تلقي العلم والتبحر فيه، منذ مراحل تعليمها العام، منهاج طريق يسر لها سبل النجاح في دراساتها العليا، في تخصص طبي يعد من أصعب التخصصات، ألا وهو طب أعصاب الأطفال.
الدكتورة حنان باعارمة، الطبيبة الحاصلة على الزمالة السعودية في طب الأطفال العام والزمالة السعودية في طب أعصاب الأطفال بمستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة، كشفت في حوارها ل (اليمامة) عن أدق تفاصيل حياتها، وأهم محطات نجاحها في مشوارها العملي، من واقع تخصصها الدقيق في الصرع، ومن ذلك الإحصائية التي تشير بتفشي حالات ضمور المخ عند الأطفال بمعدل 23 – 26 حالة لكل 10 آلاف ولادة في المملكة.... وقضايا أخرى تطرقت إليها الضيفة في هذا الحوار.
- أين كان مولدكِ.. وتحت أي سماء عشتِ فترة الطفولة والصبا؟
- ولدت في مكة الكرمة، وعشت فيها حتى انتهائي من مرحلة الثانوية العامة، حينها انتقلت إلى جدة لمواصلة دراستي الجامعية، وبقيت فيها حتى الوقت الراهن.
- ما الأحداث الأكثر إيلاماً حين تعودين بالذاكرة لزمن الطفولة؟
- الحمدلله، مرحلة الطفولة كانت سعيدة ومستقرة في كنف والديَّ حفظهما الله، لكن لا يبارح ذاكرتي، فقد إحدى صديقاتي، بعد أن أصيبت بالمرض ونحن في سن الثامنة، كان شعوراً مخيفاً، حيث حضرت جميع الأحداث، بدءاً من مرضها، إلى وفاتها. ومن ذلك، تذكري صورة أخواتها ووالدتها وحزنهم عليها، وهي لا تزال عالقة في ذهني.
حب العلم
- رحلة الألف ميل في ميدان التحصيل الدراسي.. من أين بدأت وإلى أين انتهت؟
- منذ نعومة أظفاري غرست والدتي فيَّ حب العلم، فحرصت على تميزي في جميع مراحل دراستي، إلى أن تخرجت من الثانوية العامة بامتياز.
التحقت بكلية الطب في جامعة الملك عبد العزيز، ومن حينها بدأت مشوار الطب، بعدها التحقت بمستشفى الملك فهد للقوات المسلحة وأنهيت زمالة طب الأطفال، ومارست العمل بعدها كنائب أول، ومن ثم التحقت ببرنامج طب أعصاب الأطفال، الذي كان القدر الأكبر منه في مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، إضافة إلى مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، ومستشفيات أخرى بمدينة الرياض، ولله الحمد والمنة انتهيت من التدريب، وحالياً في إجراء حصولي على شهادات التدريب.
هذه الرحلة لم تنتهِ، فبحر العلم لا نهاية له، ولديَّ الرغبة في متابعة دراستي لخدمة وطني، وعلاج براعم المستقبل بإذن الله.
- حدثينا عن مشواركِ العلمي، الذي طرقتِ من خلاله أبواب العمل؟
- المجال الطبي عموماً، يجمع ما بين العلم والعمل في آن واحد، ففي اللحظة التي انضممت فيها لبرنامج الزمالة، كانت هي ذات اللحظة التي مارست فيها عملي.
طبيعة العمل لم تناسبني
- مشواركِ العملي متى بدأ.. وما آخر نقطة حرف سطر فيه؟
- بعد انتهائي من سنة الامتياز، التحقت بوظيفة مؤقتة في وحدة العناية المركزة بمستشفى الملك فهد العام، لكن طبيعة العمل لم تناسبني، فتركته ومن ثم التحقت ببرنامج الزمالة لطب الأطفال في مستشفى القوات المسلحة في جدة، والتحقت حينها بالعمل هنالك.
- ما تأثير الوالدين في مسيرة تحصيلكِ الدراسي ونتاج مشواركِ العلمي؟
- كان لوالديَّ - حفظهما الله-، الدور الأكبر في تحفيزي ودعمي، فوالدتي غرست فيَّ حب العلم منذ نعومة أظفاري، كانت تشد من أزري وتبث فيَّ روح النضال كلما بدأت أصاب بالإحباط، سواء لسبب صعوبة الدراسة، أو الضغوطات التي واجهتها في مسيرتي.
ووالدي كان مسالماً، فلم يجبرنا في يوم على ما لم نرغب فيه، وترك لنا حرية الاختيار، بعد أن يسدينا نصائحه من واقع تجاربه في الحياة.
زميلات الطفولة
- من تتذكرين من زميلات الطفولة والصبا، ممن أصبح لهن حضور في الزمن الحاضر؟
- صديقاتي هن كنز لا يقدر بثمن، فعلاقتي بهن منذ معرفتي بهن خلال المراحل الدراسية في الابتدائية والمراحل العليا ما زالت مستمرة حتى الآن، على الرغم من مشاغل الحياة، واختلاف مجرى حياتنا والحمدلله.
- متى جاءكِ نصيب الارتباط بشريك العمر؟، وما عدد الأبناء؟
- ارتبطت بشريك حياتي خلال مرحلة الامتياز، وكان له الدور الأكبر في دعمي خلال مشوار الدراسة والعمل. ولله المنة والفضل رزقنا بزينة حياتنا ثلاث فتيات وابنا.
- ما اللحظات الفاصلة التي جعلتكِ تؤمنين بحسن اختياركِ لتخصصكِ الأكاديمي؟
- تخصص الطب ليس محدداً بمكان أو زمان، فالطبيب طبيب في عمله وخارج أوقات عمله حتى في عطلاته، تعرضت لعديد من المواقف التي أسعفني فيها تخصصي في طب الأطفال، تحديداً حين يمرض أطفالي حفظهم الله.
- ما سر العلاقة التي جمعتكِ مع الأطفال؛ لتتخصصي في طب أعصاب الأطفال؟
- حبي للأطفال كان الحافز الأكبر لأتخصص في مجالي، فالأطفال هم أحباب الله، إضافة إلى كوني أماً ساعدني كثيراً على فهم أحاسيس أمهات مرضاي والقرب منهن، وبالمقابل أيضاً كوني طبيبة أطفال، ساعدني كثيراً على العناية بأطفالي، تحديداً تخصص الأعصاب كان بالنسبة لي لغزاً وتحدياً منذ بداية دراستي في كلية الطب، ما شدني إليه لمحاولة فك طلاسمه ورموزه.
جراحات الصرع أصبحت واعدة
- شهدت جراحة المخ والأعصاب، في الآونة الأخيرة تطوراً كبيراً ومضطرداً في جميع فروعها.. ما الذي تم إنجازه مؤخراً في مجال الجراحة العصبية للأطفال، سواء في طرق وتقنيات التشخيص والعمليات الجراحية، أو التقنيات المساعدة لها، أو الأجهزة المساعدة للمراقبة والمتابعة للأعصاب أثناء الجراحة؟
- الطب بجميع فروعه يمر بمرحلة ثورية وتطورية مذهلة في الوقت الراهن. بالنسبة لجراحة المخ والأعصاب وجراحات الصرع، أصبحت واعدة، فتقنيات تخطيط وتصوير المخ لتحديد البؤرة الصرعية صارت بدقة عالية جداً، وأصبح من الممكن استئصالها للحالات المناسبة بدون مضاعفات مقلقة؛ ليحظى المريض بعدها بنتائج مبهرة للتشافي من المرض ومعاودة الحياة بشكل طبيعي.
- التقدم الطبي والعلاجي الذي نشهده في بلادنا في مجال الجراحة العصبية للأطفال، هل يتوافق مع ما نملكه من مؤسسات طبية مجهزة بأحدث التقنيات، وبطاقم طبي وطني مدرب على أعلى المستويات؟
- يتوافر في المملكة العربية السعودية أحدث التقنيات وأمهر الأطباء والتقنيين والممرضين من أبناء هذا البلد - حفظه الله-، الذين تلقوا تدريبهم في المملكة وخارج المملكة، الأمر الذي نحتاجه فعلاً، هو توزيع هذه الكوادر بحيث تغطي جميع المناطق، وأن لا تكون مكدسة في مدن معينة، إضافة إلى ذلك، نحتاج إلى إيمان أبناء جلدتنا بما يقدمه الكادر الصحي السعودي للرقي بالمملكة إلى أعلى المستويات.
اللبنة الأساسية
r وماذا عن التوسع في استخدام أجهزة الملاحة العصبية وتدعيمها بتقنيات التصوير داخل العمليات سواء بالموجات فوق الصوتية، أو الأشعة المقطعية، أو الرنين المغناطيسي؟
- التطور في الأشعة التشخيصية بشتى أنواعها، أسهم في تشخيص عديد من الأمراض التي كانت تكدر صفو الأطباء سابقاً، وأصبحت اللبنة الأساسية لنجاح جراحة الأعصاب وأمراض الأعصاب غير الجراحية، توافرت هذه التقنيات في أغلب المستشفيات الرئيسية، وإن لم يكن تتوافر في مستشفى معين أصبح من السهل الوصول إليها بالتنسيق مع الفريق الطبي لعملها في المستشفى الذي يوفر التقنية المنشودة.
الشلل الدماغي عند الأطفال
- ضمور المخ عند الأطفال.. ما أعراضه؟، وهل هو ناجم عن أمراض وراثية بالدرجة الأولى؟، وما الآثار الناتجة عنه؟، وما سبل علاجه؟
- ضمور المخ أو الشلل الدماغي عند الأطفال، هو حالة تصيب خلايا الدماغ خلال السنتين الأوليين، والتي تعتبر المرحلة الأكثر أهمية لنمو المخ. ضمور المخ هو ما يحدث عند تعرض الخلايا العصبية للتلف، لأسباب عديدة تحدث قبل أو أثناء أو بعد الولادة، كنقص للأكسجين، التهاب السحايا، أمراض جينية أو وراثية، والتي تعتبر شائعة في مجتمعنا مقارنة بالمجتمعات الأخرى، بسبب زواج الأقارب، ينتج عن ذلك تغير في حجم وشكل ووظائف المخ.
تختلف الأعراض من شخص لآخر، وتتفاوت ما بين الدرجة الخفيفة إلى الشديدة. قد يواجه بعض المصابين بالشلل الدماغي صعوبة في المشي والجلوس، في حين أن البعض يعاني من تخلف عقلي وتشنجات مستعصية.
بالنسبة للعلاج، لا يوجد علاج محدد، وإنما علاج مساعد للأعراض المصاحبة كالصرع، ويعالج بالأدوية. أما الناتج عن تصلب العضلات، فيعالج بالعلاج الطبيعي وبعض الأدوية المرخية للعضلات.
- ما أكثر الأمراض العصبية شيوعاً في المملكة؟، وهل هناك منطقة قد تصاب أكثر من منطقة؟، ولماذا؟
- بالنسبة للأطفال يعتبر ضمور المخ عند الأطفال هو الأكثر شيوعاً على مستوى المملكة والعالم، مع بعض الاختلافات في الأسباب الرئيسيّة بعد نقص الأكسجين أثناء الولادة الذي ينتشر أكثر في المناطق النائية والقرى لأسباب متعددة، منها الولادة المنزلية ونقص المعدات الإسعافية في المستشفيات الأولية، تليها الأمراض الجينية والوراثية التي تعتبر شائعة في مجتمعنا كما ذكرت بسبب انتشار الزواج من الأقارب والتي تقدر تقريباً بنسبة 50% - 70% على مستوى المملكة، فالمناطق التي تجبر الفرد على هذا النمط تناهز المناطق الأخرى عدداً في تفشي هذا النوع من الأمراض.
- هل هناك نسبة محددة للإصابة بهذا المرض، وغيره من الأمراض العصبية على مستوى المملكة؟
- الإحصائيات محدودة وليست دقيقة جداً نحتاج إلى تحديث ومتابعة لهذه النقطة، بعض المصادر تقارب العدد ما بين 23 إلى 26 حالة لكل 10 آلاف ولادة وذلك يؤيد نقطة أولوية الاهتمام بالرعاية الطبية، والتثقيف الصحي.
ظهر للنور دواء جديد
- ما آخر ما توصل إليه العلم في مجال علاج مرض ضمور العضلات الشوكي؟، وما مدى التقدم الذي تم إحرازه في تشخيص الأمراض العصبية التدهورية عن طريق البحث الجيني وDNA؟
- خلال السنوات الأخيرة ظهر للنور دواء جديد يسمى (سبينرازا)، أظهر نتائج واعدة لمرض ضمور العضلات الشوكي، والذي كان يعتبر من الأمراض المميتة، بالطبع ليست كل الحالات متوافقة مع العلاج، لذلك المرضى المصابون يحتاجون إلى تقييم جيني وإكلينيكي دقيق للبدء بالعلاج.
الثورة في عالم التشخيص الجيني تشهد عصراً ذهبياً في الوقت الحالي، وأصبح بالإمكان الكشف عن الطفرات الجينية وطريقة توارثها، سواء صفات متنحية أو صفات سائدة واكتشاف طفرات جديدة ومنتشرة في مجتمعنا أكثر من المجتمعات الأخرى، مع العلم بأنها ما زالت تحت التحديث المستمر، ففوق كل ذي علم عليم.
- الإصابة بالصرع، هل يرتبط بعمر ما، وما معدل سنوات ارتباطه بمن يصاب به؟
- للصرع أنواع متعددة ومتلازمات مختلفة، منها ما هو مرتبط بجين معين أو عيب خلقي في تركيب المخ، لكل نوع منهم درجات وصفات معينة كعمر محدد للظهور والتلاشي، ووصف معين للحركات المصاحبة، فبعضها تشنج كامل، ومنها تشنج جزئي، ومنها فقط حالات تغير للوعي والإحساس.
نسبة من المصابين
يكون تخطيطهم سليماً
- هل يمكن أن يكون التخطيط الكهربي للدماغ طبيعياً في طفل مصاب بالتشنج؟، وهل يمكن أن يكون غير طبيعي في طفل سليم؟
- هنالك نسبة من المصابين يكون تخطيطهم سليماً، فالتخطيط يقيس النشاط الكهربي لقشرة المخ فقط، ولا تظهر ذبذبات الجزء الأعمق من أنسجة الدماغ، فإذا كان مصدر التشنج بعيداً عن القشرة قد نجد التخطيط سليماً، وبعض الحالات كالمتلازمات لو طلب التخطيط في بدايات المرض، قد يظهر طبيعياً وتبدأ التغيرات مع مرور الوقت، بالمقابل نسبة من الأطفال الطبيعيين لديهم تخطيط غير طبيعي، وهنا نؤكد مدى أهمية الوصف الدقيق لحالة التشنج والظروف المحيطة كالتاريخ المرضي والعائلي.
- تتعدد الطرق العلاجية للصرع، منها ما يعتمد على الأدوية، وأخرى على الجراحة، ومنها على الأكل.. أيها أكثر نجاعة وتحقيقاً لمعدلات نجاح أكبر؟، وأيها أكثر انتشاراً في المملكة؟
- لكل حالة علاج مختلف يعتمد على نوع البؤرة وسن المريض ونوع المتلازمة إن وجدت، لا نستطيع تحديد ما الأكثر نجاحاً، لكن كقاعدة أساسية دائماً العلاج بالأدوية هو الخطوة الأولى للعلاج، بعدها يتم دراسة الحالة وما يتناسب معها، فإن وجدت بؤرة محددة وكان المسبب عيباً خلقياً قابلاً للاستئصال، فهو الخيار الأمثل، مع الأخذ بعين الاعتبار توافر الإمكانات والمهارات اللازمة لنجاح العملية، والتي أظهرت نتائج مبهرة للحالات المناسبة، بالمقابل الحالات التي يكون سببها مرض استقلابي أو جيني، فالخيار الأفضل العلاج بالأدوية والحمية الغذائية إن لزمت.
- ما الهدف من تناول الأدوية العلاجية للنوبات التشنجية؟
- الهدف الأساسي من الأدوية، هي السيطرة على التشنج، ليستطيع الطفل ممارسة حياته الطبيعية بدون أن يقلق من مباغتة النوبات.
أدوية التشنجات
فاقت الستة والعشرين دواء
- العلاج بالأدوية.. ما الأضرار الجانبية الناتجة عنه؟
- بالطبع لا يوجد دواء خال من الأضرار الجانبية، بعضها قد يكون خطيراً على حياة المريض، وبعضها بسيط يمكن علاجه، لكنها أقل ضرراً على حياة المريض من الصرع بعينه، والذي قد يؤدي الى وفيات، وتدهور للحالة الذهنية للمريض.
أدوية التشنجات فاقت الستة والعشرين دواء، لكل منها خصائص وآثار مختلفة، لكن أهمها التحسس، الطفح الجلدي. وبعضها قد يؤثر على الكلى، والآخر يؤثر على الكبد. وبعضها يؤثر على الشهية والوزن.
أدوية الصرع تسبب الإدمان
- هل تناول هذه الأدوية يؤدي إلى الإدمان عليها؟
- من أكثر الأفكار الشائعة الخاطئة، أن أدوية الصرع تسبب الإدمان، تعريف كلمة الإدمان بحد ذاته قد يكون مصطلحاً مبهماً وخاطئاً لوصف الحالة، فبعض أنواع الصرع عنيد ولا يستجيب إلا لجرعات عالية، وقد تتدهور الحالة في حال تقليل أو سحب الدواء، في هذه الحالة من الخطأ تسميته إدماناً، إنما يسمى صرعاً عنيداً.
أدوية الصرع لا تسبب الإدمان، على الرغم من ذلك يجب على الوالدين اتباع الجرعة المحددة وعدم زيادتها من ذاتهم، وعدم استخدام دواء لم يصفه الطبيب المشرف لمجرد أن شخصاً آخر تشافى من علاج معين، فكل حالة لها دواء مناسب خاص.
- هل هناك موانع لإجراء العمليات لمن يستخدم هذه الأدوية؟
- لا توجد موانع، ولكن عند إجراء العمليات سواء الصغيرة أو الكبيرة منها، وكذلك عند زيارة طبيب الأسنان، فيجب عليك أخبار الطبيب بأنك تعاني من التشنج مع أخباره بتفاصيل نوع التشنج والعلاج، وآخر نوبة كي يقوم بأخذ الاحتياطات اللازمة، والأفضل مراجعة الطبيب المعالج قبل إجراء العملية؛ للتأكد من السيطرة ع