ن النوم في الليل هم أكثر عرضة للإصابة بالسمنة والمعاناة من أمراض القلب والشرايين مقارنة بأولئك الذين يحصلون على قسط كاف وجيد من النوم كل ليلة، وذلك بحسب العديد من البحوث والدراسات العلمية. ويبدو أن سلسلة عواقب الحرمان من النوم لا تزال مفتوحة على أمراض وعلل أخرى، إذ اكتشف باحثون أن قلة النوم تضر بعدد متزايد من وظائف الجسم، بما فيها وظائف الجينات، وذلك وفق دراسة حديثة نُشرت في العدد الأخير من دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم.
- قام باحثون بإشراك 26 متطوعاً في دراسة حرموهم خلالها من نيل قسط كاف من النوم مدة سبع ليال متواصلة، فرصدوا بعدها حدوث تغيرات عديدة على طريقة تصرف وأداء مئات الجينات داخل أجسام المتطوعين المشاركين. كما تبين لهم أن بعض الجينات متضخمة ومفرطة في النشاط، بما فيها تلك المحفزة للتلف عند التعرض للضغط. كما سجلوا أن بعضها تناقص، بما فيها الجينات التي تغذي الخلايا والأنسجة وتجددها.
ضعف الجودة
- ويقول الباحث في علم الجينوم من جامعة سوريي بإنجلترا الدكتور كولين سميث “يبدو تأثير قلة النوم على تردي صحة الجسم جلياً في طريقة أداء كثير من الوظائف”.
- ويقول الدكتور ديرك جان ديجك، اختصاصي نوم وإيقاع الساعة البيولوجية للجسم في جامعة سوريي الإنجليزية، “لطالما احتار العلماء والباحثون بشأن العلاقة المتلازمة بين النوم ومستوى الصحة. وفي التاريخ المعاصر، قضوا سنوات عدة في دراسة تأثير نوعية النوم على الدماغ”. غير أن علماء الوبائيات لاحظوا بالمقابل أن الأشخاص الذين يعملون في ساعات الصباح الباكر أو ساعات الليل المتأخرة، أو أولئك الذين يعانون من قلة النوم بشكل عام، يتعرضون لمعدلات أعلى من السكري والسكتات الدماغية وارتفاع ضغط الدم، ومن علل أخرى غيرها. واكتشف علماء أحيائيون أن أجسام الناس الذين يحظون بنوم ضعيف الجودة تُفرز كميات أكبر من هرمونات الضغط المعروفة بالكورتيزول، والهرمونات المثيرة للشهية “جريلين”، علاوة على تغيرات كيميائية حيوية أخرى.
- ويقول الباحث بكلية الطب في جامعة هارفارد والمشهور بأبحاثه حول تأثير ضعف نوعية النوم على الإنسان في كل مناحي حياته اليومية، الدكتور تشارلز زايسلر، “ساد في السابق اعتقاد مفاده أن النوم يأتي من الدماغ، ويُنفذ لمصلحة الدماغ. أما اليوم، فكل اختصاصيي اضطرابات النوم يعلمون أن النوم يلعب دوراً مهماً في تحديد مدى فعالية وظائف الجسم”
سلسلة اختبارات
- من أجل معرفة المزيد عن الميكانيزمات والآليات البيولوجية المتصلة بالنوم، طلب العلماء ديجك وسميث وزملاؤهما من المتطوعين المشاركين في دراستهم أن يعبئوا نوعين من استمارات التقييم، تغطي كل واحدة منهما 12 يوماً. وفي أحد الفحوص والاختبارات التي خضع لها المشاركون الذين يعدون جميعهم من الراشدين الذين لم يسبق لهم المعاناة من أي من اضطرابات النوم، سُمح لهم بلُزوم سرير النوم لمدة عشر ساعات طوال سبع ليال متواصلة. وأظهر الفحص بالموجات الذي خضعت له أدمغتهم أن معدل نومهم كان 8,5 ساعة كل ليلة، وهو قسط يومي كاف.
- وفي اختبار آخر، سُمح للمشاركين بالمكوث في أسرة نومهم مدة ست ساعات طوال سبع ليال مطردة، فأظهر مسح أدمغتهم أن معدل ما حظوا به من نوم كان 5,7 ساعة كل يوم.
- وفي نهاية كل أسبوع من حصص النوم المراقَب، كان الباحثون يطلبون من المشاركين أن يظلوا مستيقظين مدة متواصلة تتراوح بين 39 و41 ساعة، وكانوا يقومون خلالها بسحب عينات من دم كل واحد منهم من أجل تحليلها كل ثلاث ساعات، إلى أن وصلت العينات المسحوبة من كل مشارك إلى 10 عينات. ثم حلل الباحثون خلايا الدم، وقارنوا بين التغيرات التي طرأت عليها على مستوى جزيئات الحمض الريبي النووي (RNA) التي تحمل تعليمات الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين (DNA)، وتُكون البروتينات التي تقود كل العمليات التي تحدث في البدن.
- ووجد الباحثون بعد هذه السلسلة من الفحوص والاختبارات أن قلة النوم تُغير الأنماط الإيقاعية للطريقة التي تنشط بها الجينات وتخمد، وتُشوش على أداء الجينات لوظائفها على مستوى الساعة البيولوجية، وقد تتلف بعضها.
آثار سريعة
- وجد الباحثون في ختام الدراسة أن 711 جيناً تم التعبير عنها بطرق مختلفة عندما حُرم المشاركون من النوم. إذ تراجعت سرعة أداء 444 جيناً، بينما زادت سرعة أداء 267 جيناً فقط. وقد كشفت تحاليل أخرى أجراها الباحثون أن الجينات المسؤولة عن الالتهاب والمناعة وتلف البروتينات نشطت بعد أن جرى تفعيلها، ما يعني أن تضرر الأنسجة وتلفها حدث بعد تعرض الجسم للحرمان من النوم.
- وبالمقابل، فإن العديد من الجينات التي اختل نظامها وأداؤها أسهمت في إفراز بروتينات وخلايا وأنسجة جديدة. وقد بدا للباحثين بجلاء أن عملية توازن تجديد الأنسجة تعرضت للتشويش والاضطراب مباشرة بعد تعرض الجسم لقلة النوم. وقال ديجك وسميث إنهما فوجئا بالآثار السريعة للتغيرات التي طرأت على أجسام المشاركين بعد فترة قصيرة من الحرمان من النوم لم تتجاوز أسبوعاً واحداً.
- وبحسب مراكز مراقبة الأمراض والوقاية، فإن 30% من الأميركيين الراشدين المدنيين يقولون إنهم ينامون ست ساعات أو أقل يومياً. ما يدل على أن ملايين الأميركيين يُعَرضون أنسجة أجسامهم وخلاياها للتلف. وقد أشاد علماء لم يشاركوا في الدراسة بالنتائج التي توصل إليها الباحثون، وأثنوا على المنهجية التي اتُبعت فيها وعلى حسن تصميم مراحلها. كما أفادوا أن القدرة على تقييم الآثار الجزيئية للحرمان من النوم تمثل تقدماً واعداً في مجال البحوث والدراسات التي تتخذ النوم موضوعاً لها.
تقييم ذاتي
- أجريت من قبل دراسات عديدة حول الآثار البيولوجية لقلة النوم في مختبرات معملية تضم حيوانات تجارب كالفئران، وكان العلماء قد درسوا خلالها تعبيرات الجينات في الأنسجة، من الدماغ أو من الكبد. ولكن بحوثاً لاحقة أظهرت أن تعبيرات الجينات لدى الفئران لا تنطبق على تعبيرات الجينات لدى الإنسان لأسباب عدة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا بد من القول إن القدرة على استخدام فحص دم بسيط لمعرفة تأثير الحرمان من النوم على وظائف أعضاء الجسم يعد إنجازاً مهماً يُحسب للباحثين، في رأي الدكتور زايسلر، والذي لم يكن عضواً في فريق الباحثين البريطانيين.
- وفي الوقت الراهن، يجب على الأطباء أن يعتمدوا على التقييم الذاتي للمريض بشأن مدى شعوره بالتعب أو العياء أو الإرهاق جراء قلة النوم. لكن الناس يتوهمون، بحسب زايسلر، أن الانطباع الذي تمنحه إياهم مادة الكافيين بأنهم تغلبوا على الحرمان من النوم واستعادوا نشاطهم وحيويتهم هو انطباع زائف ووهمي يدفع الجسم ثمنه غالياً عبر زيادة قابلية أنسجته للتلف والضرر، وتراجع أداء وظائفه وضعف مناعته.