تاريخ النشر 16 نوفمبر 2020     بواسطة الدكتورة مي بانخر     المشاهدات 1

ما هو السلس البولي؟

عقد الأسبوع القادم (الأسبوع العالمي لسلس البول) في المملكة العربية السعودية، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويعتبر سلس البول اضطراباً نادراً ما يناقش بسبب وصمة العار المرتبطة به. وهو عبارة عن تسرب غير منضبط للبول. ونتيجة لذلك، يعيش العديد من الناس في عزلة وخوف من أن يتم الحكم عليهم في حا
لة حدوث أي شيء في الأماكن العامة، وبينما يعاني الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم من سلس البول، فإن أقل من 50٪ من المصابين يدركون أن هناك علاجات فعالة متاحة لعلاج الاضطراب المنهك.

مع وضع ذلك في الاعتبار، تحرص الدكتورة مي بانخر استشاري المسالك البولية في مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي، على التوعية بالاضطرابات والعبء الذي يلقيه هذا المرض على حياة المرضى، فضلاً عن الخيارات العلاجية المتاحة.

ولمزيد من التفاصيل حول السلس البولي نطرح هذه الأسئلة على الدكتورة مي أحمد عبدالله بانخر، أستاذ مشارك في جامعة الملك عبدالعزيز، جراحة مسالة بولية وعضو مجلس إدارة في الجمعية السعودية للمسالك البولية، استشارية جراحة كلى ومسالك بولية، سلس بول ومثانة عصبية وزراعة أجهزة تحفيز أعصاب الحوض

هلا شرحتِ لنا ما هو السلس البولي بعبارات بسيطة وكيف يؤثر على المرضى؟
سلس البول بمفهومه البسيط هو تسرب لا إرادي للبول في وقت غير مناسب أو مكان غير لائق بسبب عدم القدرة على التحكم أو السيطرة على المثانة وعملية التبوّل، وقد تتأثر بهذا الاضطراب جميع الفئات العمرية، كباراً وصغاراً، النساء والرجال أيضاً. ويعتبر هذا الاضطراب مشكلة محرجة يؤثر على المريض نفسيا واجتماعيا وصحيا.

من يتأثر في المقام الأول بهذا الاضطراب؟
كما أسلفت فإنّ السلس البولي ممكن ان يصيب كل الفئات العمرية ويتأثر به النساء والرجال والصغار والمتقدمون في السن، لكن يمكن القول إن النساء أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب وكذلك كبار السن. وبالنسبه للنساء فهن اكثر عرضه (4 أضعاف الرجال). اضف الى ذلك مع تقدم الإنسان في العمر، تزداد فرصة إصابته بالسلس البولي.
كم عدد المرضى الذين يعانون من هذا الاضطراب في السعودية ومنطقة الخليج؟ هل يمكنك مشاركة أي رؤى أو بيانات حول معدلات الانتشار؟
تقتصر الدراسات المثبتة حول تاثير مشكلة سلس البول على نوعية الحياة والدراسات كانت تمثل شريحة من المجتمع على مناطق بعينها، لكن يمكن القول إن 75% من النساء يصيبها السلس البولي في مرحلة عمرية ما.

إن تسرب البول أو السلس أو عدم القدرة على التحكم بالبول هو عرض وله اسباب عديدة، فقد يحدث سلس البول بسبب إصابة في العمود الفقري أو بعد الحمل والولادة وضعف عضلات الحوض ومرضى الصلب المشقوق.. او في التهاب البول كعرض مؤقت. وهذا العارض يختلف من شخص إلى آخر فهو مختلف عند الأطفال بالمقارنة مع النساء أو الرجال. وعند وجود هذا العارض يجب زيارة الطبيب المختص. وهنا تكمن أبرز المشاكل المرتبطة بالسلس البولي وهي خجل المرضى وشعورهم بالحرج من إصابتهم وبالتالي يتعذر عليهم إخبار الطبيب بطريقة مباشرة عن مشكلة سلس البول.

والمشكلة الثانية أن العديد من المرضى يعتبرون أن هذا الأمر هو مسألة طبيعية، ويتعايشون مع الاضطراب ويتقبلونه رغم صعوبته والمعاناة التي يسببها لهم ولا يخفى عليكم أن الطهارة مهمة لنا كمسلمين. لذلك نحرص دائماً على دعم المريض وإخباره بأنه ليس وحده وكثيرون يعانون من نفس المشكلة، ونطمئنه بوجود الكثير من العلاجات الناجحة والمفيدة لكن الخطوة الأولى والأهم هي مصارحة الطبيب حتى يتمكن من مساعدته.

كيف يؤثر السلس البولي على حياة المريض اليومية؟ ما هو التأثير النفسي والعاطفي لواقع التعايش مع هذا الاضطراب؟
السلس البولي هو تسرب لا إرادي للبول، وهو مشكلة محرجة للغاية تؤثر على حياة المريض، فقد يتعرض للتبول الليلي في الفراش كنتيجة للسلس البولي مما يتسبب له بالضيق والحرج الشديد إلى جانب التعب والجهد الجسدي والنفسي له ولأفراد أسرته في المنزل، ونتيجة لذلك قد يضطر للجلوس بقية يومه في حالة توتر وترقب حتى يتمكن من الذهاب بسرعة إلى الحمّام ولا يتعرض للموقف نفسه، وقد تتأثر حياته كلها بهذه المشكلة. فبعض المرضى قد يتجنبون الخروج من المنزل، ويعانون من الانطوائية والعزلة والابتعاد عن الناس والمجتمع، كما قد يؤدي تكرار سلس البول إلى حدوث التهابات متكررة، مما قد يتسبب بالضرر للكليتين. إذن السلس البولي قد يؤدي إلى الحرج والانطوائية، والمشاكل الصحية والتعرض لأنواع كثيرة من البكتيريا والالتهابات. وبالتالي تأثيره جسدي ونفسي واجتماعي.

ما أسباب عدم التحدث عن السلس البولي بشكل عام في الشرق الأوسط أو الخليج أو السعودية إلى جانب أنه موضوع حساس ومحرج للمرضى برأيك؟
أولاً، يرى المرضى أن عدم التحكم بإفراز البول وصمة أو أمر مخجل أو عيب، والمشكلة الثانية وهي أكثر خطورة أن الكثير من المرضى يعانون بصمت ويتعايشون مع الاضطراب ويتجهون نحو الانطوائية والعزلة بدلاً من البحث عن علاج. ويرجع السبب في ذلك إلى أن المريض يجهل وجود علاجات ناجحة وفعالة للمرض، كذلك قد تتردد المريضة بإخبار الطبيب خجلاً من التطرق إلى مسألة تسرب البول فلا تتحدث عن المرض بشكل مباشر أو بالتفصيل لأنها تعتبره وصمة فتتجاهل الموضوع. وفي حالات الولادات المتكررة كخمسة أو 7 أطفال.

تزداد عند كل ولادة فرص الإصابة بالسلس وعدم القدرة على التحكم وقد تصاب المريضة أيضاً بعدم القدرة على التحكم بالبراز ولكنها تتعايش مع الأمر وتتقبله باعتباره أمراً طبيعياً لدى الولادات المتكررة. فمن ناحية المريض أولاً الخجل ثم الاعتقاد بأن المرض لا علاج له. وهنا دور الطبيب أن يشعر المريض بالراحة ويسأل الأسئلة المناسبة لتحديد سبب الزيارة والأفضل هنا إذا تكلمت المريضة مع طبيبة كونها قد تشعر براحة أكثر للتحدث مقارنة بالتحدث مع طبيب (بالنسبه للنساء).

هل هناك علاجات؟ وإن وجدت لم لا يتم التحدث عنها؟ أم أنها متوفرة وغير معروفة مثلا؟
•• تتوفر العديد من العلاجات. وقد نفذنا حملةً العام الماضي عن السلس البولي والمثانة العصبية والمفاجأة كانت تواجد الكثير من المرضى ولكن معظمهم يتوجهون إلى الطبيب الخطأ أو الاختصاص غير المناسب، فكما ذكرت أسباب السلس البولي متعددة. وعادة حين تكون المريضة تعاني من عارض سلس البول تتوجه فوراً إلى الطبيب غير المختص لمعالجة مشكلتها، فتقوم الطبيبة بوصف دواء معين وقد لا يفيد فتسلم بذلك ظناً منها بأن حالتها مستعصية ولا علاج لها. لكن نحن في المجال الطبي ندرك أن أنواع السلس البولي عديدة، ويحتاج كل منها إلى علاج مختلف بحسب انواعها.

وقبل التطرق إلى العلاجات سأتحدث عن أنواع سلس البول:
أولاً في الحالة الطبيعية يحتاج الإنسان إلى التبول تقريباً كل 4 ساعات، وخلال هذه الفترة قد يشعر بوجود كمية من البول في المثانة لكنه لا يحتاج إلى تفريغ المثانة لأنها لم تمتلئ وعاده هذا الإحساس عنذ 150 إلى 200 ملليلتر. ثم يحس الإنسان بالحاجة للذهاب إلى الحمام عند تصل الكمية إلى 400 ملليلتر إلى 500 ملليلتر وعند التبول يتم التفريغ الكامل للمثانة من خلال انقباض العضلة. أما في حالة سلس البول الإلحاحي، فيشعر المريض عند أقل كمية بول برغبة ملحة بالتبول، قد تصل الى 50 ملليلتر فقط، وبالتالي كل ساعة أو كل نصف ساعة كما يضطر للاستيقاظ مراراً وتكراراً ليلا للذهاب إلى الحمام وقد يصل عدد الزيارات لدورة المياه ما يزيد على 10 مرات.

وأحياناً يتسرب البول قبل وصوله إلى الحمام. وحين يزورنا المريض أول ما نبحث عنه التأكد من عدم وجود التهابات في المسالك البولية، لأن أعراضها مشابهة قليلاً، وهو ما قد يدفع المرضى للاعتقاد بأن ما يعانون منه هو مجرد التهاب متكرر، وأحياناً تكون عدم القدرة على التحكم بالبول لدى الشابات نتيجة لالتهابات البول المتكررة، لكن في أحيان أخرى يكون تكرار التهابات المسالك أكثر من 3 مرات جرس إنذار بوجود مشكلة في طريقة عمل المثانة، وهنا يجب التأكد، ومراجعة سجل المريض وإجراء فحوصات للتأكد من عدم وجود مشاكل في المثانة أو مشاكل تؤدي إلى سلس البول. وفي حالة الإصابة بالسلس الإلحاحي نبدأ العلاج تدريجيا بالادوية، فإذا لم يستجب المريض للأدوية، وعادة حين تكون المشكلة بالعصب، نعرض على المريض تركيب أجهزة تحفيز عصب الحوض لمساعدة العصب على العمل بالطريقة الطبيعية، وبعد تركيب الجهاز يبدأ المريض باستعادة التحكم، ويقل عدد مرات دخول الحمام والتسرب.

أما العلاج الثاني فهو حقن البوتوكس لكن مفعولها مؤقت من 6 الى 9 اشهر وقد تؤدي إلى احتباس في البول بنسبة 21%. ولا يخفى على الجميع لكل علاج ميزات واضرار وتتم مناقشه الخيار الافضل للمريض في العيادة.

أما النوع الثاني فهو سلس البول الإجهادي ويحدث عادةً بعد الحمل والولادة وخاصة الولادة الطبيعية، حيث تضعف عضلات قاع الحوض، فيبدأ عارض التسرب عند السعال أو ممارسة الرياضة والعلاج الأنسب هنا غالباً في العملية الجراحية لتقوية العضلات بحيث تعود السيدة إلى ممارسة حياتها الطبيعة والرياضة وما إلى ذلك.

والنوع الثالث هو السلس المختلط وهو مزيج بين النوعين لدى المريضة فتعاني من عوارض السلس الإلحاحي والإجهادي وفي العلاج نعطي الأولوية للتعامل مع السلس الإلحاحي قبل أن نلجأ إلى العملية الجراحية.

والنوع الأخير هو السلس الفيضي حين يتبول المريض لا يفرغ المثانة تماماً بسبب مشكلة ما في عمل المثانة، مما يؤدي إلى فرط امتلاء المثانة وتسريبها للبول إذ إن المريض لا يشعر بالرغبة بالتبول وتحتفظ المثانة بكميات كبيرة من البول قبل وبعد التبول. ويكون العلاج هنا تدريجياً. أولاً، نتأكد من عدم وجود التهابات والقسطرة، التي تساعد المريض على تفريغ المثانة وبعد فترة وبحسب حالة المريض يمكن الاستغناء عنها والاستعانة بجهاز صغير جداً لتحفيز العصب. يحتاج تركيب الجهاز إلى عمليتين، في الأولى سيجرب المريض جدوى العلاج، بجهاز مؤقت، يتم تركيبه لمدة أسبوعين.

وفي حال تحقيق نتائج جيدة بعد المتابعة يتم تركيب الجهاز النهائي. وتجرى العملية الأولى تحت بنج تام، أما الثانية فتتطلب البنج الموضعي. ويتكون الجهاز من جزءين سلك وبطارية. وعند تركيب السلك نختار أفضل الأعصاب الـ4 المرتبطة بالمثانة. وتستغرق العملية 45 دقيقة، ويتم تدريب المريض على البرنامج ليتعلم كيفية التحكم بالتبول ويرصد عدد مرات الذهاب إلى الحمام. بعد العملية الأولى إذا حققنا تحسناً بنسبة 50% أو أكثر نستبدل البطارية المؤقتة بالنهائية بعملية ثانية بسيطة لا تستوجب المبيت في المستشفى. وسيساعد الجهاز المحفز لأعصاب الحوض المريض على إفراغ المثانة والتحكم بشكل طبيعي بالبول وكذلك بالبراز في حال كانت هناك مشكلة ما.

هلا حدثتنا عن تجارب المرضى مع الجهاز؟
هنا في المركز والحمد لله في قسم المسالك البولية بمستشفى جامعة الملك عبدالعزيز بجدة نجحنا في زراعة الجهاز الذي ساعد على تحسين حالة نحو 50 مريضا بشكل ملحوظ منها حالات سلس إلحاحي وفيضي. لدي مريضة تغيرت حياتها بشكل جذري بعد نجاح العلاج وكانت تبكي فرحاً بعد أن أحست براحة لم تعهدها من قبل بسبب معاناتها من المرض. واستعادة القدرة على النوم وشعرت بالفرق وتغيرت حياتها وعادت إلى عملها بشكل طبيعي بعد تركيب الجهاز.

وأخرى جربت كل الأدوية وحقن البوتس في المثانة، وخلال زيارتها بالعيادة كانت في حالة يائسة جداً ومحبطة، تطلب أي علاج، وعند تركيب الجهاز تغيرت حياتها حتى أنها بدأت تشجع الأخريات وتنشر التوعية لمساعدة المرضى وتثقيفهم حول وجود علاجات مفيدة وناجعة. كذلك لدي قصص نجاح أخرى مع أطفال ورجال.

أذكر حالة طفل كان يعاني من الإمساك المزمن مما أدى إلى فقدان سيطرته للتحكم في البراز ونجح بفضل الله بعد تركيب الجهاز من استعادة حياته الطبيعية والعودة إلى مدرسته وأصدقائه كالمعتاد.

هل هناك أي تطورات جديدة من حيث الحلول؟
أكيد العلم دائما في تطور وتطرح اليوم أدوية جديدة بمضاعفات أقل، كما يجري تطوير القسطرة بصورة مستمرة بميزات افضل لراحة المريض. كذلك كان الجهاز المستخدم لتحفيز اعصاب الحوض تم تطوير نسخة محدثة صغيرة جداً لا تتعارض مع اشعة الرنين المغناطيسي ويمكن للمريض ان يشحن البطارية، ولا حاجة لتغيير الجهاز وإجراء عملية جديدة بعد خمس سنوات عند نفاد البطارية.

هل ترغبين بإضافة أي معلومة أو توصية في الختام؟
إن العنصر الأهم في التعامل مع مشكلة سلس البول هو التوعية والتخلص من الخجل كونه عائقاً للعلاج. ويجب التحدث بصراحة وعدم القبول بهذا الواقع لأن العلاجات موجودة وفعالة وقد تغير حياة المريض تماماً نحو الأفضل بالتأكيد. وتجدر الإشارة الى أن كل حالة تختلف عن الأخرى ولها علاج مختلف لذا يجب مراجعة الطبيب المختص لتشخيص الحالة بدقة والمضي في العلاج.


أخبار مرتبطة