كانت السعودية من أكثر الدول في منطقة الشرق الأوسط والمحيط العربي التي أولت عنايتها واهتمامها الخاص باستحداث البنية التحتية من خلال إنشاء واستحداث المراكز الطبية المتقدمة في مجال تخصص طب وجراحة القلب، وباتت في الآونة الأخيرة مقصدا علاجيا للكثير من المرضى إقليميا ودوليا.
إلا أن الدكتور هاني كمال نجم رئيس قسم جراحة القلب نائب رئيس مركز الملك عبد العزيز لطب وجراحة القلب نائب رئيس مجلس إدارة جمعية القلب السعودية، يرى أن منظومة المنشآت الصحية بالبلاد تفتقد إلى البنية التحتية الاستباقية لمواجهة عوامل الخطورة المتزايدة في المجتمع السعودي، والتي تؤدي إلى تزايد أعداد المصابين بأمراض القلب محليا، مؤكدا على أن المنشآت الحالية لا تراعي التوزيع المرضي جغرافيا، حيث إنها تعتمد فقط على الكثافة السكانية.
وبحسب نجم فإن غياب الدراسات المسحية أدى إلى توزيع شبه عشوائي لمراكز القلب في السعودية، معتبرا أن التوسع في المدن الصحية بالمملكة لم يأخذ بعين الاعتبار البعد التشغيلي لمراكز القلب في تلك المدن، مما سيشكل عبئا على صانع القرار في البلاد مستقبلا.
الكثير من الأمور التي تتعلق بطب وجراحة القلب واستراتيجيات الشأن الصحي بالسعودية كانت محور حديث «الشرق الأوسط» مع الدكتور هاني نجم.. فإلى نص الحوار
* ما هي أك\ثر أمراض القلب انتشارا في السعودية؟
- تعتبر أمراض تصلب الشرايين لدى الكبار من أكثر الأمراض القلبية انتشارا، ويقف خلف انتشارها عدد من عوامل الخطورة، يأتي في مقدمتها عوامل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكولسترول، والتدخين، بالإضافة لتاريخ العائلة المرضي، من حيث الإصابة بأمراض تصلب الشرايين المبكرة وليست المتأخرة، وأقصد هنا حالات حدوث إصابة بجلطات في عمر مبكر كالإصابة في سن الثلاثينات والأربعينات، ويعتبر تصلب الشرايين مرض العصر وهو المسبب الأكبر للوفاة على الجنسين الذكر والأنثى، ويشكل ذلك المرض تكلفة عالية في ميزانيات الإنفاق الحكومي لما يترتب عليه من تكلفة عالية في علاجه، لأنه يعتمد كثيرا على عوامل خطورة مختلفة ويصعب تلافيها.
يضاف إلى ذلك أمراض القلب الأخرى ومنها روماتيزم القلب، والذي يعد في المرتبة الثانية من حيث الانتشار بالسعودية، وكذلك الأمراض الخلقية التي تنتشر لدى الأطفال محليا.
* كيف تجد الخدمات الطبية المقدمة بالسعودية لمواجهة أمراض القلب؟
- الخدمات الصحية الموجهة لمجال أمراض القلب بالسعودية تعد ـ ولله الحمد ـ خدمات طبية متقدمة جدا، مقارنة بما هو عليه الحال في دول الجوار بل إنها تتفوق على كثير من الخدمات الطبية المقدمة في دول غربية، إلا أن التوزيع الحالي لتلك الخدمات بالبلاد لا يتناسب والتوزيع السكاني المرتبط بانتشار المرض جغرافيا، وفي اعتقادي أن ما تشهده المملكة من توسع في إنشاء المدن الصحية وما يلحق بها من مراكز طبية لخدمة مرضى القلب بحاجة أن يراعى التوزيع الجغرافي لانتشار المرض، وأن تكون استراتيجية الصحة مبنية على أساس تلافي المرض وليس معالجته في حالات متأخرة من حدوثه.
بمعنى أن يكون هناك خطوات استباقية لمواجهة عوامل الخطورة والسيطرة عليها، ومشكلة القلب في المملكة لا تكمن في علاج مرضى القلب بل في منع مرض القلب والوقاية منه، حيث إن عوامل الخطورة منتشرة بشكل كبير محليا، فهناك مشاكل انتشار الإصابة بداء السكري، وبات من المعلوم للجميع أن واحدا من أربعة من السعوديين مصاب بداء السكري، وكذلك الوضع مع مرض ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكولسترول، والتدخين والعادات الغذائية وانتشار السمنة، وغياب الجانب الرياضي من الحياة اليومية للفرد، كلها عوامل تسبب أمراض القلب، وما ينقصنا في الحقيقة هي المراكز والبنية التحتية للسيطرة على عوامل الخطورة، من خلال تثقيف المجتمع، وهي السياسة الصحية المعمول بها في الدول الغربية، والتي تمكنت من خفض المنحنى لقياس عدد الإصابات بأمراض القلب بين مواطنيها، من خلال سيطرتهم على عوامل الخطورة ليتمكنوا من الحد من أمراض القلب.
* هل هناك قناعة من قبل صانع القرار للوضع الصحي بالسعودية لتبني فكرتك التي أوردتها حول الحلول الاستباقية للحد من انتشار أمراض القلب محليا؟
- من المهم أن تبنى القرارات على الدراسات الدولية المثبتة، كذلك يجب أن تكون استراتيجيات الصحة، استراتيجيات تنفيذية، ولدينا في اعتقادي بالمملكة النظم التنفيذية بدائية، بمعنى هل فعلا المدخن الذي يكسر القاعدة والقانون يمكن فرض غرامة مالية عليه، من خلال تقدم أحد من المواطنين بشكوى ضد من يخرق قانون منع التدخين في الأماكن التي يمنع فيها التدخين محليا، هناك قوانين وقواعد تظهر على السطح، ولكن لا يتم تطبيقها بغرامات، ولا يزال إلى الآن الصبي الصغير باستطاعته أن يشتري ثلاث سجائر من البقالة دون وجود من يحاسب البائع، الجانب التنفيذي هو الغائب الأبرز في كافة استراتيجياتنا الصحية، بالإضافة لغياب التثقيف المجتمع صحيا.
وجميع الدراسات العالمية والدولية تتحدث عن ضرورة وجود خطوط دفاع متمثلة بالإجراءات الاحترازية ومكافحة عوامل الخطورة، ولا تتم تلك العملية الاستباقية إلا بوجود تثقيف صحي سليم، بل إن الكثير من الدراسات تتحدث عن عدم وصول الرسالة التوعوية لأفراد المجتمع بشكل صحيح.
فلا بد أن يكون هناك نضوج في التعامل مع التوعية الصحية للمجتمع، ونحن لا نزال في جمعية القلب السعودية وبشكل عام، لم نقم بإيصال المعلومة الكافية للمتلقي.
وهناك أسباب كثيرة وراء ذلك، ونحن في جمعية القلب ومن خلال مشاركتنا مع وزارة الصحة السعودية، عملنا على تنفيذ حملات تثقيفية، وهذه الحملات بحاجة لدعم مالي، ومن الصعوبة أن تجد الراعي لمثل تلك الحملات، رغم جاهزيتنا من خلال امتلاكنا للبنية العلمية والمتخصصة في مجال طب القلب.
كما أن اللغة المستخدمة في إيصال المادة التثقيفية لأفراد المجتمع، يجب أن تتوافق والبعد الثقافي والمعرفي للأفراد، إضافة لضرورة وجود إخراج درامي على مستوى المنتج التثقيفي المقدم خلال هذه الرسالة.
وتلك الرسائل يجب أن تقدم المعلومة حول عوامل الخطورة التي تنجم عن ممارسة عادة التدخين أو عدم ممارسة الرياضة على صحة الإنسان وضررها المباشر على صحة قلبه، ونحن نرى النتائج المترتبة على السلوكيات الصحية التي يتخذها الإنسان الغربي في حياته اليومية، فنجد أن الفرد منهم يصل لسن الثمانيات والتسعينات وهم يتمتعون بصحة جيدة لمحافظتهم على صحتهم عبر حزمة من الممارسات الإيجابية في حياتهم اليومية.
فأعتقد أنه من المهم جدا أن يكون هناك طريقة لإيصال المعلومة بطريقة إيجابية وصحيحة، وكان لدينا مشروع عبر تقديم مشاهد بصرية فيلمية قصيرة لا تتجاوز الـ30 ثانية، تقدم عبر القنوات الفضائية، كنوع من الرسائل التثقيفية، ولكن للأسف لم يتفعل ذلك المشروع، بل وقدمنا مشروعا متكاملا للتثقيف الصحي عبر الجمعية لوزارة الصحة السعودية، وقدرت تكلفة ذلك المشروع بمبلغ 3 ملايين ريال، ولكنهم أجابوا على مشروعنا المقدم لهم بأنهم سيبحثون عن ممول وراع للمشروع، وذهب المشروع أدراج الرياح.
* هل تلقي باللوم على وزارة الصحة في عدم تفعيل مشروع رسائلكم التثقيفية؟
- للأسف ومن خلال عملي في لجان تعمل تحت مظلة وزارة الصحة السعودية، أصبح لدي قناعة بدأت تتشكل مؤخرا برفضي العمل في تلك اللجان، والسبب لكون اللجان لا تقدم سوى الكلام والمشاريع على الورق دون تنفيذ، وأنا أتطلع بوجود الدكتور عبد الله الربيعة على رأس هرم الوزارة أن تتغير تلك الطريقة في عمل اللجان، وأن لا يقتصر عملها على رفع التوصيات دون أن يكون له أي أثر على أرض الواقع.
وبالعودة على فكرة المقترح المقدم من قبلي إلى مجلس الخدمات الصحية ورؤيتي الخاصة بتوزيع مراكز القلب بالبلاد، بمراعاة أن يكون لدينا دراسة استراتيجية للحاجة وليس بناء على الكثافة السكانية.
والملاحظ الآن أن التوزيع للمراكز الطبية المتخصصة في علاج أمراض القلب بالسعودية غير متناسب، والسبب هنا معقد ولا يمكن إسناده لسبب واحد، أولا بشكل عام في أي مكان في العالم فمن الطبيعي أن تقام المراكز في المدن التي بها تجمع سكاني كبير، ولكن يجب أن يتبعها انتشار للمراكز في أماكن أخرى، والآن وزارة الصحة شرعت في بناء مدن طبية ومعظم تلك المدن بها مراكز للقلب، ولكن المشكلة التي ستواجهها مستقبلا هي أنه من السهولة أن تعطي المقاول ملايين الريالات لبناء مركز للقلب ولكن تشغيل المركز هو المشكلة الأكبر.
بل إن المراكز القائمة الآن في السعودية لم تعالج عدد الأمراض المتوقعة في البلاد، بمعنى أنه يتوقع لكل مليون شخص في الدول الغربية شمال أميركا هناك تقريبا 1000 عملية قلب، وفي أوروبا 800 عملية لكل مليون شخص، ولو طبقنا هذه المقاييس على السعودية فلدينا 20 مليون شخص يتوقع أن يكون هناك 20 ألف عملية للقلب لا بد أن تجرى في المملكة، ولن نكون كأوروبا فنقول 500 مريض لكل مليون، ونحن الآن بكل مراكزنا الموجودة حاليا لم نصل لـ10 آلاف عملية في المملكة، مجموع عملياتنا لا تزيد عن 6 إلى 7 آلاف عملية في السنة، وعدد المراكز لدينا الحكومية والخاصة 16 مركزا، والمشكلة أن هناك مركز قلب يقدم عمليتين في الشهر فهل يمكننا أن نطلق عليه مسمى مركز للقلب، ونحن اليوم فقط في مركز الملك عبد العزيز لأمراض القلب بالحرس الوطني أجرينا 6 عمليات قلب، وهذا أمر طبيعي في اليوم الواحد بالنسبة للمركز هنا، ولكن هناك مراكز قلب أخرى في السعودية لا تجري سوى 3 إلى 4 عمليات في الشهر أي 40 عملية تقريبا في العام الواحد، فنحن لدينا مشكلتان الأولى ليس لدينا القدرة على تشخيص كل من يعاني من أمراض القلب، ومن عندهم أمراض قلب ويحتاجون لتدخل جراحي، ونحن نلاحظ أن هناك من المرضى من يأتي للمركز في مراحل متأخرة من مرض القلب لديه، بعد أن يكون هناك هبوط كامل في وظائف القلب، ولو كان هناك نظام صحي في البلاد فسوف يتم اكتشاف المرض من قبل طبيب الأسرة، وذلك من خلال متابعته لتاريخه الصحي والمرضي، بحيث يمكن تحويله في حالة الحاجة المبكرة لأحد مراكز القلب محليا، وتكون فرص النجاح أكبر في تلافي الكثير من المشاكل والأزمات الصحية المتعلقة بأمراض القلب بتلك الطريقة.
وللعلم فإن مرض السكر لعشر سنوات يعني طبيا مرضا في القلب، فأي مريض يعاني من السكري لمدة عشر سنوات يجب عليه أن يقوم بفحص للقلب، وفي حال عدم قيامه بالفحص على قلبه فإن احتمالية وجود مشاكل وأمراض في قلبه دون علمه وارد.
* ما مدى مواءمة انتشار مراكز القلب بالسعودية مع انتشار الأمراض القلب محليا، هل تعتمد على دراسات مسحية لها أم توزيعها يعتمد على الكثافة السكانية دون مراعاة لمدى حاجة تلك المدينة أو المنطقة لوجود المركز لديهم؟
- جزئيا هذا الرأي صحيح، حيث إن مراكز القلب لا يتم إنشاؤها على خلفية دراسة مسحية واضحة تأخذ بعين الاعتبار الكثافة السكانية وانتشار المرض، وهناك مراكز قلب بالبلاد لديها كثافة في أعداد المرضى مقارنة بغيرها من مراكز في مناطق أخرى، والجزء الثاني من السؤال يعني أن المركز الذي لا يوجد لديه عدد من المرضى لا يعمل بطاقته التشغيلية الكاملة التي أنشئ على أساسها، والأمر الآخر والمهم هو لو كان بني على دراسة مسحية فعلية لأمكن تقنين مراكز القلب، ومراكز القلب مكلفة، وكان اقتراحي لوزارة الصحة من خلال اللجان العمل التي شاركت فيها أن يكون هناك تقسيم لمناطق المملكة، بحيث يكون هناك مناطق صغيرة تتوفر بها مراكز قلب متقدمة 1 و5 متوسطة و10 أولى، والأخيرة هذه تتولى مسؤولية الكشف المبكر وهي مراكز غير مكلفة لكونها تعتمد على معدات أولية من التجهيزات الطبية، وهي بدورها ترفع للمراكز المتوسطة الحالات المرضية التي بحاجة لمزيد من الفحص والتدقيق في الحالة المرضية، فيما تتولى المراكز المتوسطة عمليات التحويل للحالات الأكثر حاجة للعناية المتقدمة والتدخلات الجراحية.
وليس بخاف أن مشكلة التعامل مع الشأن الصحي بالسعودية أنه يقدم من قبل 7 جهات مختلفة، والمريض الذي يتبع لجهة ربما لا يحق له المتابعة لدى جهة أخرى، إذا كان المريض لا يتبع أي جهة يمكنه بموجب الأمر الملكي القاضي بأحقيته بالعلاج في أي مركز طبي في حال معاناته من مرض القلب.
وهذه الطريقة تلافي مشكلة تعدد الجهات الصحية، ولا يكفي وجود المراكز الطبية المتخصصة في حال عدم توفر الشبكة التحويلية الصحيحة والسليمة التي توجه المريض في حال حاجته لمتابعة طبية متقدمة لحالته المرضية.
ونعرف أننا لم نصل إلى المرضى، فعدد المرضى الذين لديهم مشاكل في القلب ولم نصل إلى اكتشاف حالتهم المرضية هم أكثر بكثير ممن لدينا معرفة بإصابتهم، ومن خلال متابعتنا اليومية لتلك الحالات فإننا لم نصل للمستوى العالمي المتعارف عليه في تقديم الخدمات الطبية لمرضى القلب.
* من خلال متابعتك لأمراض القلب بالسعودية كيف تجد تفاعل أفراد المجتمع مع المناشدات الطبية بضرورة الكشف المبكر؟
- معظم الحالات المرضية التي كنت أشاهدها خلال فترة تدريبي بكندا كانت تلك الحالات التي يتم تحويلها من قبل طبيب الأسرة، فطبيب الأسرة هو من اكتشف وجود المرض لدى المريض، دون الحاجة لإصابته بجلطة لتكون سببا في تحويله لمركز أمراض القلب، ولكن هنا في السعودية الأمر يتم على عكس ذلك، فمعظم الحالات التي يتم وصولها إلينا تتم بعد إصابة الشخص بجلطة قلبية، ونادرا من الحالات من يقوم بمراجعة المركز على خلفية وجود آلام بالصدر وفي منطقة القلب، فتشخيص المرض للأسف هنا يكون متأخرا دوما.
ونحن هنا لا نلوم المريض لعدم درايته بخطورة حالته، في حال إصابته بمرض كداء السكري، وهي ثقافة غالبة لدى الناس هنا، ولكن لا بد أن يكون لدينا نظام صحي يتوفر به إمكانية اكتشاف المرض مبكرا، هذا هو المهم لدينا في أمراض القلب، ونحن للأسف ومن الأمور المشاهدة يوميا لدينا في المركز أن 90% من مرضانا يدخلون عن طريق الإسعاف وليس عن طريق المراجعة الاعتيادية، بل يتم إيصالهم لنا في حالة إسعافية ومتأخرة، بل إننا نضطر في بعض الحالات من إجبار الشخص على إجراء العملية لضرورة حالته.
ونحن نعاني من ثقافة مجتمعية تنظر إلى أن نسبة الخطورة عالية في عمليات القلب، فيما نسجل بالمركز لدينا نسب نجاح للعمليات القلبية عالية تصل إلى 99%.
ونحن هنا نتحدث عن جميع العمليات المتعلقة بأمراض القلب ولمختلف شرائح المرض