تاريخ النشر 15 يناير 2022     بواسطة الاستشارية مشاعل الشبيلي     المشاهدات 1

اكتئاب ما بعد الولادة.. القاتل الصامت للأمهات

شهدت سنغافورة العام الماضي واقعة غريبة سُلِّطت عليها الأضواء حينها، حيث وُجدت امرأة تبلغ من العمر 35 عاما ميتة إلى جوار ابنتها البالغة من العمر خمسة أسابيع عند سفح مبنى سكني في البلاد، كانت المرأة تُعاني من اكتئاب ما بعد الولادة، ولم تكن قادرة على التعامل مع طفلتها، قضت السلطات أن وفاة المرأة ك
انت انتحارا مُتعمَّدا، وأن وفاة الطفلة كانت جريمة قتل ارتكبتها والدتها.
عملت المرأة المتوفاة مديرة حسابات، وكانت لديها ابنة أخرى، فيما كانت أسرتها تعيش في شقة في الطابق العاشر من إحدى البنايات، ولم يكن قد مرَّ على ولادة المرأة لابنتها الثانية سوى أسابيع فقط. وجدت التحقيقات أن الأم وطفلتها سقطتا من نافذة المطبخ في منزلهما في الطابق العاشر، بعدما استخدمت الأم كرسيا تحت النافذة التي كانت مفتوحة على مصراعيها. لم تكن هناك علامات صراع في المنزل، وعُثِر على تسجيل صوتي على هاتف المرأة لآخر رسالة تركتها لزوجها، قالت خلاله إنها ما كان يجب أن تُنجب طفلتها الثانية، لأنها لا تعرف كيف تعتني بالأطفال أو بأسرتها، وقالت إنها لم تكن أُمًّا وزوجة صالحة وخذلت الأسرة.
طلبت المرأة خلال التسجيل من زوجها أن يعتني بابنتهما الكبرى جيدا، وأعربت عن أسفها لأنها لن تكون موجودة لمشاهدتها وهي تكبر، وأعطت زوجها كلمة المرور لحسابها المصرفي، وأنهت رسالتها بأنها لم يكن لديها طريقة أخرى لأن عقلها لم يكن يعمل.

ما اكتئاب ما بعد الولادة؟
حسنا، يمكن أن يكون الحمل وفترة ما بعد الولادة وقتا سيئا خاصة للنساء، فغالبا ما تُعاني الأمهات من تغيرات بيولوجية وعاطفية ومالية واجتماعية هائلة خلال هذا الوقت تجعلهن أكثر عُرضة للإصابة بمشكلات الصحة العقلية، وخاصة الاكتئاب والقلق.
من الشائع أن تُعاني النساء في تلك الفترة من "الكآبة النفاسية"، وهي حالة تعاني منها 70% من الأمهات الجدد تنتج عن التغير المفاجئ في الهرمونات بعد الولادة، لكنها حالة قصيرة الأمد لا تتعارض مع الأنشطة اليومية ولا تتطلَّب عناية طبية. قد تشمل أعراض هذه الحالة العاطفية البكاء بدون سبب والتهيج والأرق والقلق، وتستمر هذه الأعراض لمدة أسبوع أو أسبوعين وتزول عموما من تلقاء نفسها دون علاج.
لكن بعض النساء يُعانين من اضطراب مزاجي أكثر خطورة، وهو ما يُطلَق عليه اسم "اكتئاب ما بعد الولادة". يختلف اكتئاب ما قبل الولادة عن "الكآبة النفاسية" من حيث كونه مُنهِكا عاطفيا وجسديا، وقد يستمر لأشهر أو أكثر، ويستدعي الحصول على العلاج لكلٍّ من الأم والطفل، وتُشير التقديرات إلى أن واحدة من كل سبع نساء تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة.
على عكس الكآبة النفاسية، لا يختفي اكتئاب ما بعد الولادة من تلقاء نفسه، ويمكن أن تظهر أعراض هذا الاكتئاب بعد أيام أو حتى أشهر من ولادة الطفل، وتستمر لفترة طويلة إذا تُركت دون علاج. وعلى عكس الشائع، فإن هذا النوع من الاكتئاب لا يرتبط بسهولة الحمل أو مشقته أو وجود أطفال سابقين، أو حتى عوامل العمر أو العِرق أو الثقافة أو التعليم. في المقابل، قد تختلف أعراض اكتئاب ما بعد الولادة من حالة إلى أخرى.
تتضمَّن قائمة هذه الأعراض فقدان المتعة أو عدم الاهتمام بالأشياء التي اعتادت المرأة الاستمتاع بها، والأكل أكثر بكثير أو أقل بكثير من المعتاد، وتوالي الأفكار المخيفة، والشعور بالذنب أو انعدام القيمة ولوم النفس، والتقلبات المزاجية الحادة بما في ذلك التهيج المفرط أو الغضب أو الانفعالات، والحزن والبكاء بلا سبب ظاهري لفترات طويلة جدا، والخوف المُبالغ فيه من الأمومة وترك الطفل وحيدا، وعدم القدرة على النوم أو النوم لفترات طويلة، وعدم الاهتمام بالطفل والأسرة والأصدقاء، وصعوبة التركيز وتذكُّر التفاصيل أو اتخاذ القرارات، وأخيرا والأخطر، أفكار لا يمكن إيقافها حول إيذاء النفس أو الطفل.
عادة ما يكون لدى المرأة التي تُعاني من اكتئاب ما بعد الولادة العديد من هذه الأعراض، وقد تتغير الأعراض وشدتها. في النهاية، تتسبَّب هذه الأعراض في شعور الأمهات الجدد بالعزلة أو الذنب أو الخجل. لذلك إذا استمرت هذه العلامات أو الأعراض التحذيرية لأكثر من أسبوعين، أو أصبحت تتطور إلى الأسوأ، فيجب الحصول على مساعدة مُتخصِّصة من طبيب نفسي أو غيره من متخصصي الصحة العقلية. يجب أن يشمل التقييم تقييما نفسيا وتقييما طبيا لاستبعاد المشكلات الجسدية التي قد يكون لها أعراض مشابهة للاكتئاب، مثل مشكلات الغدة الدرقية أو نقص الفيتامينات.


أخبار مرتبطة