تاريخ النشر 20 اغسطس 2015     بواسطة البروفيسور اسكندر سليمان القثمي     المشاهدات 201

القناة الشريانية السالكة الخلقية

عندما يعيش الجنين في رحم أمه، لا يكون بحاجة لرئتيه لتزوده بالأكسجين، لأن هذا الطفل يتلقى الأكسجين عن طريق رئتي والدته عن طريق الحبل السري. وعندما لا يكون الطفل بحاجة لرئتيه لتزويده بالأكسجين، فليس هناك حاجة لاستهلاك طاقة إضافية في ضخ الدم إلى الرئتين. هذه القناة الشريانية The ductus arteriosus
 ما هي إلا وعاء دموي يوجد لدى كل الأطفال في المراحل الجنينية في أرحام أمهاتهم، والتي تسمح بدورها للدم بتجنب المرور إلى الرئتين، إذ أنها تسمح بمرور الدم مباشرة من الشريان الرئوي the pulmonary artery إلى الشريان الأبهر the aorta.
وعندما يولد الطفل، ويتم قطع الحبل السري، هنا سوف نحتاج للرئتين لتقوم بتزويدنا بالأكسجين اللازم لحياة الطفل. حيث تتمدد الرئتان، وتسترخي الأوعية الدموية فيهما لتستقبل تدفق الدم القادم إليها عبر الشريان الرئوي، وتنغلق القناة الشريانية عادة في الساعات الأولى من حياة الطفل.
غير أنه في بعض الحالات لا تنغلق هذه القناة الشريانية لوحدها، وهذا يعطي مؤشراً بأن المريض لديه قناة شريانية سالكة “مفتوحة” patent (“open”) ductus arteriosus . ومثل هذه الحالات غالباً ما تشاهد لدى الأطفال الذي يأتون من ولادات مبكرة (الخدج)، حيث يكونون غير مكتملي النمو، ولكن من الممكن أن تشاهد مثل هذه الحالة أيضاً لدى ولدان قد أتموا كامل فترة الحمل.
الأعراض والعلامات السريرية
إن أعراض هذه القناة الشريانية السالكة يعتمد على حجم القناة، وعلى مقدار الدم الذي تحمله. حيث أنه وبعد الولادة يكون الضغط والمقاومة الوعائية في الشريان الأبهر أكبر منه في الشريان الرئوي.
فإذا ما كانت هذه القناة الشريانية مفتوحة، فإن الدم سيتدفق من الشريان الأبهر إلى الشريان الرئوي، وهذا التدفق الدموي الزائد إلى الرئتين من الممكن أن يزيد العبء عليهما، ويضع عبئاً إضافياً على القلب ليضخ المزيد من الدم.طبيب ع قلبية قناة شريانية
وإن مثل هذه الحالة قد لا يمكن تحملها عند الطفل الخديج، والذي قد يعاني مسبقاً من مشاكل في عدم نضوج الرئتين بحد ذاتها.
كما أن هؤلاء الأطفال قد يحتاجون مزيداً من الرعاية والتهوية الداعمة، ومن الممكن أن يظهروا أيضاً أعراض فشل قلبي احتقاني congestive heart failure. ومن الممكن أن يبدي الأطفال المولودون حديثاً مع وجود هذه القناة الشريانية السالكة أعراضاً مثل التنفس السريع، وزيادة في جهد التنفس، والإصابة المتكررة بالعدوى التنفسية، والتعب بشكل أكبر، أو ضعفاً في النمو.
غير أنه إذا كانت الفتحة في هذه القناة الشريانية ليست كبيرة إلى حد ما، فقد لا تظهر أية أعراض، ومن الممكن أن تكتشف فقط إذا ما تم تقييم وجود النفخة القلبية heart murmur. حتى ومع غياب هذه الأعراض، فإن اضطراب تدفق الدم the turbulent flow عبر هذه القناة الشريانية المفتوحة يعرض الأطفال لخطر كبير للإصابة بعدوى خطيرة تعرف باسم التهاب شغاف القلب endocarditis.
تشخيص القناة الشريانية السالكة
نتيجة لاضطراب التدفق الدموي من الشريان الأبهر مرتفع الضغط إلى الشريان الرئوي منخفض الضغط، فإن هذه القناة الشريانية المفتوحة تسبب مظاهر وأعراض النفخة القلبية heart murmur، والتي تسمع خلال الفحص السريري للطفل. ووجود مثل هذه المظاهر للنفخة القلبية، والتي غالباً ما تترافق مع أعراض فشل القلب heart failure لدى طفل رضيع غير مكتمل النمو، تقود في معظم الأحيان إلى تشخيص وجود قناة شريانية مفتوحة لدى الرضيع.
كما أن الصورة الشعاعية البسيطة باستخدام أشعة X سوف تظهر تضخماً في القلب، ودليلاً على وجود مقدار زائد من التدفق الدموي للرئتين. بالإضافة إلى ذلك سيظهر مخطط صدى القلب echocardiogram تأكيداً لهذه التشخيص. كما سيوضح حجم هذه القناة الشريانية، بالإضافة إلى إظهاره لحجرات القلب وامتلائها، والتي من الممكن أن تتضخم استجابة للتدفق الزائد للدم.
أما في الأطفال الأكبر عمراً، ورغم أن صورة الصدر تكون طبيعية إلى حد ما، فإن مخطط صدى القلب سوف يظهر تدفق الدم عبر القناة الشريانية، والذي يجرى بشكل نوعي لتأكيد التشخيص.
معالجة القناة الشريانية السالكة
Normal heart
تجدر الإشارة إلى أن هذه القناة الشريانية السالكة من الممكن أن تنغلق لوحدها دون أي تدخل لدى حديثي الولادة، لذا فإن إعطاء بعض الوقت يمكن أن يسمح لهذه القناة الشريانية السالكة أن تغلق لوحدها إذا كان من السهل تدبير الفشل القلبي. إما إذا كانت الأعراض شديدة، كما هو الحال لدى الخدج غير مكتملي النمو، أو إذا ما تم التأكد من أن هذه الفتحة لن تغلق لوحدها، عندها يجب أن نسعى لإغلاق هذه الفتحة عبر إجراء جراحي.
غير أنه إذا بقيت هذه الفتحة الشريانية موجودة إلى ما بعد مرحلة الخداجة، فإنها ستبقى عموماً دون أن تغلق لوحدها. وإن التداخل لإغلاق مثل هذه الفتحة في مثل هذه الحالات يكون ضرورياً للوقاية من مخاطر الإصابة بالتهاب شغاف القلب مستقبلاً. كما أن إعطاء أدوية مثل الإندوميتاسين indomethacin ، أو الايبوبروفين ibuprofen لحديثي الولادة بإمكانه أن يساعد في إغلاق هذه القناة، حيث أن هذه الأدوية التي تعطى عن طريق الفم، يمكنها أن تقلص جدار القناة الشريانية المفتوحة، وتحرضه على الإغلاق. غير أن مثل هذه الأدوية من الممكن أن تمتلك تأثيرات جانبية ضارة، ناهيك عن ضررها على الكلى، إضافة لتطاول زمن النزف الناتج عن تناولها، لذا فليس كل الأطفال بإمكانهم أن يتلقوا هذه المعالجة الدوائية.
ونظراً للتأثيرات الجانبية سابقة الذكر، يجب على الأطفال أن يخضعوا لتقييم واختبارات مخبرية قبل البدء بتناول مثل هذه الأدوية. فإذا ما كانت النتائج المخبرية دون الحد الطبيعي، أو إذا كان الدواء لا يجدي نفعاً في مثل هذه الحالة، يمكن إجراء تداخل جراحي لإغلاق هذه القناة الشريانية.
وتجدر الإشارة إلى أن المعالجة الدوائية قد تكون ناجعة فقط عند حديثي الولادة، أما بالنسبة للرضع الأكبر سناً، أو الأطفال بشكل عام، فإن الخيارات المتاحة أمامنا لإغلاق هذه القناة تتضمن الجراحة، أو الإغلاق بواسطة القثطرة القلبية.
من خلال إجراء القثطرة القلبية، يجب أن ينوّم المريض، أو يوضع تحت التخدير العام (بحسب عمر المريض) ليدخل بعدها القثطار catheters عبر الوعاء الدموي في الخصر (الناحية الإربية). ويتوضع القثطار بعدها في الشريان الأبهر، ويقوم بإغلاق هذه القناة الشريانية والتقاط صورة تدعى بالصورة الوعائية، وذلك لتحديد شكل وحجم القناة الشريانية.
كما أن هناك العديد من الأجهزة المتوفرة حالياً لإغلاق القنوات الوعائية. فإذا ما كانت هذه القناة صغيرة، يمكن حينها وضع ملف داخل الوعاء الدموي، ولكن الفتحات الأكبر حجماً تتطلب أنواعاً مختلفة من الأجهزة التي تأخذ شكل السدادة لإغلاق مثل هذه الفتحات في الأوعية الدموية.
هذا ويمكن ان تغلق القناة الشريانية عن طريق إجراء جراحي، حيث يجرى شق جراحي بين الأضلاع على الجانب الأيسر، ومن ثم يتم ربط القناة الشريانية.إغلاق القناة الشريانية باستخدام الإجراء الجراحي يمكن أن يجرى في أي مرحلة عمرية، وينصح به خصوصاً في بعض الحالات مثل وجود القنوات الشريانية الكبرى، أو في حال وجود اختلافات (شذوذات) تشريحية لدى المريض.
وتجدر الإشارة إلى أن المخاطر المرتبطة بمضاعفات هذه الإجراءات العلاجية والجراحية منخفضة نسبياً، وترتبط بشكل كبير بالحالة المرضية للطفل قبل الخضوع لمثل هذه الإجراءات أو المعالجات.
هل من الممكن أن تعتبر القناة الشريانية السالكة أمراً جيداً؟
نعم، لدى بعض الأطفال الذين يعانون من عيوب قلبية، حيث تسمح هذه القناة الشريانية المفتوحة لهؤلاء الأطفال بالبقاء على قيد الحياة. إذ أنه وفي بعض حالات العيوب القلبية، مثل رتق الرئة pulmonary atresia (وهو الغياب الخلقي، أو عدم تطور الصمامات الرئوية pulmonary valve)، حيث تكون هذه القناة الشريانية السالكة هي المصدر الوحيد لتزويد الرئتين بالدم، ليتم عبرها إيصال الأكسجين إلى الرئتين بالنتيجة. كما أنه ولدى بعض المرضى، تقوم هذه القناة الشريانية بتزويد الرئتين بالدم من الشريان الأبهر مباشرة.
بالإضافة إلى ذلك فإنه في بعض الشذوذات والاضطرابات الأخرى، مثل عدم النضج، أو التضيق الشديد للأبهر (مثل تلك الحالة التي تشاهد في متلازمة القلب الأيسر ناقص التنسج )، حيث تكون هذه القناة الشريانية المفتوحة ضرورية للسماح بتدفق كميات كافية من الدم إلى أنحاء الجسم. إذ تقوم هذه القناة الشريانية بتزويد الجسم بالدم من خلال الشريان الرئوي the pulmonary artery.
هناك بعض الأدوية التي تعطى وريدياً (IV)، وتستوجب مراقبة دقيقة للطفل في وحدات العناية المركزة، حيث تستطيع هذه الأدوية أن تبقي هذه القناة الشريانية مفتوحة للحفاظ على استقرار حالة الطفل الذي يعاني من هذه الشذوذات والاضطرابات الخلقية، ريثما يتم تحديد نمط المعالجة الأنسب، وغالباً ما يكون الحل النهائي جراحياً.


أخبار مرتبطة