تاريخ النشر 17 ديسمبر 2017     بواسطة الدكتورة ثريا عبدالوهاب فضل الهي     المشاهدات 201

الانتباذ البطاني الرحمي

تعاني الكثير من النساء في سن الخصوبة من مرض الانْتِباذٌ البِطَانِيٌّ الرَحِمِيّ (Endometriosis)، وهو مرض ينمو فيه نسيج البطانة الداخليّة للرحم في خارج الرحم أيضا. ولا تكون هذه الظاهرة مصحوبة، دائما، بأعراض معينة، وهي ليست خطيرة بشكل عام. لكنها قد تسبب، في بعض الحالات، أوجاعا ومشاكل أخرى. يسمى
النسيج الذي ينمو خارج الرحم بـ "الطـُعم" (الغِرْسَة - Implant). تنمو هذه الطعوم، بشكل عام، على المبيضين، على البوقين (قناتي فالوب - Fallopian tubes)، على الجدار الخارجي للرحم، على الأمعاء وعلى أعضاء أخرى في جوف البطن. وفي حالات نادرة جدا يمكن أن تمتد هذه الطعوم، أيضا، إلى أعضاء في خارج جوف البطن.
أعراض الانتباذ البطاني الرحمي
الأعراض الأكثر شيوعا للانتباذ البطاني الرحمي هي:
آلام: تظهر الآلام في الأماكن التي تنمو فيها الطعوم. وقد تظهر الآلام في منطقة أسفل البطن، في المستقيم (Rectum)، في المهبل (Vagina)، أو في القسم السفلي من الظهر. وتظهر هذه الآلام فقط قبل الحيض (الدورة الشهرية)، أو خلاله. وتشتد هذه الآلام عند بعض النساء أثناء ممارسة الجنس، أثناء التغوّط أو عند الإباضة (حينما يطلق المبيضان البويضات).
نزف غير عادي: عند بعض النساء اللواتي يعانين من الانتباذ البطاني الرحمي يكون نزف الدم غزيرا في الحيض، تظهر بقع من الدم أو نزف بين فترات الحيض، نزف بعد ممارسة الجنس أو ظهور دم في البول أو في البراز.
يختلف الانتباذ البطاني الرحمي من امرأة إلى أخرى. فبعض النساء يكتشف المرض لديهن فقط بعد خضوعهن للفحص عند الطبيب، نتيجة عدم قدرتهن على الحمل. وبعض النساء تعانين من انقباضات وتشنجات تبدو لهن كأنها ظاهرة طبيعية. وقد يعاني بعض آخر من النساء من نزف حاد وآلام شديدة تمنعهن من ممارسة حياتهن الطبيعية، إلى درجة عدم قدرتهن على الذهاب إلى العمل أو إلى الدراسة.
أسباب وعوامل خطر الانتباذ البطاني الرحمي
لا يعرف المختصون، حتى الآن، أسباب نمو أنسجة بطانة الرحم (Endometrium) خارج الرحم. لكنهم يعرفون أن الهرمون الأنثوي إستروجين (Estrogen) يزيد المشكلة سوءا وتعقيدا. بما أن مستوى هرمون الإستروجين يكون مرتفعا لدى النساء في سن الخصوبة (من سن البلوغ وحتى سنوات الـ 40 من العمر، تقريبا)، فهذه هي، بشكل عام، الفترة التي تعاني خلالها النساء من الانتباذ البطاني الرحمي. وفي مرحلة الإياس (سن "اليأس"، أو سن انقطاع الطمث - Menopause) حين يبدأ مستوى هرمون الإستروجين بالانخفاض، تختفي، في الغالب، أعراض الانتباذ البطاني الرحمي أيضا.  
العوامل التي تزيد من احتمال الإصابة بمرض الانتباذ البطاني الرحمي تشمل:
السن: يظهر المرض، بالأساس، في مرحلة ما بين سن الخصوبة وسن انقطاع الطمث (حتى سن 50 عاما، تقريبا). في سن انقطاع الطمث، أي عند انخفاض مستوى هرمون الإستروجين، يزول احتمال ظهور الانتباذ البطاني الرحمي. وقد ساد الاعتقاد، في الماضي، بأن الانتباذ البطاني الرحمي يمكن أن يظهر فقط بعد سنين عديدة من بدء ظهور الدورة الشهرية، لكن تبين أن هذا الاعتقاد خاطئ، إذ هنالك حالات ظهر فيها الانتباذ البطاني الرحمي لدى فتيات لم تصلن إلى سن البلوغ الجنسي بعد، أو بعد ظهور الحيض الأول مباشرة.
التاريخ العائلي: إن ظهور مرض الانتباذ البطاني الرحمي عند الأم أو الأخت (قرابة من الدرجة الأولى)، يزيد من احتمال ظهور مرض الانتباذ البطاني الرحمي لدى الإبنة / الشقيقة، بصورة حادة. وكما يبدو، فإن هذا الخطر ينتقل من الأم، وراثيا.
دورة شهرية تمتد لأقل من 28 يوما.
نزف في الحيض يستمر لأكثر من 7 أيام.
ظهور الحيض للمرة الأولى في سن مبكرة (قبل سن 12 عاما).
أقل من حملين كاملين (الحمل الكامل يستمر 37-42 أسبوعا).
مبنى غير طبيعي للرحم، عنق الرحم أو المهبل (مكتسب منذ الولادة، عادة)، مما يسبب انسدادا أو إبطاء في تدفق الدم الدم.
تشخيص الانتباذ البطاني الرحمي
هنالك الكثير من العوامل التي يمكن أن تسبب الآلام أو النزف الحاد في فترة الحيض. لذلك، ولكي يتمكن الطبيب من تشخيص الانتباذ البطاني الرحمي، فهو يقوم بـ:
الاستفسار من المريضة عن الأعراض، عن الحيض، وعن التاريخ الصحي الشخصي (للمريضة) والعائلي، إذ إن الانتباذ البطاني الرحمي يمكن أن يكون، أحيانا، مرضا وراثيا.
إجراء فحص للحوض، قد يشمل فحص المهبل والمستقيم.
إذا شك الطبيب بوجود انتباذ بطاني رحمي، فعندئذ يوصي بتناول دواء لبضعة أشهر. إذا طرأ تحسن على وضع المريضة في أعقاب تناول الدواء، فقد يشكل ذلك دليلا على وجود مرض الانتباذ البطاني الرحمي.
ومن أجل الكشف عن كيسة (Cyst) في المبيض، قد تكون هنالك حاجة، أحيانا، إلى إجراء فحص التصوير فائق الصوت (التصوير بالموجات فوق الصوتية - Ultrasound)، أو التصوير المقطعي المحوسب (Computed Tomography - CT) أو التصوير بالرنين المغناطيسي (Magnetic resonance imaging - MRI)، إذ تظهر هذه الفحوصات صورة لما يحدث في داخل جوف البطن.
وبالرغم من الفحوصات المذكورة، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها التوصل إلى تشخيص مؤكد بأن الحالة هي انتباذ بطاني رحمي، فعلا، هي عملية تنظير البطن (Laparoscopy). في هذا الإجراء، يقوم الطبيب بفتح جرح (شق) صغير في البطن يُدخل من خلاله أنبوبا دقيقا يضيء جوف البطن. وإذا ما شاهد الطبيب، خلال هذه العملية، طعوما، أنسجة ندوب أو كيسات (Cyst)، فإنه يقوم بإزالتها على الفور.
علاج الانتباذ البطاني الرحمي
مرض الانتباذ البطاني الرحمي غير قابل للشفاء التام، لكن يمكن علاجه. أحيانا، يتطلب الوصول إلى العلاج الملائم تجربة العديد من العلاجات.
في كل من هذه العلاجات ثمة احتمال لأن تعاود أعراض مرض الانتباذ البطاني الرحمي بالظهور، من جديد.
يتم اختيار الطريقة العلاجية طبقا للهدف المراد تحقيقه، ففي بعض الحالات يكون الهدف معالجة الأوجاع وإخفاءها فقط، بينما يكون تحقيق الحمل هو الهدف في حالات أخرى.
بغية وقف الأوجاع والنزيف، يمكن اعتماد المعالجة بالأدوية أو بإجراء عملية جراحية. أما حين تكون المرأة المصابة بالانتباذ البطاني الرحمي معنية بالحمل، فمن المحتمل أن تضطر للخضوع إلى عملية جراحية لاستئصال الطعوم النامية خارج الرحم.
وتشمل علاجات الانتباذ البطاني الرحمي:
مسكنات الآلام
أقراص لمنع الحمل
معالجة هرمونية (بإعطاء هرمونات)
جراحة بتنظير البطن (Laparoscopic surgery) لإزالة الطعوم والندب.
في حالات نادرة، عند النساء اللواتي تعانين من أوجاع حادة جدا، يمكن اللجوء إلى عملية جراحية لاستئصال الرحم والمبيضين. فعندما يتم استئصال المبيضين، يهبط مستوى الإستروجين (Estrogen) بصورة حادة، مما يؤدي على الأغلب إلى اختفاء أعراض الانتباذ البطاني الرحمي. لكن هذا الاستئصال يمكن أن يؤدي أيضا إلى ظهور أعراض انقطاع الطمث وإلى عدم القدرة على الحمل لاحقا.
النساء اللواتي يقتربن من سن انقطاع الطمث  يلجأن، عادة، إلى المعالجة الدوائية وليس إلى المعالجة الجراحية. ذلك لأن الانتباذ البطاني الرحمي لا يشكل مشكلة بعد انقطاع الطمث.
الوقاية من الانتباذ البطاني الرحمي
ما من سبيل للوقاية من مرض الانتباذ البطاني الرحمي. ويعود سبب ذلك إلى حقيقة أن المختصين لا يعرفون مسببات مرض الانتباذ البطاني الرحمي. لكن استعمال الهرمونات لمنع الحمل (سواء بواسطة اللاصقات، الأقراص، أو اللولب الرحمي - Intrauterine device - IUD) لمدة زمنية طويلة يمكن أن يحول دون تفاقم الانتباذ البطاني الرحمي.


أخبار مرتبطة