تاريخ النشر 5 مايو 2014     بواسطة الدكتور ناصر احمد توفيق     المشاهدات 201

لا تتعايش مع الألم المزمن بل عالجه

للألم بحسب منظمة الصحة العالمية عدة تعريفات، أكثرها شيوعا يستند الى الوقت للتفرقة ما ما بين الألم الحاد وذاك المزمن. فالألم الحاد بحسب الدكتور حميد القادري، استشاري طب التخدير وعلاج الألم في مستشفى رويال حياة، هو ما يرافق الإصابة الجديدة كالجرح أو الكسر، ويختفي عادة خلال أسبوع أو عند الشفاء
من الإصابة. ويتحول الألم الى النوع المزمن إن استمر 3 - 6 أشهر وحتى بعد الشفاء من الاعتلال.
وقد يكون مصدر الألم بدنيا أو عصبيا. على سبيل المثال، قد يقع الشخص على مفصل اليد فتتورم المنطقة وتؤلمه بشكل طبيعي، فهنا مصدر الألم بدني. وأحيانا، قد يستمر الألم بعد اختفاء الورم، مما يدل على ان الأعصاب تعودت على إرسال مواد كيميائية وإشارات الألم العصبية الى الدماغ لتشير إلى وجود الألم بالرغم من اختفاء السبب. فهنا، مصدر الألم عصبي.
بدأ الفرع الجديد من الطب المعني بعلاج الألم مع اهتمام الجراحين وأطباء التخدير بإيقاف آلام الخاضعين للعمليات الجراحية، لتقليل معاناتهم وفترة النقاهة وإقامتهم في المستشفى. واستعانوا بالعقاقير المسكنة وحقن التخدير الموضعي التي تعطى للمريض خلال العملية، ثم تستمر بعد ذلك من خلال القسطرة. 
كما تركزت جهود الأطباء في استخدام علاجات الألم لتقليل معاناة المصابين بالأورام السرطانية، لما يسببه الورم وطرق علاجه من آلام حادة. واستعانوا بالقسطرة (سواء في منطقة الإبط أو الفخذ) لحقن عقاقير تخدر وتسكن الألم بشكل مؤقت. بينما يمكن في الحالات الواضحة، إيقاف إشارات الألم العصبية بشكل دائم من خلال الكي الحراري أو الكيميائي للعصب المسبب لهذه الإشارات. وتطور هذا الفرع ليشمل علاج جميع أنواع الألم بغض النظر عن مسببها، سواء كانت آلام الظهر، الصداع، الروماتيزم، الذئبة الحمراء، وغيرها. 
آلام الظهر لها عدة مصادر
تعتبر الشكوى من آلام الظهر المزمنة من الحالات الشائعة، والتي تؤثر على حياة المصاب بشكل كبير. وحول سببها، يقول د. القادري:
- ليس من السهل تشخيص مصدر أو مسبب آلام الظهر المزمنة. فقد تنتج من تضرر أو التهاب في الأعصاب أو الفقرات أو مفاصل الفقرات أو جذور الأعصاب أو خشونة العظام أو الأورام أو الروماتيزم، أو حتى لنقص فيتامين دال. 
وأثبتت الأبحاث المحلية انتشار نقص فيتامين دال بين السيدات والرجال، نتيجة تفاديهم التعرض لأشعة الشمس ولبس النساء ملابس تمنع وصول الأشعة المفيدة الى جلودهن حتى تكون فيتامين دال. ويترتب عن هذا الانخفاض الشديد في فيتامين دال حدوث ضعف العظام وهشاشتها، مما يسبب اختلالا في شكلها وشكل فتحات الأعصاب، وبالتالي انضغاط العصب أو النخاع الشوكي.
الصداع 140 نوعا
وضعت الهيئة العالمية للصحة قائمة بـ 140 نوعا من الصداع. فالصداع قد يكون عرضا لمجموعة كبيرة من الأمراض، أو مرضا بحد ذاته. لذلك من المهم تشخيص كل حالة بدقة، فالتشخيص الصحيح أهم خطوة للوصول إلى العلاج المناسب. وأوضح د. القادري قائلا:
- مثلا، المجموعة الأولى الأكثر شيوعا هي الصداع النصفي، الذي ينقسم نوعه بحسب طبيعته. فان اتضح ان المريض مصاب بصداع نصفي، يجب تحديد نوعه من خلال تعريف نوباته وحدته والأعراض المرافقة له، كالأعراض البدنية والعصبية أو الهلوسة الصورية أو التأثير على الحواس والحالة النفسية. 
اما المجموعة الثانية الشائعة فهي الصداع العصبي، وغالبا ما يعزى الى الإجهاد والإرهاق والتوتر النفسي والعضلي. وقد تظهر نوباته على اثر الجلوس الخاطئ الطويل للعمل المكتبي أو إجهاد العين وعضلات العنق أو التوتر العصبي. وبحسب نوع الصداع يُحدّد العلاج المناسب. 
ويعد الصداع العنقودي المركز في منطقة العيون من أكثر أنواع الصداع حدة، لكونه يسبب ألما شديدا خارقا في عين واحدة وما حولها. ومن الصعب تشخيصه، لكن إن اكتشفت الإصابة فعلاجه بسيط، حيث يستند الى استنشاق الأوكسجين لمدة معينة مع تناول الأدوية المساندة فقط. وينصح المريض بأخذ أنبوبة أوكسجين معه في السيارة والمنزل ليستنشقه عند بدء نوبة الصداع.
أدوات التشخيص
هناك أربع أدوات للتشخيص:
1 - التاريخ المرضي: أهم دلائل التشخيص تؤخذ من المفردات التي يستعملها المريض عند وصفه للألم، فشرح المريض يعطي الكثير من المعلومات. وصف الألم مثلا على أنه يشبه الدبابيس أو الحرارة أو التنميل أو الثقل، يدل الطبيب على نوعية الخلل إن كان فسيولوجيا أو عصبيا أو نتاجا لورم مثلا. ومن المفيد ان يقوم المصاب بكتابة مذكراته اليومية وتسجيل مسبب الصداع وطبيعته وفترة استمراره. فذلك يساعد المعالج كثيرا في الوصول الى التشخيص الدقيق وبالتالي العلاج الصحيح.
2 - تصوير المنطقة المعتلة بالأشعة العادية أو المقطعية أو بالرنين المغناطيسي MRI.
3 - فحص التخطيط العصبي: في هذا الفحص يجري توجيه كهرباء على العصب، ثم تقاس كفاءته وسرعة الإشارات العصبية. 
4 - حقن حجز الإشارات العصبية، وتسمى nerve block وتفيد في التشخيص والعلاج، فتوقف الألم على اثر حقن عصب معين يثبت مصدره ويريح المريض.
فائدة حجز الإشارات العصبية 
للحقن الحاجزة لإشارات العصب Nerve Block، دور تشخيصي وعلاجي. وفسر د. القادري دورها قائلا:
- كشفت اليوم على مريض يعاني من الم شديد في الصدر بعد خضوعه لعملية تحويل مسار الأمعاء. وطبعا، اعتقد الجراح ان الألم له علاقة بالجراحة، بيد ان فحوصات الجهاز الهضمي كانت سليمة. لذا، جرت استشارتي لتحديد مسبب الألم إن كان من الأعصاب أو القلب أو القفص الصدري أو غيره. وباستخدام حقن العصب، زال إحساس الألم تماما بعد حقن عصب معين، مما يثبت أن سببه يعزى لتضرر أو التهاب عصب محدد. فدور الحقن مهم في التشخيص والعلاج. كما تساعد هذه الحقن الجراح (بخاصة في عمليات العمود الفقري) في تحديد العصب المسؤول عن الألم. فمن الناحية الإكلينيكية، غالبا ما لا يكون العصب المسبب للألم واضحا، فتحقن الأعصاب المشكوك فيها واحدا تلو الآخر، إلى إن يشير المريض إلى زوال الألم، مما يكشف ويحدد العصب المعتل الذي يجب على الجراح علاجه.
الخوف من حقن الظهر 
وحول مخاوف حقن الظهر، بين د. القادري ان مصدره يرجع لعدة أمور:
- الخوف يعزى لكون المريض لا يرى منطقة وخز الإبرة، ولحساسية المنطقة المحتوية على الأعصاب والنخاع الشوكي، كما إن إشاعات ارتباطها بخطر حدوث الشلل لا تزال رائجة. لكن من عوامل الأمان:
أولا: ألا يخضع المريض لها إلا عند معالج مؤهل ويتمتع بمهارة وخبرة. 
ثانيا: أن تجرى تحت إشراف الأشعة لرؤية مكانها في العمود الفقري قبل حقن العقار.
ثالثا: تعتمد درجة الخطورة على مكان الوخز، وأغلب الحقن غير خطرة لأنها لا تصل إلى ممر النخاع الشوكي أو جذور الأعصاب، بل إلى مفصل الفقرات أو الديسك والمناطق المحيطة بها. أما تلك التي تصل إلى جذور العصب لتحقن مخدرا موضعيا ودواء عصبيا، فنسبة خطرها قليلة لان من يقوم بها مؤهل وخبير.
آلام العصعص المزمنة
وبالنسبة لآلام العصعص المزمنة نتيجة لإصابته بالكسر أو الالتهاب، بيّن د. القادري:
- أنه يمكن تخدير الألم لمدة 3 – 6 أشهر أو إيقاف إشارات العصب المسبب للألم بشكل دائم. لكن لا بد أيضا من علاج السبب الأساسي، فالألم سيستمر ما دام المريض لم يعالج المصدر بشكل فعال من خلال علاج التهاب العصعص أو استبداله بطرف أو عظم صناعي.
علاج الألم يتطلب فريقا طبيا
فعالية الطبيب المعالج للألم لا تعتمد على استخدامه لعلاجاته فقط، بل على جهود طاقم من المعالجين المتخصصين أيضا. فعلاج الألم يتطلب التشخيص الدقيق وعلاج مصدره. فمثلا، في حالة الصداع لا بد من ان يحدد معالج الألم نوعه وسببه إن كان يعزى لاعتلال في الأسنان أو العمود الفقري أو الأعصاب أو الأنف والاذن والحنجرة أو الجيوب الانفيه أو غيرها. وعلى اثر تحديد معالج الألم للسبب، سيقوم بتحويله الى الطبيب المناسب لتأكيد التشخيص وعلاج الاعتلال.
الطب يفضل العلاج التحفظي 
ابتعد التوجه الطبي الحديث في علاج الآلام عن الجراحات الكبيرة إلا للحالات القصوى أو الحرجة فقط، وركز على الاستعانة بالعلاج التحفظي والمحدود. وعلق د. القادري قائلا: 
- يساهم العلاج التحفظي في إزالة أو تخفيف معظم الآلام. ويعتمد على تعديل المريض لأسلوب حياته وممارسته للرياضة ورياضات الاسترخاء واليوغا. كما يمكن الاستعانة بالطب الصيني والتنويم المغناطيسي المفيد لبعض الحالات كالصداع مثلا. وللإشارة، ليست كل الإجراءات التحفظية التي يروج لها كاستخدام حقن الأوزون والفيتامينات أثبتت فعاليتها العلمية، فبعضها لا يزال قيد البحث أو له فائدة محدودة على فئة قليلة من المرضى.
عقاقير الصرع تعالج العصب
تستخدم عقاقير علاج حالة الصرع في علاج الألم العصبي، نتيجة لما أثبتته الدراسات من فائدتها في علاج الآلام العصبية. وتابع د. القادري مفسرا: 
- هي بطيئة المفعول، لذا يجب المواظبة على تناول الدواء لفترة 4-6 أسابيع حتى يظهر مفعولها الايجابي على الحالة. وعادة ما ينصح المريض بتناولها من شهر إلى شهرين مع متابعة الطبيب لتحري ظهور آثار جانبية ودرجة التحسن في الألم.
وليس لهذه العقاقير آثار جانبية على البطن، مثل عقاقير تسكين الألم المسببة لآلام البطن والقرحة وتتطلب تناول علاج مسكن وحام للمعدة من الضرر. اما العقاقير المعالجة للأعصاب فتسبب النعاس والدوخة، وهنا يشجع المريض على تحمل هذا الأثر الذي عادة لا يستمر أكثر من عدة أيام ثم يتعود الجسم على العقار.
علاجات المصابين بالسرطان 
يركز جانب كبير من علاج الألم على مساعدة المصابين بالأورام الخبيثة لتخفيف معاناتهم وآلامهم وتحسين قيمة حياتهم. وأشار د. القادري إلى إمكان زيادة جرعات المورفين واللصقات القوية إلى أكثر حد، والرادع الوحيد هو الآثار الجانبية مثل الإمساك وألم البطن. وقال:
- يستعان بالمضخات (القسطرة) لتخدير المنطقة المسببة للألم بالعقار المسكن الذي يحقن مباشرة في الوريد من دون إيذاء الجهاز الهضمي. فيحقن الدم بجرعات قليلة من العقار على مدار الوقت. وتجدر الإشارة الى أن هذه المضخة لا تناسب جميع المرضى بل فئة معينة. وهي أجهزة لا تتعارض مع فحص الرنين المغناطيسي أو أجهزة الكشف عن المعادن (الأمنية).
ماذا يستخدم طبيب علاج الألم؟ 
بحسب منظمة الصحة العالمية، وضع تسلسل للخطوات العلاجية للألم، بحسب التالي:
الخطوة الأولى 
التدرج في استخدام العقاقير بحسب قوتها في التسكين والتخدير. وتبدأ من استخدام مسكنات الألم شائعة التداول مثل البنادول والفولترين، ثم الأدوية الأقوى مثل الترامال، الى المسكنات القوية التي تؤخذ بوصفة طبية مثل المورفينات واللاصقات السريعة التأثير. 
وإن كان الألم يعزى الى تلف أو التهاب عصبي، فبالإضافة لمسكنات الألم يستعان بعلاجات الاعصاب العقاقيرية. 
الخطوة الثانية
الاستعانة بمختلف أنواع الحقن مثل: 
- حقن الظهر المختلفة والمفيدة في تسكين الألم وعلاج الأعصاب والأنسجة، لكن عادة ما يكون تأثيرها مؤقتا. 
- حقن الأعصاب، مثل حقن المنطقة الخلفية للرأس وحقن البوتكس المستخدمة لعلاج الصداع. 
- حقن حجز او إيقاف الإشارات العصب Nerve Block التي توقف إشارات الألم بشكل مؤقت.
- حقن الجهاز السيمبثاوي (العلوي أو السفلي) المسببة لارتخاء الأوعية الدموية وزيادة تروية الأعضاء وتخفيف الألم. وتستخدم حقن الأعصاب السمبثاوية العلوية لمن يعانون من آلام الوجه واليد والصدر والرقبة أو تورم اليد الذي قد يظهر بعد الجراحة أو العلاجات الكيميائية أو الإشعاعية. فيما تستخدم تلك السفلية لمن يعانون آلام في الطرف السفلي. كما يمكن استخدامها لمساعدة المصابين بالسكر لزيادة تروية الساقين والقدم وإراحة المريض من آلامه. 
- الحقن الحرارية المستخدمة لكي الأعصاب المتضررة والتي تبعث إشارات الألم العصبية، وبالتالي توقف الشعور بالألم بشكل دائم. 
الخطوة الثالثة
الإجراءات الأكثر تدخلا مثل العلاج بالتردد الكهربائي، المفيد لمن يعانون آلاما ذات مصدر عصبي. وفيه يستعان بأجهزة ذات أقطاب كهربائية لتقوم بتشويش أو إلغاء إشارات السلبية (الألم) وتعزيز الإشارات الايجابية (الراحة). 
الخطوة الرابعة
تركيب الأجهزة أو المضخات التي تثبت (تزرع) تحت الجلد. وهي جهاز صغير يحتوي على مضخة دوائية تُعبَّأ من فترة الى أخرى بالعقار المسكن المناسب. وتجري تجربة هذه الأجهزة بشكل مؤقت في البداية عن طريق القسطرة الخارجية، فإن ثبتت فعاليتها في إزالة الألم، تزرع تحت الجلد. لكن يجب التشديد على أنها لا تلائم جميع المرضى، وبأنها الخطوة الأخيرة عندما تفشل جميع الإجراءات العلاجية. ولكنها مفيدة جدا لعلاج آلام المصابين بالسرطان.
متى تذهب إلى معالج الألم؟
يجب علاج الألم في مرحلة مبكرة وعدم التعايش معه والاعتقاد بأنه حالة عادية. فإن طالت فترة الألم الذي تشعر به (بغض النظر عن سببه أو مكانه) عن 6 أشهر، توجه إلى استشارة اختصاصي الألم الذي سيقوم بتشخيص الألم وتخديره (تسكينه) من خلال إجراءاته العلاجية، ومن ثم إرشادك إلى الطبيب المناسب لعلاج مصدر الألم.


أخبار مرتبطة