جميع القطاعات الصحية تبذل جهودًا كبيرة في جانب التوعية بمرض السكري ومضاعفاته وكيفية الوقاية منه، ولكن في الاتجاه الآخر مازالت سجلات داء السكري تسجل حالات جديدة، مشددين على أهمية ودور الفرد في التقيد بالنصائح وتجنب عوامل الخطورة، فاليد الواحدة لا تصفق. ويظل السؤال: أين يكمن الخلل، هل في أساليب التوعية أم في أفراد المجتمع بعدم أخذ الجدية؟.
السمنة أهم المسببات
بداية رأى أستاذ واستشاري الغدد الصماء والسكري بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، البروفيسور عبدالمعين الآغا، أن داء السكري «النوع الثاني» لم يكن معروفًا في العقود السابقة إلا في البالغين وكبار السن، ولكن الآن ومع انتشار السمنة المفرطة بدأ هذا النوع يرصد في صغار السن والمراهقين واليافعين، بسبب العادات الغذائية ونوعية الطعام، ومن ذلك تناول كميات كبيرة من الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية بدلاً من الصحية، والأكل أثناء مشاهدة التلفزيون، وإلغاء عادة الفطور يومياً بسبب ضيق الوقت، والأكل غير المنتظم كمّاً ونوعاً أي الاستبدال بالوجبات الثلاث وجبات كثيرة متفرقة تفتقر للمكونات المغذية بقدر احتوائها على الدهون والسكريات. وقال الآغا: التوعية بداء السكري موجودة وعلى مدار العام، ولكن كل ما يهمنا تعاون أفراد المجتمع في التقيد بالنصائح والارشادات الوقائية التي تضمن لهم عدم زيادة أوزانهم والتعرض للسمنة، إذ لا بد أن يعلم الجميع أن داء السكري من الأمراض التي شغلت اقتصاديات الصحة ليس على المستوى المحلي فحسب بل على المستوى العالمي، وخصوصاً ما تترتب عليه من مضاعفات عديدة تشمل معظم أعضاء الجسم، فالعوامل المؤدية للإصابة بالنوع الثاني المكتسب لداء السكري معروفة، وهي: البدانة،، وعدم ممارسة الرياضة، وبالتالي فإن إدراك المجتمع لخطورة المرض ومضاعفاته يحمي الأفراد من السكري. ونصح البروفيسور الأغا الكبار والصغار، بتغيير نمط الحياة وممارسة الرياضة بمعدل ساعة يوميًّا (3- 5 أيام أسبوعيًّا)، تجنب أو الحد من تناول الوجبات السريعة والمشروبات الغازية، والتأكيد على أهمية شرب الحليب والماء والعصائر الطازجة، وتقنين وقت الجلوس أمام الكمبيوتر والألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل، والحد من تناول الوجبات غير الصحية.
الأكل وغياب الرياضة
أما أستاذ واستشاري طب الأسرة والمجتمع البروفيسور توفيق بن أحمد خوجة، أن داء السكري (النوع الثاني) من الأمراض ذات الانتشار الواسع على مستوى دول العالم، خصوصًا الدول التي مرت بقفزة حضارية كدول مجلس التعاون، مبينًا أن داء السكري من الأمراض المزمنة التي ينتج عنها مضاعفات بنسب عالية وكبيرة ترهق الخدمات الصحية، كما أنه من الأمراض ذات الارتباط الوثيق بعوامل خطورته والمتمثلة في السمنة وقلة النشاط البدني وزيادة السعرات الحرارية المستهلكة من قبل الفرد.
وعن الفرق بين السكري النوع الثاني والأول مضى البروفيسور خوجه قائلًا:
السكري النوع الثاني أحد أنواع مرض السكري الذي يؤدي إلى ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم، ويحدث نتيجة حدوث مقاومة في خلايا الجسم لهرمون الإنسولين، أو عدم كفاية كمية الإنسولين المنتجة في البنكرياس، وذلك نتيجة لعدة عوامل أهمها - كما أشرت- منها زيادة الوزن وقلة النشاط الرياضي، ويطلق عليه أيضا اسم السكري غير المعتمد على الإنسولين وسكري البالغين، وفي هذا النوع من السكري، ينتج البنكرياس كمية طبيعية من الإنسولين وربما أيضا أكثر من المعتاد، ولكنها لا تكون كافية للجسم، أو تكون هناك مقاومة من قبل الخلايا للإنسولين فلا يعود قادرا على التأثير فيها ، وبالتالي إدخال الجلوكوز من الدم لها، ويؤدي هذا إلى تجمع الجلوكوز في الدم وارتفاع مستوياته. ويختلف هذا النوع عن النوع الأول من السكري والذي يتوقف فيه البنكرياس عن إنتاج الإنسولين، وذلك نتيجة لتدمير جهاز المناعة في الجسم خلايا بيتا المنتجة للهرمون في البنكرياس، إذ إنه في النوع الثاني من السكري تكون خلايا بيتا تنتج الإنسولين بشكل طبيعي، كما أنها قد تنتج كمية أكبر ولكنها لا تكون كافية لأيض الجلوكوز في الجسم. ودعا البروفيسور خوجة جميع أفراد المجتمع الاهتمام بالأكل الصحي، وممارسة الرياضة لكونها تجنب الإصابة بالسمنة التي تعد من عوامل إمكانية الإصابة بالسكري النوع الثاني، وتناول العصائر الطازجة والماء والحد من مشروبات الكافيين.
الأطفال أكثر تأثرًا
واعتبر استشاري الأطفال الدكتور نصرالدين الشريف، إصابة الأطفال بالنوع الثاني المكتسب بداء السكري في سن مبكرة مؤشر غير صحي وخطير، إذ كان هذا النوع في السابق يصيب كبار السن وتحديدًا بعد منتصف الأربعين، ولكن الآن للأسف بدأنا نلاحظ زيادة معدلات الإصابة به بشكل مطرد بين الصغار في العمر والشباب وحتى الأطفال، وهو ما يعزى إلى زيادة معدلات البدانة في المجتمع. ولفت الدكتور الشريف، إلى أن هناك مجموعة من العوامل تؤدي للإصابة بداء السكري النوع الثاني وهي: زيادة الوزن والبدانة، قلة النشاط الجسدي والخمول، إذا كانت الشحوم (الدهون) لدى الشخص تتجمع في بطنه (أي له كرش واضح) فإن ذلك يجعله أكثر عرضة للإصابة بالسكري من النوع الثاني، مقارنة مع الأشخاص الذين يتوزع عندهم الشحم على الفخذين والوركين، والوراثة، إذ تزداد احتمالية المرض إذا كان أحد الوالدين أو كلاهما أو أحد الإخوة مصابًا بالسكري من النوع الثاني. ولفت إلى أن الوجبات السريعة تحتوي على نسبة كبيرة من الدهون والسعرات الحرارية، وتمهد تدريجيا لزيادة الوزن، وبالتالي الإصابة بالسمنة، مما قد يعرض الأشخاص لمخاطر الإصابة بمختلف المضاعفات المترتبة، إذ إنه كلما زاد استهلاك الوجبات السريعة قل احتمال الحصول على العناصر الغذائية الأساسية التي يعتمد عليها الجسم، مما قد يضر بالصحة، حيث يمكن للوجبات السريعة أن تنطوي على عدد من التأثيرات السلبية، ومنها إمكانية الإصابة بالسكري النوع الثاني. وشدد الدكتور الشريف على الحد من تناول الأطعمة السريعة والدهنية، والاقتناع التام بأن الإكثار منها ضار جداً ويسبب الكثير من الآثار السلبية على الجسم، مؤكدا الحرص على تناول الفواكه والخضروات والعصائر الطازجة وشرب الماء لإعطاء الجسم القدر الكافي لتعزيز عمل الجهاز الهضمي وخلايا الجسم، مع الحرص على ممارسة الرياضة.
يتعب شبكية العين
من جانبه يأخذ استشاري طب وجراحة العيون الدكتور ياسر عطية المزروعي، جانبًا عن تأثيرات السكري على العين فيقول: يؤدي داء السكري الذي لا تتم السيطرة عليه سواء النوع الثاني أو الأول إلى مجموعة من المضاعفات والتي يمكن تقليلها بالسيطرة على مستويات السكر في الدم عبر الحمية والرياضة والسيطرة على الوزن واتباع العلاج. وبين أن من المضاعفات هي اعتلال الشبكية السكري، وهو أحد مضاعفات العين الناجمة عن مرض السكري، إذ إن شبكية العين تعتبر حساسة للغاية نتيجة التقلب في مستويات السكر، ويحدث اعتلال الشبكية السكري عن تدهور في بنية الأوعية الدموية الشبكية، وهذه الأوعية الدموية العليلة قد تتوسع مما يسبب تسربًا للسوائل بل وحتى تنسد فتترك جزءًا من شبكية العين بدون الدورة الدموية، ومع تقدم المرض تتشكل أوعية دموية جديدة ويتكاثر النسيج الليفي في شبكية العين مما يترتب على ذلك من تدهور الرؤية. وأوضح أن كثيرًا من الأفراد الذين يعانون من اعتلال الشبكية السكري في مراحله المبكرة لا يشتكون من أعراض لافتة، ولا يتوقف اعتلال الشبكية في هذه الحالات عن التطور إلى أن يؤدي إلى مضاعفات تدريجيًا، ولهذا السبب ينصح مرضى السكري بالكشف الدوري حتى يتم التدخل السريع للحالات التي تشكو من الشبكية السكري. وعن العلاج خلص المزروعي إلى القول، التشخيص هو الذي يحدد طبيعة التدخلات العلاجية التي قد تلزم استخدام جلسات الليزر، ولكن ما يهمنا أيضًا هو الجانب الوقائي في التحكم ومراقبة نسبة السكر، والمحافظة على ضغط الدم ومستويات الكوليسترول، تجنب التدخين لأنه يزيد من خطر الإصابة بمضاعفات السكر المتعددة، وتشمل اعتلال الشبكية السكري، مراجعة الطبيب فورًا عند حدوث رؤية مشوشة، أو مبقعة أو ضبابية.
الكليتان تتأثران أيضًا
وحول تأثير داء السكري على الكلى يقول استشاري المسالك البولية وزراعة الكلى الدكتور رضا متبولي، عند ارتفاع السكر بالدم لدى المصابين بداء السكري فإن الأوعية الدموية (داخل النفرون) والأعصاب تتأثر مع مرور الوقت، بالإضافة إلى أن تصفية كميات كبيرة من الجلوكوز يشكل عبئًا على الكلى، وبعد عدة سنوات يبدأ البروتين المفيد بالخروج مع البول، وفي الحالات المتأخرة يمكن أن يصل إلى مضاعفات قوية. وأشار إلى أنه عندما لا تتم السيطرة على مرض السكرى بشكل جيد، يرتفع مستوى السكر في الدم، فيتسبب في أضرار أجزاء كثيرة من الجسم، خاصة الكلى والقلب والأوعية الدموية والعينين والقدمين والأعصاب. وشدد على أهمية المحافظة على نسبة السكر الطبيعية، بالحمية الغذائية والأدوية المنتظمة بالنسبة إلى مرضى السكري، وأيضاً المتابعة الجيدة والكشف الدوري على وظائف الكلى ومعدلات الزلال بالبول، فهي تلعب دوراً مهماً في الحد من خطورة المرض، إذ يعتبر ظهور الزلال بالبول أول علامات تأثر الكلى بمرض السكري، وغالباً ما يكون من غير وجود أي أعراض يشعر بها المريض، وهو يسبق بمراحل تأثر وظائف الكلى الدموية، لذلك، فإن التشخيص المبكر لهذه المشكلة أمر مهم، حيث أثبتت الدراسات أن البدء بتنظيم معدلات السكر واستخدام بعض الأدوية، التي ثبت أنها تحد من تأثر الكلى بمرض السكري، تعمل على حماية الكلى من خلال تنظيم معدلات الزلال البولي وضغط الدم. وانتهى الدكتور متبولي بالقول إلى أن ارتفاع نسبة السكر في الدم يمكن أن يؤدي إلى تلف الأوعية الدموية في الكلى، فعندما تتلف الأوعية الدموية، فإنها لا تعمل بشكل جيد، كما يصاب العديد من مرضى السكري أيضًا بارتفاع ضغط الدم، والذي يمكن أن يتسبب أيضًا في تلف الكلى، كما أن مرضى السكري الذين يدخنون ولا يتبعون الخطة العلاجية لضبط السكري ويتناولون الأطعمة الغنية بالملح، ولا يمارسون أي نشاط رياضي، فإنهم أكثر عرضة لمشاكل الكلى.