دة فاطمة ( وهي أم لأربعة أطفال ) سن الخمسين ، وفي أحد الأيام وهي تشاهد التلفاز شعرت بألم متقلب في ثديها الأيمن ، ولم تستطع النوم ليلا وتجاوزت الأمر بالمسكنات ، وبدأ الألم الخفيف يشتد في اليوم التالي إلى أن شعرت بوجود كتلة محسوسة وأن الأمر لا يمكن السكوت عنه ، وحينها قررت التوجه إلى طبيبة النساء التي أجرت عدة فحوصات وأشعة الماموجرام وبعض التحاليل اللازمة ..
بدأ القلق والتوتر يساوران فاطمة عندما أوضحت الطبيبة لها أنها مصابة بسرطان الثد ي ، فرددت بصوت يكسوه الحزن قائلة " قدر الله وما شاء فعل " ، وتابعت الطبيبة أن عليها أن تخضع للعلاج قبل أن يستشري
الورم ..
فاطمة التي رضيت بما كتبه الله لها قررت بعزيمة وإرادة قويين أن تصارع وتخوض معركة مع المرض وتكتشف سره ، وأن لا تستسلم لليأس ، فبدأت رحلة التعرف على المرض .. ومسبباته .. وعلاجه
سرطان الثدي
في البداية توجهت فاطمة إلى عيادة الدكتورة إيمان باروم رئيسة قسم الأشعة في مستشفى الملك عبد العزيز ومركز الأورام في جدة ، التي قدمت تعريفا كاملا عن سرطان الثدي ، فقالت لها :
سرطان الثدي هو انقسام غير طبيعي وغير منتظم لخلايا الثدي عند المرأة ويحدث غالبا في خلايا القنوات الحليبية ويؤدي إلى تكوين ورم كامن ، ونتيجة لتعدد انقسام الخلايا عشوائيا يكبر حجم الورم بسرعة ويؤدي إلى انتشاره في الجسم عن طريق الدم والقنوات الليمفاوية .
أسباب المرض
وبينت د. باروم للسيدة فاطمة ، أن سبب المرض غير معروف تماما ، ولكن توجد هناك عوامل تزيد من فرص الإصابة بهذا المرض، غير أن وجود واحد أو عدد من هذه العوامل لا يعني حتمية إصابة الشخص بهذا المرض ، وهذه العوامل تشمل : التاريخ المرضي فاحتمالية الإصابة بسرطان الثدي تكون أعلى في النساء اللاتي لديهن أقارب من الدرجة الأولى (أم، أخت، ابنة) مصابات بهذا المرض حيث ترتفع النسبة إلى الضعف ، أما إذا كان الأقارب من الدرجة الثانية (الجدة، العمة، الخالة) سواء من ناحية الأم أو الأب فإن نسبة الإصابة ترتفع ولكن تكون أقل من الحالة الأولى ، والمرأة المصابة بسرطان في أحد الثديين ترتفع لديها نسبة الإصابة بالمرض في الثدي الآخر أو في مكان آخر في الثدي نفسه ، والعلاج بالإشعاع في منطقة الصدر في سن صغيرة يزيد من احتمالية حدوث سرطان الثدي ، بعض الدراسات أثبتت أن الرضاعة الطبيعية لمدة سنة ونصف إلى سنتين تقلل بعض الشيء نسبة الإصابة بسرطان الثدي ، وعدم إنجاب الأطفال أو إنجاب أول طفل بعد سن 30 سنة، يزيد قليلا من نسبة الإصابة بسرطان الثدي ، كما أن بداية الدورة قبل سن 12 سنة وانقطاعها بعد سن 55 سنة يزيد قليلا من نسبة الإصابة بسرطان الثدي .
الآسيويات أقل
وتستكمل د.باروم كلامها للسيدة فاطمة " يلاحظ أن النساء البيض قليلا أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي من النساء السود ، والنساء الآسيويات أقل عرضة للإصابة بالمرض من الأمريكيات ، وأصبح واضحا أن استعمال هرموني الإستروجين والبروجيستيرون لعدة سنوات لعلاج أعراض سن اليأس يزيد قليلا من نسبة الإصابة بسرطان الثدي ، كما أن زيادة الوزن في الجسم تزيد من نسبة الإصابة بسرطان الثدي ، ولاسيما إذا كانت الزيادة قد بدأت من بعد مرحلة البلوغ ، تجنب التدخين وممارسة الرياضة تقللان من نسبة الإصابة بالسرطان ، فالمشي السريع لمدة تتراوح بين ساعة وربع إلى ساعتين ونصف في الأسبوع تنقص احتمالية الإصابة بنسبة 18% ، كما أن 5-10% من حالات سرطان الثدي لها صلة بأسباب وراثية تتعلق بتشوهات تحدث في بعض الجينات ، والنساء اللاتي لديهن تشوهات في هذين الجينين يكن عرضة للإصابة بهذا المرض 80% أكثر من النساء الأخريات .
اكتشاف المرض
وشرحت د. باروم للسيدة فاطمة عن كيفية اكتشاف سرطان الثدي فأوضحت : معروف طبيا أن الاكتشاف المبكر للمرض يعطي نتائج وفرصا علاجية أفضل بكثير من الاكتشاف المتأخر، فوفقا لمعايير جمعية السرطان الأمريكية يكون الاكتشاف المبكر كالتالي:
- تصوير الثدي بالأشعة (ماموجرام): السيدات من سن 40 سنة وما فوق يجب أن يعملن الماموجرام كل سنة لآخر العمر.
- فحص الثدي الإكلينيكي: السيدات في سن العشرينات والثلاثينات يجب أن يجرين هذا الفحص على يد مختص كل ثلاث سنوات ، أما من سن الأربعين وما فوق يجب إجراء هذا الفحص سنويا ويفضل أن يكون ذلك قبل عمل الماموجرام.
- الفحص الذاتي للثدي: بداية من سن 20 سنة شهريا بعد تعلم الطريقة الصحيحة لعمل ذلك على يد طبيبة أو ممرضة بذلك تكون الفتاة أو السيدة على علم بطبيعة ثديها ، بالتالي يسهل عليها معرفة أي تغيرات تطرأ على ثديها عند فحصها له واستشارة الطبيب بناءا على ذلك .
نوعان للعلاج
وقدمت د. باروم للسيدة فاطمة جوانب العلاج قائلة : هناك نوعان من العلاج: موضعي عن طريق الجراحة والإشعاع لمنطقة الثدي ، وعام أو شامل للجسم كله بواسطة الأدوية الكيماوية والهرمونات ، والعلاج المناعي يؤخذ إما عن طريق الفم أو حقن عن طريق الوريد.
القاعدة الذهبية
وحرصت السيدة فاطمة أن تلتقي بالدكتورة منى محمد باسليم استشارية جراحة الأورام ورئيسة وحدة أمراض وجراحة الثدي في مستشفى الملك فهد في جدة لرصد المزيد من المعلومات المتعلقة بمرض سرطان الثدي ، فأوضحت لها : أن الاكتشاف المبكر لسرطان الثدي أمر بسيط جداً ، ويعتمد على فحص المرأة لنفسها وبنفسها شهرياً بعد الدورة الشهرية اعتباراً من سن الخامسة والعشرين ولا تتوقف بسبب الحمل أو الرضاعة ، والهدف أن تتعرف المرأة بيدها على تكوين ثديها وطبيعة التفاصيل الموجودة داخله وهذا يؤهلها لملاحظة أي تغيير يحدث فيه في وقت مبكر وبالتالي تذهب لاستشارة ذوي الخبرة .
وأضافت " أن القاعدة الذهبية في التعامل مع هذا المرض هي الكشف المبكر والذي يتكون من ثلاث خطوات هي : أولا الفحص الذاتي الشهري للثدي ، ثانيا الفحص السريري بواسطة طبيب اختصاصي في هذا المجال ، وثالثا عمل أشعة الماموجرام سنويا أو كل سنتين لمن هن في عمر الأربعين وإن لم تكن هناك أي شكوى أو مشكلة لأن ذلك يساعد على اكتشاف أي تغييرات في وقت مبكر. وفي حال وجود عدد من أفراد الأسرة مصابين بسرطان الثدي أو المبيض وبالذات في سن صغيرة (من دون الأربعين سنة) فيجب عمل أشعة الماموجرام لأفراد هذه الأسرة من سن الخامسة والثلاثين " .
ولفتت الدكتورة منى باسليم أنه في حال وجود كتلة أو نسيج غريب في الثدي فإن ذلك يتطلب أخذ عينة بواسطة الإبرة ويفضل استخدام جهاز الأشعة التلفزيونية في نفس الوقت لتحديد مكان دخول الإبرة بالضبط، مؤكدةً على أن أخذ العينة بواسطة الإبرة لن يؤدي إلى انتشار الورم كما يعتقد البعض، بل إنه يساعد على تشخيص المشكلة من دون اللجوء إلى التدخل الجراحي ، لأن حالات الأورام السرطانية يجب أن تشخص بالإبرة أولاً قبل دخول المريضة المستشفى وذلك لتحديد نوع العلاج الذي قد يكون بالأدوية الكيماوية قبل التدخل الجراحي.
إفرازات الثدي
وبعد ذلك توجهت السيدة فاطمة لعيادة الدكتور أحمد محمد عارف كنسارة استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير وأستاذ مشارك في جامعة الملك عبد العزيز في جدة لتستوضح أمر عدم ظهور إفرازات من ثديها أو أية علامات تبين إصابتها بسرطان الثدي ، فأوضح لها د. كنسارة أن ظهور إفرازات من الحلمة قد تكون إفرازات لبنية بدون حمل أو ولادة أو رضاعة, وهذه الإفرازات قد تخرج من الضغط الخفيف أو حتى بدون الضغط ، مبينا أن هذه الإفرازات اللبنية إنما تكون مختزنة داخل الثدي لفترة طويلة قد تأخذ ألوانا أخرى خلاف اللون الأبيض المميز للبن فقد تكون صفراء أو بنية أو خضراء, وهنا يجب التفرقة بينها وبين خروج دم من الحلمة وهو شيء هام جداً له أسس مختلفة في التعامل معه ولاتهم كمية الحليب أو الإفرازات التي تخرج من الثدي كما أنه لا يهم إذا كانت الإفرازات في ناحية واحدة أو في الناحيتين معا وقد تكون مصحوبة باضطرابات (أو اختفاء) للدورة الشهرية.
وأشار د. كنسارة للسيدة فاطمة إلى أن إفرازات الحلمة لا قيمة لها سوى أنها قد تدل على زيادة إفراز هرمون اللبن الذي يسمى برولاكتين للغدة النخامية في قاع المخ, وقد يكون العلاج هنا بهدف خفض الإفراز إلى المعدل الطبيعي بإعطاء حبوب تقلل من إفراز هرمون الحليب ، أما إذا ظهرت إفرازات من الحلمة بها دم أو لونها أحمر فهذه إفرازات قد تخرج من ثقب واحد من الثقوب العشرين لحلمة الثدي (وممكن ملاحظة ذلك بعدسة مكبرة) أو تخرج من ثقوب متعددة فهذا شيء مهم جدا له أسس مختلفة في التعامل معه فممكن أن يكون حميدا أو خبيثا حسب ما تظهره الفحوصات الطبية والتحاليل المخبرية ونتائج الإشعات.
استئصال الورم
ورغم مواصلة السيدة فاطمة مراحل علاجها ، إلإ انها بدأت تبحث عن تطورات استئصال أورام الثدي ، وقررت وهي في زيارة لإبنتها في الرياض أن تتوجه لرئيس مركز الملك فيصل للأورام في مستشفى الملك فيصل التخصصي الدكتور داحش عجارم الذي أوضح لها ، أن هناك طفرة في الأبحاث فيما يتعلق بسرطان الثدي، وهو ما سيؤدي إلى التحسن في علاج هذا المرض وزيادة نسبة الشفاء منه ، مضيفا أن أهم الأمور في الجراحة في وقتنا الحاضر هو استئصال الورم إذا كان صغيرا، والتقليل من استئصال الغدد كاملة تحت الإبط ، وكذلك وجدت طرق حديثة كثيرة في علاجات التجميل التي لها علاقة بهذا الورم ، أما العلاج الإشعاعي فهو عبارة عن علاج الورم موضعيا ويتم بعد العلاج الجراحي أو الكيميائي وله دور آخر يتمثل في علاج مضاعفات المرض عندما ينتشر ويصل إلى العظم وأماكن أخرى أو رجوعه موضعياً، وهناك الآن طرق متعددة وتحسن في العلاج حيث بدأ التركيز على إعطاء العلاج الإشعاعي بطرق مركزة فقط على مكان الورم، وهذا يعني التقليل من مضاعفاته على الأجزاء الأخرى من الجسم مثل الرئة والقلب ، أما العلاج الكيميائي فهناك عدة أدوية تستعمل لعلاج الأورام السرطانية وهي في تطور سريع، وهناك أدوية دخلت في علاج أمراض السرطان وأثبتت فعاليتها، وهناك أدوية أخرى جديدة لا تزال في مرحلة التجربة.
العلاج الموجه
وواصل د.عجارم حديثه للسيدة فاطمة : بالنسبة للعلاج البيولوجي أو العلاج الموجه فان هناك تقدما ملحوظاً في فهم الخلية السرطانية أو بيولوجية خلية السرطان، وتمكن من تحديد بعض العوامل أو بعض التركيبات الداخلية فيها والجينية التي لها إسهام مهم في تسبب السرطان، مما ساعد في التقدم في استعمال العلاج البيولوجي (أو الموجه) في علاج السرطان.
ونوه د. داحش إلى أن العلاج المضاد أو الموجه سمي بذلك لأنه موجه إلى جزء من الخلية السرطانية أو مركز استقبال بها أو دور بيولوجي مهم بها، وهناك عدة أنواع من هذا العلاج ما زالت تحت التجربة، وهناك الآن الكثير من العلاجات المضادة التي أثبتت فعاليتها في علاج أورام سرطان الثدي سواء الموضعي أو المنتشر أو العلاج الموجه وهو ما يسمى بالبيولوجي، والعلاج الموجه أو المضاد يوجه إلى جزء من الخلية السرطانية كما أنه لا يضر الخلايا الأخرى، وليس له مضاعفات مثل العلاجات الكيميائية حيث أنه لا يؤدي إلى نقص في المناعة ونزول كريات الدم البيضاء أو الالتهابات ، كما أنه لا يتسبب في تساقط الشعر، ولفت إلى أنه في معظم الأحيان الأدوية الموجهة والأدوية البيولوجية لا تستعمل وحدها بل تستعمل كجزء مع العلاج الكيميائي والجراحي والإشعاعي.
تجربة إنسانية
فاطمة وهي تبحث عن سرطان الثدي في الشبكة العنكبوتية شد انتباهها قصة الدكتورة سامية العمودي استشارية النساء والتوليد والعقم التي أصيبت بمرض سرطان الثدي وكتب الله لها الشفاء ، فقررت أن تلتقي الدكتورة سامية العمودي في مركز الشيخ محمد العمودي لأبحاث سرطان الثدي في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة والتي رحبت بها بكل اهتمام ، فبادرت السيدة فاطمة بالسؤال عن صحتها ، وأجابت د.العمودي :
الحمد الله حالتي الصحية مستقرة وجيدة ، لكنني لازلت أخضع للعلاج حيث يتم إعطائي عقارا حديثا يعمل على تقوية المناعة وتقليل فرصة عودة المرض .
وحول سؤال السيدة فاطمة ما إذا كانت إصابة المرأة بالسرطان تؤثر على عملها قالت :
المرض والعلاجات تؤثران على أي مريض ، فالمرض قاس نفسيا وعضويا واجتماعيا وتصبح الضغوط كبيرة فتؤثر على العمل ، ولأن العلاج طويل ، ويحتاج إلى دخول متكرر للمستشفى فهذه مشكلة أخرى للمرأة العاملة وتختلف ردة الفعل من شخص إلى آخر فبعض السيدات يتركن العمل نهائيا وأعرف سيدات قدمن استقالتهن أو أخذن تقاعدا مبكرا وأخريات تابعن العمل رغم الصعوبات ، ومن وجهة نظري أن الأمثل هو التكيف مع مستجدات المرض والعلاج ، فلا أعتقد أن ترك العمل والانعزال هو الحل ، لكن السيدة هنا تحتاج إلى دعم نفسي كبير لتخطي المحنة وتجاوز معاناتها .
قصة نجاح
وبعد سلسلة من العلاجات والأدوية المتطورة تجاوزت فاطمة أزمتها ، وأصبحت مثل الأخريات سعيدة في حياتها بعد أن من الله عليها بالشفاء ، فكانت الفرحة ترقص في عينها لأنها تمكنت من الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب قبل أن تعيش مأساة تأخر الشفاء والمضاعفات المترتبة ..
قصة نجاح فاطمة هي رسالة إنسانية لكل سيدة سعودية وغيرها قد تتعرض لسرطان الثدي وتهمل علاجه أو تتأخر في التوجه إلى الطبيبة ، خصوصا وأنه يتم تشخيص ما يقارب 8000 حالة إصابة أورام سنويا في المملكة ، والنساء يشكلن حوالي 50 % من خلال إصابتهن بسرطان الثدي الذي يحتل المرتبة الأولى من أورام النساء ، مع الإشارة إلى أن فرص الإصابة لدى السيدات في المجتمع السعودي قد تكون اقل ، لكنه يبقى من الأمراض السرطانية الأكثر إصابة للسيدات في مجتمعنا ، وذلك حسب الإحصاءات الصادرة عن مركز تسجيل الأورام السعودي ، حيث يمثل سرطان الثدي 19.8% من جميع حالات الأورام المسجلة بين الإناث.