لسبب في هذه الزيادة لانتقال مورثات غير سليمة من أحد الأجداد المشترك بين الأبوين، وينتقل هذا المورث الغير سليم (المعطوب) من ذلك الجد إلى أبنائه ثم إلى أحفاده. وإذا تزوج هذان الحفيدان من بعضهما البعض فإن كل واحد منهما قد يعطي النسخة المعطوبة لأحد أبنائه عند التخصيب ولولدهما المورث المعطوب، فيصبح لدي هذا الطفل مورثين معطوبين، مما يؤدي إلى حدوث مرض وراثي يختلف نوعه باختلاف نوع المورث المنقول. وأنبه هنا إلى أنه حتى في الأمراض التي تنتقل بالوراثة المتنحية لا تكون نسبة
ومن الأمثلة على الأمراض السائدة مرض شتاينرت: يعد من أكثر الأمراض الوراثية انتشاراً في دول أوروبا الشمالية، خاصة في هولندا، وهو مرض يصيب الأجهزة العضلية والعصبية، وتبدأ عوارضه بالظهور في عمر 15 إلى 30 سنة بشكل تقلص عضلي شديد، خاصة بعد الإجهاد، ولا يشمل المرض الجهاز العضلي فقط، بل يصيب أيضاً الجهازين الهرموني والعصبي. وقد يحدث أحياناً أن يصاب حامل المرض بالشلل، وقد تشل عضلات الوجه أيضاً، ويفقد المريض القدرة على الكلام.
أيضاً مرض فرط كولسترول الدم العائلي، حيث أن للجسم في الحالة الطبيعية قدرة كافية على إبقاء نسبة مادة الكوليسترول في الدم بشكل طبيعي، ويتم ذلك بواسطة مستقبلات البروتين الشحمي ذي الكثافة المنخفضة التي تحمل الكولسترول وتزيله من الدورة الدموية، وبذلك فإن عدم وجود هذه المستقبلات يعتبر مسؤولاً عن المرض الوراثي المسمى فرط كولسترول الدم. هذا المرض يؤدي إلى ارتفاع مستوى الكولسترول في الدم، ويسبب حدوث نوبات قلبية في سن صغيرة نسبياً. وقد توصل إلى أن هذا المرض ينتقل كصفة سائدة تحددها جينة واحدة.
كذلك مرض هانتنغتون، حيث تتسبب الجينة المسؤولة عن هذا المرض في تدمير متواصل لخلايا الدماغ، مما يؤدي إلى حدوث انقباضات عضلية متواترة ومؤلمة، وكذلك عوارض تؤثر على شخصية المريض. ولهذا السبب فإن ممارسة عمليات التشخيص المبكر على الأجنة تعتبر من الوسائل الهامة لمحاصرة المرض.
متى يجب أن نحذر من زواج الأقارب؟.
إذا عرف الشخص أن أحد أفراد عائلته، أو عائلة شريك حياته، ولد له أطفال مصابون بمرض مزمن في بداية الحياة، وهو متكرر في العائلة، فهذا يعني أن هناك احتمالاً أن يكون المرض وراثياً. في هذه الحالة من الأفضل استشارة الطبيب ودراسة الحالة المرضية ومدى تكرارها وإجراء الفحوصات اللازمة، ومن ثم يمكن التأكد مما إذا كان هذا المرض الذي يتكرر في العائلة وراثياً أم لا. فقد لا يكون المرض وراثياً، وليس هناك احتمال لانتقال المرض إلى الأبناء. وبالتالي فليس هناك خطر من الزواج من الأقارب.
أما إذا كان هناك احتمال وجود مرض وراثي في العائلة، فإن الطبيب سوف يشرح المرض بصورة مفصلة، وما هي نسبة الخطورة في إصابة الأبناء؟ وهل هناك علاج لهذا المرض؟ وهل هناك طرق لاكتشاف ما إذا كان الشخص حاملاً للعامل الوراثي المريض أم لا؟ وما هي الاحتمالات إذا تزوج من قريبته؟ وكما قلنا فإنه حتى لو ظن الزوجان أنهما يحملان نفس العامل الوراثي المريض، فإن الاحتمال في إنجاب أطفال مرضى هو 25%.
لا بد من الإشارة إلى أن زواج الأقارب ليس شراً دائماً، وليس هو سبب انتشار الأمراض الوراثية دائماً، وإنما يمكن أن تنتشر الأمراض الوراثية في المجتمع بين أطفال غير الأقارب ويكون أطفال الأقارب أصحاء، وهذا يعتمد على نوعية المرض الوراثي وعلى طريقة انتشاره وعلى نسبة انتشاره.
لذلك ينصح دائماً بإجراء الفحص الطبي قبل الزواج عند الرغبة بالزواج من الأقارب، كابن العم أو ابن الخالة وابن العمة، وكذلك عند وجود أمراض وراثية منتشرة في المجتمع مثل فقر الدم المنجلي والثلاسيميا، أو أي مرض وراثي آخر.
قصص حول الأمراض الوراثية:
- تقول طالبة في إحدى الجامعات: امي هي ابنة خال والدي، ولله الحمد لم تحدث أي مشاكل صحية لي أو لأخوتي من جراء هذه القرابة. لكن المشكلة بدأت عندما تزوجتْ أختي بابن عمتي دون إجراء أي فحوصات للتأكد من سلامة هذا الزواج المتشابك، فكتب عليها أن ترزق بطفل (منغولي).
- تحكي (س.ع) عن مأساتها فتقول: ارتبطتُ بأحد أقاربي، وبعد محاولات متواصلة تمت الموافقة على مضض فلم تسعنا الفرحة عندما أجرينا الفحوصات الروتينية التي تسبق الزواج، وكانت النتيجة سلبية تؤكد وجود خطر على أطفالنا في المستقبل، ووجدنا أنفسنا أمام أصعب قرار في حياتنا، أما المخاطرة والدخول في سلسلة المعاناة أو التفكير بواقعية والانفصال، واخترنا الحل الثاني.
- سالم متزوج منذ 11 عاماً، يعمل سائقاً، وزوجته ابنة خاله، لديه خمسة أولاد، ثلاثة منهم مصابون بمرض نقص النمو، ابنته فاطمة في ربيعها السابع لا تستطيع الوقوف ولا السير، فهي تتحرك زحفاً، ليس لديها رغبة بالذهاب إلى المدرسة، ولا تحب أن تلعب مع الأطفال، واكتفت بهز رأسها، ولم تتكلم كلمة واحدة، والدها يقول: عرضتها على أكثر من طبيب، لكن الجميع أجمع أن ذلك بسبب عامل وراثي، ولا فائدة من العلاج، فأنا لم أتلقّ أية توعية تجاه مخاطر زواج الأقارب.
- يقول أحد الأزواج: عندما تزوجتُ من إحدى قريباتي لم نعلم عن أنفسنا أننا حاملين للمرض الوراثي إلا عندما أنجبنا أولاداً مصابين بمرض تكسر الدم الوراثي، ويتعين عليهم نقل دم شهرياً، حيث أتألم لألم أولادي، حيث أنهم لم ينعموا بحيوية الحياة كبقية الأطفال.
- وتحدث أحد الأزواج قائلاً: أنا مصاب بتكسر الدم المنجلي، وعقدت على إحدى قريباتي، ولكن فوجئت أثناء حملها بتعرضها لآلام مبرحة. توقعتُ في البداية أنها ربما كانت من آثار الحمل. وكم كانت المفاجأة قاسية لي عندما أبلغني الطبيب المعالج بأن زوجتي مصابة بتكسر الدم المنجلي. وبعد معرفته بإصابتي بنفس المرض لم يخفِ عليّ أن أطفالي سيحملون نفس المرض. وبعد ولادة زوجتي اتضح لي مدى الخطأ الذي ارتكبته بحق نفسي وزوجتي وطفلي، واضطررت مكرهاً للطلاق خشية إنجاب أطفال آخرين يشاركونني نفس المعاناة