ويحول دون إحرازهن أيّ تقدم في حياتهن المهنية.
يعزو المدافعون عن حقوق المرأة عدم المساواة في الدخل وفرص العمل بين الجنسين إلى التضييق الذكوري الذي يمارس على النساء في مجتمعاتهن، ويجعل التمثيل النسائي ضئيلا في الحياة الاجتماعية، غير أن دراسات جديدة سلطت الضوء على عقبة أخرى تقف عائقا في طريق التطلعات المهنية للنساء، وهي تقييمهن الذاتي المجحف لأنفسهن، وعدم إيمانهن بما يمتلكنه من قدرات، مما يثنيهن عن اقتحام عدة مجالات مهنية، ويجعلهن يترددن عند المبادرة باتخاذ القرارات الهامة التي قد تساعدهن على التقدم في المراكز الوظيفية.
ولاحظ الخبراء أن النساء في العصر الحديث قد أصبحن يمتلكن مؤهلات علمية وفكرية من شأنها أن تجعلهن يضفين فروقا على الحياة العامة، كما أنهن يتمتعن بروح العمل في الفريق، وكلها صفات لو تمّ توظيفها بالشكل الصحيح فإنها ستجعل المجتمعات أكثر صحة وازدهارا واستقرارا، وبالرغم من ذلك فحظوظ الذكور مازالت تفوق حظوظ الإناث في مجالات مهنية عديدة.
وهذه المشكلة ليست المشكلة الوحيدة التي تعاني منها النساء، إذ تواجه بعضهن التعاملات الاجتماعية السلبية، والأفكار الدونية الشائعة، بالإضافة إلى الرفض الاجتماعي لهن في بعض المجالات، مما يفرض تحديات جسيمة على مستقبلهن وتوقعاتهن الوظيفية.
وتزخر التقارير الصحافية والأبحاث العلمية بأمثلة كثيرة على التأثير السلبي الذي يلحق بالنساء، بفعل الصور النمطية السائدة التي تربط الرجال أو النساء بالعمل في وظائف معينة.
وقد أبرزت عدة أبحاث الفاعلية الكبيرة لهذه الصور النمطية، التي تُشكّل توقعات النساء بشأن ما إذا كانت بعض الوظائف تناسبهن.
وتعود هذه الفاعلية إلى أن تلك الصور النمطية يمكن أن تقضي على حماسة البعض منهن للتقدم إلى بعض الوظائف، وتضيّق الخناق عليهن في مجالات عديدة.
وأشارت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في تقرير سابق أن عدد الفتيات اللواتي يدرسن العلوم قد ارتفع في السنوات الأخيرة، فيما لا تلتحق سوى نسبة قليلة منهن بالعمل في وظائف علمية، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى فقدان المجتمع لقوى عاملة موهوبة.
ولا تزال المرأة في نهاية السلم في مجالات الشؤون الخارجية والدفاع ومواقع صنع القرار، كما أن الفجوة في الأجور بين الجنسين ليست جديدة، فهناك الكثير من الدراسات التي أظهرت أن الحياة المهنية أقل سخاء بالنسبة للنساء، سواء من الناحية المالية أو من ناحية تقلد مناصب وظيفية عليا.
وفي أماكن كثيرة من العالم مازالت النساء عرضة -على أكثر الاحتمالات- لأن يبقين بلا عمل، وتبلغ نسبة بطالة النساء في العالم 6.2 بالمئة، مقارنة بنسبة 5.5 بالمئة بين الرجال، وغالبا ما تضطرّ المرأة إلى قبول أعمال أقل جودة أو التخلي عن فكرة العمل نهائيا، نتيجة كثرة الضغوط التي تواجهها في مجتمعها والخوف من المنافسة الذكورية.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن لدى النساء ميلا أكثر من الرجال لمواصلة تعليمهن العالي، إلا أن نسبة مشاركتهن في سوق العمل تبلغ حوالي 26 بالمئة، وهي نسبة أقل بكثير من المتوسط الخاص بالدول الضعيفة الدخل، والمتوسطة الدخل، والذي يبلغ 39 بالمئة. وهذه إشارة واضحة على أن العديد من النساء المؤهلات لا يدخلن سوق العمل.
نساء يتصرفن كالرجال
توجد تحديات بالجملة في المجتمعات التي تعلي قيم الذكورة، وتمنع النساء من الصعود المهني وتضيق عليهن فرص العمل، فيما تساعد الرجال على تحقيق طموحاتهم المهنية والترقي بسهولة، غير أن عدم ثقة النساء في قدراتهن على تولي بعض المناصب المهمة، إضافة إلى تحملهن العبء الأكبر من مسؤولية رعاية الأطفال والأسرة، تمثل مجموعة من الحواجز الضمنية الإضافية، التي تبدد الطموحات المهنية للنساء وتجعل الرجال يتمتعون بمميزات كثيرة في الحياة العامة.
ميشلين حبيب: طالما أن هناك تصنيفا للمهن؛ حيث أن بعضها يصلح للمرأة وبعضها للرجل، ستكون هناك دائما نساء يلجمن قدراتهنّ
وأبدت الإعلامية والأديبة اللبنانية ميشلين حبيب تفاؤلا بشأن النساء اللاتي ظهرن كنماذج، حتى في المجتمعات العربية التي تغلب عليها سيطرة الذكور.
وقالت حبيب لـ”العرب” مبينة “نشهد اليوم على الساحة العالمية تقدّما بارزا للمرأة في مجالات عدّة، لكن توجد الكثير من المجالات التي لم تخضها المرأة بعد أو وجودها فيها خجول جدا، على سبيل المثال: السياسة والرياضة والإخراج السينمائي والمجالات العلميّة”.
وأوضحت “لا شك أن الهيمنة الذكورية تلعب دورا في عدم تقدّم المرأة وتقف حاجزا أمامها، يمنعها من خرق هذه المجالات، لكن أحيانا يكون عدم ثقة المرأة بنفسها هو العائق نفسه”.
وأضافت “انعدام الثقة بالنفس نابع من التربية التي تتلقّاها الفتاة في البيت وفي المدرسة، فهما المكانان اللّذان يهيّئان الأنثى والذكر لخوض الحياة الاجتماعيّة والعمليّة في المستقبل، وطالما أن هناك تصنيفا للمهن؛ حيث أن بعضها يصلح للمرأة وبعضها للرجل، ستكون هناك دائما فتيات يلجمن قدراتهنّ أو يوجّهنها في اتجاه آخر أكثر أمانا في مجتمع يرى أن ضمانة الفتاة الوحيدة هي الزواج”.
وشددت على أن “الأعراف والقوانين المتحيزة ضد المرأة تحمي حقوق الذكر وتصادر حقوق الأنثى، وتضيّق الخناق عليها في الحياة العامة، وبالتالي تضمن استمرارية هيمنة الرجل على الميادين التي يحتكرها الذكور”.
ميشلين حبيب: طالما أن هناك تصنيفا للمهن؛ حيث أن بعضها يصلح للمرأة وبعضها للرجل، ستكون هناك دائما نساء يلجمن قدراتهنّ
وأبدت الإعلامية والأديبة اللبنانية ميشلين حبيب تفاؤلا بشأن النساء اللاتي ظهرن كنماذج، حتى في المجتمعات العربية التي تغلب عليها سيطرة الذكور.
وقالت حبيب لـ”العرب” مبينة “نشهد اليوم على الساحة العالمية تقدّما بارزا للمرأة في مجالات عدّة، لكن توجد الكثير من المجالات التي لم تخضها المرأة بعد أو وجودها فيها خجول جدا، على سبيل المثال: السياسة والرياضة والإخراج السينمائي والمجالات العلميّة”.
وأوضحت “لا شك أن الهيمنة الذكورية تلعب دورا في عدم تقدّم المرأة وتقف حاجزا أمامها، يمنعها من خرق هذه المجالات، لكن أحيانا يكون عدم ثقة المرأة بنفسها هو العائق نفسه”.
وأضافت “انعدام الثقة بالنفس نابع من التربية التي تتلقّاها الفتاة في البيت وفي المدرسة، فهما المكانان اللّذان يهيّئان الأنثى والذكر لخوض الحياة الاجتماعيّة والعمليّة في المستقبل، وطالما أن هناك تصنيفا للمهن؛ حيث أن بعضها يصلح للمرأة وبعضها للرجل، ستكون هناك دائما فتيات يلجمن قدراتهنّ أو يوجّهنها في اتجاه آخر أكثر أمانا في مجتمع يرى أن ضمانة الفتاة الوحيدة هي الزواج”.
وشددت على أن “الأعراف والقوانين المتحيزة ضد المرأة تحمي حقوق الذكر وتصادر حقوق الأنثى، وتضيّق الخناق عليها في الحياة العامة، وبالتالي تضمن استمرارية هيمنة الرجل على الميادين التي يحتكرها الذكور”.
وختمت حبيب بقولها “يمكن أن يتجلى الإحساس بعدم الثقة بالنفس عندما تصل بعض النساء إلى مراكز مهمة وحسّاسة؛ فإنهن يقعن في فخ الذكوريّة ويصبحن يتصرفن كالرجال، وهذا في حد ذاته نابع من عدم الأمان والخوف على المصير؛ إذ تصل المرأة إلى هذه المراكز وهي محملة بخلفيّة مشحونة بالضغط النفسي والاجتماعي والصراع الشخصي والحاجة الملحّة إلى إثبات النفس”.
فرصة لتطوير الذات
يتعلق النجاح الحقيقي في أي مجال بطريقة التفكير، ولذلك فالنساء الناجحات يملن في أغلبهن إلى التركيز على التطور، وتجاوز العقبات عن طريق تطوير الذات، والأهم من ذلك أنهن لا يرون الإخفاق على أنه فشل، ولكنهن بدلا من ذلك يرونه كفرصة للتعلم، والتكيف مع الواقع، بينما تعتقد النساء غير القادرات على تجاوز الوصمة الاجتماعية المرتبطة ببنيتهن النفسية والجسدية أن قدراتهن ثابتة، وبالتالي يتجنبن مواجهة التحديات.
سميرة علي الغامدي: انعدام الثقة بالنفس ليست عائقا في طريق المرأة فقط، إنما في طريق كل إنسان، سواء كان ذكرا أو أنثى
وقالت الدكتورة سميرة علي الغامدي استشارية الطب النفسي بالإدارة العامة للصحة النفسية والخدمة الاجتماعية بوزارة الصحة السعودية “الثقة في النفس هي الإدراك العميق والتفصيلي لمواطن القوة والضعف لدى الشخص وما يمتلكه من قدرات، ومن ثمّ ينشأ لديه الإيمان المطلق بقدراته، فيعمل على تسخيرها واستغلالها كأدوات تمكنه من الوصول إلى أهدافه وتساعده على تحقيق أحلامه، مهما واجه من تحديات وصعوبات”.
ودعت الغامدي أيضا إلى ضرورة الوعي بمكامن النقص التي تحتاج إلى الصقل والتطوير، بالاعتماد على الذات أو عن طريق الاستعانة بأشخاص لديهم من المؤهلات والمهارات التي يمكن أن تساعد أصحاب النقص على تجاوز نقاط ضعفهم، وتجعلهم قادرين على المضي قدما، وتحفزهم على اتخاذ القرارات التي تمكنهم من تغيير مجرى حياتهم، ومن ثم الانطلاق في طريق الإبداع وتحقيق الآمال.
وأضافت الغامدي لـ”العرب”، “انعدام الثقة بالنفس ليس عائقا في طريق المرأة فقط، إنما في طريق كل إنسان، سواء كان أنثى أو ذكرا”.
واستشهدت الغامدي بتجربتها كمثال، مؤكدة أن بيئة عملها فرضت عليها التعامل مع الجنسين الذكوري والأنثوي، إلا أنها لم تواجه أي تضييق ذكوري لكونها امرأة، قد يحول بينها وبين تحقيق أحلامها أو نجاحها في مجال تخصصها كاستشارية طب نفسي للأطفال والمراهقين والبالغين.
وتابعت الغامدي تصريحها “لقد تقلدت عدة مناصب في عدة إدارات في مجال الحماية من الإيذاء والإهمال، وفي مراكز تعنى باضطرابات طيف التوحد، وكنت أثناءها ومازلت أتعامل مع الجنس الذكوري كرئيسة أو مرؤوسة، ولم أشعر يوما أن التعامل معه يختلف عن التعامل مع الجنس الأنثوي، فالأمر كله متعلق بالأشخاص وليس بالجنس في حد ذاته”.
وأشارت “أثناء تجربتي البسيطة في هذا المجال وجدت الدعم من الكثير من الرجال الأفاضل، ممن لم يبخلوا علي بالنصح والإرشاد والمساعدة في الكثير من القضايا، وكانوا فعلا إضافة رائعة في حياتي المهنية”.
وأوضحت “الأمر برمته يعتمد على إيماننا بقدراتنا التي قد تفوق الرجال أو تقل عنها وهذه سنة الحياة في عدم وجود الكمال في الفرد الواحد بل هي علاقة تكاملية بين مجموعة أفراد (نساء كانوا أو رجالا)”.
وختمت الغامدي بقولها “العنصرية بين الرجال والنساء ما هي إلا موروث ثقافي يحمل الكثير من المغالطات، ومن الممكن التغلب عليها عن طريق تصحيحها مع النفس، وأيضا من خلال مهارات التواصل الاجتماعي مع الآخرين، حتى يتم استئصالها من جذورها؛ ولن نصل إلى هذا المفهوم السليم إلا حين نركز على أنفسنا ونؤمن بقدراتنا وبمواطن الإبداع فينا، وحين نملك الثقة والإيمان بأنفسنا ونتحمل إخفاقاتنا، ونقيّمها بالشكل الصحيح، للاستفادة منها كتجارب حياة تساعدنا على المضي قدما في تحقيق الأهداف”.
ورغم الدور القوي الذي لعبته النساء اللاتي أصبحن يتبوّأن أعلى المناصب وأكثرها نفوذا حول العالم، في أن يكنّ قدوة وملهمات لبنات جنسهن، إلا أن هذه الشخصيات سقطت من ذاكرة الكثير من النساء العاجزات عن كسر حاجز الخوف بداخلهن والمصاحب لعدم الثقة في النفس.
وأرجعت الأخصائية النفسية السعودية نوف شفلوت سبب عدم ثقة المرأة في نفسها إلى مراحل الطفولة المبكرة عندما يتقمص الأولاد والفتيات أدوارا مختلفة تفرض عليهم بطريقة شبه لا شعورية.
وقالت شفلوت لـ”العرب”، “التربية الأسرية تخضع في الغالب لثقافة المجتمع، وبالتالي فالبيئة الأسرية التي تنشأ فيها المرأة هي التي تؤثر على ثقتها بنفسها”.
وأضافت “تواجه المرأة منذ صغرها ضغوطا مكثفة وأفكارا نمطية تقلل من شأنها ومن إنجازاتها، ومن بينها موضوع أن النساء لا يصلحن للمناصب القيادية، الذي يحيط بالفتيات الصغيرات كل يوم داخل وسطهن الأسري والاجتماعي وفي وسائل الإعلام، وفي مواقف الآخرين”.
وواصلت شفلوت “النساء يقيّمن في بعض المجتمعات بناء على تعلات وقصص واهية لا أساس لها من الصحة، وإنما هي مجرد أوهام وخزعبلات، ويتم الاستشهاد بأدلة ضعيفة وأقوال مأثورة خاطئة، وتوضع الأحاديث النبوية في غير موضعها، وكل ذلك غايته الاستنقاص من قيمتهن والتقليل من شأن إنجازاتهن”.
وترى أن المعنى الحقيقي للحديث الشريف “ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة” لا ينتقص من قدرات المرأة ومهاراتها القيادية إلا أن البعض فسره تفسيرا خاطئا ووفق ما يتناسب مع أهوائه.
نوال خديم: تعرضت المرأة وعبر عقود طويلة لضربات حادة في كينونتها، ولا تزال تواجه الكثير من التحديات، ما زعزع ثقتها بنفسها
وأكدت شفلوت أن “المرأة تستطيع تولي المناصب القيادية وإدارة جميع الأمور بشكل جيد، ولديها من القدرات والمهارات ما يخوّل لها مزاولة كل المهن التي لا تتعارض مع القيم والمبادئ الاجتماعية، وتساهم في تحقيق الرفاه النفسي والاقتصادي لها ولأسرتها، وتجعل جميع الأمور تسير إلى الأفضل في وطنها”.
ومن جانبها لا تستبعد نوال خديم الباحثة المغربية في التنمية الذاتية دور الصور النمطية السلبية في تثبيط طموح المرأة، ودفعها إلى التخلي عن أهدافها المهنية، وبالتالي تكريس ضعف وجود النساء في العديد من المجالات.
وقالت خديم لـ”العرب”، “لقد تعرضت المرأة وعبر عقود طويلة لضربات حادة في كينونتها ولا تزال إلى اليوم تواجه الكثير من التحديات، ما زعزع ثقتها في نفسها وبالتالي لم تنل مكانتها الطبيعية في المجتمع كعنصر فعال مثل رفيقها الرجل”.
وأوضحت “أعتقد أنه من المنصف أن نرى المرأة اليوم تستعيد ثقتها بنفسها شيئا فشيا وتعي مدى أهمية دورها في مجتمعها، وقد استطاعت الكثيرات بالفعل تغيير الكثير من المفاهيم المغلوطة عن جنسهن وأثبتن جدارتهن في مواقع قيادية كانت حتى وقت قريب مقتصرة على الرجال فقط وهذا يبشر بالخير”.
وعبرت خديم عن رغبتها في رؤية تكافؤ حقيقي بين المرأة والرجل في مختلف المجالات قائلة “التكامل في الأدوار بين الجنسين يعمل في الأساس على تحقيق الإبداع ويمتد لتطوير الإنجازات بشكل عام مما يجعل العالم أكثر أمانا للأجيال وللإنسانية بشكل عام”.
تصحيح المفاهيم الخاطئة
تبدو فكرة أن تصبح معظم القطاعات المهنية متوازنة في مجال المساواة بين الجنسين في بعض المجتمعات أشبه بالأمر المستحيل، خاصة في ظل استمرار الشعور بالنقص، بالتسلل إلى نفوس النساء من وقت إلى آخر، مما يجعلهن يشككن في قدرا