ي، خاصةً في ظل تنامي معدلات الإصابة سنوياً ببعض الأمراض التي تستدعي الكشف والعلاج في وقت مبكر؛ لمنع حدوث أي مضاعفات تهدد سلامة المقلتين. ويحتاج المجتمع إلى غرس ثقافة "الفحص المبكر" في الأبناء من بدايات حياتهم، ولا بأس أن يبدأ هذا الغرس في المراحل الدراسية الأولية، بأن تخصص مثلاً مادة صحية فصلية، أو موضوعات طبية تتحدث عن أهمية الفحص الروتيني للعيون، وعدم انتظار تفاقم الأعراض، وتزايد الألم وبلوغه مرحلةً اللارجعة!. ومازالت برامج التوعية التي تهدف إلى التعريف بخطورة أمراض العيون متواضعة، حيث تحتاج إلى العديد من البرامج التي تصل إلى أكبر شريحة للمجتمع كوجود العيادات المتنقلة للكشف المبكر، كما يبرز أهمية أن يكون للمريض دور في تثقيف أسرته وأصدقائه بعد علمه بالمخاطر التي يسمعها من الطبيب، حيث لا تختلف أمراض العيون التي انتشرت مؤخراً في المملكة عن بقية الأمراض في العالم، لكن تبقى لدينا إشكالية تأخر الكشف لبعض الحالات.
«الحساسية» منتشرة مع «الرمد الربيعي» وتبادل «العدسات اللاصقة» بين الفتيات أكبر خطر
حساسية وجفاف
وكشف "د.ناصر اليوسف" -استشاري طب وجراحة العيون وجراحات الليزك ومقدمة العين، رئيس قسم العيون في مستشفى قوى الأمن بالرياض- أنّ هناك زيادة ملحوظة في بعض أمراض العيون خلال السنوات الأخيرة، وأهم تلك الأمراض إصابة العين بالحساسية والجفاف؛ نتيجة تزايد استخدام أجهزة التقنية الحديثة لفترات طويلة، كما يتصدر مرض الماء الأبيض، والماء الأزرق المسببة للعمى، قائمة الأمراض الأكثر انتشاراً، يليها الاعتلال السكري للشبكية، وأمراض القرنية، مشيراً إلى وجود أكثر من (60) ألف مصاب سنوياً بالماء الأبيض، مبيّناً أنّ الكشف المبكر يحد من فقدان البصر أو يمنع بعض المضاعفات، خاصةً للمصابين بالماء الأبيض والماء الأزرق، حيث يتم إجراء عمليات سريعة بأحدث التقنيات في هذا المجال، وذلك باستخدام تقنية "الفاكو" أو باستخدام تقنية "الفيمتو سكند"، لافتاً إلى أنّ عمليات الماء الأبيض من العمليات البسيطة التي تجرى في معظم مستشفيات المملكة بشكل يومي، وقد لا يحتاج المصاب للبقاء في المستشفى إلاّ ساعات قليلة.
بعد سن الأربعين اكشف عن «الجلوكوما».. والخمسين عن الماء الأبيض..والله يستر من الباقي!
فحص دوري
وبيّن "د.اليوسف" أنّ هناك مؤشرات تنبئ بإصابة العين بأحد الأمراض الخفية التي تهدد النظر، موصياً بالفحص الدوري لوجود أمراض تتسلل تدريجياً حتى تصل إلى مركز العين دون أن يشعر المريض، بالإضافة إلى سرعة الكشف عند الشعور بأي أعراض تصيب العين، إذ أنّ الكثير من المرضى يتدهور النظر لديهم ويصلون إلى مرحلة لا يمكن أن يقدم لهم الطب أي شيء فيها، إما لتأخرهم في الذهاب أو الاكتفاء باستخدام بعض قطرات العيون التي يتم تداولها بناءً على تجارب الآخرين؛ مما قد يفاقم المشكلة ويقلل من فرص شفائها.
ودعا "د.اليوسف" أولياء الأمور بضرورة علاج "الحول" لدى الأطفال مبكراً وخلال الخمس سنوات الأولى وقبل أن يصل الطفل إلى سن سبع أو ثماني سنوات، مشدداً على أهمية عدم الإهمال والتساهل في علاج الحول، الذي يتطلب علاجه في بعض الأحيان سنوات طويلة، ومعاناة صعبة في التعامل مع الأطفال الذين يتم تغطية أعينهم لفترات زمنية معينة.
النظارة تحمي عينيك الطفل من أجهزة التقنية
اعتلال الشبكية
وأوضح "د.علي محمد الحلافي" -استشاري العيون وجراحات الشبكية والسائل الزجاجي– أنّ الاعتلال السكري للشبكية، وانفصال الشبكية، وجلطات الأوعية الدموية، والالتهابات المتنوعة؛ تعد من أهم تأثيرات أمراض العصر على العين، ونظراً لزيادة معدل الإصابة بداء السكري في المملكة يعتبر الاعتلال السكري للشبكية هو السبب الرئيس لأمراض الشبكية، مضيفاً أنه في عيادة التخصصات الشبكية تكون (80%) من الأمراض اعتلال السكري للشبكية، مشيراً إلى أنّ مرض السكر لا يؤثر فقط على شبكية العين، لكنه أيضاً قد يسبب ماء أبيض وكذلك ماء أزرق، ويزيد من مشكلة التهاب الجفون، وزيادة جفاف العين.
ولفت إلى أهمية فحص "قاع العين"، حيث توجد مؤشرات تدل على إصابة الشخص بأحد الأمراض وهو لا يعلم ذلك، وقد تكتشف علامات مرض السكر، أو الضغط، أو ارتفاع الكوليسترول، أو وجود أمراض بالدم، أو وجود التهابات مناعية، وعندها يتم توجيه المريض بإجراء فحوصات لاكتشاف أي متغيرات، ومن هنا تأتي أهمية الفحص الدوري للعيون؛ لاكتشاف تلك الأمراض الخفية التي تهدد سلامة الشبكي
أورام سرطانية
وذكر "د.الحلافي" أنه عندما يكتشف المريض إصابته بداء السكري، عليه المسارعة لفحص الشبكية مباشرةً، فقد يكون مصابا منذ فترة طويلة وقد ظهرت الأعراض على الشبكية وتحتاج إلى تدخل علاجي، أمّا الأطفال المصابون فقد لا يحتاجون فحص الشبكية إلاّ بعد خمس سنوات من الإصابة، وذلك لأنّه يتم اكتشاف مرض السكري في الأطفال مبكراً، منوهاً إلى أنّ من الأمراض التي تصيب شبكية العين الأورام السرطانية، ومنها ما يصيب الأطفال خصوصاً في سن العامين، ومن أعراضها؛ أن ترى الأم بياض "بؤبؤ العين" أو "الحول"، ففي هذه الحالة لابد من الإسراع بالفحص حتى يكون التدخل العلاجي في الوقت المناسب، مبيناً أنه تصيب هذه الأورام الكبار ولكنها من نوع مختلف عن الأطفال، وتكون أعراضها متشابهة مع أعراض الأمراض الأخرى التي تصيب شبكية العين، ويتم التدخل العلاجي حسب موقع الورم في العين وحسب حجمه، وهناك طرق علاجية متقدمة للتعامل مع هذه الحالات.
تثقيف الأسرة
وأفاد "د.الحلافي" أنّ برامج التوعية التي تهدف إلى التعريف بخطورة تلك الأمراض ومدى أهمية الفحص الدوري أو المبكر في العيون ما زالت متواضعة، وتحتاج إلى عديد من البرامج التي تصل إلى أكبر شريحة للمجتمع كوجود العيادات المتنقلة للكشف المبكر، مشدداً على ضرورة التأكيد على المرضى بالالتزام بالمواعيد المحددة للمراجعة، حتى يكون التدخل في الوقت المناسب، متمنياً أن يكون للمريض نفسه دور في تثقيف أسرته وأصدقائه بعد علمه بالمخاطر التي يسمعها من الطبيب، مبيناً أنّ هناك تقدما بارزا وقفزة عالمية في طب وجراحات العيون، ويشمل ذلك التعامل مع الأمراض التي تصيب الشبكية، فمثلاً فيما يتعلق بتأثير السكري على الشبكية يتم التعامل معه على حسب المرحلة التي وصل إليها التأثير، فيتم العلاج باستخدام الليزر، وكذلك استخدام الإبر والحقن داخل العين، التي تعد من الطرق الحديثة للتعامل مع الاعتلال السكري.
انتشار ملحوظ
وذكر "د.الحلافي" أنه قد يكون التأثير وصل إلى مرحله متقدمة، ويتم التدخل الجراحي، مضيفاً أنّ هناك اهتماما بالفئة التي فقدت الإبصار نتيجة بعض الأمراض التي تصيب الشبكية، حيث يتم زرع شريحة أسفل الشبكية متصلة بكاميرا رقمية؛ لمساعدتهم على الإبصار إلى حد ما، وهناك تطورات في الأبحاث القائمة التي قد تساعد في علاج بعض الأمراض الوراثية للشبكية؛ كالعلاج بزراعة الخلايا الجذعية، والعلاج بالجينات الوراثية.
أجهزة التقنية
وقال "د.عثمان بن محمد العمر" -استشاري أول طب وجراحة العيون وعمليات الليزك والليزر- انّ أمراض العيون التي انتشرت مؤخراً في المملكة لا تكاد تختلف عن بقية أمراض العيون في العالم، لكن تبقى لدينا إشكالية تأخر الكشف لبعض الحالات المرضية التي كان من السهل التدخل المبكر لعلاجها، مفيداً أنّ أمراض العيون مرتبطة إلى حد ما بزيادة أمراض العصر المزمنة مثل؛ مرض السكري، ومرض الضغط، ومنها أيضاً ما يرتبط باستخدام التقنيات الجديدة المستحدثة التي أصبحت تشكل عبئاً متزايداً على الإبصار والعين، مؤكداً على أن استخدام الأجهزة الذكية، وأجهزة الحاسب الآلي بشكل مفرط يؤدي إلى الإجهاد البصري والعضلي للرأس والرقبة، وكذلك يؤدي إلى الإجهاد والصداع وآلام الرقبة، مع تشوه الرؤية المؤقتة بسبب التركيز المطول.
تبادل العدسات
وأوضح "د.العمر" أنّ وجود زيادة ببعض الأمراض التي ترتبط بالبيئة مثل؛ "الرمد الربيعي" -حساسية العيون الموسمية-، وهذا المرض يكثر في المناطق المرتفعة في جبال السروات، وفي المناطق الجنوبية الغربية من المملكة، وهذا المرض قد يتسبب في نشوء القرنية المخروطية لدى المصابين بالحساسية المفرطة، وذلك لكثرة "دعك" العيون منذ الصغر؛ مما قد يتسبب في حدوث القرنية المخروطية، مبيناً أنه أصبحنا نلاحظ زيادة نسبة إصابة العيون بالخدوش، والتقرحات، والالتهابات الجرثومية للقرنية، التي قد تصل مضاعفاتها -لا قدر الله- إلى فقد الإبصار بالكلية، وذلك نتيجة الاستخدام الخاطئ للعدسات اللاصقة التجميلية، التي تلاقي إقبالاً ورواجاً كبيراً بين النساء والفتيات الشابات، خاصةً وأنّ الحصول عليها أصبح سهلاً للجميع، محذراً في الوقت ذاته من تبادل العدسات فيما بين الفتيات، فهناك الكثير من أمراض العيون التي تنتقل من جراء ذلك التبادل.
عيوب خلقية
وأشار "د.العمر" إلى أنّ هناك مراحل عمرية يلزم فيها الكشف عن صحة العيون، تبدأ بأول مرحلة عمرية عند الولادة، إذ يجب فحص العيون للتأكد من عدم وجود عيوب خلقية لدى المولود، والمرحلة العمرية التالية تكون بين السنة الرابعة والخامسة -قبل دخول المدرسة-، للتأكد من عدم وجود قصور في البصر أو كسل بصري، وبعد ذلك تستقر الحالة البصرية لمعظم البشر ما لم يكن هناك عيوب انكسارية مثل قصر النظر، أو طول النظر، فهؤلاء يحتاجون إلى الكشف على قوة نظاراتهم سنوياً حتى سن الثامنة عشرة من العمر، مبيناً أن المحطة العمرية الرابعة فهي ما بعد سن الأربعين، التي يلزم بها متابعة ضغط العين والتأكد من عدم الإصابة ب"الجلوكوما"، وكذلك الحاجة لاستخدام نظارات للقراءة، مؤكداً على أن المرحلة الخامسة تأتي بعد سن الخمسين للتأكد من سلامة العيون من الماء الأبيض، وفي كل الفئات العمرية يجب المتابعة الدقيقة للأشخاص المصابين بمرض السكري وبشكل سنوي، خاصةً بعد تشخيص السكر بخمس سنوات.
ألعاب نارية
وحذر "د.العمر" من خطورة جميع الألعاب النارية التي تستخدم من قبل الأطفال، معتبراً ما يسمى ب"الشروخ" أو "الصواريخ" من أخطر الألعاب التي سجلت لها إصابات بالغة في منطقة الوجه والعينين على وجه الخصوص، وذلك لأنّ المادة المتفجرة عندما تكون قريبة من الوجه أو العينين فإنّها تؤدي إلى تمزق وحروق في الأنسجة التي تلامسها، وقد سجلت مئات الحالات من فقد الإبصار أو كامل العين بسبب تلك الألعاب النارية، مقترحاً عدم استخدام "المفرقعات" التي تنفجر بعد اشتعال النار، إضافةً إلى استخدام نظارات أو أقنعة واقية للوجه خاصةً العينين، مع الإشراف المباشر على الأطفال أثناء اللعب، وعدم السماح لهم بالمزاح أثناء استخدام تلك الألعاب النارية بعد اشتعالها.