الباحثون بتعديل فيروس يُسمى Delta-24-RGD، بحيث يعمل على مهاجمة تلك الأورام (التي تتسم بشدة عدوانيتها) على مجموعة من فئران التجارب.
وتُعد أورام الدماغ ثاني أكثر أنواع الأورام شيوعًا عند الأطفال؛ إذ تُمثل 20% من جميع أنواع السرطانات التي تصيب الأطفال. ويبلغ معدل الإصابة بها 4.84 حالات لكل 100 ألف طفل سنويًّا.
وتأتي الأورام الدبقية في مقدمة أكثر أنواع الأورام الدماغية شيوعًا لدى الأطفال، والبالغين أيضًا. وتحدث الأورام الدبقية داخل الدماغ والحبل الشوكي، وتؤثر على وظيفة المخ بشدة، مُعرِّضةً الحياة لخطر جسيم. وتشمل خيارات العلاج الحالية التدخل الجراحي والعلاج الكيميائي والإشعاعي، علاوة على العلاج الدوائي الموجه.
غير أن هناك العديد من الأورام الدبقية التي لا تستجيب بشكل جيد للعلاجات التقليدية. لذا، صمم الباحثون نهجًا علاجيًّا جديدًا يعتمد على فيروس مُعدل وراثيًّا يقوم بإيقاف عملية تناسخ خلايا الورم وتكاثرها، ويؤدي إلى زيادة كبيرة في معدلات البقاء على قيد الحياة في نماذج حيوانات التجارب.
ولا تُعد تلك الفيروسات هي الأولى من نوعها لعلاج السرطانات المختلفة؛ إذ أظهر "العلاج الفيروسي" أملاً كبيرًا في الشفاء من مرض السرطان، خاصةً بعد موافقة إدارة الأغذية والدواء الأمريكية على نوع من العلاجات يستخدم فيروسات لعلاج سرطان الجلد النقيلي.
وعدل الباحثون الفيروس Delta-24-RGD لمهاجمة الأورام السرطانية عبر إحداث نوع من أنواع العدوى فيها. بحيث يقوم الفيروس باستهداف البروتينات المسؤولة عن نشاط الانقسام المُفرط في الخلايا الورمية الدبقية الموجودة بالدماغ. ويُحقن الفيروس بشكل مباشر داخل الورم، يقوم الفيروس بالارتباط بخلايا الورم، والتغلغل داخلها، وتدمير قدرتها على الانقسام، تاركًا للجهاز المناعي المهمة المتبقية، وهي التعامل مع خلايا الورم الأساسية، التي تفقد قدرتها على التكاثر، وتموت في نهاية المطاف.
من جهتها، تقول "مارتا ماريا ألونسو رولدان" -أستاذ علوم الأورام الصلبة بجامعة "نافارا"، والمؤلفة الرئيسية لتلك الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": "إن الفيروس المُصمم قادر على قتل الخلايا السرطانية، مع عدم الإضرار بالخلايا الطبيعية، وهو أمر تفتقر إليه العلاجات الحالية؛ إذ تعتمد الإستراتيجيات الحالية على عدة خيارات، أهمها الخيار الجراحي، وفيه يقوم الأطباء بإزالة الورم بشكل كامل، وهو خيار غير مقبول وغير مُجدٍ حين تكون تلك الأورام في أماكن حساسة أو مراكز دماغية مسؤولة عن الحواس أو الحركة".
وتضيف "رولدان": وفي تلك الحالة يلجأ الأطباء إلى استخدام الخيار الثاني وهو العلاج الكيميائي، وتكون فاعلية العلاجات الكيميائية محدودةً بسبب وجود الحاجز الدموي الدماغي، الذي يحول دون وصول العلاجات إلى عمق الدماغ، علاوةً على الآثار الجانبية شديدة العنف لذلك النوع من الأدوية. أما العلاج الإشعاعي فقدرته محدودة للغاية في التعامل مع الأورام العدائية الموجودة في أدمغة الأطفال، ما يعني أن استخدام الإستراتيجيات المعتمدة على حَقن فيروسات مباشرة في الأورام قد يُجدي نفعًا في حالة علاج الأورام الدبقية عند الأطفال.
تصف "رولدان" الفيروس المُعدل بـ"الذكي" بسبب قدراته الهائلة "على إصابة الأورام دون غيرها"، مضيفةً أن "ذلك التكنيك كان مُخصصًا أصلًا لعلاج الأورام عند البالغين، إلا أن فاعليته الشديدة وقدرة الفيروس على استهداف الأورام دون إحداث أعراض جانبية خطيرة جعلتنا نُفكر في استخدام الأسلوب نفسه على فئران التجارب صغيرة السن".
وترى "رولدان" أن الدراسة الجديدة وضعت أساسًا لتصميم تجربة سريرية على الأطفال الذين يُعانون من تلك الأورام، مؤكدةً أن "الفريق البحثي يلاحظ نتائج جيدة للغاية في الدراسات ما قبل السريرية، وهو أمر يُعطي أملًا كبيرًا في فاعلية ذلك الأسلوب حين يتم استخدامه على البشر".
عمل الباحثون على تلك الدراسة لمدة 7 سنوات كاملة. ومن المتوقع أن يواصل الباحثون أعمالهم مدةً أطول من السنوات لتصميم تجربة سريرية مأمونة العواقب"، تفتح أبواب الأمل أمام نهج علاجي حقيقي آخر يُمكن أن يواكب العلاجات الكيميائية التقليدية والعلاجات الدوائية الموجهة التي يتم استخدامها الآن، وفق "رولدان".
وتشير الباحثة إلى أن الخطوة التالية المباشرة ستشمل تقييم جدوى هذا العلاج وسلامته. ثم تصميم التجربة السريرية، مضيفةً: "يجب أن يعرف العامة أننا بصدد إجراء محاولات تحتاج إلى مزيد من الصبر، ويجب أن يكونوا على دراية كاملة بأن الفيروس لن يُستخدم كعلاج قبل سنوات من الآن، فنحن لا نزال في بداية الطريق، وهدفنا الأساسي تحسين العلاج في المختبر لجلب منتج دوائي يُهاجم الأورام الدبقية عند الأطفال ويُدمرها".