حي واستعداده وقدرته على الصيام من عدمه ، ومايقرره الطبيب المعالج هو الأصلح له دينياً وصحياً.
ثانياً: لا يجب القياس مع الفارق، أي لا يقارن المريض نفسه بغيره أبداً في مسألة الصيام والإفطار في رمضان، فالأجسام تختلف في قدرتها على التحمل، والأمراض تختلف في شدتها، والأدوية تختلف في أوقات تناولها والمدة بين الجرعات.
ما سأذكره هنا هو نوع من التوعية العامة فإن اختلف ما سأذكره مع مايقوله طبيبك فاتبع مايقوله طبيبك بلا تردد .
الصيام والسكري
الصيام مفيد لمرضى السكري فهو يقلل مستويات السكر بالدم ومعدله التراكمي Hba1c، وأغلب مرضى السكري يستطيعون الصوم بلا مشاكل، ولكن ذلك يعتمد على نسبة ارتفاع السكر وتذبذبه ونوع الدواء، ففي الغالب الذين يستخدمون أدوية ضبط السكر في الدم (الحبوب) يستطيعون الصوم. ولكن هناك فئات خاصة لا ينصحون بالصوم ومن ضمنهم :
من تكون نسبة السكر عنده غير مستقرة فأحياناً يرتفع السُّكر لديه فجأةً ويهبط فجأةً ، وأيضاً من يأخذون حقنتين من الأنسولين يوميًّا إذا لم يمكن أخذ واحده مع السحور والأخرى مع الافطار، والمريض الذي لديه مرضٍ آخر يؤثر الصيام عليه ، أو الذي لديه بعض مضاعفات السُّكري وأهمها إصابة الكلى ، وكذلك المرضى الَّذين يعملون عملاً شاقًّاً قد يعرضهم لصدمات هبوط السُّكر في الدَّم أوِ الدُّخول في غيبوبة نقص السُّكر في الدَّم، وأحياناً لا ينصح بصوم المرضى ناقصوا الوزن بسبب أحد الأمراض والَّذين يحتاج علاجهم بالإضافة إلى حقن الأنسولين نظاماً غذائياً يستدعي تناولهم لأغذية أو مدعمات أو أدوية كل 4-8 ساعات أو نحوها .
يجب على مريض السكر أن ينتبه جداً لانخفاض السكر وكذلك أفراد الأسرة الذين لديهم مريض سكري، فانخفاض السكر يحدث فجأة ويفقد المريض قدرته على السيطرة أو حتى التعبير عن نفسه، ففي تلك الحالة لابد أن يتم إعطاؤه محلول سكري أو عصير كل 10 دقائق بشكل متدرج. وعلامات انخفاض السكر هي :- الشُّعور بالضَّعف الشَّديد والوهن والدّوخة، شحوب اللون، العرق الغزير، العصبية والهياج والصُّداع والتّوتر، رعشة باليدين والسَّاقين والجسم، الزَّغللة بالعينين وعدم وضوح الرُّؤيا، وازدواجية الرُّؤيا، زيادة ضربات القلب (الخفقان)، تنميل في الشَّفتين، عدم القدرة على المشي والكلام والتَّلعثم والتَّوهان. وليس بالضرورة أن تحدث كل تلك الأعراض دفعة واحدة ، ولكن العلامات الأربع الأولى مهمة لتحديد الأعراض.
ننصح مرضى السكري بعدم تناول النشويات الأحادية سهلة التحول إلى جلوكوز في الإفطار لأن ارتفاع السكر بسرعة بعد الصيام له مضاعفات سلبية على المريض فلا بد من التوازن الدقيق في تناول الأغذية السكرية في ليال رمضان، وننبه إلى وجود مؤشر يسمى المؤشر الجلايسيمي يقسم الأغذية إلى ثلاثة أقسام قسم يجب تجنبه تماماً وقسم يمكن تناوله باعتدال وقسم يمكن تناوله بلا مشاكل .
نصيحة أخيرة وهامة جدا: هل تعرفون الفترة الحرجة لمريض السكري الصائم ؟ إنها الفترة التي تسبق الافطار بساعة أو ساعتين، وفي هذه الفترة يكون مستوى السكر منخفضاً لهذا لا ننصح بأن يقوم المريض بإجهاد نفسه ولو بالمشي وأيضاً لا ننصحه بالنوم بالذات إن كان لوحده لأن السكر قد ينخفض وهو نائم فلا يستطيع معالجة وضعه أو أن ينتبه أحد له.
الصِّيام ومرضى الكلى
في الغالب المرضى الذين يعملون تنقية للدم (أوما يسمى مجازاً غسيل) لا يصومون إلا بتوجيه واضح من الطبيب المعالج. الطريقة المنتشرة في المملكة هي تنقية الدم (الديلزة) والطريقة الأخرى الأقل انتشاراً هي التنقية البروتونية (وهي حقن سائل في البطن واخراجه بعد عدة ساعات)، وفي كلتا الحالتين لا يمكن الصيام وقت إجراء التنقية لأنها مفطرة وفي الغالب لا يفطر في اليوم الذي ليس فيه تنقية، ولهؤلاء المرضى يجب تجنب تناول كميات كبيرة من السوائل أو الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم (كالتمر، والقرع الأصفر والموز والمشمش وقمر الدين) والبروتينات (كاللحوم والأسماك والبيض والدجاج)، فذلك يؤدي إلى زيادة شديدة في السوائل بالجسم وزيادة نسبة البوتاسيوم في الدم وزيادة نسبة البولينا.
ومن ضمن المرضى الذين لا ينصحون بالصيام من يكون لديهم حصواتٍ بوليَّةٍ متكررةٍ أو يعانون من الالتهابات الصديدية المزمنٍة وكذلك الذين لديهم قصور في وظائف الكلى وارتفاع نسبة البولينا أو زيادة في حموضة الَّدم .
بالنسبة لمرضى الحصوات انصحهم بشدة بالإكثار من شرب الماء في الليل ولا أقول السوائل بل الماء لمساعدة الجسم في التخلص من الأملاح المتراكمة، فأغلب حالات آلام الحصوات تحدث في رمضان مع قلة الماء وتحرك الحصوات في الحالبين أو الكلى وارتفاع البولينا أو الالتهابات في حوض الكلية أو الحالبين. يمكن لمرضى الحصوات الصوم ولكن عند حدوث نوبات الألم أو حدوث التعرق الشديد فلا بد أن يفطروا ويعوضوا الجسم بالماء أو المحاليل المغذية في المستشفى. المرضى الذين لديهم استعداد لتكوين حصى حمض البولينا يجب عليهم الإقلال من اللحوم وخصوصا الحمراء وأيضا الكبدة والكلاوي والطحال والقلب، وتقليل ملح الطعام والإكثار من السوائل، أما أولئك الذين تكونت لديهم حصوات حمض أكزالات الكالسيوم فيحتاجون للاعتدال في تناول الأغذية المحتوية على الأكزالات مثل السبانخ والطماطم والفراولة والمانجو والكاكاو والمكسرات والشاي والقهوة والإكثار من شرب الماء بعد الإفطار .
الصِّيام ومرضى القلب
الصيام مفيد جداً لمرضى القلب وأثبتت الدراسات التي أجريت في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا الأميركية عام 2014، ومركز أمراض القلب بجامعة ساوباولو البرازيلية عام 2013، وكلية الطب بجامعة لافال بمدينة كيبيك الكندية عام 2012 مجموعة من الفوائد الصحية والنفسية ، فهو يخفض مستويات الكوليسترول الضار (LDL - c، وVLDL - c ) والدهون الثلاثية، بينما يزيد من مستويات الكولسترول الحميد (HDL - c ) وأيضاً يجعل المريض يبتعد عن بعض العادات السيئة المضرة مثل التَّدخين وتناول المواد الغنية بالمنبهات مثل الشَّاي والقهوة، كما أنه يعطي الشخص شعوراً جميلاً بالسَّكينة وصفاء النَّفس وسمو الرُّوح مما يؤدي إلى الاسترخاء وهدوء النفس مما يساعد على تقليل احتمالات النوبات القلبية في رمضان وبعده بأيام، فهو يريح القلب نسبياً من ضخ الدم بالذات للجهاز الهضمي ، فأكثر من عشر الدَّم الَّذي يدفعه القلب إلى الجسم يذهب إلى الجهاز الهضمي أثناء عملية الهضم، وأثناء الصِّيام تكون عملية الهضم في حالة راحة فيقلُّ الطَّلب على الدَّم مما يؤدي إلى تقليل المجهود على القلب والدَّورة الدَّمويَّة وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ قلَّة كمية السَّوائل في الجسم تساعد على تقليل مجهود القلب.
هناك بعض الحالات التي لا ينصح معها بالصوم وهي عدم انضباط ضربات القلب مما يستدعي تناول أدوية منظمة كل ست ساعات أو نحوها ، وهذه الأدوية لا يمكن تأخير وقت تناولها أبداً. أيضاً حالات القلب غير المستقرة كالجلطات والذبحة الصدرية والتهاب صمامات القلب إذا ترافق معه صعوبة في التنفس فلا يمكن المريض معها الصيام . وننصح جميع مرضى القلب والأوعية الدموية بعدم الإفراط في تناول الأطعمة المملحة والتخفيف في تناول الملح في كل الوجبات، وكذلك مزاولة الرياضة المعتدلة مثل المشي اليومي، والتقليل من الأطعمة ذات الدهون المشبعة العالية وتجنب مواطن القلق والتوتر النفسي ومحاولة التخفيف من الإجهاد النفسي، مع ضرورة تناول الأدوية المتبعة دون الإخلال بتعليمات الطبيب المعالج.
الصيام ومرضى ارتفاع ضغط الدَّم
يجب الحذر الدائم من ارتفاع ضغط الدَّم لأن مضاعفاته خطيرة ولا تظهر مباشرة فيتساهل المريض بالمرض فهو من الأمراض الَّتي قد تؤدي إلى مضاعفاتٍ خطيرة على القلب والمخ والعيون والكلى والصِّيام مفيدٌ جداً في تعديل نسبة الدُّهون بالدَّم وخاصَّةً الكوليسترول وأثناء رمضان يفقد الصَّائم جزءًا من الدُّهون والشُّحوم المتراكمة بالأوعية الدَّمويَّة ممَّا يوفر له الوقاية من تصلب الشَّرايين وأمراض ضغط الدَّم. أثبتت الدراسات الطبية أن المرضى الذين لديهم ارتفاعٍ بسيطٍ أو متوسطٍ في ضغط الدَّم عادةً ما يظهر عليهم تحسنًا نسبيًّا بنهاية شهر رمضان وذلك إذ التزم المصاب بتجنب المواد الغذائيَّة الدُّهنيَّة والأطعمة المحتوية على أملاح عالية وكذلك المياه الغازية.
لايوجد مانع من صيام مريض ارتفاع ضغط الدم مادام يتناول الأدوية في وقت الإفطار حيث أن أغلب تلك الأدوية طويلة المفعول بما فيها مدرات البول وأدوية القلب .
الصيام ومرضى الجهاز الهضمي
تتفاوت أمراض الجهاز الهضمي وقدرة الشخص على الصيام من عدمه، ففي الحالات التي تستدعي تناول أدوية مهدئة عند اشتداد الألم أو عند وجود ارتجاع مريئي أو أدوية للقرحات المعدية والاثنى عشرية فهؤلاء لا ينصحون بالصيام، وأيضا عند حدوث الإسهال الشديد والمزمن والاستفراغ وتضخم الطحال والكبد وحمى الصفار، فالفطر له أولى، لتناولهم السوائل المغذية والأدوية المتنوعة للتقليل من خطر استفحال المرض، أما حالات الإسهال الحاد العارض الخفيف فقد يكون الصوم أفضل له من الإفطار وذلك للتقليل من تناول الأطعمة المنهكة لوظائف الجهاز الهضمي، ولكن ينصح بشرب مزيد من السوائل طوال الليل والتخفيف من تناول الأطعمة الدسمة، وغسل الأيدي قبل وبعد تناول الطعام، وعند قضاء الحاجة وبعدها، وعدم تناول الأطعمة المكشوفة، وغسل الخضراوات والفواكه جيداً، وعدم استخدام أغراض مريض مصاب.
المصابون بحصوات المرارة يمكنهم الصوم مع ضرورة تجنب الدهون تمامًا سواء في الغذاء أو استخدامه في القلي والطبخ مثل الزيوت والزبدة ومشتقات الحليب كامل الدسم، واستبدالها بالمنتجات منزوعة الدسم، مع الإكثار من تناول الخضراوات والفواكه الطازجة، ويمكن تأجيل استئصال المرارة لما بعد رمضان إذا لم تكن مترافقة مع التهابات شديدة أو حمى، اصفرار في العينين، أو ألم حاد جدًا مستمر بالبطن عندها لابد من مراجعة قسم الطوارئ بأي مستشفى.
ينصح المصابون بأمراض الكبد المتقدمة كتشمع الكبد وأورام الكبد بالإفطار، كما ينصح بالإفطار أيضاً المصابون بالتهاب الكبد الفيروسي الحاد، أو الاستسقاء في البطن.
الصِّيام ومرضى الحساسية والربو
الحساسية لا تمنع من الصيام عادة، وللتذكير فالحساسية مرض مناعي ولا يقتصر على حساسية الجلد بل يعتمد على نوع المؤثر والعضو الَّذي يتأثر به، فأحياناً يكون في الجلد ويسمى أكزيما، أو يكون في الأنسجة ويسمى الشّري أو الأرتيكاريا، أو يحدث في العيون ويسبب الرَّمد الرّبيعي، أو في الأنف فيظهر العطاس أو حمى القش وكلُّ هذه الحالات لا تمنع من الصيام، أمَّا النَّوع الَّذي يؤثر في القدرة على الصِّيام فهو الربو الشَّعبي بسبب حساسيات الشّعيبات الرَّئوية، وبعض الحالات الشَّديدة من الربو لايمكن الصيام بسبب ضرورة تناول سوائل بشكل دائم لكيلا يحدث جفاف في الغشاء المخاطي للشُّعب الهوائيَّة فتزداد حالة المريض سوءًا ، بالإضافة إلى البخاخات الموسعة للشُّعب الهوائيَّة، ويمكن لمن حالتهم بسيطة الصِّيام مع تناول أقراص طويلة المفعول بعد الإفطار والسُّحور وأيضاً بخاخات مناسبة للفترات الطويلة، مع التذكير بفتوى جواز استخدام بخاخات الربو أثناء الصيام وأنها لا تفطر .
المرضى الذين يعانون من حالات الربو الشديدة ينصحون بعدم الصيام عند اشتداد الأزمة لأنهم يحتاجون تناول أدوية مثل الكورتيزون وقت اشتداد الأزمة ليلاً أو نهاراً.
الصيام والأمراض العصبية والنفسية
المرضى المصابون بالصرع والاكتئاب يستطيعون الصيام بشرط أن يتناولوا الأدوية المضادة للصرع بانتظام، فهناك حالياً أدوية تعطى مرة واحدة أو مرتين باليوم، أما مرضى الفصام فلا يصومون إلا إذا قرره الطبيب المعالج وقتها لأن التوقف عن استعمال أدوية الفصام قد يؤدي إلى نوبات من العنف والهلاوس، وقد يؤدي ذلك إلى الاعتداء على الآخرين.