة إلى هياج سلوكي بلا هدف.
ويمكن أن يشمل هذا السلوك مقاومته لأي توجيهات والعناد غير المبرر، وفي بعض الحالات اتخاذ وضعية غريبة، أو ضعف في الاستجابة أو حركات مفرطة وغير ذات معني أو بلا دلالة.
ويشمل ذهان الطفولة بعض الأعراض السلبية، كأن يتجاهل الطفل نظافته الشخصية، أو يتظاهر بافتقاد العاطفة، ومن الممكن أن يعاني ضعف القدرة على المشاركة في الأنشطة، كعدم الاهتمام بالأنشطة اليومية، وعدم القدرة على الإحساس بالسعادة.
غير مباشر
يشمل تشخيص ذهان الطفولة إجراء الطبيب فحصاً بدنياً للمصاب، والذي يستبعد من خلاله أي مشكلات أخرى، ربما كانت سبباً في ظهور أعراض تشابه الذهان، وكذلك بهدف التأكد من التعقيدات التي ترتبط بسلامة الجهاز العصبي المركزي.
ويلي ذلك إجراء فحص وتقييم نفسي؛ حيث يلاحظ الطبيب مظهر الطفل وتصرفاته وسؤاله عن الأفكار والمشاعر، وأنماط السلوك في الحالات كلها.
ويتحدث إلى الطفل حول تفكيره في إيذاء نفسه أو الآخرين، أو ما هو رأيه في هذه التصرفات؟ ومن المهم عدم توجيه هذه الأسئلة له بشكل مباشر، وإنما توجه من خلال الحوار والنقاش والقصص.
ويتم بناء على كل ما سبق تقييم قدرة الطفل على التفكير وأداء الوظائف المناسبة لعمره، وهل يقوم بكل ذلك كما ينبغي أم أنه متعثر، مع محاولة كشف التعثر وسببه، والتعرف إلى السبب هل هو نفسي أم عضوي.
ويقيم الطبيب حــــالة الطفل المزاجية والقلق والأعــــــراض النفـــــسية المحتملة، ومن الممكـــــن أن يتضمـــــن ذلك مــــــــناقشـــــة التاريخ العائلي والشخصي، حتى يعرف دور الوراثة في هذه الحالة، وتجرى كل هذه التقــــييمات والاختبارات تحت إشراف مختص نفسي أو طبيب نفسي.
ويحتاج علاج الفصام إلى وقت طويل، مع الكثير من الجهد والصبر، حتى يتمكن الطفل من كسر طوق الانعزال والخوف والقلق الذي يحيا فيه.
سلوكي ومعرفي
يعتمد العلاج على وقت بدء ظهور الأعراض حتى تشخيص الإصابة، وفي بعض الحالات من الممكن أن يستمر مدى الحياة، وبخاصة عند تأخر التشخيص.
ويجب خلال الاستشفاء خضوع الطفل للمراقبة والملاحظة، وذلك بهدف التأكد أن النهج الذي يسير عليه المريض سليم، وفي الغالب فإن العلاج يكون مجموعة من التحديات حتى يناسب طبيعة الطفل المصاب.
وتساعد تقنيات العلاج السلوكي المعرفي على تغيير سلوك أو نمط تفكير الطفل المصاب بالذهان، وذلك لأنها تقيم المعتقدات بعيداً عن التفسيرات التي تحيط بتصورات المريض.
ويتم استخدام هذه التقنيات في المنزل والمدرسة ومع الأصدقاء، ومن الممكن أن يسمح بتوظيف منه تفاعل موحد مع ما يحدث حوله، وذلك من خلال تقليل المفاهيم الخاطئة عن العلاقات اليومية، والأحداث المختلفة.
ويعد العلاج الدوائي مهماً في تدبير الذهان، والذي يعرف بمضادات الذهان، وربما احتاج المريض إلى تناول الأدوية لمدة زمنية طويلة، وذلك حتى تعمل بفاعلية كبيرة.
ويلاحظ أن لهذه الأدوية بعض الآثار الجانبية، والتي يستطيع الطبيب النفسي تقديم النصيحة بشأنها، وكيفية تجنب هذه الآثار.
وتجب الموازنة بين هذه الآثار وأضرار المرض على حياة الطفل والشاب، مع البدء في تناول الدواء بمشورة الطبيب المعالج.
تجنب المضاعفات
يجب الانتباه إلى خطورة تأخر علاج الطفل المصاب بالذهان، أو إهمال علاجه، لأن هذا الأمر يجعله عرضة للإصابة بمشاكل انفعالية وسلوكية ونفسية كبيرة.
ويمكن أن يتعرض للكثير من المضاعفات التي ترتبط بهذا الاضطراب، سواء في مرحلة الطفولة، أو في وقت لاحق.
وتشمل هذه المضاعفات التفكير في الانتحارـ ومن الممكن أن يحاول بالفعل ـ أو الرغبة في أن يهرب من الواقع الذي يحيا فيه.
ويمكن أن يلحق الأذى بنفسه، لأنه يتلذذ بإيذاء نفسه بالجروح، كما أنه يصاب بالقلق والخوف المستمر، ويعاني اضطرابات الذعر والوسواس القهري والهلاوس البصرية، ومن ثم الإصابة بالاكتئاب.
وتتضمن مضاعفات ذهان الطفولة فقد القدرة على الاستقلال، فلا يذهب للمدرسة أو العمل، ويفقد القدرة على التواصل مع الآخرين بصورة طبيعية.
وينعزل المصاب عن أي تجمع بشري، وبسبب التوتر والقلق والأرق فإنه يعاني كثيراً من المشكلات الصحية، ويظهر بمظهر عام غير لائق، أو أنه لا يهتم بنظافته الشخصية. ويظهر بسلوك عدواني، وذلك من خلال ممارسة العنف ضد الأقران أو الأخوة، وذلك بهدف إثبات القوة ولفت الانتباه.