تاريخ النشر 28 نوفمبر 2016     بواسطة الدكتورة منى الصواف     المشاهدات 201

زوجات وأزواج يواجهون المرض بالهجر

لم يعد الارتباط الوثيق والعشرة الطويلة التي تجمع الأزواج الآن، كفيلة لمواجهة تحديات الزمن إذ يُصدم أشخاص كثر بمعدن الزوج بعد أعوام على مشاركة الحلوة والمرّة، خصوصاً بعد تعرّض أحدهما لأزمة صحية أو مرض يستوجب فترة علاج ورعاية طويلة مثل السرطان، لنصبح في زمن يكون فيه الاهتمام مشروطاً. ومن المؤسف أ
ن مجتمعنا يبرّر دائماً موقف الأزواج والزوجات بكونهم غير مجبرين على تحمل هذا العبء ويعطيهم حق عيش حياتهم دون الالتفات إلى ما خلفهم. في هذا التحقيق تعرض «لها» قصصاً واقعية لزوجات رفضن أن يكنّ ممرضات، ولأزواج تركوا زوجاتهم  يصارعن المرض بحثاً عن حقوقهم الزوجية مع شريكة أخرى.
تركها تصارع السرطان ليتزوج بأخرى
وافت المنية أم إسماعيل التي لم تكمل سنواتها الـ 39، بعد صراعها مع مرض السرطان ثلاث سنوات، تاركة وراءها أربعة أبناء لم يتجاوز الصغير منهم 10 أعوام، مع أب قرر أن مصلحته لا تقتضي الوقوف بجانبها فترة مرضها، ليتزوج بأخرى من عمر أبنائه، بعد عمليات جراحية عدّة لم تعطِ النتائج المرجوة. وعلى رغم كون أم إسماعيل وعائلتها كانتا على أمل في الشفاء والتعافي من هذا المرض، بدأت فرصتها بالتعافي تقل شيئاً فشيئاً، إلى أن توفيت بعد الخضوع لعملية أخيرة في منزل والدتها التي كانت تهتم بها في فترة مرضها.
لم يتحمل فكرة مرضها فهجرها
تحدّت أم عبد العزيز (43 عاماً) المرض وحدها. فبعد تشخيص الأطباء أكتشفت أنها تعاني سرطان عنق الرحم، ومن الضروري الخضوع لعملية استئصال عاجلة، إضافة إلى علاج كيميائي، ما جعلها في حالة نفسية سيئة جداً، جراء سماع هذا الخبر السيئ، ولكن الأسوأ كانت ردة فعل زوجها الذي اقتنع بفكرة أنها لن تعود سيدة كبقية النساء، ولم يتحمل فكرة رؤيتها بعد تساقط شعرها جرّاء العلاج، فبقي معها فترة قصيرة بعد العملية، ثم ذهب إلى الرياض بحجة انتقال عمله إلى هناك. وعلى رغم مرور عامين لم يفكر بالعودة، واكتفى بإرسال مصاريف العلاج،  ومصروف أبنائه، مما جعل أم عبد العزيز ترجّح فكرة زواجه بأخرى.
رفضت أن تكون ممرضة وطلبت الطلاق
«الزمن دوار» تلك هي الجملة التي تلخّص قصة الثلاثينية فاطمة بكر، التي كانت زوجة رجل خمسيني لأكثر من 10 سنوات، قرر الزواج بها وهي لا تزال في سن صغيرة جداً، تاركاً وراءه زوجته الأولى وأولاده، بعدما أصبح من أصحاب الأموال، ولم تمانع فاطمة الزواج به لأجل الراحة والأمان المادي، بعد معاناتها مع ذويها المنفصلين أزمات مادية. لكنّ زواجها لم يستمر طويلاً، فبعد انقضاء عشر سنوات، بدأت أعراض الكبر والشيخوخة تحيط بزوجها، الذي أصبحت طباعه لا تطاق بسبب مرضه من جهة، وبسبب تعرضه للإفلاس من جهة أخرى، مما جعلها تفكر ملياً اتخاذ خطوة الطلاق كونها ترفض أن تمضي فترة شبابها كممرضة دون أن تضمن حتى مستقبلها المادي.
الزوجة سند زوجها في كل الأوقات
وتنعكس الآية في قصة أخرى لا تزال أم صالح ترويها بعد وفاة زوجها الذي وقفت بجانبه أكثر من ثلاثة أعوام كان يعاني المرض خلالها. وعلى رغم صعوبة حالته وعصبية مزاجه، منحتها عشرتها الطويلة به ورغبتها في نيل الأجر من رب العالمين الصبر وقوة التحمل، فالمرأة الصالحة من وجهة نظرها لا بد أن تكون سند زوجها في مرضه، ويجب أن تقدّم التضحيات في سبيل إكرام هذا الزوج الذي دفع ثمرة شبابه ثمناً لتوفير حياة كريمة لزوجته وأبنائه.
مثال الزوج الوفي
وقد لا تكون المرأة وحدها هي بطلة التضحيات والتنازلات، إذ أثبتت الأيام أن عصبية أبي زياد تحمل في طياتها قلباً حنوناً ورقيقاً، لا يؤاتيه التقصير في حق أم أبنائه، فلم تكن فترة مرضها ومعاناتها تعجيزاً لتقديم كل ما في وسعه لنيل رضاها وتحقيق راحتها، فأمضى أكثر من ست سنوات ينتظر الساعات في أروقة المستشفيات، تائهاً بين مواعيد الأطباء، متحملاً ضيق صبرها وتذمرها الدائم، مانحاً إيّاها الأمل، ليصبح مثالاً يقتدي به أبناؤه وبناته وحتى أحفاده من بعد وفاته.
الرجل معذور والمرأة ملامة
وبين العرف والعادة والتأثر بالمجتمع، ترى السيدة عبير المكي (45 عاماً)، أن الزوجة مجبرة دائماً على تحمل كل العقبات، فتخليها عن زوجها بسبب مرض أو نقص مادي، يترجمه المجتمع على أنه أنانية وقلة إخلاص، فلا تتوان الألسنة بصرف كل الصفات القبيحة عن جعل كل من حولها وحتى أبنائها يكنّون الكراهية لها بسبب تخليها عن والدهم في وقت الصعاب، بينما تنقلب الآية إذا تخلى الرجل عن زوجته في وقت مرضها، إذ يعطيه المجتمع مبرراً كون لديه حاجات لا تقف عند مرض هذه الزوجة، وبأن له الأحقية بسعي وراء ما يرضيه دون الالتفات إلى العشرة أو رابط زواج.
د. الصواف: نحتاج إلى تكوين ثقافة مجتمع غير مبنية على تبادل المنافع والأنانية
وتوضح استشارية الطب النفسي ورئيسة قسم الأمراض النفسية في مستشفى الملك فهد في جدّة والخبيرة الدولية في علاج الإدمان عند النساء الدكتورة منى الصواف أن «ظاهرة عدم تقبّل ما يحدث للطرف الآخر من أزمات موجودة ولكن بنسب متفاوتة حسب ثقافة المجتمع، ومن الملاحظ أن هناك سيدات مصابات بالإدمان يعانين تخلي أزواجهن عنهن فور معرفتهم بتلك الحقيقة، فإما يتزوج بأخرى أو يهجرها بعكس المرأة، لذلك نجد أن ثقافة الكثير من المجتمعات تنظر إلى المرأة التي تصبر على مرض زوجها على أنها امرأة تقوم بواجبها، بينما ترى أن الرجل ليس ملزماً على تحمل مرض زوجته، ما جعل هناك تفش في سلوك الأنانية المكتسب. نحن في حاجة إلى إعادة بناء ثقافة جديدة تتطلب وجود تضامن كل الأطراف من رجل وامرأة لمواجهة الأزمات، ودعم المشاعر الإنسانية بدون نظرة دنيوية مادية تهدف إلى تبادل المنافع فقط».

تخلي أحد الزوجين عن الآخر بسبب أزمة ينفي رابط المودة والرحمة
ويرى الشيخ الدكتور عبد الله المصلح العميد السابق لكلية الشريعة وأصول الدين في جامعة الأمام محمد بن سعود، أن العلاقة الزوجية مبنية على المودة والرحمة، ويقول: «إن بناء المودة والرحمة في القلوب ليست فقط في المأكل والمشرب والنكاح بل هي إخلاص ووفاء وصبر وتحمل ووقوف بجانب الطرف الآخر وقت الشدائد، أما من جعل نصب عينيه مأكله ومشربه فما أقرب ذلك من حياة الحيوان الذي يأكل ويشرب ويعمل ويموت، لكن الإنسان فضله الله بالمشاعر والأحاسيس والأخلاق، فمن تخلى عن هذه النزعة بتخليه عن شريكه في وقت الصعاب والشدائد فخيره في الدنيا قليل وشره كبير، وهذا يدل على عدم إيمانه بالله وقدره».

الانفعالات السلبية الناتجة عن عدم رعاية المريض تؤخر بالعلاج وقد تؤدي إلى وفاة
ومن الناحية الطبية يقول الدكتور إياد السبيعي استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد في مستشفى الدكتور عرفان في جدة: «هناك علاقة تربط الناحية النفسية بالعاطفية وأجهزة الجسم، مستوى الجملة العصبية أو على مستوى إفراز الهرمونات، فتغير ذلك سلباً أو إيجاباً ينعكس على الجسم ووظائفه ، فالتوتر والخوف والقلق أو أي انفعال سلبي ينتج عنه ضيق في الشرايين وتزايد نبضات القلب وارتفاع ضغط الدم، وهذا بلا شك يؤثر في الجسم وفي الدماغ، واستمرار هذه الحالة لفترة مزمنة يؤدي إلى تصلب الشرايين والإصابة بالجلطات وقصور الكلى وتقرحات المعدة وغيرها من الأمراض، إضافة إلى كون الانفعالات السلبية تؤثر على جهاز المناعة في الجسم، فالجهاز المناعي ليست وظيفته فقط القضاء على الجراثيم والفيروسات والطفيليات التي تدخل الجسم، بل يمنع تشكّل الخلايا السرطانية الورمية التي تحدث نتيجة طفرة في جسم الإنسان. لذلك أجد من خلال عملي أن المرضى المصابين بأمراض السرطان وكانوا محظوظين بدعم من ذويهم وأسرهم، أصبحت لديهم نسبة الاستجابة للعلاج أسرع من الأشخاص الذين لا يتلقون أي دعم أو متابعة، وهذا يوضح أن أهم قسم في العلاج هو الروح المعنوية العالية التي لا يحصل عليها المريض إلا من خلال الراحة النفسية والأمل».


أخبار مرتبطة